ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:
في السابع عشر من شهر ربيع الأول الذي كان موعده الأمس، التقينا بذكرى ولادة رسول الله (ص)، وذكرى ولادة الإمام جعفر الصادق (ع)، وفي هذا اللقاء بالمولد، يلتقي خط أهل البيت (ع) بالإسلام، فنحن نلاحظ أن رسول الله (ص) أطلق الدعوة وأعطى،سواء في تبليغه للقرآن أو في أحاديثه في السنّة النبوية الشريفة، كل ما كان يحتاجه المسلمون في عباداتهم ومعاملاتهم وقضاياهم العامة والخاصة، حتى استطاعت هذه الدعوة أن تصنع لهم مجتمعاً إسلامياً منظّماً خاضعاً للشريعة الإسلامية في كل تفريعاتها وقواعدها ومناهجها.
تحمل مسؤولية الإسلام:
وعندما ندرس حياة الإمام جعفر الصادق (ع)، فإننا نرى أنه ملأ الحياة الإسلامية كلها بعلمه، بحيث إنك لا تجد أيّ عنوان إسلامي في كل العناوين التي تمثّل الإسلام في كل قضاياه، إلا وتناوله الإمام الصادق (ع) وفي أكثر من حديث ودرس، وإذا أحصينا أحاديثه (ع) لبلغت عشرات الألوف. ولذلك، فإننا نعتبر أن الإمام الصادق (ع) كان المجدد للإسلام في كل المجالات العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية وما إلى ذلك، ولهذا فإننا عندما نلتقي في هذه الذكرى بالنبي (ص) وسبطه الإمام الصادق (ع)، فإننا نريد أن نؤكد إسلامنا تأكيداً أساسياً في حياتنا، بحيث نتحمّل مسؤولية الإسلام، فنفهمه وندعو إليه ونعمل به، حتى يستمر الإسلام فينا كما استمر في الأجيال التي سبقتنا.
نتجدد بالإسلام في خط أهل البيت(ع):
وعندما نطل على ذكرى الإمام جعفر الصادق (ع)، فإن علينا أن نؤكد على خط الأئمة من أهل البيت (ع)، في وعيهم للإسلام وفي تفصيلهم له وفي شرحهم لمفاهيمه، وفي تصحيحهم لكل الانحرافات التي طرأت عليه بين وقت وآخر، ولا بدّ لنا أن نعرف أن خط أهل البيت (ع) الذي يمثله عنوان التشيّع، ليس شيئاً آخر غير الإسلام، بل هو عبارة عن تأصيل الإسلام وبلورته وتقويم كل المفاهيم التي أُريد للناس أن يفهموها. ولهذا، فإن يوم المولد هو يوم مولد النبّوة في النبي (ص)، ومولد الإمامة في الإمام (ع)، وعلينا أن نحتفل بهذا اليوم وما بعده احتفالاً ثقافياً اجتماعياً أخلاقياً سياسياً في كل قضايانا، حتى نتجدد بالإسلام في خط أهل البيت (ع)، الذين قال رسول الله (ص) فيهم:"مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى"، والالتزام بأهل البيت (ع) والركوب في سفينتهم يمثل الالتزام بخطهم ونهجهم ووصاياهم ومواعظهم في كل ما قالوه وفعلوه.
لنتعلم من الصادق (ع) كيف نتعامل مع المسلمين:
ونحن عندما نريد أن نتحدث عن الإمام الصادق (ع) الذي ملأ الدنيا علماً وروحانية ومنهجاً وحركة في كل حركته العلمية والثقافية، نريد في هذه الوقفة القصيرة أن نتعرف بعض كلمات الإمام الصادق (ع) التي كان يوصي بها أصحابه، لنتعلم منهاكيف يكون الإسلام شيعياً كما هو خط التشيع في الإسلام، وكيف يتعامل المسلم الشيعي مع المسلم غير الشيعي في الواقع الاجتماعي العام؟ وكيف يكون المسلم الشيعي منفتحاً على غير المسلم الشيعي، متعاوناً معه وناصحاً له؟ فتعالوا نستمع إلى الإمام الصادق (ع) لأصحابه – ونحن أصحابه – لأن وصاياه لم تقتصر على أولئك الذين عاشوا في عصره، ولكنها تمتد لكل من سار على هذا النهج ومن التزم هذا الخط.
