ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
التأكد من صحة الخبر
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}. لهذه الآية الكريمة قصة ولها امتداد في الحياة العامة والخاصة، وقصتها أن شخصاً اسمه "الوليد" جاء إلى النبي(ص) وأخبره بأن هناك عشيرة ارتدّت عن الإسلام وامتنعت عن دفع الزكاة وما إلى ذلك، وسمع المسلمون بالخبر، واستعدوا للسير من أجل مواجهتها حفظاً للنظام وتأكيداً للسلطة، ولكن أفراد القبيلة رأوا أن الشخص الذي كان يأتي إليهم ليعطوه زكاة أموالهم قد تأخر، فأرسلوا شخصاً منهم ليبلّغ الرسول(ص) أنهم لا يزالون على خط الإسلام وأنهم مستعدون لتحمّل كل المسؤوليات الشرعية، وهنا تبيّن أن "الوليد" كانت له تعقيدات مع هذه الجماعة، فكذب عليهم وأخبر هذا الخبر، ولولا وعي المسلمين بقيادة رسول الله(ص) لدخلوا في حرب غير شرعية.
فأنزل الله تعالى هذه الآية ليقول للمسلمين: لا تستعجلوا في قبول أيّ خبر يُنقل إليكم عن أيّ شخص وأي جهة، بل حاولوا إذا سمعتم الخبر أن تتثبتوا من شخصية المخبر، هل هو شخص يخاف الله، فإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكذب، لا سيما في الأمور التي تخلق فتنة أو تثير حرباً، أما إذا كان لا يخاف الله فلا تعتمدوا على خبره، بل تبيّنوا المسألة بطريقتكم الخاصة لتعرفوا صدق هذا الخبر أو كذبه، لأنكم إذا لم تتثبتوا فربما يكون المخبر كاذباً في خبره، فتتصرفون بشكل سلبي ضد هذا الإنسان الذي يتعلق به الخبر، وربما يكون بريئاً فتندمون على تصرفكم هذا حيث لا ينفع الندم، لأنكم تشعرون أنكم آذيتم بريئاً أو حمّلتموه ما لا حقّ لكم فيه.
اتّساع دائرة الإعلام
وهذا الخط إذا كانت له سلبيات وإيجابيات في زمن النبي(ص)فإنه كان ينحصر بشخص، لأنه لم تكن هناك أجهزة إعلام تنقل الخبر، من صحف ووكالات أنباء وأجهزة المخابرات المحلية والإقليمية والدولية التي تصنع الخبر لتربك الساحة، وفي عصرنا هذا، فإن الإيجابيات والسلبيات تتسع في حجم العالم، لأن المسألة الإعلامية أصبحت ترتبط بالمسألة الأمنية والسياسية والاقتصادية، لأن الذين يسيطرون على الواقع السياسي والاجتماعي والأمني قد يريدون أن يخلقوا مشكلة سياسية، فيصنعون خبراً كاذباً ضد هذه الفئة أو تلك، أو الناس الذين يريدون أن يخلقوا مشكلة أمنية للبلد، فينشرون خبراً كاذباً من أجل أن تنطلق الفوضى، أو إذا أرادوا أن يربكوا الواقع الاقتصادي، فيصنعون خبراً اقتصادياً كاذباً من أجل أن تدبّ الفوضى في سوقه واقتصاده، هناك مصانع أخبار من أجل إيجاد نوع من أنواع الإرباك السياسي والاقتصادي والأمني، وهذا هو شغل أجهزة المخابرات على أنواعها، من محلية وإقليمية ودولية وحزبية أيضاً.
التثبت من شخصية المخبر
لذلك، أصبحت هذه المسألة من المسائل التي تمثل خطورة في المستوى العام والخاص، وكم من الناس الذين يأتون إليك ليخبروك أخباراً سلبية عن زوجتك أو العكس، وتثور المشاكل العائلية ويُربك المجتمع. لذلك، يريد الله تعالى للإنسان أن يدرس شخصية المخبر، هل هو فاسق، والفاسق هو الإنسان الذي لا يسير على خط الاستقامة في الدين ولا يخاف الله، ومعنى أن تتبيّن هو أن تستعمل وسائلك الخاصة في التثبت، وهذا ما أشار إليه الإمام عليّ (ع) في قوله: "بين الحق والباطل أربع أصابع، الحق أن تقول رأيت، والباطل أن تقول سمعت".
