وقفة تأمل في ذكرى ولادة سيد وِلْد آدم : نجدد إسلام

وقفة تأمل في ذكرى ولادة سيد وِلْد آدم : نجدد إسلام
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

إننا نعيش في هذه الأيام ذكرى مولد الرسول الأعظم محمد (ص)، فالمولد هو في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، حسب المشهور عند إخواننا من أهل السنّة، كما ذهب إليه من علماء الشيعة الشيخ الكليني في كتابه "الكافي"، أو هو في السابع عشر من شهر ربيع الأول، وهو المشهور عند علماء الشيعة. ومهما يكن، فإن رسول الله (ص) بكله هو تاريخنا، ليس رسول الله محصوراً في زمن، بل له التاريخ كله، لأنه هو الذي صنع لنا التاريخ من خلال رسالته وجهاده وكل المعاناة التي عاناها في سبيل أن يبلّغ الرسالة، وأن يبعث الأمة ويعلّمها الكتاب والحكمة ويزكيها ويهديها الى الصراط المستقيم.

مسؤوليتنا أمام الرسول (ص):

ونحن في ذكرى رسول الله (ص)، لا بدّ لنا أن نقف وقفة تأمل لنفكر ما هي مسؤوليتنا أمام رسول الله (ص)، وكيف يمكن لنا أن نؤكد في حياتنا التزامنا به، باعتبار أن الله تعالى أرسله للناس كافة: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً}، للناس الذين كانوا معه في مرحلته، وللناس الذين جاءوا من بعده، فالرسول يموت ولكنه باق في رسالته، وعلى الذين يلتزمون رسالته أن يتابعوها فكراً يفكرون به، ودعوة يدعون إليها، وعملاً يعملون به.

ونحن نعيش في هذه المرحلة من الحياة كجيل جاء بعد أجيال متتابعة منذ عهد الرسالة الأول في ساحة تتصارع فيها الأفكار، وتختلف فيها الديانات، فهناك أكثر من ديانة تتحرك في الساحة على مستوى التحدي للإسلام أو التبشير بغيره أو ما إلى ذلك، وهناك أكثر من تيار علماني إلحادي في بعض مواقعه وغير إلحادي في مواقع أخرى، ولكنه ينكر الشريعة والشرع. وفي مقابل ذلك، علينا أن نحدد هويتنا الإسلامية، بحيث يكون عقلنا عقلاً إسلامياً، فلا نُدخل فيه أيّ شيء من الكفر والانحراف، وأن تكون قلوبنا قلوباً إسلامية، فنحب من أحبه الله، ونبغض من أبغضه، وأن تكون حياتنا حياة إسلامية يعيشها كل واحد منا في نفسه، وفي بيته مع أهله، وفي المجتمع مع الناس الذين يرتبط بهم من خلال علاقة هنا وعلاقة هناك.. أن يكون الإسلام هو الأساس الذي ترتكز عليه الخطوات والعلاقات، بحيث إن على الرجل التفكير في ما هو الحكم الإسلامي في طريقة تصرفه مع زوجته، وكذلك الزوجة مع زوجها، وهكذا في مسألة الأولاد مع ابائهم وأمهاتهم وما إلى ذلك، ومع كل الناس، حتى أننا في معاملاتنا عندما نتعامل بيعاً أو شراءً أو إجارة، فإن علينا أن تكون عقودنا عقوداً إسلامية تعتمد معيار الحكم الشرعي في صحة هذا العقد وفساده، وشرعية إقامة هذه العلاقة وعدم إقامتها، وذلك حتى تكون كل حياتنا خاضعة بكل مفرداتها لكلمة الله تعالى ولكلمة الرسول (ص).

وهذا ما ينبغي لنا أن نؤكد عليه، لأننا سوف نقف غداً بين يدي الله تعالى، وسوف نلتقي برسول الله (ص)، وسيسألنا رسول الله عن رسالته كيف حفظناها في أنفسنا وفي الناس من حولنا، وسوف يسألنا الله تعالى عن دينه كيف التزمناه ورعيناه في حياتنا وفي كل مواقعنا وعلاقاتنا، لأن الله تعالى سوف يحاسبنا فيثيبنا أو يعاقبنا على أساس الإسلام، لذا لا بد في ذكراه(ص) من الالتزام بكون الإسلام هو العنوان الذي يعيش في كل شخصياتنا، فيفحص كل واحد منا عقله هل هو عقل إسلامي أو عقل كافر، ويفحص قلبه هل هو قلب ينفتح على الإسلام أو ينفتح على الكفر.

