استشارة..
أنا متزوج منذ 11 عاماً ولدي 3 أطفال. كنت رجلاً غير ملتزم دينياً، وأتحدث مع النساء عن طريق الفيسبوك، كما كنت أمنح زوجتي الحرية والثقة الكاملتين، لأنني على يقين بأنها لن تخطئ يوماً أو تستغل تلك الثقة.
قبل مدة، ضبطتني وأنا أكلم امراة عبر الفيسبوك وحدث شجار بيننا. ولكن المشكلة أنني كنت قد أنشأت لها صفحة خاصة، شرط أن لا تضيف الرجال إليها، غير أنني فوجئت بأنها صادقت أحد الرجال عن طريقه، وتكلم غيره من خلال المجموعات التي تشترك فيها. وبالصدفة، رأيت ما صعقني وشلَّ تفكيري، وكان كل ذلك أمامها، فاعترفت بأنها كانت تكلّم رجلاً، ولكنها أقسمت أنها لم تتجاوز معه الحدود الأخلاقيَّة، وقالت إنها خدعتني ولديها صفحة أخرى لا علم لي بها، تنشر فيها ما تشاء.
مشكلتي الآن أنني لم أعد أصدقها ولا أثق بها، وبت أراجع كل الأيام التي قضيتها معها طيلة 11 عاماً، وأشعر بأنها كانت تخدعني خلالها، مع العلم أن لا دليل لدي على ذلك.
بعد الَّذي حصل تبت إلى الله، وشعرت بأن الله سبحانه عاقبني على أفعالي وزلاتي، ولكن كيف لي أن أعيش مع زوجتي وقد انكسر جدار الثقة بيننا؟ وما هو التصرف الصحيح الآن، علماً بأنني أخبرتها بأنني لم أعد أثق بها وأشك بكل كلمة وتصرف يصدر منها؟ وما هو السَّبيل لكي أصحّح ما مضى؟ أعينوني يرحمكم الله، والسلام عليكم.
وجواب..
من المؤكد أنَّ عماد الحياة الزوجيَّة هو ثقة كلّ من الزوجين بالآخر، وذلك لجهة التزام كل منهما بتقوى الله تعالى وتورعه عن المحرمات، وخصوصاً ما له علاقة بوفاء كل من الزوجين للآخر بحقوقه، سواء في ذلك الرجل تجاه زوجته، أو المرأة تجاه زوجها.
وهنا نلاحظ أن التقاليد الاجتماعية تلزم المرأة بالوفاء لزوجها حتى في أفكارها وخيالاتها، فلا تسمح لها بتخيل رجل آخر غير زوجها، كما لا تسمح لها بمحادثة رجل آخر غيره بدون ضرورة، حتى لو كان الحديث بريئاً، إلا إذا أذن لها زوجها وكان ذلك بمعرفته، والمفترض بالزوجة مراعاة هذه التقاليد في علاقتها بزوجها حتى لو كانت حلالاً في الشرع، إذ إنَّ الشرع لا يعطي الزوج حقاً في مثل هذه الأمور، ولا يلزمها باستئذانه بها، بل يجيز لها كما يجيز له محادثة من تريد بتعفف واحتشام، وفي أمور جادة، وخصوصاً إذا كانت ذا موقع اجتماعي أو وظيفي يستلزم ذلك، شرط أن لا يكون بطريقة معيبة عند الناس، كأن تجالسه في خلوة أو في استراحة أو ما أشبه ذلك. ولكن رغم هذا، فإن المرأة التي تريد حفظ حياتها الزوجية وصيانتها، عليها أن تتوافق في هذه الأمور الحساسة مع طبيعة زوجها ومع التقاليد الاجتماعية، إضافةً إلى توافقها فيها مع أحكام الشريعة المطهرة، هذا كله من حيث المبدأ.
أما من جهة موضوع الاستشارة، فإن رد فعلك على ما عرفته عن زوجتك أكبر من اللازم، فأولاً عليك أن لا تظن بها السوء، بحيث تحمّل الموضوع أكثر من حجمه، فمن رأى زوجته مثلاً في خلوة مريبة مع شخص، فإنه لا يجوز له أن يتهمهما بأنهما قد تلامسا، وإذا رآهما يتلامسان فلا يجوز أن يتهمهما بالتقبيل، وهكذا، وخصوصاً إن كان ماضي الزوجة جيداً، والتزامها الديني الظاهري مقبولاً، وكانت من أسرة كريمة وحسنة السمعة، بل إن على كل من الزوجين أن لا يفسحا المجال لسوء الظن بأن يدمر سعادتهما وحياتهما الزوجية وأسرتهما المشتركة.