وقد حدثت في زمن النبي(ص) بعض الأمور الخاصة في هذا المجال، وقد نبّه الله تعالى إليها؛ منها أنه في زمن الحروب التي كانت تحدث بين المسلمين والمشركين وغيرهم، كان بعض السذّج أو الخائفين يشيعون بين الناس خبر الحرب وما إلى ذلك، فينتشر الخوف والفوضى داخل المجتمع، وهو ما جاء في قوله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول – وفي أيامنا إلى القيادة الصالحة الواعية – وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً}، وهذا ما ينبغي لنا أن نواجهه، لا سيما وأن المنطقة تعيش حالات الاهتزاز والأمن والخوف، ونحن لا نتحدث فقط عن لبنان، بل عن كل بلد إسلامي، فعلينا أن لا ننقل الأخبار التي تتصل بالأمن لمجرد سماعها، فقد يكون الذين صنعوا هذه الأخبار يدبّرون خطة لتنفيذ سياسة سلبية في المجتمع.
وهناك الأخبار التي تتعرّض لأعراض الناس، وقد واجه النبي مسألةً تتصل بعرضه، عندما جاء شخص ادّعى أن إنساناً اعتدى على بعض زوجات النبي – واختلف المؤرخون هل هي عائشة أم مارية القبطية - وانتشرت القصة بين المسلمين وحدث اهتزاز، وكان النبي (ص) يقول عندما يُسأل عن ذلك: "أنا أنتظر أمر ربي"، لأنها ليست قضية شخصية، بل هي قضية تتصل ببيته وتستتبع أشياء أخرى، وقد أخبرنا الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك – كلام الزور والكذب - عصبة منكم لا تحسبونه شراً لكم بل هو خير لكم – على طريقة "ربّ ضارة نافعة" - لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولّى كبره – الذي أطلق الإشاعة - منهم له عذاب عظيم * لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك – بادروا إلى استبعاده – مبين * لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء – وهي القاعدة الإسلامية لمعالجة القذف بالزنى، ولا بدّ لهؤلاء الشهود الأربع أن يشهدوا على عملية الزنى بتفاصيلها – فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون* ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسّكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم* ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم* يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين* ويبيّن الله لكم الآيات إن الله عليم حكيم}..
عواقب الإساءة في نقل الخبر
يستوحى من هذه الآيات الكريمة بأنه علينا أن نتحفّظ في ما نسمع ونتكلم، لأن هناك تعقيدات وعصبيات حزبية وعائلية، وأخيراً العصبيات المرجعية التي أصبحت تصنع أخباراً وأحاديث لتشويه صورة هذه العائلة أو تلك العائلة، صورة هذا العالِم وذاك العالِم، والشخص الذي ينقل هذه الأمور ليس عادلاً لأنه من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.. فعندما نسمع منه هذه الأخبار، علينا أن لا نصدق إلا بعد أن نتثبت ونتحقق، حتى لا يكون موقفنا موقف الظالم، لأن كل إنسان يتكلم بكلام يهتك به حرمة مؤمن ويشهّر به ويضعف مكانته في الناس يُكتب من الظلمة يوم القيامة.. وعلينا أن لا ننسى أن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة سبعين مرة، لذلك عندما تهتك حرمته وتشهّر به وتنزل مقامه وتغتابه وتكذب عليه، فكأنك أتيت بأعظم مما إذا كنت هدمت الكعبة.
الإسلام أخلاق وسلوك وتقوى ووقوف عند حدود الله، لا أن تنطلق مع الناس في ما يفعلون ويسمعون ويتكلمون، وعلينا أن نتمعن في هذا الحوار الذي ينقله القرآن الكريم بين أهل الجنة وأهل النار: {كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين – الناس تتكلم بشيء فنمشي معهم، في "الوحل" السياسي والاجتماعي والأمني - وكنا نكذّب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين}، فعندما تسمع وتتكلم بما لم تتثبت منه فأنت ممن يخوض مع الخائضين، فنسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصالحين على أنفسهم.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله، وواجهوا كل تحديات الاستكبار العالمي والكفر العالمي والظلم العالمي والمحلي بوعي، وعي يعرف خلفيات الأمور فلا يستسلم للخداع الذي يحاول أصحاب الرأي المضادّ والموقف المضادّ أن يخدعوا به الناس بما يصوغونه من أساليبهم في إرباك الواقع الإسلامي على مستوى إثارة الفتن والعصبيات. وعلينا أن نعرف أن الاستكبار العالمي بكل أجهزته يحاول أن يتدخّل في كل أمورنا، حتى أن بعض المواقع جعلت هذا الاستكبار حكماً، وهذا ما حدث في فلسطين عندما دفعت أمريكا رئيس استخباراتها وغيره ليضع مشروعاً لإنقاذ إسرائيل من مأزقها، بحيث أصبحنا من السذاجة في واقعنا السياسي بأننا نرجع إلى المخابرات المركزية الأمريكية لتضع حلولاً لمشاكلنا!!
الإدارات الأمريكية … إسرائيل أولاَ
لا تزال الإدارات الأمريكية تعمل تحت شعار "إسرائيل أولاً" في كل سياستها في المنطقة وخارجها، بقدر ما يتصل الأمر بالدعم السياسي والأمني والاقتصادي لإسرائيل، وإرباك كل القضايا المضادّة لها لأيّ بلد عربي أو إسلامي، بما في ذلك حلفاء أمريكا من العرب وغيرهم، الذين تمارس معهم دور الخديعة بالكلمات المعسولة والأساليب الضبابية..
وهذا هو ما تمارسه الإدارة الأمريكية الجديدة التي ينظر إليها الجميع في العالم العربي والدولي على أنها الفريق الذي يمسك بيده أوراق الحل للصراع العربي – الإسرائيلي، وبالتالي حل المسألة الفلسطينية، ولكنها منذ بدأت الحركة في هذا الاتجاه أعلنت أنها لا تمنح الأولوية لهذه المسألة، واستقبلت رئيس حكومة العدو الذي عرفه العالم مجرم حرب من أكثر المجرمين وحشية في مجازره المتعددة في فلسطين ولبنان، وطلبت من حلفائها إعطاءه فرصة ليثبت شخصيته الجديدة في صنع ما تسميه "السلام"، ورفضت استقبال رئيس السلطة الفلسطينية وحمّلته مسؤولية ما تسميه "العنف"، وهذا هو مصطلحها السياسي للانتفاضة التي امتنعت من اعتبارها حركة تحرير من أجل تقرير المصير لشعب كامل مظلوم مشرّد عن أرضه وفي أرضه، بل اعتبرتها حركة إرهاب وإرباك للأمن الإسرائيلي..
ثم بدأت أمريكا تعمل بكل قوة سياسياً وأمنياً لإخراج إسرائيل من المأزق الذي فرضته الانتفاضة، فأرسلت مؤخراً وزير خارجيتها الذي جاء ليبدد أجواء الخلاف بين "بوش" و"شارون"، الذي كانت أجهزة الإعلام قد تناقلته، وأكد أن "شارون" هو وحده الذي يحدد ما إذا كانت نسبة "العنف في المناطق الفلسطينية شهدت انخفاضاً"، من أجل المضيّ قدماً بتنفيذ توصيات لجنة "ميتشل"، على حدّ قوله..
إن على العالم العربي كله، ولا سيما الشعب الفلسطيني، أن يرفض هذا الرجل الذي يمثّل – مع رئيسه – حركة الخداع الأمريكي للفلسطينيين ولشعوب المنطقة كلها، فقد جاء ليتحدث أنه لا يحمل أفكاراً جديدة، وأن الأمر لا يتحدد بجدول زمني، بل ستحدده الوقائع على الأرض، وأن هذه الوقائع – حسب اللغة الأمريكية الإسرائيلية – لا تتناول إلا ما يفعله الفلسطينيون وما لا يفعلوه، أما الإسرائيليون فلهم أن يفعلوا ما يروق لهم، لأنهم - حسب المنطق الأمريكي – "يدافعون عن أمن مواطنيهم وأمن دولتهم ضد الإرهاب الفلسطيني"؟!
إن الشعار الذي تطلقه أمريكا أمام حركة الانتفاضة: أيها الفلسطينيون ارفعوا أيديكم عن إسرائيل، واستسلموا لها، وحافظوا على أمنها، واقبلوا بأن يكون أمنكم على هامش أمنها، ودولتكم على هامش دولتها، وشعبكم على هامش شعبها، وبذلك ترضى عنكم أمريكا الإسرائيلية؟؟
للمجاهدين: تابعوا الانتفاضة…
إننا نقول للفلسطينيين وللعرب والمسلمين جميعاً: إن الإدارة الأمريكية تبيعكم كلاماً مملوءاً بالألغام التي تتفجّر لتخلق في داخلكم الفتن والمشاكل، فلا تصدّقوا أمريكا في كل طروحاتها، لأنها كانت – ولا تزال – تعمل من أجل أمن إسرائيل الذي هو فوق أمن العالم العربي والإسلامي.. ونقول للانتفاضة: إن كل الطروحات، من لجنة "ميتشل" ومشروع "تينيت" وأحاديث "باول" لن تعطيكم حرية واستقلالاً، بل إنها سوف تجمّد انتفاضتكم وتدخلكم في متاهات أمنية تفاوضية، ولن تحصلوا إلا على ما يطرحه "شارون" من أن القدس إسرائيلية، ولا عودة للفلسطينيين اللاجئين، ولا أرض مستقلة لدولة فلسطين التي لا تملك شيئاً من القوة والحرية والاستقلال.. تابعوا الانتفاضة بكل شراسة، ولا تسمحوا بخروج العدو من المأزق، وأغلقوا آذانكم عن كل حديث أمريكي حول الأمن والسياسة.. الحرية أمامكم، والبحر الذي يحمل كل صخب الأمواج السياسية الخطرة وراءكم.
لبنان بين الانتهاكات الإسرائيلية وثقل الأزمة الاقتصادية
وننتقل إلى لبنان، لنلاحظ أولاً أن إسرائيل لا تزال تخترق المجال الجوي اللبناني بطائراتها بين وقت وآخر، من دون احتجاج أمريكي فاعل أو استنكار قوي من الأمم المتحدة، ولكن إذا حدثت هناك عملية للمقاومة ضد الاحتلال، فإن الأوساط الدولية تبادر إلى التهويل بالخوف من الاهتزاز الأمني في لبنان.. ونلاحظ ثانياً أن ضغط المشكلة الاقتصادية لا يزال ينهش من اللحم الاجتماعي للبلد على أكثر من صعيد، وخاصة في مجالات صرف العمّال والموظفين في أكثر من مرفق، بحجة التضخّم العمّالي والوظيفي الذي تنفض الإدارات الحكومية والمؤسسات الأهلية شبه الرسمية يدها من تحمّل مسؤوليته؟!
من يتحمل المسؤولية؟
والسؤال الذي يفرض نفسه: من الذي يتحمّل مسؤولية توظيف هذا العدد الزائد عن الحاجة؛ هل هي إدارة الشركات أم هي الشخصيات النافذة المهيمنة على سياسة البلد في المواقع المتقدّمة؟ ويعود السؤال: لماذا لا يحاسب المسؤولون عن توظيف هذا العدد الهائل من الموظفين الذين رتّب كل منهم حياته على أساس وظيفته، ما قد يجعله غير قادر على الاستفادة من أية فرصة من فرص العمل؟ ولماذا تكون المسؤولية مسؤولية العامل والموظف لا مسؤولية المسؤولين الكبار؟ ثم، لماذا نحن – في كل مرحلة من المراحل – نعمل على ترقيع مشكلة في هذا الموقع، ومشكلة في ذاك الموقع، بعيداً عن الخطة الاقتصادية الشاملة التي لا ندري هل تأتي أو لا تأتي؟
إننا لا نريد أن يُسجّل أن هذا الفريق أو تلك الفئة هي ضد الإصلاح الاقتصادي والإنمائي بفعل أهداف سياسية تُرسم ضد الفريق الذي يمثّل المقاومة، لأن الذي قدّم كل التضحيات لتحرير البلد من ربقة الضغط الذي كان يمثّله الاحتلال، لا يمكن إلا أن يكون سنداً لكل خطة عملية ولكل مشروع حقيقي لإخراج البلد من محنته الاقتصادية المتفاقمة..
لذلك، إننا في رحم هذه الأزمة التي تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، وفي واقع هذا السجال الذي لا ينتهي، نقترح على المسؤولين السابقين والحاليين أن يتنازلوا للدولة ومؤسساتها عن كل الثروات التي جنوها من المال الحرام، ومن كل صفقات المشاريع التي أقاموها والتي "أدبرت لذّاتها فذهبت وأقامت تبعاتها فلزمت"، فإن في ذلك تخفيفاً من وطأة الأزمة المستفحلة، وفرصة لهؤلاء للتكفير عما اقترفوه بحق البلد واقتصاده، لأن علينا دائماً أن نفتش عن المشكلة في جذورها لا في سطحها، وأخشى أن يظل السجال المستمر في سطح الأمور ويبتعد عن الأعماق، والمشكلة كل المشكلة هي في الأعماق والأغوار، وما أكثر الأعماق السياسية اللبنانية وما أبعد أغوارها..
إن الدولة لا بد أن تكون – في عدالتها – أقوى من الأشخاص مهما كانوا كباراً، فلا يكون أحد فوق العدالة، لأن ذلك هو شرط استمرار الوطن، وهو معنى أن يكون لبنان وطناً للجميع.. إن البلد بحاجة إلى سياسة إنمائية واقتصادية في مستوى الرسالة، لأن البلد يتجه نحو حافة الهاوية في مستوى اللعبة التي يركل فيها اللاعبون الكبار البلد بأقدامهم.. أيها اللبنانيون: هل يبقى لبنانكم مزرعة لكل الطامحين والطامعين في المال الحرام، أم يعود وطناً للحق والعدل والصدق والأمانة؛ وطناً للإنسان، لا للذين يلعبون بمصير الإنسان؟! |