علامة حب الله اتباع الرسول (ص):

وفي ظل الأجواء المباركة لولادته(ص)، تعالوا نقرأ كلمات الله تعالى التي نتعلم منها كيف تكون علاقتنا مع رسول الله(ص)، ليفحص كل واحد منا في ضوئها إسلامه ونفسه، هل هو مسلم كما يجب أن يكون، أم أن هناك بعض الأمراض في حياته تبعده عن الإسلام؟

يقول الله تعالى مخاطباً نبيه: {قل إن كنتم تحبون الله – هل تحبون الله أم لا؟ ومن الطبيعي أن جميعنا نهتف بمحبة الله، لأنه هو الذي أوجدنا ورزقنا، وهو الذي يدبّر أمورنا، فإذا كنا نحب الله، فما هي علامة هذا الحب؟ – فاتبعوني – اعملوا برسالتي واتبعوني في الفكر والعاطفة وفي كل حركة الحياة – يحببكم الله – فإذا اتبعتموني فإن الله سوف يبادلكم حباً بحب، لأن حبنا لله ليس مجرد مشاعر وأحاسيس نعبّر عنها بالكلمات، ولكن هو الموقف الذي يجعلنا نتحرك في خط رسالة رسول الله (ص)– ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}. ويقول تعالى في موقع آخر: {وما أرسلنا من رسول إلا ليُطاع بإذن الله – إن الرسول ليس مجرد إنسان يرسله الله ليصفق له الناس ويهتفوا باسمه، ولكنه أرسل برسالة الله وليُطاع بإذنه – ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً – فالله تعالى لا يُغلق رحمته ومغفرته عن التائبين – فلا وربك لا يؤمنون – لا يستحقون صفة الإيمان حتى لو هتفوا بكلمة الإيمان – حتى يحكّموك فيما شجر بينهم – بحيث إذا تنازعوا في أية قضية تتصل بالفكر أو العاطفة أو المعاملات أو العلاقات، فإنهم يرجعون إلى الرسول ليحكّموه بشخصه حال حياته، أو ليحكّموا رسالته بعد غيابه عن الدنيا، لتكون الحدّ الفاصل بين الرفض والإثبات – ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}.

بين حكم الله وحكم الطاغوت:

ويؤكد الله تعالى هذا المعنى في آية مباركة أخرى فيقول: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، يعني لست حراً أيها المؤمن وأيتها المؤمنة إذا أصدر الله أو رسوله حكماً في أن تستقل برأيك وتنسجم مع مزاجك، لأنك عبد لله وحر أمام العالم.. ويقول الله تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمّي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}، فإن في اتباع النبي الهدى كل الهدى الذي يؤدي بك إلى الجنة. ثم يتحدث الله تعالى عن طريقة بعض الناس في معالجة اختلافاتهم حول أيّ أمر من الأمور، وما أكثر ما يختلف الناس في كثير من الشؤون، فحين يدعو أحدهم الآخر للذهاب إلى الشرع ليحكم بينهما، لأن الحكم الذي لا بد لنا أن نخضع له هو حكم الإسلام، سرعان ما يذهب، ليسأل الحاكم الشرعي ويعرف مع من الحق، فإذا عرف أن الحق له يوافق على الذهاب إلى الشرع، أما إذا عرف أن الحق عليه، فلا يوافق ولا يعترف إلا بالقانون الوضعي كحكم بينهما، وهناك تعبير في القرآن يؤكد على أن كل حكم غير حكم الله وكل نهج غير نهجه يسمى "الطاغوت"، ويصور الله تعالى لنا حالة هؤلاء الناس فيقول: {ألم ترى إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت – الى غير حكم الله – وقد أمروا أن يكفروا به – لأن كل الأنبياء جاءوا بعبادة الله واجتناب الطاغوت – ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً – ثم إن الله تعالى يعبّر عن هؤلاء بأنهم منافقون، لأنهم يُظهرون الإسلام ويبطنون غيره عندما يتحركون مع الطاغوت في حكمه وسياسته وأوضاعه – وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً – ثم يؤكد الله لنا أن{من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى ـ فأعرض عنه ـ فما أرسلناك عليهم حفيظاً} {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. نجدد البيعة لرسول الله(ص):
أيها الأحبة: إن احتفالنا بذكرى مولد رسول الله (ص) يفرض علينا أن نجدد إسلامنا بين يديه وأن نؤكد التزامنا بالإسلام أمامه، لنقول لرسول الله (ص) كما قال له المسلمون، رجالاً ونساءً، في بداية الدعوة..: إننا نبايعك على الإسلام كله.. إننا نقف في هذه المناسبة لنؤكد بيعتنا لرسول الله ولنقول له: يا رسول الله، إننا نبايعك على أساس الإيمان بالله وبرسالتك، وعلى أساس الالتزام بك وبرسالتك، لأن الله قال لنا: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. إن الالتزام بالرسالة هو الذي يمثل خط التقوى، والتقوى كما حدثنا الله في القرآن هي سبيل المسلمين إلى الجنة، فإذا أردنا الجنة فعلينا أن نتزوّد بالتقوى في الدنيا، والتقوى هي أن لا يجدك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمَرَك.