ففي رواية عن معاوية بن وهب أنه قال: قلت للإمام الصادق(ع): كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: "تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون ما يصنعون، فوالله إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم"، بمعنى أنهم يتعاملون بكل عقل مفتوح وقلب مفتوح، وبكل ما ينفتح به المسلم على المسلم الآخر، بالأمانة، والتعامل معهم على أساس الخط الإسلامي الذي يجمع بينكم وبينهم، فلا تتعصبوا وتقاطعوا الناس الآخرين، ولكن انفتحوا من أجل أن تتعاونوا معهم.
"هذا أدب جعفر (ع)":
وفي رواية أخرى عن أبي زيد الشحّام قال: قال لي أبو عبد الله (ع): "اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام – ونحن منهم، لأننا نطيعه باعتبار إقرارنا بإمامته ونأخذ بقوله التزاماً بأنه حجة الله علينا، فهذا السلام الذي وجهه الإمام إلى أولئك وجهه إلينا عبر الأجيال - وأوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ – أن لا يفقدكم الله في مواقع أمره ولا يجدكم في مواقع نهيه - والورع في دينكم – أن تجتنبوا الحرام - والاجتهاد لله – أن تجتهدوا في طاعة الله والدعوة إليه بكل ما عندكم من طاقة وإرادة وعزيمة - وصدق الحديث – بحيث لا يجد الناس الذين يستمعون إليكم أيّ كذب في ما تتحدثون به - وأداء الأمانة، وطول السجود – لأن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، وهذا ما يشير به الإمام الصادق (ع) إلى ما رُوي عن رسول الله (ص) في الخطبة التي استقبل بها شهر رمضان عندما قال: إن ظهوركم ثقيلة بأوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم، فإن الله أقسم بعزته أن لا يعذب الساجدين يوم يقوم الناس لرب العالمين" - وحُسْن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص)، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها بَرّاً أو فاجراً، فإن رسول الله (ص) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صِلوا عشائركم – وأغلب عشائرهم كانوا ممن ليسوا على مذهبهم - واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسّن خلقه مع الناس، قيل: "هذا جعفري"، فيسرّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل: "هذا أدب جعفر"، فوالله لحدّثني أبي (ع)، أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ (ع) فيكون زينها – لأنه يمثل الالتزام الإسلامي في خط عليّ (ع) - أدّاهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول: "مَن مثل فلان، إنه لأدّانا للأمانة وأصدقنا للحديث؟".. فهل نحن كذلك؟!
"كونوا لنا دعاة صامتين":
وفي حديث آخر في كتاب "دعائم الإسلام" يقول: روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) أن نفراً أتوه من الكوفة من شيعته يسمعون منه ويأخذون عنه، فأقاموا بالمدينة ما أمكنهم المقام وهم يختلفون إليه ويترددون عليه ويسمعون منه ويأخذون عنه، فلما حضرهم الانصراف وودّعوه قال له بعضهم: أوصنا يا بن رسول الله، فقال (ع): "أوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته واجتناب معاصيه وأداء الأمانة لمن ائتمنكم، وحُسْن الصحبة لمن صحبتموه، وأن تكونوا لنا دعاة صامتين"، فقالوا: يا بن رسول الله، وكيف ندعو إليكم ونحن صموت؟ قال: "تعملون بما أمرناكم به من العمل بطاعة الله، وتتناهون عما نهيناكم عنه من ارتكاب محارم الله، وتعاملون الناس بالصدق والعدل وتؤدّون الأمانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، ولا يطلّع الناس منكم إلا على خير، فإذا رأوا ما أنتم عليه قالوا: "هؤلاء الفلانية – ويقصد الشيعة – رحم الله فلاناً – الإمام الذي أدّبهم وأرشدهم – ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، وعلموا فضل ما كان عندنا فسارعوا إليه". وهذا هو الخط الذي ينبغي لكل جهة اجتماعية أو سياسية أو دينية تريد للناس أن يثقوا بها أن تلتزم به، فتربي أصحابها على الأخلاق واحترام حقوق الناس وأداء حقوقهم، ليتحوّل هذا السلوك إلى دعاية متحركة من خلال القدوة، وهذا ما أراده الإمام الصادق (ع) لكل الذين ينتسبون للإسلام في خط أهل البيت (ع) ويريده لكل المسلمين.
