استشارة..
تزوَّجت في العام 2002م. كان عمري عندها 26 عاماً، وزوجتي تصغرني بثلاث سنوات. بعد مرور عامين على زواجنا، بدأنا نفكّر في الإنجاب. وفي السنة الثالثة، قمت باستشارة طبيب متخصّص، أكَّد لي بعد إجراء الفحوصات أنَّ إمكانية الإنجاب بشكل طبيعي قد تطول لسنين عديدة، والأفضل إجراء عملية التلقيح المجهري أو ما يسمى بطفل الأنابيب.
استفسرت من سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) عن الموضوع، فأوضح لي جواز إجراء العمليَّة، ولكنها لم تنجح على الرغم من إجرائها أكثر من مرة.
في السنة الماضية، وتحديداً في شهر رمضان، زرت بروفيسوراً متخصصاً في الإنجاب، فأوضح لي إمكانية العلاج. وبعد الفحوصات، قرر إجراء عمليَّة لي ثم وصف لي عدة أدوية. وبعد انتهاء فترة العلاج التي دامت حوالى 4 أشهر، خضعت لتحاليل جديدة، فأفادت تحسناً في حالتي.
المشكلة أنَّ زوجتي حصلت على وظيفة، ما أدى إلى ابتعادها عني. وبعد فترةٍ، بدأت تنفر مني كثيراً، وتردد دائماً أنها ليست بحاجة إلي، لأنني لا أنجب، كما أنها لا تحتاج إلى مالي لأنها موظفة، وترغب في الانفصال والطلاق.
تحدث معها بعض الأقارب لمعالجة الموضوع، فكانت ردودها سلبية، كذلك، حاولت التعبير عن مدى حبي لها إلا أنها لم تستجب لي، بل إنها تتعمد التهرب من لقائي. أنا لا أفكر أبداً في الطلاق، ولا أريد الابتعاد عنها، كما لا أريد أن أؤذيها، لأنني أحبها وأحترمها، إضافةً إلى أنَّ إخوتها وأخواتها لا يريدون ذلك، ولكنها لا تتيح لأحد أن يتحاور معها وينصحها.
أنا أتألم كثيراً من هذه الحالة، لأنني لا أزال أحب زوجتي، وألتمس منكم النصيحة وكيفية التعامل معها في الأيام القادمة.
وجواب..
إنَّ رد فعل الشريك على مصاب شريكه، تختلف بين كون المصاب هو الزوج، وتبقى الزوجة معافاة، أو كون المصاب هو الزوجة ويبقى الزوج معافى. والغالب في معظم الحالات هو صبر الزوجة على مصابها بزوجها وبقاؤها وفية له، وذلك إما طواعية وسمواً في النفس والخلق، وحباً للزوج ورغبة في القيام بخدمته والتضحية من أجله، وإما حياء وقهراً، لخوفها من أن تعاب على ذلك، أو لعجزها عن التحرر منه بالطلاق إذا لم تكن المصيبة من العيوب التي تبيح لها فسخ عقد الزواج، أو لأنها لا تحب العودة إلى أهلها، فترضى بالبقاء مع زوجها المصاب، لأنه أهون الشرّين، فيما الغالب على الزوج هو طلاق الزوجة المصابة أو التزوج عليها، والقليل من الأزواج من يصبر ويضحّي ويبقى في خدمة زوجته، وخصوصاً إن كان ما يزال فتياً.
وإذا توقّفنا عند حالة الزوجة التي أصيب زوجها، فإننا نلاحظ أن الشريعة أباحت لها التحرر من هذا الزواج، وأجازت لها فسخ عقد الزواج بمبادرة منها إن كان في الزوج واحد من العيوب المبيحة للفسخ، مثل الجنون والعجز الجنسي والجذام وغيرها، ولم يجبرها الشرع على البقاء معه، وخصوصاً إن كانت ما تزال في طور الشباب، كما أنه يفترض بالمجتمع المسلم الذي يتخلَّق بأخلاق الإسلام، أن لا يعيب على هذه الزوجة إن اختارت الانفصال عن زوجها، ويفترض بالزوج وأهله أن لا يضغطوا عليها، وأن يفسحوا لها المجال كي تختار من تحب، فإنَّ الإسلام ديانة سهلة سمحاء، ويريد بالإنسان اليسر، ولا ملامة عليه، رجلاً أو امرأة، لو انسجم مع نداء الفطرة وحاجات الجسد، ولا سيما مع خوفه من الوقوع في الحرام إذا عاش في ظل الحرمان.