 

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله تقوى تنفتح بكم على معرفته ومحبته وعلى السير في خطه، وانطلقوا مع رسول الله (ص) من أجل أن تلتزموا دينه وشريعته، ومن أجل أن تجاهدوا في سبيل أن يكون الإسلام قوة في هذا العالم، قوة يستطيع من خلالها أن يحمي ساحته وأن يحافظ على مواقعه وثرواته وعلى حاضره ومستقبله. اتقوا الله فإنكم مسؤولون عن الإسلام كله عندما يتحرك الكفر من جهة والاستكبار من جهة بهدف إضعاف الإسلام في عقيدته وشريعته أو إضعافه في أهله واقتصاده وسياسته. وفي ضوء هذا، لا بدّ لنا أن نواجه الموقف الصعب الذي يقفه المسلمون في هذا العالم، لا سيما الموقف الذي نقفه وجميع العرب والمسلمين في مواجهة هذا الوحش الجاثم على أرضنا، فماذا هناك؟

عدوان"إسرائيل" يستهدف إخضاع لبنان لشروطها:

إن العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان، المتمثل بتدمير البنية التحتية من الكهرباء والجسور وقتل المدنيين، يحمل أكثر من دلالة سياسية، أبرزها الضغط على لبنان في موقفه الصامد حكومة وشعباً ومقاومة، كمحاولة لإخضاعه للشروط الإسرائيلية، ولمعاقبته على رفضه الاحتلال ودفاعه عن المدنيين عبر قصف المستوطنات الصهيونية رداً على قصف المدنيين اللبنانيين. وباختصار، فإن إسرائيل لا تريد للبنان أن يقيّد حريتها في العدوان على شعبه..

وإذا كان الإعلام يريد أن يحمّل حكومة "نتنياهو" المسؤولية الكاملة عن العدوان، فإننا لا نتصور أن "باراك" بعيد عن ذلك، حتى لو لم ينتهِ بعد من تأليف حكومته، لا سيما إذا عرفنا أن هناك اتفاقاً لتأليف حكومة من "العمل" و"الليكود". وفي هذا السياق يبرز العدوان كأحد المؤشرات الأولى لطبيعة الاتفاق، وما ندري ما هو مستقبل حكومة كهذه في مواجهتها للعرب ونظرتها للتسوية، وما هو الموقف العربي الذي رحّب بـ"باراك" باعتبار أنه "الشخصية التي تعمل للسلام"، على حدّ زعمهم؟!

لن تأمن المستوطنات من رد المقاومة:

إن الاعتداء الجديد على لبنان هو اعتداء على العرب جميعاً، واستهانة بهم واحتقار لهم، الأمر الذي يفرض عليهم الردّ على ذلك بالموقف لا بالكلمات، وبالتعامل مع المستقبل بدقة وحذر أمام هذه اللعبة الجديدة.. وإذا كان هناك في الخط الدولي من يحمّل المقاومة مسؤولية ما حدث، بحجة أن العدوّ كان في حالة الدفاع عن النفس، فإن عليهم أن يعرفوا أن المقاومة لم تلجأ إلى أسلوب قصف المستوطنات – لا في السابق ولا الآن – إلا في إطار الردّ على استهداف العدوّ للمدنيين، وقد تمادى العدو في ذلك كثيراً في الأيام الأخيرة.

إننا نؤكد أن المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة لن يكونوا بمأمن من ضربات المقاومة.. ثم، إن المقاومة التي تمثل الجيش الشعبي للبنان وحصن الدفاع عن هذا الشعب، لها كل الحق بالردّ بكل الوسائل للدفاع عن حريته واستقلاله..

أمريكا ليست وسيطاً محايداً:

وتبقى أمريكا التي دعت إلى ضبط النفس، وربما تلقي باللوم على المقاومة، لأن أمريكا لا تريد إدانة إسرائيل، ولا سيما في بداية عهدها الجديد، مما يجعلنا – كعرب ومسلمين – نؤكد أن أمريكا هي المسؤولة عن كل الاحتلال الصهيوني وعن كل نتائجه، لأنها تدعمه بالقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتمنحه حرية الاعتداء على لبنان وعلى شعبه بكل الوسائل، وتمنع عن العدوّ كل إدانة من أية جهة عربية أو دولية.. إن أمريكا هذه التي تعد ببضعة عشرات الآلاف من الدولارات لإنماء منطقة جزين، هي نفسها التي تزوّد العدو الإسرائيلي بأحدث الأسلحة التي تدمّر البنية التحتية اللبنانية بما يكلّف لبنان الملايين من الدولارات، ثم توحي للبنانيين بأنها تتصدّق عليهم ببعض المساعدات، ولا ندري إذا كانت ستطالب في المستقبل القريب بأن تُلزّم الشركات الأمريكية إعادة بناء ما تهدم؟!

إننا في هذا الجو، نستذكر كلمة الرئيس الأمريكي في "مقدونيا"، حيث قال: "بإمكاننا أن نكرر ما قمنا به (حرب الحلف الأطلسي)، فنفعل ذلك الآن، وبإمكاننا أن نفعله غداً إذا لزم الأمر في أفريقيا وأوروبا الوسطى".. والسؤال: هل أن هذه النشوة الأمريكية بالنصر تشمل الاستعداد للضغط على المنطقة وتهديدها بعمل مماثل، أو أنها (أمريكا) تجد في الذراع الإسرائيلية الطويلة الأداة التي تنفذ لها ما تريده من استراتيجية عسكرية وسياسية؟!

إن العرب يخطئون عندما يتصوّرون أن أمريكا سوف تقوم بالضغط على إسرائيل في عملية التسوية باعتبارها "وسيطاً محايداً" – كما تقول عن نفسها – لأنها تمثل الفريق الذي يقف مع إسرائيل بكل إدارتها ومجلسَيْها في مواجهة العرب، للضغط عليهم من أجل تقديم التنازلات الحيوية للسلام الإسرائيلي..

ندعو العرب لاتخاذ موقف حاسم:

إننا نعتقد أن من الواجب على العرب أن يعقدوا مؤتمراً شاملاً يجمع كل دولهم، لا من أجل إدانة العدوان الإسرائيلي بالكلمات التي لا تعني شيئاً، بل من أجل اتخاذ موقف حاسم من هذا التطوّر الجديد الذي تقصف فيه إسرائيل البنية التحتية لبلد عربي في عاصمته وفي كل مناطقه، والتخطيط الدقيق لما يحفظ العزة والكرامة.. إن المقاومة - ولا سيما المقاومة الإسلامية - سوف تبقى صامدة قوية شريفة في موقف المواجهة للعدو، ضربة بضربة، وقصفاً بقصف، وسيكون النصر لها بإذن الله..

وإننا أمام هذه التحديات التي تفرضها المرحلة، ندعو المجاهدين الفلسطينيين للوقوف بقوة أمام المخططات الجديدة – القديمة التي لا تريد لهم أن يحصلوا على وطنهم إلا بما يشبه فتات المائدة في لعبة الوفاق الصهيوني بين "العمل" و"الليكود"، وعليهم أن لا يتخدّروا بأحلام التسوية والسلام، لأن ذلك لن يكون لحساب طموحاتهم المستقبلية كشعب يبحث عن تقرير المصير في الحرية والاستقلال.

تحريض أمريكي لدول الخليج ضد إيران:

ولا يفوتنا – ونحن نتحدث عن الدور الأمريكي في إرباك الواقع السياسي للمنطقة – أن نشير إلى تصريحات مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط "مارتن إنديك" في" أبو ظبي"، حيث يقول إن "بلاده تؤيد الإمارات في خلافها حول الجزر مع إيران، وإنها تشعر بقلق بالغ من التسلّح الإيراني، لا سيما بما يتصل بأسلحة الدمار الشامل"، ثم يؤكد للخليجيين أن أمريكا "سوف تقدّم لهم المساعدة في الدفاع عن أنفسهم ضد إيران"، كما يقول؟؟

إننا نفهم من هذا الكلام أن أمريكا تعمل على تحريض دول الخليج ضد إيران، لجعل هذا الملف مفتوحاً على مشاكل جديدة لا مصلحة فيها للخليجيين الذين يعرفون أن السلام في المنطقة يرتكز على التفاهم والعلاقات الأخوية الإسلامية القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وهذا ما تحقق في الآونة الأخيرة، لا سيما بين إيران والسعودية، مما يجعلهم يشعرون أن الخطر الذي يواجهونه لا يأتي من إيران، بل من أمريكا التي تريد للمنطقة أن تبقى في حالة من الاهتزاز السياسي، الذي يمكّنها من تثبيت قواعدها العسكرية وإبقاء السيطرة على مقدّراتها الاقتصادية، لابتزاز شعوبها واستنـزافها حتى آخر قطرة من البترول.. إن إيران تتسلّح للدفاع عن نفسها لا للعدوان على جيرانها من العرب والمسلمين، بينما نجد أن إسرائيل تتسلّح بالدعم الأمريكي للعدوان على العرب والمسلمين.

لبنان: المزيد من التخطيط الاقتصادي والقليل من الضرائب:

وأخيراً، إن الاستقرار السياسي الداخلي بات مطلوباً في هذه المرحلة أكثر من أية مرحلة سابقة، خاصة أمام هذا العدوان الجديد.. إن هناك موجة كبرى تنتظرنا من الضغوط الخارجية القادمة – ولا سيما الأمريكية – باسم السلام، ولا سبيل لمواجهتها إلا بوحدة داخلية تعيد المعارضة والموالاة إلى الموقف الجادّ في الإعداد لمواجهة العدو من موقع واحد، بدلاً من الدخول في سجالات ليس لها أيّ مردود إيجابي على أحد..

وفي نهاية المطاف، وحيث كنا ندعو دائماً إلى خطة اقتصادية مالية متكاملة، فإننا نأمل أن لا تأتي خطة الإصلاح المالي على حساب الفقراء من خلال الضرائب التي تلغي أو تخفف من مشكلة الميزان الاقتصادي وخزينة الدولة، لتضاعف الضغط على المحرومين.. إن لسان حالنا في هذه المسألة هو لسان حال كل الطبقات المستضعفة التي تقول: مزيداً من التخطيط الاقتصادي، وقليلاً من الضرائب.

