ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:
"إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته":
في الحديث عن الإمام الصادق"ع"، أن رجلاً أتى النبي "ص" وقال له: أوصني يا رسول الله، فقال (ص) له: "فهل أنت مستوصٍ إذا أنا أوصيتك"؟ – هل تعمل بهذه الوصية أو تكون مجرد كلمة تدخل أذناً وتخرج من أخرى – فقال: نعم يا رسول الله، فقال (ص) له: "فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانته عنه". وقد كرر رسول الله (ص) هذه الوصية في أكثر من موقع، فيُروى أن شخصاً أتى رسول الله (ص)، فقال: علّمني يا رسول الله، فقال (ص): "عليك باليأس عما في أيدي الناس، فإنه الغنى الحاضر"، يعني لا تفكر بالمال الذي في أيدي الناس، ولكن فكّر بالرزق في ابتهالك إلى الله تعالى، لأن الإنسان إذا كان قانعاً بما عنده، فإن ذلك يمثل نوعاً من الغنى وهو غنى النفس، فقال: زدني يا رسول الله، فقال (ص): "إياك والطمع، فإنه الفقر الحاضر"، لأن الإنسان إذا كان يعيش الطمع ولا يكتفي بما أعطاه الله من الكفاف، فإنه يبقى فقيراً وإن كان يملك المال الكثير، لأنه يعيش فقر النفس، فقال: زدني يا رسول الله، فقال (ص): "إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك خيراً ورشداً فاتبعه، وإن يك شراً أو غيّاً فدعه".وقد جاءت هذه الوصية مما رواه "الطوسي" عن الشيخ المفيد.
"من نظر في العواقب سلم من النوائب":
و في "البحار" نقلاً عن "الدرة الباهرة" قال: أوصى آدم ابنه شيث وقال له: "اعمل بها وأوص بها بنيك من بعدك".. إلى أن قال: "إذا عزمتم على أمر فانظروا إلى عواقبه، فإني لو نظرت في عاقبة أمري – الأكل من الشجرة – لم يصبني ما أصابني".. وورد في وصية الإمام عليّ (ع) لابنه محمد بن الحنفية قال: "ومن تورّط في الأمور غير ناظر في العواقب، فقد تعرّض لمفظعات النوائب، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم، والعاقل من وعظته التجارب، وفي التجارب علم مستأنَف، ومن نظر في العواقب سَلِم من النوائب".
ولو تأملنا هذه الوصايا،لرأينا أنه من الضروري أن يلتزمها الإنسان ويحتكم إليها في كل قضايا الحياة وفي كل ما يريد أن يأخذ به الإنسان من خيارات، لأن لكل شيء من الأشياء بداية ونهاية، وقد تكون البداية جيدة ولكن النهاية سيئة، ربما يجد الإنسان بداية الأشياء حلوة ولكن نهايتها مرّة، وكم من الناس الذين فرحوا كثيراً عندما حصلوا على بعض ما كانوا يأملون، ولكن النتيجة كانت حزناً وبكاءً.
ومن الواضح أن التزام الإنسان بهذا الخط، يجعله يتفادى الكثير من النتائج السيئة في الدنيا والآخرة، لذا لا بدّ للإنسان من أن يدرس ذلك، فإذا أردت أن تدخل في مشروع شخصي لحياتك، في مشروع زواج مثلاً، فلا تنظر إلى ما يشوقك في الإنسان الآخر من جمال الوجه أو غنى المال أو ما إلى ذلك، ولكن انظر إلى النتائج التي يمكن أن تحصل لك من هذه العلاقة الإنسانية، ادرس الخصائص والعناصر الموجودة لدى هذا الإنسان، هل هي العناصر التي تؤدي بك إلى الحياة الزوجية السعيدة أو لا تؤدي بك إلى ذلك، فلا تستعجل قرارك وتنطلق فيه من موقع عاطفي أو من ضغوط اجتماعية أو عائلية، لأن العواقب عندما تكون سيئة، فإنها قد تدمّر لك حياتك وحياة الإنسان الآخر.
الاحتكام إلى المصلحة العامة:
وعندما ننفذ إلى واقعنا الاجتماعي، لا سيما في المسائل التي تتصل بتأييد شخصية اجتماعية معينة أو رفضها، مما يترتب على أساس ذلك نتائج سيئة أو حسنة، ففي هذه المسألة عليك أن تدرس العواقب، وتتساءل لو أن فلاناً أصبح رئيس الجمعية أو العائلة أو أصبح الشخص المبرّز في هذا الجانب الاجتماعي أو في ذاك الجانب، ماذا يحدث؟ هل يصلح أمر العائلة أو الجمعية أم يفسد؟ إذاً لا بدّ أن تتخذ قرارك من خلال التفكير في النتائج التي يؤدي إليها خيارك أنت. لا تنظر إلى أن هذا الإنسان المرشّح للجمعية أو ما إلى ذلك أنه ابن عائلتك أو صديقك أو قريبك، أو أنه من جماعة السياسي الفلاني أو ذاك، بل انظر إليه من خلال مسؤوليتك عن قرارك في القضايا الاجتماعية بما يحقق للمجتمع سلامته وبما يرفع مستواه.