"حببونا إلى الناس ولا تبغّضونا إليهم":
ويتابع الإمام الصادق (ع) وصيته لشيعته فيقول: "أشهد على أبي محمد بن علي رضوان الله عليه ورحمته وبركاته، لقد سمعته يقول:كان أولياؤنا وشيعتنا في ما مضى خير من كانوا فيه، إن كان إمام مسجد في الحي كان منهم، وإن كان مؤذّن في القبيلة كان منهم، وإن كان صاحب وديعة كان منهم، وإن كان صاحب أمانة كان منهم، وإن كان عالِم من الناس يقصدونه لدينهم ومصالح أمورهم كان منهم، فكونوا أنتم كذلك، حببونا إلى الناس ولا تبغّضونا إليهم". وفي توجيه آخر للإمام الصادق (ع) لشيعته يقول: "ما أيسر ما رضي به الناس عنكم كفّ ألسنتكم عنهم"، فلا تسبوا وتلعنوا، حتى تستطيعوا أن تنفتحوا على واقع اجتماعي مميز يجذب الناس إليكم من خلال هذا الخط المستقيم فيكم.
إن أئمتنا (ع) لا يأمروننا إلا بما يرفع مستوانا ويُدخلنا إلى قلب المجتمع لنكون قادته وهداته، فالولاية لأهل البيت (ع) ليست كلمة أو دمعة، ولكنها الخط المستقيم الذي يريدوننا أن نسير عليه في كل قضايانا. لذلك، تأدّبوا بآداب الإسلام وانفتحوا على كل ما جاء عن رسول الله (ص) وعليّ وأولاده (ع)، فإنهم "أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة"، بهم فتح الله وبهم يختم. لقد أرادنا رسول الله (ص) أن نسير في هذا الخط "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
الخطبة الثانية:
عباد الله.. اتقوا الله في كل خطوطكم التي تنطلقون منها تجاه كل قضاياكم العامة والخاصة، والتزموا القرآن الذي هو حبل ممدود من السماء إلى الأرض، والتزموا العترة الطاهرة (ع)، التي تقودكم إلى الأخذ بالقرآن وسنّة النبي (ص)، وتنهج بكم نهج الحق في كل مواقع الحق، التزموا أهل بيت نبيكم (ع) لأنهم يمثلون الخط المستقيم الذي نعرف الله من خلال السير عليه، مما يفرض علينا أن نقرأ أهل البيت (ع) قراءة علمية واسعة منفتحة، فلا يكون حبنا لأهل البيت (ع) مجرد نبضة قلب وخفقة إحساس، بل يكون علماً وعملاً.. ونحن عندما نحتفل بمولد رسول الله (ص) وبمولد الإمام الصادق (ع)، فإننا ننفتح على العالم الإسلامي كله الذي أراد لنا أن ننفتح عليه، فنحمل همّه، ونلتزم قضاياه، ونشارك في كل الخطوات التي تعزز موقع الإسلام والمسلمين، وتؤكد قوته وثباته وصلابته في الحياة، وفي هذا الإطار، نتوقف عند قضية صراعنا مع العدوّ الصهيوني، فماذا في هذه القضية..
مسألة الاحتلال هي الأساس:
لا يزال السجال دائراً في قضية "تفاهم نيسان" بين لبنان والكيان الصهيوني الذي يحاول إثارة الضباب حول المسألة الحيوية وهي مسألة الاحتلال، لأن حركة الصراع تحاول نقل الجدال من القضية الأهم إلى قضية أخرى، وإننا في الوقت الذي نؤكد فيه أن هذا التفاهم لن يُلغى لأنه يمثل مصلحة أمريكية وإسرائيلية معاً، باعتبار أنه يحمي المستوطنين اليهود ويُبعد أمريكا عن مأزق الموقف في مجلس الأمن، نعتقد أن الصمود اللبناني – الشعبي والرسمي – من جهة، وإصرار المقاومة على المواجهة من جهة أخرى، هو الذي يجعل القرار اللبناني قوياً في الساحة..
اللبنانيون في موقع الدفاع عن الأرض والإنسان:
ومن المضحك المبكي، حديث العدو عن التهديد اللبناني بإلحاق الأذى بالمدنيين في المستوطنات عند إلحاق الأذى بالمدنيين في لبنان بأنه "فضيحة لم يسبق لها مثيل"، وأنه "إذن صريح بإلحاق الأذى بالمدنيين"الإسرائيليين"، لأن العدو هو الذي بادر بقتل المدنيين اللبنانيين وتدمير بيوتهم واحتلال أرضهم، بما حوّل الواقع لديهم إلى جحيم، وإن اللبنانيين الآن في موقع الدفاع عن الأرض والإنسان ضد كل مجازر العدو وعدوانه.
لقد فوجئ العدو بالكلام القوي من لبنان، لأنه لم يتعوّد سماع هذه اللهجة الحاسمة، بل تعوّد أسلوب الضعف الذي يتوسل هنا وهناك.. ومن الطريف أن أمريكا تحاول الحديث عن أن "هناك جهات إقليمية متضررة من عملية السلام تقف وراء التصعيد"، من دون أن تشير إلى حركة الجيش الإسرائيلي في العدوان المتكرر على المدنيين، لأن أمريكا لا تريد إدانة إسرائيل، ولا تريد أن يعرف العالم بأن ما يحدث من التصعيد كان إسرائيلياً لا لبنانياً، لأن اللبنانيين يتحركون في ردّ العدوان الذي حوّل حياتهم إلى جحيم لا يُطاق، وأسقط عدداً من الجرحى والشهداء.
مأساة لبنان من أمريكا:
إن موقف واشنطن من تحميل المقاومة المسؤولية من جهة، وإيران من جهة أخرى، يرتكز على السياسة الأمريكية الثابتة التي لا تريد للمجاهدين أن يحرروا أرضهم بالقوة، ولا تريد لإسرائيل أن تنسحب من لبنان بدون مكاسب، بل إننا نلاحظ أن أمريكا تتحرك من أجل مصالحها في المنطقة التي تراها في إبقاء الاحتلال ريثما يفرض العدوّ شروطه على لبنان وسوريا، وهذا ما لاحظناه سابقاً في ردّ الفعل الأمريكي على دعوة بعض المسؤولين الصهاينة للانسحاب من طرف واحد.
إن على الجميع أن يعرفوا أن المسألة ليست مسألة تدخّل إقليمي هنا وهناك، بل هي مسألة الشعب اللبناني الذي يريد تحرير أرضه، وإذا كانت أمريكا تتحدث عن حقوق الإنسان في "كوسوفو" مبررة بذلك حربها الأطلسية هناك، فلماذا تتنكّر لحقوق الإنسان اللبناني التي ينتهكها العدو الصهيوني؟! إن كل مأساة لبنان هي من أمريكا الذي هدد سفيرها في لبنان منذ أيام بأن "استمرار المقاومة في الدفاع عن اللبنانيين سوف يُطلق يد الجيش الصهيوني في لبنان من دون أن تفعل أمريكا معه شيئاً".. والسؤال لأمريكا: هل يمكن لدولة تتحدث عن حقوق الإنسان في العالم أن تساوي بين المحتل وبين الشعب الذي يعاني من ضغط الاحتلال؟؟
أيها اللبنانيون: إن أمريكا شريكة إسرائيل في كل هذا التدمير للمنشآت الحيوية للشعب اللبناني، لأنها هي التي أعطت الضوء الأخضر للعدو لكي يمتد ويتوسع في عدوانه، فتذكّروا ذلك دائماً في مستقبل الأجيال المقبلة.
ليبق الصوت واحداً في دعم الجهاد والمجاهدين:
لقد استطاع لبنان أن يقف في موقع التحدي ضد القوة الصهيونية، من خلال المقاومة في موقفها الحاسم في حرب الاستنـزاف للعدو، فعلى الشعب اللبناني وحكومته، والشعوب العربية وحكوماتها، العمل على دعم المجاهدين، لأنها المرة الأولى التي يقف فيها شعب عربي في خط المواجهة الصلب ضد العدو من أجل الحرية والعزة والكرامة والتحرير.
إن المرحلة الحاضرة دقيقة جداً في مستقبل الصراع مع العدو، ولا بدّ للبنانيين والعرب من المتابعة الدقيقة للأوضاع كلها بوعي وحذر، والتحرك من أجل إعادة الإعمار وإزالة آثار العدوان، فإن الأمة التي تبادر إلى بناء ما يهدمه العدو، وتصمد في مواقفها السياسية، ولا تعطي بيدها إعطاء الذليل، ولا تقدّم التنازلات تحت تأثير العدوان، هي أمة تملك العنفوان في قوة الموقف وصلابة الثبات، ولا بدّ من أن يبقى الصوت واحداً في دعم الجهاد والمجاهدين، بعيداً عن كل استهلاك للكلام، بما يُعطي العدو عذراً، وبما يُشكك بحركة المقاومة أو يثير الضباب حولها.
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:
في السابع عشر من شهر ربيع الأول الذي كان موعده الأمس، التقينا بذكرى ولادة رسول الله (ص)، وذكرى ولادة الإمام جعفر الصادق (ع)، وفي هذا اللقاء بالمولد، يلتقي خط أهل البيت (ع) بالإسلام، فنحن نلاحظ أن رسول الله (ص) أطلق الدعوة وأعطى،سواء في تبليغه للقرآن أو في أحاديثه في السنّة النبوية الشريفة، كل ما كان يحتاجه المسلمون في عباداتهم ومعاملاتهم وقضاياهم العامة والخاصة، حتى استطاعت هذه الدعوة أن تصنع لهم مجتمعاً إسلامياً منظّماً خاضعاً للشريعة الإسلامية في كل تفريعاتها وقواعدها ومناهجها.
تحمل مسؤولية الإسلام:
وعندما ندرس حياة الإمام جعفر الصادق (ع)، فإننا نرى أنه ملأ الحياة الإسلامية كلها بعلمه، بحيث إنك لا تجد أيّ عنوان إسلامي في كل العناوين التي تمثّل الإسلام في كل قضاياه، إلا وتناوله الإمام الصادق (ع) وفي أكثر من حديث ودرس، وإذا أحصينا أحاديثه (ع) لبلغت عشرات الألوف. ولذلك، فإننا نعتبر أن الإمام الصادق (ع) كان المجدد للإسلام في كل المجالات العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية وما إلى ذلك، ولهذا فإننا عندما نلتقي في هذه الذكرى بالنبي (ص) وسبطه الإمام الصادق (ع)، فإننا نريد أن نؤكد إسلامنا تأكيداً أساسياً في حياتنا، بحيث نتحمّل مسؤولية الإسلام، فنفهمه وندعو إليه ونعمل به، حتى يستمر الإسلام فينا كما استمر في الأجيال التي سبقتنا.
نتجدد بالإسلام في خط أهل البيت(ع):
وعندما نطل على ذكرى الإمام جعفر الصادق (ع)، فإن علينا أن نؤكد على خط الأئمة من أهل البيت (ع)، في وعيهم للإسلام وفي تفصيلهم له وفي شرحهم لمفاهيمه، وفي تصحيحهم لكل الانحرافات التي طرأت عليه بين وقت وآخر، ولا بدّ لنا أن نعرف أن خط أهل البيت (ع) الذي يمثله عنوان التشيّع، ليس شيئاً آخر غير الإسلام، بل هو عبارة عن تأصيل الإسلام وبلورته وتقويم كل المفاهيم التي أُريد للناس أن يفهموها. ولهذا، فإن يوم المولد هو يوم مولد النبّوة في النبي (ص)، ومولد الإمامة في الإمام (ع)، وعلينا أن نحتفل بهذا اليوم وما بعده احتفالاً ثقافياً اجتماعياً أخلاقياً سياسياً في كل قضايانا، حتى نتجدد بالإسلام في خط أهل البيت (ع)، الذين قال رسول الله (ص) فيهم:"مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى"، والالتزام بأهل البيت (ع) والركوب في سفينتهم يمثل الالتزام بخطهم ونهجهم ووصاياهم ومواعظهم في كل ما قالوه وفعلوه.
لنتعلم من الصادق (ع) كيف نتعامل مع المسلمين:
ونحن عندما نريد أن نتحدث عن الإمام الصادق (ع) الذي ملأ الدنيا علماً وروحانية ومنهجاً وحركة في كل حركته العلمية والثقافية، نريد في هذه الوقفة القصيرة أن نتعرف بعض كلمات الإمام الصادق (ع) التي كان يوصي بها أصحابه، لنتعلم منهاكيف يكون الإسلام شيعياً كما هو خط التشيع في الإسلام، وكيف يتعامل المسلم الشيعي مع المسلم غير الشيعي في الواقع الاجتماعي العام؟ وكيف يكون المسلم الشيعي منفتحاً على غير المسلم الشيعي، متعاوناً معه وناصحاً له؟ فتعالوا نستمع إلى الإمام الصادق (ع) لأصحابه – ونحن أصحابه – لأن وصاياه لم تقتصر على أولئك الذين عاشوا في عصره، ولكنها تمتد لكل من سار على هذا النهج ومن التزم هذا الخط.
ففي رواية عن معاوية بن وهب أنه قال: قلت للإمام الصادق(ع): كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: "تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون ما يصنعون، فوالله إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم"، بمعنى أنهم يتعاملون بكل عقل مفتوح وقلب مفتوح، وبكل ما ينفتح به المسلم على المسلم الآخر، بالأمانة، والتعامل معهم على أساس الخط الإسلامي الذي يجمع بينكم وبينهم، فلا تتعصبوا وتقاطعوا الناس الآخرين، ولكن انفتحوا من أجل أن تتعاونوا معهم.
"هذا أدب جعفر (ع)":
وفي رواية أخرى عن أبي زيد الشحّام قال: قال لي أبو عبد الله (ع): "اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام – ونحن منهم، لأننا نطيعه باعتبار إقرارنا بإمامته ونأخذ بقوله التزاماً بأنه حجة الله علينا، فهذا السلام الذي وجهه الإمام إلى أولئك وجهه إلينا عبر الأجيال - وأوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ – أن لا يفقدكم الله في مواقع أمره ولا يجدكم في مواقع نهيه - والورع في دينكم – أن تجتنبوا الحرام - والاجتهاد لله – أن تجتهدوا في طاعة الله والدعوة إليه بكل ما عندكم من طاقة وإرادة وعزيمة - وصدق الحديث – بحيث لا يجد الناس الذين يستمعون إليكم أيّ كذب في ما تتحدثون به - وأداء الأمانة، وطول السجود – لأن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، وهذا ما يشير به الإمام الصادق (ع) إلى ما رُوي عن رسول الله (ص) في الخطبة التي استقبل بها شهر رمضان عندما قال: إن ظهوركم ثقيلة بأوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم، فإن الله أقسم بعزته أن لا يعذب الساجدين يوم يقوم الناس لرب العالمين" - وحُسْن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص)، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها بَرّاً أو فاجراً، فإن رسول الله (ص) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صِلوا عشائركم – وأغلب عشائرهم كانوا ممن ليسوا على مذهبهم - واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسّن خلقه مع الناس، قيل: "هذا جعفري"، فيسرّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل: "هذا أدب جعفر"، فوالله لحدّثني أبي (ع)، أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ (ع) فيكون زينها – لأنه يمثل الالتزام الإسلامي في خط عليّ (ع) - أدّاهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول: "مَن مثل فلان، إنه لأدّانا للأمانة وأصدقنا للحديث؟".. فهل نحن كذلك؟!
"كونوا لنا دعاة صامتين":
وفي حديث آخر في كتاب "دعائم الإسلام" يقول: روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) أن نفراً أتوه من الكوفة من شيعته يسمعون منه ويأخذون عنه، فأقاموا بالمدينة ما أمكنهم المقام وهم يختلفون إليه ويترددون عليه ويسمعون منه ويأخذون عنه، فلما حضرهم الانصراف وودّعوه قال له بعضهم: أوصنا يا بن رسول الله، فقال (ع): "أوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته واجتناب معاصيه وأداء الأمانة لمن ائتمنكم، وحُسْن الصحبة لمن صحبتموه، وأن تكونوا لنا دعاة صامتين"، فقالوا: يا بن رسول الله، وكيف ندعو إليكم ونحن صموت؟ قال: "تعملون بما أمرناكم به من العمل بطاعة الله، وتتناهون عما نهيناكم عنه من ارتكاب محارم الله، وتعاملون الناس بالصدق والعدل وتؤدّون الأمانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، ولا يطلّع الناس منكم إلا على خير، فإذا رأوا ما أنتم عليه قالوا: "هؤلاء الفلانية – ويقصد الشيعة – رحم الله فلاناً – الإمام الذي أدّبهم وأرشدهم – ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، وعلموا فضل ما كان عندنا فسارعوا إليه". وهذا هو الخط الذي ينبغي لكل جهة اجتماعية أو سياسية أو دينية تريد للناس أن يثقوا بها أن تلتزم به، فتربي أصحابها على الأخلاق واحترام حقوق الناس وأداء حقوقهم، ليتحوّل هذا السلوك إلى دعاية متحركة من خلال القدوة، وهذا ما أراده الإمام الصادق (ع) لكل الذين ينتسبون للإسلام في خط أهل البيت (ع) ويريده لكل المسلمين.
"حببونا إلى الناس ولا تبغّضونا إليهم":
ويتابع الإمام الصادق (ع) وصيته لشيعته فيقول: "أشهد على أبي محمد بن علي رضوان الله عليه ورحمته وبركاته، لقد سمعته يقول:كان أولياؤنا وشيعتنا في ما مضى خير من كانوا فيه، إن كان إمام مسجد في الحي كان منهم، وإن كان مؤذّن في القبيلة كان منهم، وإن كان صاحب وديعة كان منهم، وإن كان صاحب أمانة كان منهم، وإن كان عالِم من الناس يقصدونه لدينهم ومصالح أمورهم كان منهم، فكونوا أنتم كذلك، حببونا إلى الناس ولا تبغّضونا إليهم". وفي توجيه آخر للإمام الصادق (ع) لشيعته يقول: "ما أيسر ما رضي به الناس عنكم كفّ ألسنتكم عنهم"، فلا تسبوا وتلعنوا، حتى تستطيعوا أن تنفتحوا على واقع اجتماعي مميز يجذب الناس إليكم من خلال هذا الخط المستقيم فيكم.
إن أئمتنا (ع) لا يأمروننا إلا بما يرفع مستوانا ويُدخلنا إلى قلب المجتمع لنكون قادته وهداته، فالولاية لأهل البيت (ع) ليست كلمة أو دمعة، ولكنها الخط المستقيم الذي يريدوننا أن نسير عليه في كل قضايانا. لذلك، تأدّبوا بآداب الإسلام وانفتحوا على كل ما جاء عن رسول الله (ص) وعليّ وأولاده (ع)، فإنهم "أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة"، بهم فتح الله وبهم يختم. لقد أرادنا رسول الله (ص) أن نسير في هذا الخط "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
الخطبة الثانية:
عباد الله.. اتقوا الله في كل خطوطكم التي تنطلقون منها تجاه كل قضاياكم العامة والخاصة، والتزموا القرآن الذي هو حبل ممدود من السماء إلى الأرض، والتزموا العترة الطاهرة (ع)، التي تقودكم إلى الأخذ بالقرآن وسنّة النبي (ص)، وتنهج بكم نهج الحق في كل مواقع الحق، التزموا أهل بيت نبيكم (ع) لأنهم يمثلون الخط المستقيم الذي نعرف الله من خلال السير عليه، مما يفرض علينا أن نقرأ أهل البيت (ع) قراءة علمية واسعة منفتحة، فلا يكون حبنا لأهل البيت (ع) مجرد نبضة قلب وخفقة إحساس، بل يكون علماً وعملاً.. ونحن عندما نحتفل بمولد رسول الله (ص) وبمولد الإمام الصادق (ع)، فإننا ننفتح على العالم الإسلامي كله الذي أراد لنا أن ننفتح عليه، فنحمل همّه، ونلتزم قضاياه، ونشارك في كل الخطوات التي تعزز موقع الإسلام والمسلمين، وتؤكد قوته وثباته وصلابته في الحياة، وفي هذا الإطار، نتوقف عند قضية صراعنا مع العدوّ الصهيوني، فماذا في هذه القضية..
مسألة الاحتلال هي الأساس:
لا يزال السجال دائراً في قضية "تفاهم نيسان" بين لبنان والكيان الصهيوني الذي يحاول إثارة الضباب حول المسألة الحيوية وهي مسألة الاحتلال، لأن حركة الصراع تحاول نقل الجدال من القضية الأهم إلى قضية أخرى، وإننا في الوقت الذي نؤكد فيه أن هذا التفاهم لن يُلغى لأنه يمثل مصلحة أمريكية وإسرائيلية معاً، باعتبار أنه يحمي المستوطنين اليهود ويُبعد أمريكا عن مأزق الموقف في مجلس الأمن، نعتقد أن الصمود اللبناني – الشعبي والرسمي – من جهة، وإصرار المقاومة على المواجهة من جهة أخرى، هو الذي يجعل القرار اللبناني قوياً في الساحة..
اللبنانيون في موقع الدفاع عن الأرض والإنسان:
ومن المضحك المبكي، حديث العدو عن التهديد اللبناني بإلحاق الأذى بالمدنيين في المستوطنات عند إلحاق الأذى بالمدنيين في لبنان بأنه "فضيحة لم يسبق لها مثيل"، وأنه "إذن صريح بإلحاق الأذى بالمدنيين"الإسرائيليين"، لأن العدو هو الذي بادر بقتل المدنيين اللبنانيين وتدمير بيوتهم واحتلال أرضهم، بما حوّل الواقع لديهم إلى جحيم، وإن اللبنانيين الآن في موقع الدفاع عن الأرض والإنسان ضد كل مجازر العدو وعدوانه.