TEXT GOES HERE
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

إننا نعيش في هذه الأيام ذكرى مولد الرسول الأعظم محمد (ص)، فالمولد هو في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، حسب المشهور عند إخواننا من أهل السنّة، كما ذهب إليه من علماء الشيعة الشيخ الكليني في كتابه "الكافي"، أو هو في السابع عشر من شهر ربيع الأول، وهو المشهور عند علماء الشيعة. ومهما يكن، فإن رسول الله (ص) بكله هو تاريخنا، ليس رسول الله محصوراً في زمن، بل له التاريخ كله، لأنه هو الذي صنع لنا التاريخ من خلال رسالته وجهاده وكل المعاناة التي عاناها في سبيل أن يبلّغ الرسالة، وأن يبعث الأمة ويعلّمها الكتاب والحكمة ويزكيها ويهديها الى الصراط المستقيم.

مسؤوليتنا أمام الرسول (ص):

ونحن في ذكرى رسول الله (ص)، لا بدّ لنا أن نقف وقفة تأمل لنفكر ما هي مسؤوليتنا أمام رسول الله (ص)، وكيف يمكن لنا أن نؤكد في حياتنا التزامنا به، باعتبار أن الله تعالى أرسله للناس كافة: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً}، للناس الذين كانوا معه في مرحلته، وللناس الذين جاءوا من بعده، فالرسول يموت ولكنه باق في رسالته، وعلى الذين يلتزمون رسالته أن يتابعوها فكراً يفكرون به، ودعوة يدعون إليها، وعملاً يعملون به.

ونحن نعيش في هذه المرحلة من الحياة كجيل جاء بعد أجيال متتابعة منذ عهد الرسالة الأول في ساحة تتصارع فيها الأفكار، وتختلف فيها الديانات، فهناك أكثر من ديانة تتحرك في الساحة على مستوى التحدي للإسلام أو التبشير بغيره أو ما إلى ذلك، وهناك أكثر من تيار علماني إلحادي في بعض مواقعه وغير إلحادي في مواقع أخرى، ولكنه ينكر الشريعة والشرع. وفي مقابل ذلك، علينا أن نحدد هويتنا الإسلامية، بحيث يكون عقلنا عقلاً إسلامياً، فلا نُدخل فيه أيّ شيء من الكفر والانحراف، وأن تكون قلوبنا قلوباً إسلامية، فنحب من أحبه الله، ونبغض من أبغضه، وأن تكون حياتنا حياة إسلامية يعيشها كل واحد منا في نفسه، وفي بيته مع أهله، وفي المجتمع مع الناس الذين يرتبط بهم من خلال علاقة هنا وعلاقة هناك.. أن يكون الإسلام هو الأساس الذي ترتكز عليه الخطوات والعلاقات، بحيث إن على الرجل التفكير في ما هو الحكم الإسلامي في طريقة تصرفه مع زوجته، وكذلك الزوجة مع زوجها، وهكذا في مسألة الأولاد مع ابائهم وأمهاتهم وما إلى ذلك، ومع كل الناس، حتى أننا في معاملاتنا عندما نتعامل بيعاً أو شراءً أو إجارة، فإن علينا أن تكون عقودنا عقوداً إسلامية تعتمد معيار الحكم الشرعي في صحة هذا العقد وفساده، وشرعية إقامة هذه العلاقة وعدم إقامتها، وذلك حتى تكون كل حياتنا خاضعة بكل مفرداتها لكلمة الله تعالى ولكلمة الرسول (ص).

وهذا ما ينبغي لنا أن نؤكد عليه، لأننا سوف نقف غداً بين يدي الله تعالى، وسوف نلتقي برسول الله (ص)، وسيسألنا رسول الله عن رسالته كيف حفظناها في أنفسنا وفي الناس من حولنا، وسوف يسألنا الله تعالى عن دينه كيف التزمناه ورعيناه في حياتنا وفي كل مواقعنا وعلاقاتنا، لأن الله تعالى سوف يحاسبنا فيثيبنا أو يعاقبنا على أساس الإسلام، لذا لا بد في ذكراه(ص) من الالتزام بكون الإسلام هو العنوان الذي يعيش في كل شخصياتنا، فيفحص كل واحد منا عقله هل هو عقل إسلامي أو عقل كافر، ويفحص قلبه هل هو قلب ينفتح على الإسلام أو ينفتح على الكفر.