وكذلك الأمر عندما تهم بتأييد شخص في المسألة السياسية أو برفض شخص آخر، كأن تصوّت لمرشح للنيابة أو ترفض مرشحاً آخر، فلا يكن همك محصوراً بتحقيق مصالحك، أي كم تنتفع من هذا شخصياً أو لا تنتفع، أو مصالحك العائلية، باعتبار هذا المرشح ابن عائلتك أو ابن بلدك، ولكن فكّر ما هي المصلحة السياسية للأمة عندما ينجح هذا أو عندما يفشل ذاك، لأنك سوف تتحمل المسؤولية في الدنيا أمام الأمة التي خذلتها في التصويت لمن لا يستحق أن يكون نائباً عنها، أو خذلتها برفض التصويت لمن يستحق أن يكون نائباً عنها.
رضى الله هو الأهم:
وبالاستناد إلى الخط نفسه يجب أن نتعاطى مع قضايا الدنيا والآخرة، ففي هذا المجال، لا بدّ للإنسان أن يفكر بالقضايا على مستوى الآخرة في مسألة الربح والخسارة، فلا يتجمد فقط أمام حسابات الدنيا الفانية، كأن لا يكون همه مثلاً من قيامه بتجارة معينة إلا أن تكون مربحة على مستوى الدنيا، ولو كانت خاسرة على مستوى الآخرة، كالناس الذين يبيعون الخمر ولحوم الميتة، أو الذين يفتحون النوادي للقمار أو الرقص واللهو والفجور، على أساس أن هذه التجارة يمكن أن تحقق لهم الربح الكبير.
من هنا، فإن على الإنسان – إذا كان مؤمناً بالله ورسوله واليوم الآخر – أن يفكر في أن الله تعالى هو الرزّاق، مما يدفعه إلى أن لا يتاجر بالحرام تجنباً لغضب الله وسخطه، فإذا فعلت ذلك، ربما يبتليك الله بكل ما يُذهب مالك، قد يبتليك بمرض أو بغيره، فلا يكفيك كل مالك لمعالجته، في حين ينتظرك الحساب في الدار الآخرة{يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}، ويومهاكيف تقدّم حساباتك أمام الله تعالى؟ وكيف تتفادى عقابه سبحانه{يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.. لذلك، فكّر عندما يقول لك الشيطان إن "في الخمر ربحاً أو في تجارة الميتة أو في القمار ربحاً"، قل له كما قال الحرّ بن يزيد الرياحي عندما عُرض عليه أن يترقى في مناصبه إلى أعلى الدرجات مقابل أن يشارك في الحرب ضد الحسين"ع": "إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قُطّعت أو حرّقت".
وبالموقف ذاته، عليك مقابلة الناس الذين يدعونك للانتماء إلى الظالمين ولأن تساعدهم وتحارب في سبيلهم وتبرّر ظلمهم، لتكون من أعوان الظلمة، فهنا عليك أن لا تفكر في ما تحصل عليه من ربح سريع، ولكن عليك أن تفكر في الخسارة في الدار الآخرة، وتلك هي الخسارة كل الخسارة، فقد قال الله تعالى: {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين}، فما قيمة أن تحصل على حفنة مال من الحرام مقابل أن تخسر نفسك عندما تضيّع الجنة وتهوي إلى النار؟!
وصايا لبناء الإنسان المتوازن:
إن هذه الوصايا الرسولية هي التي تجعل الإنسان متوازناً في كل حياته الخاصة والعامة، مما يعني أن عليك عندما تتكلم بأي كلمة في حال انفعال وغضب، أو راحة وفرح، أن تفكر في نتائج الكلمة على مستوى سلامتك وسلامة المجتمع، وعلى مستوى القضايا الحيوية فيه، كن العاقل الذي يفكر بالكلمة قبل أن يقولها، ولا تكن الأحمق الذي يفكر بالكلمة بعد أن يقولها، وهذا ما جاء عن عليّ (ع) عندما قال: "لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه"، وسُئل كيف يفسر ذلك؟ فقال (ع) – بما مضمونه – لأن العاقل إذا أراد أن يتكلم بكلمة درسها ودرس نتائجها السيئة أو الحسنة، فإذا رأى خيراً أبداه، وإذا رأى شراً أخفاه، أما الأحمق، فإنه عندما تخطر الكلمة في فكره، فإنه يطلقها، ثم بعد أن تتفاعل هذه الكلمة في الواقع الاجتماعي يفكر في آثارها.
ولا شك أن عدم تدبر العواقب هو الذي يخلق لنا الكثير من المشاكل، لا سيما في الحياة العائلية، حيث ما إن يبدأ النـزاع بين الزوج، والزوجة، حتى تُطلق الزوجة كلمة طلب الطلاق بانفعال، أو يطلق الزوج هذه الكلمة بانفعال، وذلك قبل أن يفكرا في نتائج الطلاق عليهما وعلى العائلة بشكل عام. وهكذا نتصرف في القضايا الاجتماعية عندما نطلق الكلمات التي قد تؤدي إلى الفتنة وخراب الواقع الاجتماعي، مما يجعلنا نتحمل مسؤولية النتائج السلبية كلها.