لقد فوجئ العدو بالكلام القوي من لبنان، لأنه لم يتعوّد سماع هذه اللهجة الحاسمة، بل تعوّد أسلوب الضعف الذي يتوسل هنا وهناك.. ومن الطريف أن أمريكا تحاول الحديث عن أن "هناك جهات إقليمية متضررة من عملية السلام تقف وراء التصعيد"، من دون أن تشير إلى حركة الجيش الإسرائيلي في العدوان المتكرر على المدنيين، لأن أمريكا لا تريد إدانة إسرائيل، ولا تريد أن يعرف العالم بأن ما يحدث من التصعيد كان إسرائيلياً لا لبنانياً، لأن اللبنانيين يتحركون في ردّ العدوان الذي حوّل حياتهم إلى جحيم لا يُطاق، وأسقط عدداً من الجرحى والشهداء.
مأساة لبنان من أمريكا:
إن موقف واشنطن من تحميل المقاومة المسؤولية من جهة، وإيران من جهة أخرى، يرتكز على السياسة الأمريكية الثابتة التي لا تريد للمجاهدين أن يحرروا أرضهم بالقوة، ولا تريد لإسرائيل أن تنسحب من لبنان بدون مكاسب، بل إننا نلاحظ أن أمريكا تتحرك من أجل مصالحها في المنطقة التي تراها في إبقاء الاحتلال ريثما يفرض العدوّ شروطه على لبنان وسوريا، وهذا ما لاحظناه سابقاً في ردّ الفعل الأمريكي على دعوة بعض المسؤولين الصهاينة للانسحاب من طرف واحد.
إن على الجميع أن يعرفوا أن المسألة ليست مسألة تدخّل إقليمي هنا وهناك، بل هي مسألة الشعب اللبناني الذي يريد تحرير أرضه، وإذا كانت أمريكا تتحدث عن حقوق الإنسان في "كوسوفو" مبررة بذلك حربها الأطلسية هناك، فلماذا تتنكّر لحقوق الإنسان اللبناني التي ينتهكها العدو الصهيوني؟! إن كل مأساة لبنان هي من أمريكا الذي هدد سفيرها في لبنان منذ أيام بأن "استمرار المقاومة في الدفاع عن اللبنانيين سوف يُطلق يد الجيش الصهيوني في لبنان من دون أن تفعل أمريكا معه شيئاً".. والسؤال لأمريكا: هل يمكن لدولة تتحدث عن حقوق الإنسان في العالم أن تساوي بين المحتل وبين الشعب الذي يعاني من ضغط الاحتلال؟؟
أيها اللبنانيون: إن أمريكا شريكة إسرائيل في كل هذا التدمير للمنشآت الحيوية للشعب اللبناني، لأنها هي التي أعطت الضوء الأخضر للعدو لكي يمتد ويتوسع في عدوانه، فتذكّروا ذلك دائماً في مستقبل الأجيال المقبلة.
ليبق الصوت واحداً في دعم الجهاد والمجاهدين:
لقد استطاع لبنان أن يقف في موقع التحدي ضد القوة الصهيونية، من خلال المقاومة في موقفها الحاسم في حرب الاستنـزاف للعدو، فعلى الشعب اللبناني وحكومته، والشعوب العربية وحكوماتها، العمل على دعم المجاهدين، لأنها المرة الأولى التي يقف فيها شعب عربي في خط المواجهة الصلب ضد العدو من أجل الحرية والعزة والكرامة والتحرير.
إن المرحلة الحاضرة دقيقة جداً في مستقبل الصراع مع العدو، ولا بدّ للبنانيين والعرب من المتابعة الدقيقة للأوضاع كلها بوعي وحذر، والتحرك من أجل إعادة الإعمار وإزالة آثار العدوان، فإن الأمة التي تبادر إلى بناء ما يهدمه العدو، وتصمد في مواقفها السياسية، ولا تعطي بيدها إعطاء الذليل، ولا تقدّم التنازلات تحت تأثير العدوان، هي أمة تملك العنفوان في قوة الموقف وصلابة الثبات، ولا بدّ من أن يبقى الصوت واحداً في دعم الجهاد والمجاهدين، بعيداً عن كل استهلاك للكلام، بما يُعطي العدو عذراً، وبما يُشكك بحركة المقاومة أو يثير الضباب حولها.