علامة حب الله اتباع الرسول (ص):

وفي ظل الأجواء المباركة لولادته(ص)، تعالوا نقرأ كلمات الله تعالى التي نتعلم منها كيف تكون علاقتنا مع رسول الله(ص)، ليفحص كل واحد منا في ضوئها إسلامه ونفسه، هل هو مسلم كما يجب أن يكون، أم أن هناك بعض الأمراض في حياته تبعده عن الإسلام؟

يقول الله تعالى مخاطباً نبيه: {قل إن كنتم تحبون الله – هل تحبون الله أم لا؟ ومن الطبيعي أن جميعنا نهتف بمحبة الله، لأنه هو الذي أوجدنا ورزقنا، وهو الذي يدبّر أمورنا، فإذا كنا نحب الله، فما هي علامة هذا الحب؟ – فاتبعوني – اعملوا برسالتي واتبعوني في الفكر والعاطفة وفي كل حركة الحياة – يحببكم الله – فإذا اتبعتموني فإن الله سوف يبادلكم حباً بحب، لأن حبنا لله ليس مجرد مشاعر وأحاسيس نعبّر عنها بالكلمات، ولكن هو الموقف الذي يجعلنا نتحرك في خط رسالة رسول الله (ص)– ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}. ويقول تعالى في موقع آخر: {وما أرسلنا من رسول إلا ليُطاع بإذن الله – إن الرسول ليس مجرد إنسان يرسله الله ليصفق له الناس ويهتفوا باسمه، ولكنه أرسل برسالة الله وليُطاع بإذنه – ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً – فالله تعالى لا يُغلق رحمته ومغفرته عن التائبين – فلا وربك لا يؤمنون – لا يستحقون صفة الإيمان حتى لو هتفوا بكلمة الإيمان – حتى يحكّموك فيما شجر بينهم – بحيث إذا تنازعوا في أية قضية تتصل بالفكر أو العاطفة أو المعاملات أو العلاقات، فإنهم يرجعون إلى الرسول ليحكّموه بشخصه حال حياته، أو ليحكّموا رسالته بعد غيابه عن الدنيا، لتكون الحدّ الفاصل بين الرفض والإثبات – ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}.

بين حكم الله وحكم الطاغوت:

ويؤكد الله تعالى هذا المعنى في آية مباركة أخرى فيقول: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، يعني لست حراً أيها المؤمن وأيتها المؤمنة إذا أصدر الله أو رسوله حكماً في أن تستقل برأيك وتنسجم مع مزاجك، لأنك عبد لله وحر أمام العالم.. ويقول الله تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمّي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}، فإن في اتباع النبي الهدى كل الهدى الذي يؤدي بك إلى الجنة. ثم يتحدث الله تعالى عن طريقة بعض الناس في معالجة اختلافاتهم حول أيّ أمر من الأمور، وما أكثر ما يختلف الناس في كثير من الشؤون، فحين يدعو أحدهم الآخر للذهاب إلى الشرع ليحكم بينهما، لأن الحكم الذي لا بد لنا أن نخضع له هو حكم الإسلام، سرعان ما يذهب، ليسأل الحاكم الشرعي ويعرف مع من الحق، فإذا عرف أن الحق له يوافق على الذهاب إلى الشرع، أما إذا عرف أن الحق عليه، فلا يوافق ولا يعترف إلا بالقانون الوضعي كحكم بينهما، وهناك تعبير في القرآن يؤكد على أن كل حكم غير حكم الله وكل نهج غير نهجه يسمى "الطاغوت"، ويصور الله تعالى لنا حالة هؤلاء الناس فيقول: {ألم ترى إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت – الى غير حكم الله – وقد أمروا أن يكفروا به – لأن كل الأنبياء جاءوا بعبادة الله واجتناب الطاغوت – ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً – ثم إن الله تعالى يعبّر عن هؤلاء بأنهم منافقون، لأنهم يُظهرون الإسلام ويبطنون غيره عندما يتحركون مع الطاغوت في حكمه وسياسته وأوضاعه – وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً – ثم يؤكد الله لنا أن{من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى ـ فأعرض عنه ـ فما أرسلناك عليهم حفيظاً} {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. نجدد البيعة لرسول الله(ص):
أيها الأحبة: إن احتفالنا بذكرى مولد رسول الله (ص) يفرض علينا أن نجدد إسلامنا بين يديه وأن نؤكد التزامنا بالإسلام أمامه، لنقول لرسول الله (ص) كما قال له المسلمون، رجالاً ونساءً، في بداية الدعوة..: إننا نبايعك على الإسلام كله.. إننا نقف في هذه المناسبة لنؤكد بيعتنا لرسول الله ولنقول له: يا رسول الله، إننا نبايعك على أساس الإيمان بالله وبرسالتك، وعلى أساس الالتزام بك وبرسالتك، لأن الله قال لنا: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. إن الالتزام بالرسالة هو الذي يمثل خط التقوى، والتقوى كما حدثنا الله في القرآن هي سبيل المسلمين إلى الجنة، فإذا أردنا الجنة فعلينا أن نتزوّد بالتقوى في الدنيا، والتقوى هي أن لا يجدك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمَرَك.

