كتاب "محمد النبي ورجل الدولة"، ترجمة حمود حمود، صادر عن دار التكوين للباحث الاسكتلندي "مونتغمري واط". وقد جاء بعد كتابيْه الشّهيريْن؛ "محمد في مكة"، و"محمد في المدينة". ويتميّز مونتغمري بدراسته الموضوعيّة للإسلام، على غرار القلائل من المستشرقين الّذين تعرّضوا للإسلام وعلومه ورموزه.
تعتبر أبحاث مونتغمري مراجع علمية تبرز رؤية صاحبها النقدية والمحايدة، وهي ليست مجرّد عملية سرد لأحداث وتوصيفها. كتابه "محمد النبي ورجل الدولة" نشر باللّغة الإنكليزية في العام 1961، ولكنه نقل أخيراً إلى العربية في العام 2014، وصدر عن دار التكوين في دمشق.
يرتكز الكتاب على فكرة العبقرية السياسية والدبلوماسية والدينية في الحقبتين المكيّة والمدنية للرّسول(ص)، وما صاحَب تلك الحقبتين من أحداث، وتنافس للإمبراطوريّتين الفارسيّة والبيزنطيّة. ويحاول الباحث عرض السياق الديني التاريخي للرّسالة في بيئة الجزيرة العربية المضطربة اجتماعياً ودينياً، حيث يرى أنّ الرسول قد آمن بالتوحيد كما الحنفاء الإبراهيميّون، لافتاً إلى أنّ الدعوة انطلقت على أيدي فئة الشّباب الأقوياء، مشيراً إلى المشتركات بين القرآن الكريم، والتراث التوحيدي اليهودي المسيحي بنظرته إلى الله والقيامة والوحي والحكم وغير ذلك.
ويرى الباحث أنّ أهل مكة، وتحديداً التجار والمتنفّذين مادياً، وقفوا بوجه الدعوة، لأن القرآن في دعوته لهم لمساعدة الفقراء والمحتاجين، شكّل لديهم حالة قلق وارتباك وخوف على مصالحهم الاقتصاديّة.
ويتناول الباحث في كتابه مواضيع معرفيّة كانت موضع جدل ونقاش بين الإسلام والمشركين في مكة؛ هذه المواضيع التي تمحورت حول البعث بعد الموت، وعبادة الأوثان، ونبوّة الرسول(ص). ويستفيض في تحليل بنية الصراع السياسي الديني بين الإسلام والمشركين، مشيراً إلى قدرة الرّسول(ص) وإبداعه الخصب والغني والمؤثِّر في حركة سير الأحداث، وإبداعه كنبي ورجل دولة في آن، حيث استطاع بجدارة تجاوز الكثير من العقبات التي واجهت الدعوة في لحظاتها الأولى وما تلاها.
كذلك، يتحدث الباحث عن عداء اليهود للرّسول في الجزيرة العربيّة، ومعارضتهم لرسالته، خوفاً على مكانتهم السياسيّة والدينيّة، فهم لا يعتبرون محمداً نبيّاً، كما أنّ القرآن ليس وحياً، فهو في نظرهم يتعارض مع تعاليم العهد القديم (التوراة)، وهو ما دفعهم إلى مساعدة مشركي مكّة في حربهم على الرسول، رغم سعي النبي لعقد الصلح معهم.
ويتساءل المؤلف عن حال العالم لو كان اليهود قد صالحوا الرسول(ص) فعلاً، ولم يقفوا في وجه الدّعوة، فمن الطبيعي، بحسب وجهة نظره، أنّ وجه العالم كان سيتغيّر نحو الأحسن.
ويتعرض الباحث في سياق عرضه لأحداث تاريخيّة، لمواضيع الزواج والإرث، وكم كان الرسول بصيراً بأحوال عصره، وحكيماً وماهراً في إدارته لكلّ ملفات الواقع وقضاياه العامة والخاصة.
وحول نبوّة الرّسول محمد(ص)، فإنّ "مونتغمري" يعتبر أنّ النبيّ(ص) كان يملك خيالاً خصباً مبدعاً، وهذه الصّفة مشتركة بين كلّ الأنبياء، كما يقول، فقد كان رجلاً يعمل فيه الخيال المبدع في درجات عميقة وشموليّة ذات صلة وثيقة بالقضايا الوجوديّة الإنسانيّة وتفسيراتها.
ولا ضير في ذكر ما كان قد قاله "واط" في كتابه "محمد في مكّة" (ص: 52 وص 512): "ولي أمل بأنّ هذه الدّراسة عن حياة محمد، يمكنها أن تساعد على إثارة الاهتمام من جديد برجل هو أعظم رجال أبناء آدم".
ويقول أيضاً: "إنّ استعداد هذا الرّجل لتحمّل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقيّة السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيداً وقائداً لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كلّ ذلك يدلّ على العدالة والنزاهة المتأصّلة في شخصه".
كتاب فيه الكثير من الالتفاتات التي تفتح الباب أمام العديد من وجهات النظر والدراسة والنقاش الموضوعي في كشف الحقائق وتفسيرها.
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .