كتاب "الله والإنسان في القرآن علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم"، ترجمة وتقديم هلال محمد الجهاد، تأليف المستعرب الياباني والباحث "توشيهكو إيزوتو"، الذي كان أول من ترجم القرآن إلى اللغة اليابانية.
الكتاب مؤلف من 387 صفحة، وثبت المصطلحات والمراجع والفهرس، من نشر المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط1، بيروت 2007.
ينطلق المؤلّف من علم الدلالة لمقاربة موضوعات إسلامية قرآنية معمَّقة، يسعفه في ذلك شخصيّته العلميّة الفذّة والمتبحّرة، وهو اللغوي الذي يتقن عدة لغات عالمية، منها العربيّة.
يتسم بحثه بدقّه موضوعية وفهم لمظاهر الحضارة الإسلاميّة وتحليلها، كاشفاً أهمية اللغة في حياة البشر وتشكيل رؤيتهم للعالم من خلال شبكة منظّمة من المفاهيم والقيم. يحاول الباحث أن تكون دراسته إسهاماً في تكريس الفهم المنفتح والواسع لرسالة القرآن.
فدراسة دلالية القرآن ستكون مفتاحاً لا بدّ منه لتعزيز هذا الفهم وإغنائه، من خلال الكشف أكثر عن السياقات القرآنيّة، بما أنها تعكس لغة الوحي إلى الإنسان، والمفتوحة على دلالات متجدّدة مع العصور.
يتناول في الفصل الأول علم الدلالة والقرآن، بما يخدم مجال البحث، حيث دراسة المصطلحات تتطلع إلى إدراك معنى العالم وحقيقته وتفسيره، وتأتي هنا الرؤية القرآنية للعالم عبر التركيز على مصطلحات "الله" "الإسلام" "النبي" "الكافر"، وما تعنيه، ومدى ترابطها مع بعضها البعض في السياق القرآني، مستشهداً بكلمة (الله) وما عنته في العصر الجاهليّ، وما صحّحه القرآن في رؤيته للإله الواحد الحقّ المطلق المهيمن على الأمر كلّه، فيما الآلهة المصطنعة هي زيف وباطل.
وينتقل إلى بحث كلمة الملائكة والكتاب في سياقها القرآنيّ، مبيناً المعنى العلائقي الخاص لكلمة الكتاب، وما أضافته من شيء جديد غير مألوف في ترابطها مع الكلمات الأخرى.
يقول الباحث: "من الممكن نظريّاً أن نعدّ المعجم القرآني نفسه حقلاً دلاليّاً داخل كلٍّ أوسع هو معجم اللّغة العربيّة في ذلك العصر".
يشرح المؤلّف من خلال رسوم وأشكال بيانيّة، ما عليه الترابط القويّ القائم بين العديد من المصطلحات القرآنيّة والنظام المعنويّ والقيمي المتجدّد، ككلمة "الله" و"الإيمان" و"التصديق" و"الشّكر"، في مقابل "الكفر" و"العصيان" و"الضّلال " و"الشّرك"، وما أثّرت به هذه المفردات ودلالاتها على سير المعرفة، كما حصل مع المتصوفة الذين أحدثوا نقلة نوعية في تغيير بنية الدلالة معرفيّاً.
يتعرض في الفصل الثاني إلى تاريخية المصطلحات المفتاحية القرآنية، بما يسهم في تحليل بنية المعجم القرآني. فعلم الدلالة التاريخي الحقيقيّ يبدأ عندما ندرس تاريخ الكلمات في مرحلتين مختلفتين من تاريخها تفصل بينهما فسحة من الزّمن.
يمتاز الباحث بعرضه لجملة متنوّعة من الآيات والشواهد الشعرية القديمة، بما يدلّل على تغير النظام المتعاقب بين الجاهلية والاسلام وما تلاه، لجهة التعامل مع المصطلحات وفهمها والتّفاعل معها.
الفصل الثّالث من الكتاب، هو عن البنية الأساسية للرّؤية القرآنية للعالم في شكلها الأصليّ، كما قرأها وفهمها أصحاب الرّسول ومعاصروه. ويتفرع عن هذا الموضوع عنوان العلاقة الجوهريّة بين الله والإنسان، فمفهوم الإنسان من الأهيمة بحيث يشكل القطب الثاني بعد الله تعالى.
الفصل الرابع عودة مستفيضة لبحث كلمة الله في النظام القرآنيّ، ومدى تأثيرها العميق في البنية الدّلاليّة لكلّ الكلمات الأخرى، مع كلام أيضاً عن المصطلحات المتصلة بالآخرة في مقابل ما يتعلّق بالدنيا، مع مقارنة بينهما، مستعرضاً لذلك عند مختلف الدّيانات السماوية مع شواهد قرآنيّة وشعريّة.
جاء الفصل الخامس تحت عنوان "العلاقة الوجوديّة بين الله والإنسان"، وبداية الكلام عن مفهوم الخلق والمصير الإنسانيّ، وكعادته يحشد الكثير من الشّواهد.
الفصل السادس تحت عنوان "العلاقة التواصلية بين الله والإنسان؛ التّواصل غير اللّغويّ"، مع شواهد شعريّة وقرآنيّة.
في الفصل السابع كلام عن العلاقة التواصلية اللّغوية بين الله والإنسان، متمثلة بالوحي، مع إيراد شواهد على ذلك.
الفصل الثامن عنوانه "الجاهلية والإسلام"، وما يتصل بهذا الموضوع، مع شواهده القرآنيّة والشعريّة.
في الفصل التّاسع كلام حول العلاقة الأخلاقيّة بين الله والإنسان، وما يندرج تحت هذا العنوان من مسائل فرعيّة مهمّة، مثّل لها المؤلف بأمثلة قرآنيّة وشعريّة.
الكتاب في غاية الأهميّة للباحثين والدّارسين والمثقَّفين، ويعدُّ من أبرز المؤلَّفات في مجال الدِّراسات القرآنيَّة، حيث لا غنى للمكتبة الإسلاميَّة والقرآنيَّة عن مطارحاته المتقدّمة والعصريّة التي قدَّمت الأفكار بطريقة مفتوحة على كثيرٍ من الآفاق المعرفيّة الواسعة، والمختلفة عن التقليديّة التي طبعت دراسات القرآن من زمن بعيد.
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.