وفي هذا الإطار، وكجواب مباشر على مشكلتك، فإنَّ مجرد كون أحد الزوجين عاقراً، لا يعتبر سبباً لتخليه عن شريكه، ولا سبباً لكراهته له، وذلك على الرغم من أن العقم مشكلة كبيرة ومزعجة ومضرة باستقرار العلاقة الزوجية وحيويتها، وخصوصاً إن كان الزوج هو العقيم، إذ بالإمكان بشيء من القناعة من قبل الزوجة، والتسليم لأمر الله تعالى، وبقدر كبير من حنكة الزوج وحكمته في التعامل مع زوجته، لتعويضها عما قد يعرض لها من ملل، أو من فتور في محبتها له، فإنَّ بإمكان الزوجين تخطي هذا الأمر والتكيّف معه والعيش بسعادة، وهذا ما نشاهده في كثير من الزوجات اللواتي ابتلين بزوج عقيم.
ولكن حيث تفتر علاقة الزوجة بزوجها، بسبب عقمه أو بأي سبب آخر، فإنَّ هذه الحالة قد لا تكون متعمدة للزوجة، بل قهريَّة تملك عليها نفسها، من دون أن تستطيع التخلّص منها، ولا سيما إن كانت قد عانت نفسياً وصحياً من آثار عمليات التلقيح التي أجريت لها، لجهة ما يقال من أنه قد يؤثر فشل هذه العمليات في حالة الزوجة النفسية فتصاب بالكآبة، وقد تكره أشخاصاً حولها بسبب ذلك.
وعلى العموم، فإن موقفك الذي تحدثت عنه هو جيد وحكيم، ولكن ما دامت مصرة على الطلاق فطلقها، وربما تؤثر فيها حالة الفراق فيما بعد، وخصوصاً بعدما حققت مرادها وتطلقت، فقد تهدأ عواطفها الغاضبة تجاهك، فتحن إليك وتود الرجوع، وبخاصة إن أبقيت حبل المودة متصلاً، ولم تسمع منك إلا كلّ خير، كما أنه لو فرض كراهة الزوجة لزوجها بدون سبب، فإنَّ الشَّهامة وعزة النّفس تدعوان الزوج إلى الاستجابة لها، وخصوصاً إن بذلت له مهرها، إذ لا يحسن به أخلاقياً العيش مع زوجة لا تحبه
***
مرسل الاستشارة: ....
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 8 نيسان 2013م.
نوع الاستشارة: اجتماعية.
استشارة..
تزوَّجت في العام 2002م. كان عمري عندها 26 عاماً، وزوجتي تصغرني بثلاث سنوات. بعد مرور عامين على زواجنا، بدأنا نفكّر في الإنجاب. وفي السنة الثالثة، قمت باستشارة طبيب متخصّص، أكَّد لي بعد إجراء الفحوصات أنَّ إمكانية الإنجاب بشكل طبيعي قد تطول لسنين عديدة، والأفضل إجراء عملية التلقيح المجهري أو ما يسمى بطفل الأنابيب.
استفسرت من سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) عن الموضوع، فأوضح لي جواز إجراء العمليَّة، ولكنها لم تنجح على الرغم من إجرائها أكثر من مرة.
في السنة الماضية، وتحديداً في شهر رمضان، زرت بروفيسوراً متخصصاً في الإنجاب، فأوضح لي إمكانية العلاج. وبعد الفحوصات، قرر إجراء عمليَّة لي ثم وصف لي عدة أدوية. وبعد انتهاء فترة العلاج التي دامت حوالى 4 أشهر، خضعت لتحاليل جديدة، فأفادت تحسناً في حالتي.
المشكلة أنَّ زوجتي حصلت على وظيفة، ما أدى إلى ابتعادها عني. وبعد فترةٍ، بدأت تنفر مني كثيراً، وتردد دائماً أنها ليست بحاجة إلي، لأنني لا أنجب، كما أنها لا تحتاج إلى مالي لأنها موظفة، وترغب في الانفصال والطلاق.
تحدث معها بعض الأقارب لمعالجة الموضوع، فكانت ردودها سلبية، كذلك، حاولت التعبير عن مدى حبي لها إلا أنها لم تستجب لي، بل إنها تتعمد التهرب من لقائي. أنا لا أفكر أبداً في الطلاق، ولا أريد الابتعاد عنها، كما لا أريد أن أؤذيها، لأنني أحبها وأحترمها، إضافةً إلى أنَّ إخوتها وأخواتها لا يريدون ذلك، ولكنها لا تتيح لأحد أن يتحاور معها وينصحها.
أنا أتألم كثيراً من هذه الحالة، لأنني لا أزال أحب زوجتي، وألتمس منكم النصيحة وكيفية التعامل معها في الأيام القادمة.
وجواب..
إنَّ رد فعل الشريك على مصاب شريكه، تختلف بين كون المصاب هو الزوج، وتبقى الزوجة معافاة، أو كون المصاب هو الزوجة ويبقى الزوج معافى. والغالب في معظم الحالات هو صبر الزوجة على مصابها بزوجها وبقاؤها وفية له، وذلك إما طواعية وسمواً في النفس والخلق، وحباً للزوج ورغبة في القيام بخدمته والتضحية من أجله، وإما حياء وقهراً، لخوفها من أن تعاب على ذلك، أو لعجزها عن التحرر منه بالطلاق إذا لم تكن المصيبة من العيوب التي تبيح لها فسخ عقد الزواج، أو لأنها لا تحب العودة إلى أهلها، فترضى بالبقاء مع زوجها المصاب، لأنه أهون الشرّين، فيما الغالب على الزوج هو طلاق الزوجة المصابة أو التزوج عليها، والقليل من الأزواج من يصبر ويضحّي ويبقى في خدمة زوجته، وخصوصاً إن كان ما يزال فتياً.
وإذا توقّفنا عند حالة الزوجة التي أصيب زوجها، فإننا نلاحظ أن الشريعة أباحت لها التحرر من هذا الزواج، وأجازت لها فسخ عقد الزواج بمبادرة منها إن كان في الزوج واحد من العيوب المبيحة للفسخ، مثل الجنون والعجز الجنسي والجذام وغيرها، ولم يجبرها الشرع على البقاء معه، وخصوصاً إن كانت ما تزال في طور الشباب، كما أنه يفترض بالمجتمع المسلم الذي يتخلَّق بأخلاق الإسلام، أن لا يعيب على هذه الزوجة إن اختارت الانفصال عن زوجها، ويفترض بالزوج وأهله أن لا يضغطوا عليها، وأن يفسحوا لها المجال كي تختار من تحب، فإنَّ الإسلام ديانة سهلة سمحاء، ويريد بالإنسان اليسر، ولا ملامة عليه، رجلاً أو امرأة، لو انسجم مع نداء الفطرة وحاجات الجسد، ولا سيما مع خوفه من الوقوع في الحرام إذا عاش في ظل الحرمان.
وفي هذا الإطار، وكجواب مباشر على مشكلتك، فإنَّ مجرد كون أحد الزوجين عاقراً، لا يعتبر سبباً لتخليه عن شريكه، ولا سبباً لكراهته له، وذلك على الرغم من أن العقم مشكلة كبيرة ومزعجة ومضرة باستقرار العلاقة الزوجية وحيويتها، وخصوصاً إن كان الزوج هو العقيم، إذ بالإمكان بشيء من القناعة من قبل الزوجة، والتسليم لأمر الله تعالى، وبقدر كبير من حنكة الزوج وحكمته في التعامل مع زوجته، لتعويضها عما قد يعرض لها من ملل، أو من فتور في محبتها له، فإنَّ بإمكان الزوجين تخطي هذا الأمر والتكيّف معه والعيش بسعادة، وهذا ما نشاهده في كثير من الزوجات اللواتي ابتلين بزوج عقيم.
ولكن حيث تفتر علاقة الزوجة بزوجها، بسبب عقمه أو بأي سبب آخر، فإنَّ هذه الحالة قد لا تكون متعمدة للزوجة، بل قهريَّة تملك عليها نفسها، من دون أن تستطيع التخلّص منها، ولا سيما إن كانت قد عانت نفسياً وصحياً من آثار عمليات التلقيح التي أجريت لها، لجهة ما يقال من أنه قد يؤثر فشل هذه العمليات في حالة الزوجة النفسية فتصاب بالكآبة، وقد تكره أشخاصاً حولها بسبب ذلك.
وعلى العموم، فإن موقفك الذي تحدثت عنه هو جيد وحكيم، ولكن ما دامت مصرة على الطلاق فطلقها، وربما تؤثر فيها حالة الفراق فيما بعد، وخصوصاً بعدما حققت مرادها وتطلقت، فقد تهدأ عواطفها الغاضبة تجاهك، فتحن إليك وتود الرجوع، وبخاصة إن أبقيت حبل المودة متصلاً، ولم تسمع منك إلا كلّ خير، كما أنه لو فرض كراهة الزوجة لزوجها بدون سبب، فإنَّ الشَّهامة وعزة النّفس تدعوان الزوج إلى الاستجابة لها، وخصوصاً إن بذلت له مهرها، إذ لا يحسن به أخلاقياً العيش مع زوجة لا تحبه
***
مرسل الاستشارة: ....
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 8 نيسان 2013م.
نوع الاستشارة: اجتماعية.