ثانياً، يفترض بالرجل أن يتسامح مع زوجته في ذلك، ويصرف ذهنه عن شكوك لا دليل لها، وأن يعيد ترميم ثقته بها، وأن يتصارحا ويتفاهما على طريقة عيش جديدة، مستفيدين من تجربتهما المرة التي كانت نذيراً لهما، وأن يحفظا أولادهما وإنجازاتهما المشتركة خلال ما مضى من حياتهما الزوجيَّة، لأن البديل هو الطلاق، والطلاق قرار غير حكيم في الحالة التي شرحتها، لأن السبب غير وجيه، ولأن الطلاق سيكون مشكلة أكبر، وخصوصاً لجهة الأضرار الجسيمة التي ستطاول أولادهما، ولجهة أنه يصعب أن يسعد أحدهما لو حدث الطلاق، وتزوج كل منهما شخصاً آخر.
ثالثاً: حيث إن المحادثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد صارت شائعة، وقد ظهرت لها سلبيات كثيرة، ولستما الوحيدين اللذين يعانيان منها، بل لكما أشباه كثيرون، وحيث قد أصابتكما سلبياتها، فعليكما تركها وتعزيز تواصلكما المباشر، ومعالجة ما قد يكون أصاب علاقتكما من فتور أو نفور، وخصوصاً الزوج، فإن عليه أن يكون حاضراً أكثر مع أسرته، يسهر معهم يقضي وقت فراغه ويخرج معهم للنزهة، ويشارك زوجته في شؤون البيت، ويظهر لها البشاشة واللطف والاهتمام، ويحاول ما أمكنه أن يبقى حاضراً ويملأ فراغها العاطفي والنفسي، كما أن على الزوجة أن تعيش الإخلاص لزوجها، وأن تتجنب ما يخالف التقاليد أو مزاج الزوج، فإن ذلك أحفظ لمودته وأبقى لزواجهما.
***
مرسل الاستشارة: ع. ا.
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي،
عالم دين وباحث، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 1 نيسان 2013م.
نوع الاستشارة: اجتماعية.
استشارة..
أنا متزوج منذ 11 عاماً ولدي 3 أطفال. كنت رجلاً غير ملتزم دينياً، وأتحدث مع النساء عن طريق الفيسبوك، كما كنت أمنح زوجتي الحرية والثقة الكاملتين، لأنني على يقين بأنها لن تخطئ يوماً أو تستغل تلك الثقة.
قبل مدة، ضبطتني وأنا أكلم امراة عبر الفيسبوك وحدث شجار بيننا. ولكن المشكلة أنني كنت قد أنشأت لها صفحة خاصة، شرط أن لا تضيف الرجال إليها، غير أنني فوجئت بأنها صادقت أحد الرجال عن طريقه، وتكلم غيره من خلال المجموعات التي تشترك فيها. وبالصدفة، رأيت ما صعقني وشلَّ تفكيري، وكان كل ذلك أمامها، فاعترفت بأنها كانت تكلّم رجلاً، ولكنها أقسمت أنها لم تتجاوز معه الحدود الأخلاقيَّة، وقالت إنها خدعتني ولديها صفحة أخرى لا علم لي بها، تنشر فيها ما تشاء.
مشكلتي الآن أنني لم أعد أصدقها ولا أثق بها، وبت أراجع كل الأيام التي قضيتها معها طيلة 11 عاماً، وأشعر بأنها كانت تخدعني خلالها، مع العلم أن لا دليل لدي على ذلك.
بعد الَّذي حصل تبت إلى الله، وشعرت بأن الله سبحانه عاقبني على أفعالي وزلاتي، ولكن كيف لي أن أعيش مع زوجتي وقد انكسر جدار الثقة بيننا؟ وما هو التصرف الصحيح الآن، علماً بأنني أخبرتها بأنني لم أعد أثق بها وأشك بكل كلمة وتصرف يصدر منها؟ وما هو السَّبيل لكي أصحّح ما مضى؟ أعينوني يرحمكم الله، والسلام عليكم.
وجواب..
من المؤكد أنَّ عماد الحياة الزوجيَّة هو ثقة كلّ من الزوجين بالآخر، وذلك لجهة التزام كل منهما بتقوى الله تعالى وتورعه عن المحرمات، وخصوصاً ما له علاقة بوفاء كل من الزوجين للآخر بحقوقه، سواء في ذلك الرجل تجاه زوجته، أو المرأة تجاه زوجها.
وهنا نلاحظ أن التقاليد الاجتماعية تلزم المرأة بالوفاء لزوجها حتى في أفكارها وخيالاتها، فلا تسمح لها بتخيل رجل آخر غير زوجها، كما لا تسمح لها بمحادثة رجل آخر غيره بدون ضرورة، حتى لو كان الحديث بريئاً، إلا إذا أذن لها زوجها وكان ذلك بمعرفته، والمفترض بالزوجة مراعاة هذه التقاليد في علاقتها بزوجها حتى لو كانت حلالاً في الشرع، إذ إنَّ الشرع لا يعطي الزوج حقاً في مثل هذه الأمور، ولا يلزمها باستئذانه بها، بل يجيز لها كما يجيز له محادثة من تريد بتعفف واحتشام، وفي أمور جادة، وخصوصاً إذا كانت ذا موقع اجتماعي أو وظيفي يستلزم ذلك، شرط أن لا يكون بطريقة معيبة عند الناس، كأن تجالسه في خلوة أو في استراحة أو ما أشبه ذلك. ولكن رغم هذا، فإن المرأة التي تريد حفظ حياتها الزوجية وصيانتها، عليها أن تتوافق في هذه الأمور الحساسة مع طبيعة زوجها ومع التقاليد الاجتماعية، إضافةً إلى توافقها فيها مع أحكام الشريعة المطهرة، هذا كله من حيث المبدأ.
أما من جهة موضوع الاستشارة، فإن رد فعلك على ما عرفته عن زوجتك أكبر من اللازم، فأولاً عليك أن لا تظن بها السوء، بحيث تحمّل الموضوع أكثر من حجمه، فمن رأى زوجته مثلاً في خلوة مريبة مع شخص، فإنه لا يجوز له أن يتهمهما بأنهما قد تلامسا، وإذا رآهما يتلامسان فلا يجوز أن يتهمهما بالتقبيل، وهكذا، وخصوصاً إن كان ماضي الزوجة جيداً، والتزامها الديني الظاهري مقبولاً، وكانت من أسرة كريمة وحسنة السمعة، بل إن على كل من الزوجين أن لا يفسحا المجال لسوء الظن بأن يدمر سعادتهما وحياتهما الزوجية وأسرتهما المشتركة.
ثانياً، يفترض بالرجل أن يتسامح مع زوجته في ذلك، ويصرف ذهنه عن شكوك لا دليل لها، وأن يعيد ترميم ثقته بها، وأن يتصارحا ويتفاهما على طريقة عيش جديدة، مستفيدين من تجربتهما المرة التي كانت نذيراً لهما، وأن يحفظا أولادهما وإنجازاتهما المشتركة خلال ما مضى من حياتهما الزوجيَّة، لأن البديل هو الطلاق، والطلاق قرار غير حكيم في الحالة التي شرحتها، لأن السبب غير وجيه، ولأن الطلاق سيكون مشكلة أكبر، وخصوصاً لجهة الأضرار الجسيمة التي ستطاول أولادهما، ولجهة أنه يصعب أن يسعد أحدهما لو حدث الطلاق، وتزوج كل منهما شخصاً آخر.
ثالثاً: حيث إن المحادثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد صارت شائعة، وقد ظهرت لها سلبيات كثيرة، ولستما الوحيدين اللذين يعانيان منها، بل لكما أشباه كثيرون، وحيث قد أصابتكما سلبياتها، فعليكما تركها وتعزيز تواصلكما المباشر، ومعالجة ما قد يكون أصاب علاقتكما من فتور أو نفور، وخصوصاً الزوج، فإن عليه أن يكون حاضراً أكثر مع أسرته، يسهر معهم يقضي وقت فراغه ويخرج معهم للنزهة، ويشارك زوجته في شؤون البيت، ويظهر لها البشاشة واللطف والاهتمام، ويحاول ما أمكنه أن يبقى حاضراً ويملأ فراغها العاطفي والنفسي، كما أن على الزوجة أن تعيش الإخلاص لزوجها، وأن تتجنب ما يخالف التقاليد أو مزاج الزوج، فإن ذلك أحفظ لمودته وأبقى لزواجهما.
***
مرسل الاستشارة: ع. ا.
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي،
عالم دين وباحث، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 1 نيسان 2013م.
نوع الاستشارة: اجتماعية.