أيها الأحبة: انطلقوا مع رسول الله (ص) في خط هذه الكـلمة: "إذا أنت هممت بأمر – سواء كان أمراً خاصاً أو عاماً – فتدبّر عاقبته – ادرس العواقب قبل أن تبدأ البدايات – فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فدعه".. ونحن لا نزال نعيش ذكرى رسول الله (ص) في ذكرى مولده، وعلينا أن نتحرك معه في كل ما قال وفعل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر وذكر الله كثيراً}، وكان رسول الله الذي لا يحتاج إلى مشورة أحد، يعلّم المسلمين أن لا يقوموا بأي خطوة ولا يُصدروا أيّ قرار إلا بعد أن يتداولوا الأمر فيما بينهم ويُحكموه دراسة، حتى يعرفوا نتائجه في الدنيا والآخرة، {وقل اعملوا – اعملوا بوعي وحذر وتأمل وتدبّر وتفكير – فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم، وتدبّروا العاقبة في الدنيا والآخرة حتى تصلح حياتكم وتنجح آخرتكم بذلك، فإن التدبّر في العواقب هو الذي يقلل للإنسان أخطاءه ويدفعه إلى الصواب في أكثر من موقع، وهو الذي يعرّف الإنسان طبيعة مسؤوليته في ما يريد أن يأخذ به أو يدعه، لأن المسؤولية ترتبط بالنتائج لا بالمقدمات. لذلك، راقبوا الله في كل أعمالكم حتى يطّلع تعالى عليكم وأنتم مخلصون لما يريده لكم من تحقيق الخير في الدنيا والقيام بالطاعة التي تؤدي بكم إلى الجنة.
اتقوا الله في كل ما يدور حولكم في كل الارتباطات السياسية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، لأن ذلك هو الذي يحقق لكم النتائج والأهداف الكبرى في الحياة، فنحن نعرف أن كل ما عاشه المسلمون في هذا القرن من التحالفات والارتباطات السياسية بهذا المحور الدولي أو ذاك، ببريطانيا في موقع وبفرنسا في آخر وبأمريكا في موقع ثالث، هي التي أدت إلى سيطرة الاستكبار العالمي على كل أوضاعهم السياسية والاقتصادية والأمنية.. وهذا ما تحقق في حرب الخليج الأولى والثانية التي انطلق بها الاستكبار العالمي بشكل مباشر تارة، أو غير مباشر، بعنوان أنه ينصر هذا أو ذاك على خصمه العربي أو الإسلامي، تارة أخرى، فكانت النتيجة أن الخاسر هم العرب والمسلمون، أما الرابح الأكبر فهو الاستكبار العالمي. وهذا ما حدث في المسألة الفلسطينية التي تحرك فيها العرب اعتماداً على هذا المحور الدولي أو ذاك، حتى انتهى الأمر إلى أمريكا التي كانت إسرائيلية أكثر من الإسرائيليين، فتعالوا نتوقف عند المستجدات التي تتصل بهذه القضية من قريب أو بعيد.
عن أي سلام يتحدث باراك؟:
لا يزال الترحيب العربي بـ"باراك" يؤكد السذاجة السياسية التي خضعت للدعاية الأمريكية في اعتباره "رجل السلام" الذي سوف يحقق التسوية في المنطقة بأقرب فرصة، في الوقت الذي نلاحظ فيه تعقيدات كبيرة في واقع المنطقة تدفع إلى السؤال عن أية تسوية وأيّ سلام يتحدث، فهو يقول في برنامجه بأن "أهدافنا الأساسية ستكون الأمن القومي والأمن الفردي للإسرائيليين في إطار معركة حامية ضد الإرهاب"، ويقصد به المجاهدين في فلسطين ولبنان، مما يوحي بأنه يرفع شعاراً يؤكد شعار سلفه.
وتقول بعض صحف العدوّ إن باراك يعتزم تطبيق التسوية "وهو يضع سكين كوماندوس بين أسنانه"، من أجل أن تكون حركته انتصاراً لإسرائيل وهزيمة للعرب.. إن القضية المطروحة هناك هي إعادة العلاقات مع أمريكا إلى حيويتها، لا سيما مع مبادرات كلينتون الذي عبّر عنه رئيس حكومة العدو بأنه "أكبر أصدقاء إسرائيل من بين الرؤساء الأمريكيين"، وهو ما يجدد الضغط الأمريكي على العرب لتقديم التنازلات بحجة تسهيل مهمته في صنع السلام؟!
إن هذا الرجل (باراك) هو الأخطر بين رؤساء الكيان الصهيوني، لا سيما إذا عرفنا تاريخه كرئيس أركان ورجل كوماندوس وإرهابي محترف، ولكنه يتحدث بلغة تصالحية تخفي قبضة حديدية على مستوى السياسة والأمن.. إننا نقول للعرب: لا تتفاءلوا كثيراً بالقادم الجديد، ولا تستسلموا للضغوط الأمريكية في المرحلة الجديدة، ولا تعتبروا أن هناك شهر عسل جديداً للتسوية، فإن هناك أكبر كمية من السمّ في هذا العسل، وكونوا على حذر من تطورات المستقبل، لا سيما بعد حرب البلقان.
عن أي إرهاب تتحدث أمريكا؟!.
وليس بعيداً عن ذلك، فقد علّق الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية على زيارة الرئيس الأسد لروسيا بقوله: "إن أيّ صفقة لبيع سوريا أسلحة روسية أو أيّ دولة تُعتبر راعية للإرهاب، من شأنها أن تثير قلقنا"، وحذّر روسيا من أنها قد تُحجب المعونات عنها إذا باعت المزيد من الأسلحة لسوريا التي تعتبرها واشنطن راعية للإرهاب!! والسؤال هو: عن أيّ إرهاب تتحدث أمريكا؟ إنها تتحدث عن دعم سوريا للمقاومة في فلسطين ولبنان لتحرير الأرض..
لا مصلحة لروسيا في الخضوع لأمريكا:
ثم، إن هذه الأسلحة دفـاعية لا هجومية، ولكن أمريكا – في سياستها في المنطقة – لا تريد لأية دولة أن تمتلك القوة في مواجهتها لإسرائيل، لأنها تعمل على أن تكون إسرائيل الأقوى، لتستطيع ممارسة الضغط العسكري والسياسي من خلالها على المنطقة كلها في إطار استراتيجية التحالف بينها وبين العدو، وهذا هو الخط الاستراتيجي الذي تتحرك فيه أمريكا للضغط على أيّ دولة في العالم تبيع سوريا وإيران أيّ سلاح دفاعي يضعّف القوة الإسرائيلية.. وإننا نعتقد أن روسيا لا مصلحة لها – في وزنها الدولي وفي حاجتها الاقـتـصادية – في الخضوع لأمريكا، لأن ذلك سوف يغلق عنها أبواب المنطقة سياسياً واقتصادياً، ويُسقط دورها في اللعبة الدولية.
مؤتمر السقوط العربي:
وفي هذا الجو، فقد انتهى مؤتمر التطبيع مع إسرائيل الذي عُقد في القاهرة، بقرارات تؤكد العلاقات بين العرب والكيان الصهيوني، وتدعو لقرارات شجاعة – كما يقول – تعترف للإسرائيليين بالقدس، مما يوحي بأن المطلوب أن يكون العرب، والفلسطينيون بالذات، واقعيين في تقديم التنازلات والقبول بالأمر الواقع، والبُعد عن العنف في مسألة تحرير الأرض والمطالبة بالحقوق.. إننا ننظر إلى هذا المؤتمر أنه كان مؤتمر السقوط العربي الذي يعمل للضغط على الواقع الشعبي الرافض للتطبيع، من أجل الالتفاف عليه بمثل هذه المواقـف الـتـنازلية. وإننا، بهذه المناسبة، نحيي وقفة الشعب المصري – بفعالياته ومثقفيه وشخصياته الإسلامية والعروبية - الذي أصرّ على رفض هذا المؤتمر جملة وتفصيلاً.
ننتظر إطلاق المعتقلين من البحرين:
وفي جانب آخر، فإننا نرحّب بالعفو الصادر من أمير البحرين عن الشيخ عبد الأمير الجمري الذي هو من العلماء العاملين المخلصين لشعبهم وبلدهم، والمنفتحين على حلّ الأزمة في بلده بطريقة سلمية تحفظ للجميع حقوقهم العادلة.. ونحن ننتظر من السلطات البحرينية أن تبادر إلى إطلاق سراح المعتقلين الآخرين في أقرب وقت، لأن ذلك هو الذي يحقق المصلحة العامة للشعب والحكومة، لا سيما أن المعارضة قد رحّبت بالعهد الجديد.
دعم المجاهدين:
وأخيراً، إننا نؤكد على تصفية الأجواء السياسية اللبنانية الداخلية، استعداداً للاستحقاقات الاقتصادية الداخلية التي لا بدّ للجميع أن يشارك فيها، لإعداد البلد اقتصادياً بما يخفف من ضغط الأزمة المتواصلة، والاستعداد للاستحقاقات القادمة عن طريق المتغيرات التي قد تضخّها الحركة المقبلة للتسوية.. ثم، لا بدّ من العمل على تعزيز الوحدة الوطنية بما يقوّي حركة المقاومة، وعدم الاطمئنان إلى الوعود الإسرائيلية بالانسحاب، لأن هذا الانسحاب لا يأتي إلا عن طريق المقاومة التي عطّلت برنامج العدوّ في احتلاله للجنوب والبقاع الغربي، وحوّلته الى مأزق سياسي وأمني، ولذلك لا بدّ من دعم المجاهدين لإكمال مسيرة التحرير..
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:
"إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته":
في الحديث عن الإمام الصادق"ع"، أن رجلاً أتى النبي "ص" وقال له: أوصني يا رسول الله، فقال (ص) له: "فهل أنت مستوصٍ إذا أنا أوصيتك"؟ – هل تعمل بهذه الوصية أو تكون مجرد كلمة تدخل أذناً وتخرج من أخرى – فقال: نعم يا رسول الله، فقال (ص) له: "فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانته عنه". وقد كرر رسول الله (ص) هذه الوصية في أكثر من موقع، فيُروى أن شخصاً أتى رسول الله (ص)، فقال: علّمني يا رسول الله، فقال (ص): "عليك باليأس عما في أيدي الناس، فإنه الغنى الحاضر"، يعني لا تفكر بالمال الذي في أيدي الناس، ولكن فكّر بالرزق في ابتهالك إلى الله تعالى، لأن الإنسان إذا كان قانعاً بما عنده، فإن ذلك يمثل نوعاً من الغنى وهو غنى النفس، فقال: زدني يا رسول الله، فقال (ص): "إياك والطمع، فإنه الفقر الحاضر"، لأن الإنسان إذا كان يعيش الطمع ولا يكتفي بما أعطاه الله من الكفاف، فإنه يبقى فقيراً وإن كان يملك المال الكثير، لأنه يعيش فقر النفس، فقال: زدني يا رسول الله، فقال (ص): "إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك خيراً ورشداً فاتبعه، وإن يك شراً أو غيّاً فدعه".وقد جاءت هذه الوصية مما رواه "الطوسي" عن الشيخ المفيد.
"من نظر في العواقب سلم من النوائب":
و في "البحار" نقلاً عن "الدرة الباهرة" قال: أوصى آدم ابنه شيث وقال له: "اعمل بها وأوص بها بنيك من بعدك".. إلى أن قال: "إذا عزمتم على أمر فانظروا إلى عواقبه، فإني لو نظرت في عاقبة أمري – الأكل من الشجرة – لم يصبني ما أصابني".. وورد في وصية الإمام عليّ (ع) لابنه محمد بن الحنفية قال: "ومن تورّط في الأمور غير ناظر في العواقب، فقد تعرّض لمفظعات النوائب، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم، والعاقل من وعظته التجارب، وفي التجارب علم مستأنَف، ومن نظر في العواقب سَلِم من النوائب".
ولو تأملنا هذه الوصايا،لرأينا أنه من الضروري أن يلتزمها الإنسان ويحتكم إليها في كل قضايا الحياة وفي كل ما يريد أن يأخذ به الإنسان من خيارات، لأن لكل شيء من الأشياء بداية ونهاية، وقد تكون البداية جيدة ولكن النهاية سيئة، ربما يجد الإنسان بداية الأشياء حلوة ولكن نهايتها مرّة، وكم من الناس الذين فرحوا كثيراً عندما حصلوا على بعض ما كانوا يأملون، ولكن النتيجة كانت حزناً وبكاءً.
ومن الواضح أن التزام الإنسان بهذا الخط، يجعله يتفادى الكثير من النتائج السيئة في الدنيا والآخرة، لذا لا بدّ للإنسان من أن يدرس ذلك، فإذا أردت أن تدخل في مشروع شخصي لحياتك، في مشروع زواج مثلاً، فلا تنظر إلى ما يشوقك في الإنسان الآخر من جمال الوجه أو غنى المال أو ما إلى ذلك، ولكن انظر إلى النتائج التي يمكن أن تحصل لك من هذه العلاقة الإنسانية، ادرس الخصائص والعناصر الموجودة لدى هذا الإنسان، هل هي العناصر التي تؤدي بك إلى الحياة الزوجية السعيدة أو لا تؤدي بك إلى ذلك، فلا تستعجل قرارك وتنطلق فيه من موقع عاطفي أو من ضغوط اجتماعية أو عائلية، لأن العواقب عندما تكون سيئة، فإنها قد تدمّر لك حياتك وحياة الإنسان الآخر.
الاحتكام إلى المصلحة العامة:
وعندما ننفذ إلى واقعنا الاجتماعي، لا سيما في المسائل التي تتصل بتأييد شخصية اجتماعية معينة أو رفضها، مما يترتب على أساس ذلك نتائج سيئة أو حسنة، ففي هذه المسألة عليك أن تدرس العواقب، وتتساءل لو أن فلاناً أصبح رئيس الجمعية أو العائلة أو أصبح الشخص المبرّز في هذا الجانب الاجتماعي أو في ذاك الجانب، ماذا يحدث؟ هل يصلح أمر العائلة أو الجمعية أم يفسد؟ إذاً لا بدّ أن تتخذ قرارك من خلال التفكير في النتائج التي يؤدي إليها خيارك أنت. لا تنظر إلى أن هذا الإنسان المرشّح للجمعية أو ما إلى ذلك أنه ابن عائلتك أو صديقك أو قريبك، أو أنه من جماعة السياسي الفلاني أو ذاك، بل انظر إليه من خلال مسؤوليتك عن قرارك في القضايا الاجتماعية بما يحقق للمجتمع سلامته وبما يرفع مستواه.
وكذلك الأمر عندما تهم بتأييد شخص في المسألة السياسية أو برفض شخص آخر، كأن تصوّت لمرشح للنيابة أو ترفض مرشحاً آخر، فلا يكن همك محصوراً بتحقيق مصالحك، أي كم تنتفع من هذا شخصياً أو لا تنتفع، أو مصالحك العائلية، باعتبار هذا المرشح ابن عائلتك أو ابن بلدك، ولكن فكّر ما هي المصلحة السياسية للأمة عندما ينجح هذا أو عندما يفشل ذاك، لأنك سوف تتحمل المسؤولية في الدنيا أمام الأمة التي خذلتها في التصويت لمن لا يستحق أن يكون نائباً عنها، أو خذلتها برفض التصويت لمن يستحق أن يكون نائباً عنها.
رضى الله هو الأهم:
وبالاستناد إلى الخط نفسه يجب أن نتعاطى مع قضايا الدنيا والآخرة، ففي هذا المجال، لا بدّ للإنسان أن يفكر بالقضايا على مستوى الآخرة في مسألة الربح والخسارة، فلا يتجمد فقط أمام حسابات الدنيا الفانية، كأن لا يكون همه مثلاً من قيامه بتجارة معينة إلا أن تكون مربحة على مستوى الدنيا، ولو كانت خاسرة على مستوى الآخرة، كالناس الذين يبيعون الخمر ولحوم الميتة، أو الذين يفتحون النوادي للقمار أو الرقص واللهو والفجور، على أساس أن هذه التجارة يمكن أن تحقق لهم الربح الكبير.
من هنا، فإن على الإنسان – إذا كان مؤمناً بالله ورسوله واليوم الآخر – أن يفكر في أن الله تعالى هو الرزّاق، مما يدفعه إلى أن لا يتاجر بالحرام تجنباً لغضب الله وسخطه، فإذا فعلت ذلك، ربما يبتليك الله بكل ما يُذهب مالك، قد يبتليك بمرض أو بغيره، فلا يكفيك كل مالك لمعالجته، في حين ينتظرك الحساب في الدار الآخرة{يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}، ويومهاكيف تقدّم حساباتك أمام الله تعالى؟ وكيف تتفادى عقابه سبحانه{يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.. لذلك، فكّر عندما يقول لك الشيطان إن "في الخمر ربحاً أو في تجارة الميتة أو في القمار ربحاً"، قل له كما قال الحرّ بن يزيد الرياحي عندما عُرض عليه أن يترقى في مناصبه إلى أعلى الدرجات مقابل أن يشارك في الحرب ضد الحسين"ع": "إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قُطّعت أو حرّقت".
وبالموقف ذاته، عليك مقابلة الناس الذين يدعونك للانتماء إلى الظالمين ولأن تساعدهم وتحارب في سبيلهم وتبرّر ظلمهم، لتكون من أعوان الظلمة، فهنا عليك أن لا تفكر في ما تحصل عليه من ربح سريع، ولكن عليك أن تفكر في الخسارة في الدار الآخرة، وتلك هي الخسارة كل الخسارة، فقد قال الله تعالى: {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين}، فما قيمة أن تحصل على حفنة مال من الحرام مقابل أن تخسر نفسك عندما تضيّع الجنة وتهوي إلى النار؟!
وصايا لبناء الإنسان المتوازن:
إن هذه الوصايا الرسولية هي التي تجعل الإنسان متوازناً في كل حياته الخاصة والعامة، مما يعني أن عليك عندما تتكلم بأي كلمة في حال انفعال وغضب، أو راحة وفرح، أن تفكر في نتائج الكلمة على مستوى سلامتك وسلامة المجتمع، وعلى مستوى القضايا الحيوية فيه، كن العاقل الذي يفكر بالكلمة قبل أن يقولها، ولا تكن الأحمق الذي يفكر بالكلمة بعد أن يقولها، وهذا ما جاء عن عليّ (ع) عندما قال: "لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه"، وسُئل كيف يفسر ذلك؟ فقال (ع) – بما مضمونه – لأن العاقل إذا أراد أن يتكلم بكلمة درسها ودرس نتائجها السيئة أو الحسنة، فإذا رأى خيراً أبداه، وإذا رأى شراً أخفاه، أما الأحمق، فإنه عندما تخطر الكلمة في فكره، فإنه يطلقها، ثم بعد أن تتفاعل هذه الكلمة في الواقع الاجتماعي يفكر في آثارها.
ولا شك أن عدم تدبر العواقب هو الذي يخلق لنا الكثير من المشاكل، لا سيما في الحياة العائلية، حيث ما إن يبدأ النـزاع بين الزوج، والزوجة، حتى تُطلق الزوجة كلمة طلب الطلاق بانفعال، أو يطلق الزوج هذه الكلمة بانفعال، وذلك قبل أن يفكرا في نتائج الطلاق عليهما وعلى العائلة بشكل عام. وهكذا نتصرف في القضايا الاجتماعية عندما نطلق الكلمات التي قد تؤدي إلى الفتنة وخراب الواقع الاجتماعي، مما يجعلنا نتحمل مسؤولية النتائج السلبية كلها.
أيها الأحبة: انطلقوا مع رسول الله (ص) في خط هذه الكـلمة: "إذا أنت هممت بأمر – سواء كان أمراً خاصاً أو عاماً – فتدبّر عاقبته – ادرس العواقب قبل أن تبدأ البدايات – فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فدعه".. ونحن لا نزال نعيش ذكرى رسول الله (ص) في ذكرى مولده، وعلينا أن نتحرك معه في كل ما قال وفعل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر وذكر الله كثيراً}، وكان رسول الله الذي لا يحتاج إلى مشورة أحد، يعلّم المسلمين أن لا يقوموا بأي خطوة ولا يُصدروا أيّ قرار إلا بعد أن يتداولوا الأمر فيما بينهم ويُحكموه دراسة، حتى يعرفوا نتائجه في الدنيا والآخرة، {وقل اعملوا – اعملوا بوعي وحذر وتأمل وتدبّر وتفكير – فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم، وتدبّروا العاقبة في الدنيا والآخرة حتى تصلح حياتكم وتنجح آخرتكم بذلك، فإن التدبّر في العواقب هو الذي يقلل للإنسان أخطاءه ويدفعه إلى الصواب في أكثر من موقع، وهو الذي يعرّف الإنسان طبيعة مسؤوليته في ما يريد أن يأخذ به أو يدعه، لأن المسؤولية ترتبط بالنتائج لا بالمقدمات. لذلك، راقبوا الله في كل أعمالكم حتى يطّلع تعالى عليكم وأنتم مخلصون لما يريده لكم من تحقيق الخير في الدنيا والقيام بالطاعة التي تؤدي بكم إلى الجنة.
اتقوا الله في كل ما يدور حولكم في كل الارتباطات السياسية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، لأن ذلك هو الذي يحقق لكم النتائج والأهداف الكبرى في الحياة، فنحن نعرف أن كل ما عاشه المسلمون في هذا القرن من التحالفات والارتباطات السياسية بهذا المحور الدولي أو ذاك، ببريطانيا في موقع وبفرنسا في آخر وبأمريكا في موقع ثالث، هي التي أدت إلى سيطرة الاستكبار العالمي على كل أوضاعهم السياسية والاقتصادية والأمنية.. وهذا ما تحقق في حرب الخليج الأولى والثانية التي انطلق بها الاستكبار العالمي بشكل مباشر تارة، أو غير مباشر، بعنوان أنه ينصر هذا أو ذاك على خصمه العربي أو الإسلامي، تارة أخرى، فكانت النتيجة أن الخاسر هم العرب والمسلمون، أما الرابح الأكبر فهو الاستكبار العالمي. وهذا ما حدث في المسألة الفلسطينية التي تحرك فيها العرب اعتماداً على هذا المحور الدولي أو ذاك، حتى انتهى الأمر إلى أمريكا التي كانت إسرائيلية أكثر من الإسرائيليين، فتعالوا نتوقف عند المستجدات التي تتصل بهذه القضية من قريب أو بعيد.
عن أي سلام يتحدث باراك؟:
لا يزال الترحيب العربي بـ"باراك" يؤكد السذاجة السياسية التي خضعت للدعاية الأمريكية في اعتباره "رجل السلام" الذي سوف يحقق التسوية في المنطقة بأقرب فرصة، في الوقت الذي نلاحظ فيه تعقيدات كبيرة في واقع المنطقة تدفع إلى السؤال عن أية تسوية وأيّ سلام يتحدث، فهو يقول في برنامجه بأن "أهدافنا الأساسية ستكون الأمن القومي والأمن الفردي للإسرائيليين في إطار معركة حامية ضد الإرهاب"، ويقصد به المجاهدين في فلسطين ولبنان، مما يوحي بأنه يرفع شعاراً يؤكد شعار سلفه.
وتقول بعض صحف العدوّ إن باراك يعتزم تطبيق التسوية "وهو يضع سكين كوماندوس بين أسنانه"، من أجل أن تكون حركته انتصاراً لإسرائيل وهزيمة للعرب.. إن القضية المطروحة هناك هي إعادة العلاقات مع أمريكا إلى حيويتها، لا سيما مع مبادرات كلينتون الذي عبّر عنه رئيس حكومة العدو بأنه "أكبر أصدقاء إسرائيل من بين الرؤساء الأمريكيين"، وهو ما يجدد الضغط الأمريكي على العرب لتقديم التنازلات بحجة تسهيل مهمته في صنع السلام؟!
إن هذا الرجل (باراك) هو الأخطر بين رؤساء الكيان الصهيوني، لا سيما إذا عرفنا تاريخه كرئيس أركان ورجل كوماندوس وإرهابي محترف، ولكنه يتحدث بلغة تصالحية تخفي قبضة حديدية على مستوى السياسة والأمن.. إننا نقول للعرب: لا تتفاءلوا كثيراً بالقادم الجديد، ولا تستسلموا للضغوط الأمريكية في المرحلة الجديدة، ولا تعتبروا أن هناك شهر عسل جديداً للتسوية، فإن هناك أكبر كمية من السمّ في هذا العسل، وكونوا على حذر من تطورات المستقبل، لا سيما بعد حرب البلقان.
عن أي إرهاب تتحدث أمريكا؟!.
وليس بعيداً عن ذلك، فقد علّق الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية على زيارة الرئيس الأسد لروسيا بقوله: "إن أيّ صفقة لبيع سوريا أسلحة روسية أو أيّ دولة تُعتبر راعية للإرهاب، من شأنها أن تثير قلقنا"، وحذّر روسيا من أنها قد تُحجب المعونات عنها إذا باعت المزيد من الأسلحة لسوريا التي تعتبرها واشنطن راعية للإرهاب!! والسؤال هو: عن أيّ إرهاب تتحدث أمريكا؟ إنها تتحدث عن دعم سوريا للمقاومة في فلسطين ولبنان لتحرير الأرض..
لا مصلحة لروسيا في الخضوع لأمريكا:
ثم، إن هذه الأسلحة دفـاعية لا هجومية، ولكن أمريكا – في سياستها في المنطقة – لا تريد لأية دولة أن تمتلك القوة في مواجهتها لإسرائيل، لأنها تعمل على أن تكون إسرائيل الأقوى، لتستطيع ممارسة الضغط العسكري والسياسي من خلالها على المنطقة كلها في إطار استراتيجية التحالف بينها وبين العدو، وهذا هو الخط الاستراتيجي الذي تتحرك فيه أمريكا للضغط على أيّ دولة في العالم تبيع سوريا وإيران أيّ سلاح دفاعي يضعّف القوة الإسرائيلية.. وإننا نعتقد أن روسيا لا مصلحة لها – في وزنها الدولي وفي حاجتها الاقـتـصادية – في الخضوع لأمريكا، لأن ذلك سوف يغلق عنها أبواب المنطقة سياسياً واقتصادياً، ويُسقط دورها في اللعبة الدولية.
مؤتمر السقوط العربي:
وفي هذا الجو، فقد انتهى مؤتمر التطبيع مع إسرائيل الذي عُقد في القاهرة، بقرارات تؤكد العلاقات بين العرب والكيان الصهيوني، وتدعو لقرارات شجاعة – كما يقول – تعترف للإسرائيليين بالقدس، مما يوحي بأن المطلوب أن يكون العرب، والفلسطينيون بالذات، واقعيين في تقديم التنازلات والقبول بالأمر الواقع، والبُعد عن العنف في مسألة تحرير الأرض والمطالبة بالحقوق.. إننا ننظر إلى هذا المؤتمر أنه كان مؤتمر السقوط العربي الذي يعمل للضغط على الواقع الشعبي الرافض للتطبيع، من أجل الالتفاف عليه بمثل هذه المواقـف الـتـنازلية. وإننا، بهذه المناسبة، نحيي وقفة الشعب المصري – بفعالياته ومثقفيه وشخصياته الإسلامية والعروبية - الذي أصرّ على رفض هذا المؤتمر جملة وتفصيلاً.
ننتظر إطلاق المعتقلين من البحرين:
وفي جانب آخر، فإننا نرحّب بالعفو الصادر من أمير البحرين عن الشيخ عبد الأمير الجمري الذي هو من العلماء العاملين المخلصين لشعبهم وبلدهم، والمنفتحين على حلّ الأزمة في بلده بطريقة سلمية تحفظ للجميع حقوقهم العادلة.. ونحن ننتظر من السلطات البحرينية أن تبادر إلى إطلاق سراح المعتقلين الآخرين في أقرب وقت، لأن ذلك هو الذي يحقق المصلحة العامة للشعب والحكومة، لا سيما أن المعارضة قد رحّبت بالعهد الجديد.
دعم المجاهدين:
وأخيراً، إننا نؤكد على تصفية الأجواء السياسية اللبنانية الداخلية، استعداداً للاستحقاقات الاقتصادية الداخلية التي لا بدّ للجميع أن يشارك فيها، لإعداد البلد اقتصادياً بما يخفف من ضغط الأزمة المتواصلة، والاستعداد للاستحقاقات القادمة عن طريق المتغيرات التي قد تضخّها الحركة المقبلة للتسوية.. ثم، لا بدّ من العمل على تعزيز الوحدة الوطنية بما يقوّي حركة المقاومة، وعدم الاطمئنان إلى الوعود الإسرائيلية بالانسحاب، لأن هذا الانسحاب لا يأتي إلا عن طريق المقاومة التي عطّلت برنامج العدوّ في احتلاله للجنوب والبقاع الغربي، وحوّلته الى مأزق سياسي وأمني، ولذلك لا بدّ من دعم المجاهدين لإكمال مسيرة التحرير..