الشَّيخ عبدالله نعمة العاملي الجبعي

الشَّيخ عبدالله نعمة العاملي الجبعي

هو الفقيه والعالم الجليل الفاضل، والشّاعر الأديب، الشيخ عبدالله نعمة أبو الحسن بن علي بن الحسين، ابن الشيخ عبدالله بن علي بن نعمة المشطوب العاملي الجبعي، من فقهاء جبل عامل المجدّدين وعلمائه، والّذي كان له الباع الطويل في الفقه والفضل، وارتبط اسمه بتجديد مدرسة جباع الدينيَّة، التي خرَّجت جمعاً من العلماء، إضافةً إلى كونه شاعراً وأديباً ومؤلِّفاً فذّاً.

ولد الجبعي في العام 1219 هـ ـ 1804م/ وتوفّي في جباع العام 1303هـ ـ 1886م، وقضى حياته في لبنان والعراق وسوريا. قرأ بدايةً في جبل عامل قبل توجّهه إلى النّجف الأشرف، إذ قرأ أوّلاً على الشّيخ حسن القبيسي العاملي، ثم بعدها هاجر إلى النّجف ودرس على عددٍ من علمائها، كالشّيخ محمد حسن النجفي صاحب (الجواهر)، والشّيخ علي ابن الشّيخ جعفر صاحب (كشف الغطاء)، بعد أن درس على والده المقدّمات في العلوم الدينيّة.

غادر إلى مدينة رشت بعدها، وبقي فيها نحو اثنتي عشرة سنة، بعدها عاد إلى جبل عامل حيث سكن في "جباع".

كان الشّيخ نعمة مميَّزاً في طلب العلم منذ البداية، ويشهد على ذلك إجازة أستاذه الشّيخ محمد حسن صاحب (الجواهر) في الاجتهاد، وينقل السيّد حسن الصّدر في تكملة أمل الآمل: "أن السيد العالم الفاضل السيد محمد الهندي قال: كنت جالساً تحت منبر شيخنا صاحب الجواهر مع العلماء، وصعد الشيخ الجواهري المنبر، وقال: وأمّا إجازة الاجتهاد، فأنا لم أشهد بالاجتهاد في كلّ عمري سوى لأربعة، وعدّ منهم الشيخ عبدالله نعمة العاملي".

وعند عودته إلى جبل عامل، رجع الناس كلّهم إليه في جميع المسائل الدينيَّة، وكانت له المرجعيَّة الدينية المطلقة في بلاد جبل عامل والشام وجميع بلاد الشيعة، فقد كان موضع ثقة الناس، وأخذ مكانةً في قلوبهم ونفوسهم لما وجدوا فيه من العلم والفقاهة والصلاح.

عندما عاد واستقرّ في جباع، كانت أولى خطواته تأسيس مدرسة دينيَّة اجتمع فيها بدايةً الكثير من الطلاب من جميع أنحاء البلاد، وأنفق عليها الحاج سليمان الزين المال الكثير، وكان الشيخ نعمة يعطي فيها دروس الفقه، وتولّى غيره الإدارة وتدريس العربية والصرف والنحو والبلاغة، وبعد أن توقف الشيخ نعمة عن التدريس، عُطّلت المدرسة وتفرّق طلابها.

وكعادة العلماء المجاهدين العاملين، كان الشيخ نعمة يدير بنفسه أملاكه وأحواله، وقد أنشأ بستاناً في جباع وبه كان مدفنه، وكان له مكانة كبيرة عند الوجهاء والزعماء، ولا سيما علي بك الأسعد، صاحب تبنين، وابن عمه محمد بك. وكان إذا جاء إلى بلاد بشارة، يستقبلانه مع أتباعهما ووجوه البلاد إلى جسر القعقعيّة، فيحضر معهما إلى تبنين، ولا يصعد إلى القلعة؛ مقر إمارة علي بك، ولا يقبل دعوته ولا يأكل طعامه، ويقول له أنت ظالم لا أدخل منزلك ولا آكل زادك، وينزل في دار رجل صالح متفقّه يسمى الشيخ حمود في قرية تبنين.

وقال صاحب (تكملة أمل الآمل) الحرّ العاملي في حقّه: "فاضلٌ فقيه ماهر في العلوم الدينية، كان شيخ كلّ البلاد الشامية، ولو كان في النجف لكان شيخ كلّ البلاد الإسلاميّة، حدَّثني السيد محمد الهندي قال: كنت جالساً تحت منبر شيخنا صاحب (الجواهر) مع العلماء، فجاء الشيخ وصعد المنبر، وقبل الشروع في الدرس قال: كتب إليّ بعض الأخوان من طهران، أنَّ الشاه محمد القاجاري في صفّ السلام، قال إن عند الشيخ محمد حسن النجفي مصبغة الاجتهاد يصبغ فيها الطلبة ويرسلهم إلى إيران، مع أنه يعلم أني لم أشهد باجتهاد هؤلاء الذين كتبت بالرجوع في المسائل والقضاء إليهم، فإنّ مذهبي في المسألة معروف أني أجوّز القضاء بالتّقليد. نعم، ما شهدت في كلّ عمري باجتهاد أحد إلا أربعة، الشيخ عبدالله نعمة العاملي، والشّيخ عبد الحسين الطهراني، والشيخ عبد الرحيم البروجردي، والحاج ملاّ علي الكني. والغرض أنّ الشيخ عبدالله نعمة من المسلّم لهم عند الأساطين، وقد سمعت من حجّة الإسلام الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي، طاب ثراه، ثناءً عظيماً بالنّسبة إلى الشيخ عبدالله، وهو صاحبه وشريكه في الدّرس، وكان له معه أخوّة خاصَّة. وبالجملة، كان هذا الشّيخ الجليل في تلك البلاد مجهول القدر مع ذلك".

موقفه من فتنة السّتّين:

جاء في كتاب مجمع المسرّات، تأليف الدّكتور شاكر الخوري: "أنّه في حادثة السّتين الّتي كانت بين الدّروز والنّصارى سنة 1860، أنّه ـ أي الشيخ عبدالله ـ عمل معروفاً مع النّصارى لا يقدَّر...". قال الدّكتور الخوري: "إنَّ مشايخ (المتاولة) عملت كلّ معروف مع النّصارى، وكانوا يصرفون من أموالهم الخاصَّة عليهم، فلذلك يلزم أن تكون النَّصارى مدينة بالمعروف والجميل لهم، ولا ينسوا حسين بك الأمين، والشَّيخ فضل، وولده حسن بك، والشّيخ علي الحرّ، والشّيخ عبدالله نعمة من جباع... إلى آخره، ولا أولادهم، إلى من يأتي من نسلهم فيما بعد".

تلاميذه:

كان للشَّيخ عبدالله نعمة تلامذة كثر، منهم الشَّيخ محمد علي آل عزّ الدّين، والشّيخ علي السبيتي، والشّيخ مهدي شمس الدّين، والشّيخ علي الحرب، والشّيخ عبدالسلام الحرّ، والشّيخ حسن بن سعيد الحرّ، والشّيخ محمد حسين المحمد الجبعي، والشّيخ محمد سليمان الزّين، وأخوه الشّيخ أبو خليل الزّين، والسيّد مهدي الأمين، والشّيخ محمد حسين فلحة الميسي العاملي وغيرهم.

مؤلَّفاته:

له رسالة صغيرة في الطَّهارة وتعليقات على قواعد العلاّمة.

وكان الشَّيخ عبدالله نعمة أديباً شاعراً كدأب كثير من العلماء العامليّين، وله عدة قصائد ومقطوعات، منها:

   يا ربِّ ما لي غير بابك ملتجا           أنتَ الرّجاء وأنت نِعم المرتجى  

   كم شدّةٍ شدَّت عليَّ ومحنـــة             طالت وكان نهارها مثل الدّجى

   أوليت عبدك يا إلهي صرفها             منَّا فعاد ظلامها متبلّجــــا       

وفي موقعٍ آخر يقول:

   قد كان قلبي والدّيار أنيسة              من خوف طارقة النّوى محزونا  

   فالآن طارقة النّوى قد مزّقت            شملي كأنَّ لها عليه ديونا        

   أيّة منازل جيرتي كم غصّةٍ               جرّعت هذا المغرم المفتونا      

   لم يروِ تُربك دمعه لمّا جرى              حتى أسلتِ دم الفؤاد عيونا    

   الله أكبر كم ثرى رويته                  بين الطّلول وكم بعثت أنينا..  