 

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله تقوى تنفتح بكم على معرفته ومحبته وعلى السير في خطه، وانطلقوا مع رسول الله (ص) من أجل أن تلتزموا دينه وشريعته، ومن أجل أن تجاهدوا في سبيل أن يكون الإسلام قوة في هذا العالم، قوة يستطيع من خلالها أن يحمي ساحته وأن يحافظ على مواقعه وثرواته وعلى حاضره ومستقبله. اتقوا الله فإنكم مسؤولون عن الإسلام كله عندما يتحرك الكفر من جهة والاستكبار من جهة بهدف إضعاف الإسلام في عقيدته وشريعته أو إضعافه في أهله واقتصاده وسياسته. وفي ضوء هذا، لا بدّ لنا أن نواجه الموقف الصعب الذي يقفه المسلمون في هذا العالم، لا سيما الموقف الذي نقفه وجميع العرب والمسلمين في مواجهة هذا الوحش الجاثم على أرضنا، فماذا هناك؟

عدوان"إسرائيل" يستهدف إخضاع لبنان لشروطها:

إن العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان، المتمثل بتدمير البنية التحتية من الكهرباء والجسور وقتل المدنيين، يحمل أكثر من دلالة سياسية، أبرزها الضغط على لبنان في موقفه الصامد حكومة وشعباً ومقاومة، كمحاولة لإخضاعه للشروط الإسرائيلية، ولمعاقبته على رفضه الاحتلال ودفاعه عن المدنيين عبر قصف المستوطنات الصهيونية رداً على قصف المدنيين اللبنانيين. وباختصار، فإن إسرائيل لا تريد للبنان أن يقيّد حريتها في العدوان على شعبه..

وإذا كان الإعلام يريد أن يحمّل حكومة "نتنياهو" المسؤولية الكاملة عن العدوان، فإننا لا نتصور أن "باراك" بعيد عن ذلك، حتى لو لم ينتهِ بعد من تأليف حكومته، لا سيما إذا عرفنا أن هناك اتفاقاً لتأليف حكومة من "العمل" و"الليكود". وفي هذا السياق يبرز العدوان كأحد المؤشرات الأولى لطبيعة الاتفاق، وما ندري ما هو مستقبل حكومة كهذه في مواجهتها للعرب ونظرتها للتسوية، وما هو الموقف العربي الذي رحّب بـ"باراك" باعتبار أنه "الشخصية التي تعمل للسلام"، على حدّ زعمهم؟!

لن تأمن المستوطنات من رد المقاومة:

إن الاعتداء الجديد على لبنان هو اعتداء على العرب جميعاً، واستهانة بهم واحتقار لهم، الأمر الذي يفرض عليهم الردّ على ذلك بالموقف لا بالكلمات، وبالتعامل مع المستقبل بدقة وحذر أمام هذه اللعبة الجديدة.. وإذا كان هناك في الخط الدولي من يحمّل المقاومة مسؤولية ما حدث، بحجة أن العدوّ كان في حالة الدفاع عن النفس، فإن عليهم أن يعرفوا أن المقاومة لم تلجأ إلى أسلوب قصف المستوطنات – لا في السابق ولا الآن – إلا في إطار الردّ على استهداف العدوّ للمدنيين، وقد تمادى العدو في ذلك كثيراً في الأيام الأخيرة.

إننا نؤكد أن المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة لن يكونوا بمأمن من ضربات المقاومة.. ثم، إن المقاومة التي تمثل الجيش الشعبي للبنان وحصن الدفاع عن هذا الشعب، لها كل الحق بالردّ بكل الوسائل للدفاع عن حريته واستقلاله..

أمريكا ليست وسيطاً محايداً:

وتبقى أمريكا التي دعت إلى ضبط النفس، وربما تلقي باللوم على المقاومة، لأن أمريكا لا تريد إدانة إسرائيل، ولا سيما في بداية عهدها الجديد، مما يجعلنا – كعرب ومسلمين – نؤكد أن أمريكا هي المسؤولة عن كل الاحتلال الصهيوني وعن كل نتائجه، لأنها تدعمه بالقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتمنحه حرية الاعتداء على لبنان وعلى شعبه بكل الوسائل، وتمنع عن العدوّ كل إدانة من أية جهة عربية أو دولية.. إن أمريكا هذه التي تعد ببضعة عشرات الآلاف من الدولارات لإنماء منطقة جزين، هي نفسها التي تزوّد العدو الإسرائيلي بأحدث الأسلحة التي تدمّر البنية التحتية اللبنانية بما يكلّف لبنان الملايين من الدولارات، ثم توحي للبنانيين بأنها تتصدّق عليهم ببعض المساعدات، ولا ندري إذا كانت ستطالب في المستقبل القريب بأن تُلزّم الشركات الأمريكية إعادة بناء ما تهدم؟!

إننا في هذا الجو، نستذكر كلمة الرئيس الأمريكي في "مقدونيا"، حيث قال: "بإمكاننا أن نكرر ما قمنا به (حرب الحلف الأطلسي)، فنفعل ذلك الآن، وبإمكاننا أن نفعله غداً إذا لزم الأمر في أفريقيا وأوروبا الوسطى".. والسؤال: هل أن هذه النشوة الأمريكية بالنصر تشمل الاستعداد للضغط على المنطقة وتهديدها بعمل مماثل، أو أنها (أمريكا) تجد في الذراع الإسرائيلية الطويلة الأداة التي تنفذ لها ما تريده من استراتيجية عسكرية وسياسية؟!

إن العرب يخطئون عندما يتصوّرون أن أمريكا سوف تقوم بالضغط على إسرائيل في عملية التسوية باعتبارها "وسيطاً محايداً" – كما تقول عن نفسها – لأنها تمثل الفريق الذي يقف مع إسرائيل بكل إدارتها ومجلسَيْها في مواجهة العرب، للضغط عليهم من أجل تقديم التنازلات الحيوية للسلام الإسرائيلي..

ندعو العرب لاتخاذ موقف حاسم:

إننا نعتقد أن من الواجب على العرب أن يعقدوا مؤتمراً شاملاً يجمع كل دولهم، لا من أجل إدانة العدوان الإسرائيلي بالكلمات التي لا تعني شيئاً، بل من أجل اتخاذ موقف حاسم من هذا التطوّر الجديد الذي تقصف فيه إسرائيل البنية التحتية لبلد عربي في عاصمته وفي كل مناطقه، والتخطيط الدقيق لما يحفظ العزة والكرامة.. إن المقاومة - ولا سيما المقاومة الإسلامية - سوف تبقى صامدة قوية شريفة في موقف المواجهة للعدو، ضربة بضربة، وقصفاً بقصف، وسيكون النصر لها بإذن الله..

وإننا أمام هذه التحديات التي تفرضها المرحلة، ندعو المجاهدين الفلسطينيين للوقوف بقوة أمام المخططات الجديدة – القديمة التي لا تريد لهم أن يحصلوا على وطنهم إلا بما يشبه فتات المائدة في لعبة الوفاق الصهيوني بين "العمل" و"الليكود"، وعليهم أن لا يتخدّروا بأحلام التسوية والسلام، لأن ذلك لن يكون لحساب طموحاتهم المستقبلية كشعب يبحث عن تقرير المصير في الحرية والاستقلال.

تحريض أمريكي لدول الخليج ضد إيران:

ولا يفوتنا – ونحن نتحدث عن الدور الأمريكي في إرباك الواقع السياسي للمنطقة – أن نشير إلى تصريحات مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط "مارتن إنديك" في" أبو ظبي"، حيث يقول إن "بلاده تؤيد الإمارات في خلافها حول الجزر مع إيران، وإنها تشعر بقلق بالغ من التسلّح الإيراني، لا سيما بما يتصل بأسلحة الدمار الشامل"، ثم يؤكد للخليجيين أن أمريكا "سوف تقدّم لهم المساعدة في الدفاع عن أنفسهم ضد إيران"، كما يقول؟؟

إننا نفهم من هذا الكلام أن أمريكا تعمل على تحريض دول الخليج ضد إيران، لجعل هذا الملف مفتوحاً على مشاكل جديدة لا مصلحة فيها للخليجيين الذين يعرفون أن السلام في المنطقة يرتكز على التفاهم والعلاقات الأخوية الإسلامية القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وهذا ما تحقق في الآونة الأخيرة، لا سيما بين إيران والسعودية، مما يجعلهم يشعرون أن الخطر الذي يواجهونه لا يأتي من إيران، بل من أمريكا التي تريد للمنطقة أن تبقى في حالة من الاهتزاز السياسي، الذي يمكّنها من تثبيت قواعدها العسكرية وإبقاء السيطرة على مقدّراتها الاقتصادية، لابتزاز شعوبها واستنـزافها حتى آخر قطرة من البترول.. إن إيران تتسلّح للدفاع عن نفسها لا للعدوان على جيرانها من العرب والمسلمين، بينما نجد أن إسرائيل تتسلّح بالدعم الأمريكي للعدوان على العرب والمسلمين.

لبنان: المزيد من التخطيط الاقتصادي والقليل من الضرائب:

وأخيراً، إن الاستقرار السياسي الداخلي بات مطلوباً في هذه المرحلة أكثر من أية مرحلة سابقة، خاصة أمام هذا العدوان الجديد.. إن هناك موجة كبرى تنتظرنا من الضغوط الخارجية القادمة – ولا سيما الأمريكية – باسم السلام، ولا سبيل لمواجهتها إلا بوحدة داخلية تعيد المعارضة والموالاة إلى الموقف الجادّ في الإعداد لمواجهة العدو من موقع واحد، بدلاً من الدخول في سجالات ليس لها أيّ مردود إيجابي على أحد..

وفي نهاية المطاف، وحيث كنا ندعو دائماً إلى خطة اقتصادية مالية متكاملة، فإننا نأمل أن لا تأتي خطة الإصلاح المالي على حساب الفقراء من خلال الضرائب التي تلغي أو تخفف من مشكلة الميزان الاقتصادي وخزينة الدولة، لتضاعف الضغط على المحرومين.. إن لسان حالنا في هذه المسألة هو لسان حال كل الطبقات المستضعفة التي تقول: مزيداً من التخطيط الاقتصادي، وقليلاً من الضرائب.

TEXT GOES HERE
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية