استشارة..
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب جامعي من السّعودية. كانت حياتي مليئة بالسَّعادة والراحة النفسيَّة، إلى أن وقعت في المعاصي والفاحشة في الآونة الأخيرة، والسَّبب هو اعتداء أحد أقاربي عليَّ في الصّغر. أصبحت الآن أعيش توتراً نفسياً لا يوصف، أثر في حياتي الجامعيَّة، فانحدر مستواي بعد أن كنت من المتفوقين، ما سبَّب لي إحباطاً آخر، حيث فقدت الأمل، وأصبح الهم لا يفارقني، وكذلك الذنوب.
فكَّرت في الانتحار أكثر من مرة ولكنَّني تراجعت. أشعر بارتياحٍ نفسيٍّ عندما أترك المعاصي، ولكنَّني أعود وأسقط فيها مرة أخرى، ما سبب لي استياءً كبيراً جداً وألماً، حتى إنَّني أصبحت أشكّك في الله ورحمته، وصرت أشعر بكراهيته لي.
استشرت أكثر من شخص، ولكن للأسف لم أخرج بنتيجة، وقد رأيت بابكم مفتوحاً، فأتيت إليكم راجياً منكم الحل. محبتي لكم وأعتذر عن عدم ترتيب كلامي.
وجواب..
تحليل طبيعة هذه الحالة وأسبابها:
سبق وتعرض الشاب للاعتداء الجنسي عندما كان صغيراً. وهذا الفعل سبَّب له جرحاً نرجسياً داخلياً كبيراً، وهو الشعور بالانتهاك للذات، والأذيَّة. ومع مرور الزمن، أصبح هذا الشّعور هو الشعور بالقهر، الَّذي يتزايد كلَّما زاد وعيه وإدراكه، كما يظهر ترافق ذلك مع مشكلات محيطة به خلال نموه العام، أضعفت إرادته ـ لم يفصّل بها طالب الاستشارة ـ ما خلق لديه الشّعور برد الانتهاك. من هنا، أصبح يمارس فعل الفاحشة كما حصل معه عندما كان صغيراً.
ولأنه كان ملتزماً، خُلق لديه الشّعور بوخز الضمير بأنه يفعل حراماً، ولم يقدر على أن يوافق على أفعاله، ما خلق لديه أيضاً نوعاً من البعد بالعلاقة مع الله، وتحول الفعل عنده إلى فعل لا إرادي ينفذه بشكل غير طوعي، كلَّما اشتدت به الرغبة لممارسة الفاحشة متى سنحت له الظروف.
النصائح المناسبة لطالب الاستشارة:
1 ـ أولاً، ضرورة مراجعة طبيب مختص بالأمراض البولية والتناسلية، لإجراء فحوصات لمستوى الهرمونات الذكورية، كذلك فحص موضعي، وفحص للبروستات.
2 ـ مراجعة معالج نفسي (psychanalyste) للدخول في تفاصيل المشكلة أكثر، والتعمق في دراسة الأسباب التي أدت إليها، لمتابعة العلاج النفسي بشكل منتظم.
3 ـ ومفتاح العلاج هو التحلي بالإرادة الصَّلبة، للتخلّي عن هذه العادة المحرَّمة. وتبدأ من العمل على تقوية العوامل المعززة للإرادة. كذلك، معرفة العدو المعزز لاستمرار هذه الحالة، ألا وهو الشَّيطان الرجيم، الَّذي يعمل ليل نهار لإبقائه على حاله. من هنا، لا بدَّ من اتباع الخطوات التالية:
ـ تجنّب كلّ الأماكن المشبوهة، والأشخاص الَّذين سبق وفعل معهم هذه الأمر الفاحش، وتجنب أي أمر يثير هذه الرغبة لديه، والعمل على تحويل الرغبة في إطارها الطبيعي الشرعي ضمن الزواج من امرأة يختارها.
ـ ونقول له القاعدة الذهبيَّة: "لو كنت مبتلى بالذنوب من أعلى شعرة في رأسك إلى أخمص قدميك، إياك وقطع صلاتك"، وبالتالي، لا تقطع علاقتك بالله تعالى ولا تفقد الأمل. وما دام ضميرك يعذبك، فهذا يعني أن قلبك ما زال جاهزاً لتقبل الرحمة الإلهية، وهذا مدد من الفيض الرحماني الإلهي، ويدل على أنَّ الله معك وما زالت الملائكة تحيط بك لتمنعك من فعل الفاحشة وتكرارها، فالأمر يتطلَّب قليلاً من الإرادة.
ـ العمل على تقوية الإرادة: بالصلاة، والصوم، والدعاء، وذكر الله يومياً، وترديد الأوراد اليومية، والتحصن بالقرآن، وزيارة المساجد، وحضور الدروس الدينية، والقراءة.
ـ ملء الوقت بالدراسة، والسعي من جديد للنجاح والتفوق، وخصوصاً أن الأمل ما زال كبيراً لذلك، وما زال المستقبل أمامك. وأن تصل متأخراً خير لك من أن لا تصل أبداً.
ـ ممارسة الرياضة، ولا سيَّما الركض والمشي اليومي، والابتعاد عن المثيرات قدر الإمكان وتجنبها.
ـ تجنّب الوحدة، والعمل على البقاء على طهارة قدر الإمكان، والحفاظ على الوضوء كلّ الأوقات.
رابعاً: نصائح خاصَّة للأخ:
1 ـ أن ينفّذ الخطوات المذكورة أعلاه فوراً.
2 ـ أن يراسلنا بعد أن ينفذها جميعأ، لنزوده بالقسم الثاني، كي تعطي الخطة مفاعيلها الصحيحة.
3 ـ أن يزوّدنا لاحقاً، بشكل تفصيلي، بتفاصيل حياته الخاصة ومشاكله وظروفه الأسرية وعلاقاته، مع ذكر التفاصيل عن ظروفه المحيطة به من كل النواحي.
واعلم أيها الأخ، أنَّ الشيطان الرجيم عدوك، وأنت، كما قلت، طالب متفوق، فأسال نفسك أين كنت وبماذا كنت ستفكر لو لم تحصل هذه الحالة. من هنا، آن لك أن تعرف أنَّ إبليس اللعين يلهيك بهذه الآفة، للتلاهي عن أمور أعظم وأهم، خلقك الله من أجل أن تؤديها للناس في الحياة، فدع الماضي وانظر إلى المستقبل، وابدأ الآن بصناعة نفسك كما تريد ويرضى الله، واهزم عدوك.
***
مرسل الاستشارة: ع. المجيب عن الاستشارة: الأستاذ محمود غنوي، اختصاصي ومعالج نفسي تربوي وعيادي. للتواصل المباشر معه : E-MAIL :[email protected] : 009615 470 870 التاريخ: 17 شباط/ فبراير 2013م. نوع الاستشارة: أخلاقية. |