وهكذا عاش الشّيخ نعمة كغيره من علماء جبل عامل، حياة الجهاد وطلب العلم والصّبر والتّضحية، وترك أثراً طيّباً في قلوب العباد. فرحمه الله، وحشره مع محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

هو الفقيه والعالم الجليل الفاضل، والشّاعر الأديب، الشيخ عبدالله نعمة أبو الحسن بن علي بن الحسين، ابن الشيخ عبدالله بن علي بن نعمة المشطوب العاملي الجبعي، من فقهاء جبل عامل المجدّدين وعلمائه، والّذي كان له الباع الطويل في الفقه والفضل، وارتبط اسمه بتجديد مدرسة جباع الدينيَّة، التي خرَّجت جمعاً من العلماء، إضافةً إلى كونه شاعراً وأديباً ومؤلِّفاً فذّاً.

ولد الجبعي في العام 1219 هـ ـ 1804م/ وتوفّي في جباع العام 1303هـ ـ 1886م، وقضى حياته في لبنان والعراق وسوريا. قرأ بدايةً في جبل عامل قبل توجّهه إلى النّجف الأشرف، إذ قرأ أوّلاً على الشّيخ حسن القبيسي العاملي، ثم بعدها هاجر إلى النّجف ودرس على عددٍ من علمائها، كالشّيخ محمد حسن النجفي صاحب (الجواهر)، والشّيخ علي ابن الشّيخ جعفر صاحب (كشف الغطاء)، بعد أن درس على والده المقدّمات في العلوم الدينيّة.

غادر إلى مدينة رشت بعدها، وبقي فيها نحو اثنتي عشرة سنة، بعدها عاد إلى جبل عامل حيث سكن في "جباع".

كان الشّيخ نعمة مميَّزاً في طلب العلم منذ البداية، ويشهد على ذلك إجازة أستاذه الشّيخ محمد حسن صاحب (الجواهر) في الاجتهاد، وينقل السيّد حسن الصّدر في تكملة أمل الآمل: "أن السيد العالم الفاضل السيد محمد الهندي قال: كنت جالساً تحت منبر شيخنا صاحب الجواهر مع العلماء، وصعد الشيخ الجواهري المنبر، وقال: وأمّا إجازة الاجتهاد، فأنا لم أشهد بالاجتهاد في كلّ عمري سوى لأربعة، وعدّ منهم الشيخ عبدالله نعمة العاملي".

وعند عودته إلى جبل عامل، رجع الناس كلّهم إليه في جميع المسائل الدينيَّة، وكانت له المرجعيَّة الدينية المطلقة في بلاد جبل عامل والشام وجميع بلاد الشيعة، فقد كان موضع ثقة الناس، وأخذ مكانةً في قلوبهم ونفوسهم لما وجدوا فيه من العلم والفقاهة والصلاح.

عندما عاد واستقرّ في جباع، كانت أولى خطواته تأسيس مدرسة دينيَّة اجتمع فيها بدايةً الكثير من الطلاب من جميع أنحاء البلاد، وأنفق عليها الحاج سليمان الزين المال الكثير، وكان الشيخ نعمة يعطي فيها دروس الفقه، وتولّى غيره الإدارة وتدريس العربية والصرف والنحو والبلاغة، وبعد أن توقف الشيخ نعمة عن التدريس، عُطّلت المدرسة وتفرّق طلابها.

وكعادة العلماء المجاهدين العاملين، كان الشيخ نعمة يدير بنفسه أملاكه وأحواله، وقد أنشأ بستاناً في جباع وبه كان مدفنه، وكان له مكانة كبيرة عند الوجهاء والزعماء، ولا سيما علي بك الأسعد، صاحب تبنين، وابن عمه محمد بك. وكان إذا جاء إلى بلاد بشارة، يستقبلانه مع أتباعهما ووجوه البلاد إلى جسر القعقعيّة، فيحضر معهما إلى تبنين، ولا يصعد إلى القلعة؛ مقر إمارة علي بك، ولا يقبل دعوته ولا يأكل طعامه، ويقول له أنت ظالم لا أدخل منزلك ولا آكل زادك، وينزل في دار رجل صالح متفقّه يسمى الشيخ حمود في قرية تبنين.

وقال صاحب (تكملة أمل الآمل) الحرّ العاملي في حقّه: "فاضلٌ فقيه ماهر في العلوم الدينية، كان شيخ كلّ البلاد الشامية، ولو كان في النجف لكان شيخ كلّ البلاد الإسلاميّة، حدَّثني السيد محمد الهندي قال: كنت جالساً تحت منبر شيخنا صاحب (الجواهر) مع العلماء، فجاء الشيخ وصعد المنبر، وقبل الشروع في الدرس قال: كتب إليّ بعض الأخوان من طهران، أنَّ الشاه محمد القاجاري في صفّ السلام، قال إن عند الشيخ محمد حسن النجفي مصبغة الاجتهاد يصبغ فيها الطلبة ويرسلهم إلى إيران، مع أنه يعلم أني لم أشهد باجتهاد هؤلاء الذين كتبت بالرجوع في المسائل والقضاء إليهم، فإنّ مذهبي في المسألة معروف أني أجوّز القضاء بالتّقليد. نعم، ما شهدت في كلّ عمري باجتهاد أحد إلا أربعة، الشيخ عبدالله نعمة العاملي، والشّيخ عبد الحسين الطهراني، والشيخ عبد الرحيم البروجردي، والحاج ملاّ علي الكني. والغرض أنّ الشيخ عبدالله نعمة من المسلّم لهم عند الأساطين، وقد سمعت من حجّة الإسلام الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي، طاب ثراه، ثناءً عظيماً بالنّسبة إلى الشيخ عبدالله، وهو صاحبه وشريكه في الدّرس، وكان له معه أخوّة خاصَّة. وبالجملة، كان هذا الشّيخ الجليل في تلك البلاد مجهول القدر مع ذلك".

موقفه من فتنة السّتّين:

جاء في كتاب مجمع المسرّات، تأليف الدّكتور شاكر الخوري: "أنّه في حادثة السّتين الّتي كانت بين الدّروز والنّصارى سنة 1860، أنّه ـ أي الشيخ عبدالله ـ عمل معروفاً مع النّصارى لا يقدَّر...". قال الدّكتور الخوري: "إنَّ مشايخ (المتاولة) عملت كلّ معروف مع النّصارى، وكانوا يصرفون من أموالهم الخاصَّة عليهم، فلذلك يلزم أن تكون النَّصارى مدينة بالمعروف والجميل لهم، ولا ينسوا حسين بك الأمين، والشَّيخ فضل، وولده حسن بك، والشّيخ علي الحرّ، والشّيخ عبدالله نعمة من جباع... إلى آخره، ولا أولادهم، إلى من يأتي من نسلهم فيما بعد".

تلاميذه:

كان للشَّيخ عبدالله نعمة تلامذة كثر، منهم الشَّيخ محمد علي آل عزّ الدّين، والشّيخ علي السبيتي، والشّيخ مهدي شمس الدّين، والشّيخ علي الحرب، والشّيخ عبدالسلام الحرّ، والشّيخ حسن بن سعيد الحرّ، والشّيخ محمد حسين المحمد الجبعي، والشّيخ محمد سليمان الزّين، وأخوه الشّيخ أبو خليل الزّين، والسيّد مهدي الأمين، والشّيخ محمد حسين فلحة الميسي العاملي وغيرهم.

مؤلَّفاته:

له رسالة صغيرة في الطَّهارة وتعليقات على قواعد العلاّمة.

وكان الشَّيخ عبدالله نعمة أديباً شاعراً كدأب كثير من العلماء العامليّين، وله عدة قصائد ومقطوعات، منها:

   يا ربِّ ما لي غير بابك ملتجا           أنتَ الرّجاء وأنت نِعم المرتجى  

   كم شدّةٍ شدَّت عليَّ ومحنـــة             طالت وكان نهارها مثل الدّجى

   أوليت عبدك يا إلهي صرفها             منَّا فعاد ظلامها متبلّجــــا       

وفي موقعٍ آخر يقول:

   قد كان قلبي والدّيار أنيسة              من خوف طارقة النّوى محزونا  

   فالآن طارقة النّوى قد مزّقت            شملي كأنَّ لها عليه ديونا        

   أيّة منازل جيرتي كم غصّةٍ               جرّعت هذا المغرم المفتونا      

   لم يروِ تُربك دمعه لمّا جرى              حتى أسلتِ دم الفؤاد عيونا    

   الله أكبر كم ثرى رويته                  بين الطّلول وكم بعثت أنينا..  

وهكذا عاش الشّيخ نعمة كغيره من علماء جبل عامل، حياة الجهاد وطلب العلم والصّبر والتّضحية، وترك أثراً طيّباً في قلوب العباد. فرحمه الله، وحشره مع محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية