من يستثنى من حكم القصر

من يستثنى من حكم القصر

إذا تـمَّ السفر من المكلّف ولم ينقطع بما ذكرنا من قواطع السفر فإنه كي يؤثر أثره في التقصير لا بُدَّ أن يكون المسافر في سفر مباح وأن لا يكون كثير السفر، وإلاَّ لم يشمله حكم القصر وكان مستثنى منه، وتفصيل ذلك كما يلي:

الأول: المسافر في معصية:
وهو من كانت غايته من السفر إمّا ترك الواجب، كالفرار من الجهاد أو من دين مستحق مطالب به مع قدرته على دفعه في خصوص الحضر، أو كانت غايته ارتكاب محرّم، كالزنا أو قتل النفس بغير حقّ أو السرقة أو الوشاية بالمؤمن، ونحو ذلك، أو كان نفس السفر حراماً، كمن حلف أن لا يسافر في يوم معين فخالف وسافر.  فمن كان سفره على نحو من هذه الثلاثة عُدَّ سفره سفر معصية، ومثله لا يرخص له بقصر الصلاة ولا الإفطار في الصوم مهما قطع ومهما تعب في سفره، بل الواجب عليه أن يصلي تماماً وأن يصوم نهاره، مثله مثل الحاضر في وطنه.  وأمّا إذا كان باعث السفر محللاً، كالتجارة، وصادف فعل الحرام في أثنائه فلا يسمى سفر معصية ولا تلحقه أحكامه.

م ـ 821: السفر بوسيلة نقل مغصوبة إذا كان بقصد الفرار بها يتمّ صلاته، وإلاَّ لزمه التقصير وإن كان آثماً باستخدام المغصوب.

م ـ 822: الظاهر عدم كون صيد اللّهو محرّماً، ولكنَّه ملحق بسفر المعصية في الحكم بوجوب الإتمام فيه.  هذا ولا يبعد لحوق الحكم بوجوب الإتمام لكلّ سفر باطل خارج عن المقاصد العقلائية، بحيث يراه العقلاء لهواً باطلاً.  وعليه فإنَّ الصيد لقوتِ النفس والعيال أو للتجارة لا يدخل في باب اللّهو، ولا يكون السفر إليه معصية، ويقصر المسافر لأجله في الصلاة ويفطر في الصوم، ويدخل في باب اللّهو إن خلا من الغرض العقلائي ويلحقه حكم سفر المعصية من الإتمام والصيام رغم أنه ليس محرّماً في نفسه.

م ـ 823: التابع للجائر إذا كان مكرهاً أو بقصد غرض صحيح، كدفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره، يقصر، وإلاَّ فإن كان على وجه يعدّ من أتباعه وأعوانه في ظلمه لزمه الإتمام، حتى لو كان سفر الجائر مباحاً، إذ إنه ـ في هذه الحالة ـ يقصر الجائر ويتمّ التابع له.

م ـ 824: إذا سافر لغاية فيها الحلال وفيها الحرام وجب عليه الإتمام، إلاَّ أن يكون قصد الحرام ثانوياً وغير ذي أهمية بحيث لا يبعث باستقلاله على السفر، وذلك كمن سافر لإنجاز معاملة مهمة وقصد مصافحة امرأة أجنبية هناك، أو نحو ذلك.

م ـ 825: العائد من سفر المعصية يقصر في صلاته إذا كان سفر الرجوع مسافة امتدادية، ولم يكن سفر الرجوع حراماً في نفسه، كأن لم يكن  في وسيلة نقل مغصوبة للفرار بها، وإلاَّ لزمه الإتمام في رجوعه أيضاً، ولا فرق في حكم القصر في سفر الرجوع المحلل بين التائب وغيره.  كذلك فإنه يشرع في القصر بمجرّد ابتداء سيره في سفر العودة ولو لم يخرج بعد من البلد.

م ـ 826: إذا كان ابتداء السفر مباحاً فقصد المعصية خلال السفر، كمن سافر لتجارة الحبوب وفي الطريق غيَّر قصده إلى تجارة المسكرات، فإن استمر على قصده الجديد لزمه الإتمام، ولم يصح منه ما صلاه قصراً قبل العدول، بل يعيده تماماً إن بقى الوقت، ويقضيه إن كان قد فات وقته، وإن لم يستمر وعاد إلى قصد المباح قصر في صلاته حتى لو لم يكن ما بقي من الطريق مسافة شرعية، بل إن فترةَ تغيُّرِ نيته لا تلغي المسافة التي قطعها خلاله، وتحسب مع مجموع المسافة.
أمّا إذا كان ابتداء سفره معصية فتاب وعدل إلى المباح وظلّ على توبته لزمه التقصير إن كان الباقي مسافة ولو بضميمة مسافة الرجوع إليه، ولم يصح منه ما صلاه تماماً قبل عدوله وعليه الإعادة في الوقت دون خارجه، فإن عاد إلى قصد المعصية عاد إلى الإتمام.  ونلفت إلى أنَّ من تاب في الأثناء ولزمه القصر فإنه إنما يشرع في القصر بعد تحرّكه وسيره لا قبل ذلك حين استراحته فإنه يصلي تماماً.

م ـ 827: إذا تغيّر قصد المسافر سفراً مباحاً إلى المعصية بعد الوصول إلى مقصده لم يضرّ ذلك في بقائه على القصر إلى أن يغادره، فإن غادر مقصده مُنشئاً سفراً جديداً في معصية فالأقوى لزوم التمام؛ وإن غادره عائداً إلى وطنه، ولم يكن السفر في نفسه حراماً، كأن لم يكن في وسيلة نقل مغصوبة للفرار بها، يقصر في سفره، وإلاَّ يتم.
الثاني: كثير السفر:
ويُراد به من يتكرر منه السفر بلا فترة يعتد بها، بنحو يكثر منه السفر ويصير له ديدناً وحالة دائمة، ويعبّر عنه "بكثير السفر" أو "دائم السفر".
وهذا العنوان ينطبق:
أولاً:
على من كان نفس السفر مهنة له وعملاً، كسائق السيارة أو الطائرة أو المعاون لهما ونحوهم ممن يتخذ الانتقال من بلد إلى بلد مهنة له وعملاً، وذلك لنقل الركاب أو جلب الخَضْروات أو البضائع أو غير ذلك، وحكمه إتمام الصلاة في ذهابه وإيابه ومحط رحله، ويصح الصوم منه.

م ـ 828: لا يشترط فيمن عمله السفر استمرار السفر منه على مدار العام، بل يصدق على من اتخذ السفر مهنة له في فصل معين من السنة، أو في موسم معين، كالحج، ولم يكن سفره لمدة ضئيلة لا يعتد بها، كالأسبوع والأسبوعين، بل كان أكثر من ذلك، أو كانت مدّة السفرة الواحدة قليلة ولكنَّه يسافر مرات عديدة خلال السنة، مثل المعرفين والمرشدين الذين يذهبون للحج والعمرة وزيارة المقامات مراراً متعدّدة في كلّ عام، بحيث يصدق عليهم أنَّ عملهم السفر.
كذلك فإنه لا يشترط في لزوم التمام على من عمله السفر الدائم ـ لا الموسمي ـ أن يكون سفره لعملٍ لغيره، فلو سافر السائق لنقل أهله أو نقل أثاثه مجاناً، أو سافر هو أو مع أهله لزيارة صديق أو ولي أو لإنجاز معاملة رسمية، لزمه الإتمام في سفره ذلك كغيره من أسفاره.
أمّا من كان عمله السفر في موسم معيّن فإنه يختص ترتيبُ الآثار عليه بذلك الموسم الخاص، ويبقى على القصر في سائر الفصول التي لا يعمل فيها في السفر.

م ـ 829: لا بُدَّ من تناسب فترة الاستراحة والتوقف عن السفر مع طبيعة المسافة التي يقطعها في سفره، فمن يسافر من بيروت إلى طهران مثلاً مرة في الشهر لا يضره توقفه خلال الشهر أسبوعاً أو أسبوعين في صدق عنوان "من عمله السفر" عليه، أمّا من يسافر مرة في الأسبوع من بيروت إلى صور، أو من النجف إلى كربلاء، لا يصدق عليه ذلك العنوان، بل يحتاج في صدقه عليه لتكرر السفر منه أكثر من مرة بسبب قرب المسافة.  وهكذا مثلاً قائد الطائرة فإنه لا يضره التوقف بين سفرة وأخرى أياماً متعدّدة على ما تستوجبه طبيعة سفرته وعرفها الخاص بها.
ولذا فإنه لا يزول العنوان عمّن عمله السفر المتواصل إذا بقى في وطنه عشرة أيام، أو إذا نوى الإقامة عشرة أيام في غير وطنه، ما دام متناسباً مع نوع عمله، بل عليه إتمام الصلاة بمجرّد الشروع مجدّداً في السفر، حتى في سفره الأول، سواء أقام هذه المدة لضرورة أو لغير ضرورة، وإن كان الأحوط استحباباً الجمع بين القصر والتمام في سفره الأول.

م ـ 830: من اتخذ لتوه السفر الدائم مهنة له وشرع فيه الآن، فإنه كي يصدق عليه هذا العنوان عرفاً وتترتب عليه آثاره شرعاً لا يتحدّد ذلك بتكرار السفر منه مرات متعدّدة، كثلاث مرات مثلاً، فلو صدق هذا العنوان بالأقل من ذلك أو بالأكثر اقتصر عليه ورتب الأثر وأتـمّ الصلاة.
ثانياً: على من يكون عمله في السفر، وذلك كالتاجر المتجول في بضاعته، أو الراعي الذي ينتقل بقطيعه مسافة السفر الشرعي، أو الحطاب الذي يتنقل لجلب الحطب، وكذا مثل المفتش أو المحاسب في بنك والمكلّف بالتطواف على الفروع المختلفة من بلد إلى بلد، أو أصحاب الحرف الذين يدورون في البلدان لمزاولة أعمالهم، والمقاولون الملتزمون لعدّة مشاريع يدورون عليها، وأمثالهم ممن يكون "عمله في السفر".
وصاحب هذه الحالة يتميّز عن صاحب الحالة السابقة بأنه لا يمتهن نفس السفر والتنقل ولا يتخذه حرفة وعملاً له، كما هو شأن سائق السيارة أو ملاح السفينة، بل إنَّ له مهنة غير السفر، هي الحدادة أو المحاسبة أو تصليح الآلات مثلاً، ولكنَّهم يختارون أن يمارسوها بطريقة التجوال من دون الارتباط بمكان محدّد، أو أنَّ المهنة بطبيعتها تستوجب التنقل والتجوال، كالرعي أو جمع الحطب، فالذي يجمع هؤلاء أنَّ عملهم واقع في حالة سفر وتنقل لا أنَّ نفس السفر عملهم.  ولكنَّه رغم هذا الاختلاف في طبيعة العمل فإنَّ حكم العنوانين واحد في جميع ما مرّ من أحكام وتفاصيل تتعلّق بالعمل الموسمي، أو بنقل أهله، أو بإقامته عشرة أيام وغير ذلك.
وعلى صاحب هذه الحالة أن يتمّ صلاته في حله وترحاله ويصوم، شأنه في ذلك شأن الحاضر في وطنه.
ثالثاً: على من يتكرر سفره ويكثر من أجل الوصول إلى مقر عمله الذي يعتاش منه ويتكسب، وذلك عندما يكون سكنه في بلد وعمله في بلد آخر بينهما المسافة الشرعية، ولا يمكنه أداء عمله إلاَّ بالانتقال إليه مراراً كثيرة يصدق عليه معها كثرة السفر، ويكفي فيه أن يحضر ستة أيام ويسافر إلى مقر عمله يوماً واحداً، بنحو يكون مجموع الأيام التي يسافر فيها شهرياً أربعة أيام، متفرقة على أيام الشهر وأسابيعه أو مجتمعة كلّها في قسم منه، فإن كان أقل لزمه التقصير.
هذا، ولا بُدَّ أن تكون كثرة السفر حالة ملحوظة في حركة حياته ولو في موسم معيّن من كلّ سنة، أو من أجل أمر طارئ يستمر لبضعة أشهر، كما في بعض الدورات الدراسية التي تستمر لستة أشهر مثلاً.  فإن لم يكن كذلك وتكرر منه السفر وكثر لأمر طارئ وفي فترة ضئيلة كمثل الشهر والشهرين لم يصدق عليه أنه كثير السفر.
فإن تـمَّ ذلك للمكلّف لزمه الصوم خلال سفره والصلاة تماماً في مقر العمل وفي الطريق إليه ذهاباً وإياباً إذا لم يكن مقر عمله مسكناً له بل كان مسكنه في موضع آخر غير موضع العمل، كما ذكرناه في تعريف هذه الحالة.
أمّا إذا اتخذ مقر عمله مسكناً له لمدة طويلة نسبياً، وبالنحو الذي لا يعتبر تواجده فيه سفراً، مثلما هو شأن النوع الثالث من الوطن كما تقدّم، فإنَّه حينئذ يصوم ويتمّ في البلد الذي يسكن فيه لا في الطريق إليه ذهاباً وإياباً، لأنَّ حكمه ـ حينئذ ـ كحكم أي وطن يسافر الإنسان منه ويرجع إليه.

ومن أجل المزيد من التوضيح والتطبيق على الواقع الذي يعيشه المكلّف سوف نذكر فيما يلي عدداً من الأمثلة التي ينطبق معظمها على العنوان الثالث الذي يكون فيه المكلّف كثير السفر من أجل الإنتاج والكسب، وبعضها على العنوان الثاني الذي يكون فيه العمل في السفر، وهذه هي الأمثلة:

1 ـ الموظفون الذين تقع وظائفهم في بلد آخر غير بلدهم، مع عدم اتخاذهم مركز العمل وطناً ثانياً، فعليهم الإتمام فيه وفي الطريق إليه ذهاباً وإياباً، سواء أكانوا يرجعون إلى بلدهم في كلّ يوم أم في كلّ جمعة أم كانوا يقضون في مركز العمل أكثر من ذلك.

2 ـ المهندسون وأمثالهم من الذين يُنتدَبون للعمل في مشاريع تستمر سنة أو أكثر، فيكون مقر عملهم في مكان تنفيذ المشروع الذي يبعد عن بلدهم بقدر المسافة المحدّدة، فيفرض عليه التواجد في مقر العمل مدّةً طويلة أحياناً وقصيرة أخرى، فيُتمّ في كلّ تلك الأسفار، أي في مقر العمل وفي طريق الذهاب إليه والعودة منه.

3 ـ الجنود المكلّفون أو المتطوعون أو العسكريون، بأية رتبةٍ من الرتب العسكرية، إذا كان معسكرهم ومقر عملهم يبعد عن بلداتهم، فيسافرون إلى مقر العمل لممارسة عملهم فعليهم الإتمام في صلاتهم، سواء كان بقاؤهم في مقر العمل أسبوعاً أو أسبوعين أو مدّة لا يعرف مداها تُحدّد حسب الأوامر التي تصدر إليهم، وكذلك عليهم الإتمام إذا سافروا من المعسكر بمهمة ترتبط بأعمالهم، سواء كان سفرهم بصورة منفردة أو ضمن جماعة.

4 ـ الخبراء ـ كالمهندسين أو الأطباء أو غيرهم ـ الذين يكلّفون من قبل دوائرهم التي ينتسبون إليها بالسفر سنة مثلاً إلى الخارج إلى منطقة معينة لكسب المزيد من الخبرة، فعليهم إتمام الصلاة في تلك المنطقة أو البلدة التي تضمّ الجامعة أو المستشفى أو المصنع الذي يمارسون عملهم فيه.

5 ـ التجار الذين يملكون عملاً إنتاجياً في بلد آخر، ويتردّدون على معاملهم ويقيمون في بلد المعمل اليوم أو اليومين أو الأسبوع أو الأسبوعين حسب الحاجة، فعليهم الإتمام في سفرهم وفي مقر عملهم.

6 ـ المفتشون أو المحاسبون المكلّفون بالتطواف على الفروع المختلقة لبنك من البنوك أو شركة تجارية، فيسافرون من بلد إلى بلد يمارسون أعمالهم في كلّ بلد للتدقيق في الحسابات أو التفتيش في أوضاع العمل، فعلى واحدهم التمام في كلّ أسفاره المتعلّقة بعمله التدقيقي أو التفتيشي أو نحوه.

7 ـ أصحاب المهن الحرة كالحدادين والنجارين ومتعهدي الماء والكهرباء، ونحو ذلك من الذين يعملون في مجموعة من القرى، فيسافرون من قريةٍ إلى قرية، وكذلك المقاولون الذين يلتزمون بعدّة مقاولات في بلدان متعدّدة ويسافرون من موقع إلى موقع لمزاولة عملهم، فإنهم يتمون صلاتهم.

8 ـ الوعاظ والمبلغون الذين تفرض عليهم وظيفتهم في الوعظ والتبليغ تكرر السفر إلى بلد أو أكثر من البلدان التي يمارسون فيها عملهم مما يبعد عن بلدهم بقدر المسافة، فإنهم يتمون في صلاتهم، وكذلك كلّ أصحاب الأدوار الاجتماعية والسياسية الذين تفرض عليهم أدوارهم التطواف في البلدان التي تتصل بها مهماتهم الاجتماعية أو السياسية بحيث يكونون في سفر دائم متكرر.

وجميع هؤلاء إذا لم يكن سفرهم كثيراً من أجل أعمالهم، فإنهم إذا سافروا ـ أحياناً ـ من أجل العمل يلزمهم القصر، وذلك كالحداد المستقر في عمله في بلده، فتعرض له سفرة في الشهر ليوم أو يومين من أجل العمل في مكان آخر، ومثله الجندي والمحاسب والمبلغ ونحوه ممن يمارسون عملهم ووظيفتهم في مكان محدّد فيطرأ عليهم السفر في عملهم مرة في الشهر أو في السنة، أو أقل من ذلك أو أكثر مما هو دون حدّ كثرة السفر، فإنَّ عليهم أن يقصروا في سفرهم ذلك ويفطروا، سواء في مركز عملهم الذي سافروا إليه أو في الطريق إليه ذهاباً وإياباً.
رابعاً: ينطبق عنوان من عمله السفر ـ أيضاً ـ على من يكثر منه السفر من موضع سكنه إلى مكان آخر يتجاوز للوصول إليه المسافة الشرعية، ولكن لا من أجل الكسب والإنتاج بل من أجل الأجر والثواب ومعاونة الغير، أو من أجل التعلّم أو التنزه أو التداوي أو غيرها من الأغراض والأهداف غير الإنتاجية.
وهو في تعريفه وحدوده وأحكامه مثل العنوان الثالث تماماً.

وهذه أمثلة عليه:
1 ـ المبلّغون والعلماء والمتطوعون في أعمال الإغاثة والدفاع المدني والعسكري والسياسي والاجتماعي ممن لا يتقاضون أجوراً على أعمالهم، حتى لو كان بعضها بالجبر والإكراه، كالخدمة العسكرية الإجبارية.

2 ـ الطلاب الذين يدرسون في الجامعات في البلدان التي تبعد عن موطنهم بقدر المسافة، فيأتون إلى الجامعة كلّ يوم، أو بين يوم ويوم، للدراسة، ويعودون إلى بلداتهم بعد انتهاء الدراسة، فيجب عليهم الإتمام في بلد الجامعة وفي الطريق إليها ذهاباً وإياباً.

3 ـ الطلاب الذين يمكثون خمسة أيام في بلد الجامعة ويرجعون إلى بلدانهم في العطلة يومين من دون أن يقصدوا السكن والاستقرار في بلد الجامعة سنين عديدة، كأن تكون دراسة أحدهم تنتهي في سنةٍ واحدة أو ستة أشهر، فإنَّ هؤلاء وأمثالهم يتمون الصلاة والصوم في بلد الجامعة وفي سفرهم ذهاباً وإياباً، وكذلك إذا كانت فترة مكثهم في بلد الجامعة أكثر من أسبوع.

4 ـ الطلاب الذين يتخرجون من المدرسة في بلداتهم فيلتحقون بدورة دراسية تمتد ستة أشهر في بلد آخر، فيسافرون إليه لأجل ذلك ويمكثون فيه طيلة تلك المدة، إمّا بصورة مستمرة وإمّا بصورة متقطعة على نحو يعود واحدهم إلى أهله وبلدته كلّ يوم مساءً أو في كلّ أسبوع مرةً أو في فترات غير محدّدة، وفي جميع الحالات يصلي صلاته تامة في بلد الدورة وكذلك في الطريق إليها ذهاباً أو رجوعاً منها.  وهنا نلفت إلى أنَّ المقياس في ذلك أن يصدق عليه عرفاً أنه كثير السفر، وهذا قد يصدق على الدورة التي تستمر أقل من ستة أشهر.

5 ـ الأشخاص الذين يخرجون في كلّ يوم أو بين يوم ويوم أو أكثر من ذلك للتنزه أو لزيارة نبيّ أو وليّ أو لعلاج مرض أو نحو ذلك مما لا يكون السفر فيه حرفة ومهنة، فإنه يجب عليهم الإتمام حتى لو لم يصدق عليهم أنَّ ذلك هو عملهم، لأنَّ المدار هو كثرة السفر وتعدّده بحيث يصدق عليه أنه دائم السفر.

إذا تـمَّ السفر من المكلّف ولم ينقطع بما ذكرنا من قواطع السفر فإنه كي يؤثر أثره في التقصير لا بُدَّ أن يكون المسافر في سفر مباح وأن لا يكون كثير السفر، وإلاَّ لم يشمله حكم القصر وكان مستثنى منه، وتفصيل ذلك كما يلي:

الأول: المسافر في معصية:
وهو من كانت غايته من السفر إمّا ترك الواجب، كالفرار من الجهاد أو من دين مستحق مطالب به مع قدرته على دفعه في خصوص الحضر، أو كانت غايته ارتكاب محرّم، كالزنا أو قتل النفس بغير حقّ أو السرقة أو الوشاية بالمؤمن، ونحو ذلك، أو كان نفس السفر حراماً، كمن حلف أن لا يسافر في يوم معين فخالف وسافر.  فمن كان سفره على نحو من هذه الثلاثة عُدَّ سفره سفر معصية، ومثله لا يرخص له بقصر الصلاة ولا الإفطار في الصوم مهما قطع ومهما تعب في سفره، بل الواجب عليه أن يصلي تماماً وأن يصوم نهاره، مثله مثل الحاضر في وطنه.  وأمّا إذا كان باعث السفر محللاً، كالتجارة، وصادف فعل الحرام في أثنائه فلا يسمى سفر معصية ولا تلحقه أحكامه.

م ـ 821: السفر بوسيلة نقل مغصوبة إذا كان بقصد الفرار بها يتمّ صلاته، وإلاَّ لزمه التقصير وإن كان آثماً باستخدام المغصوب.

م ـ 822: الظاهر عدم كون صيد اللّهو محرّماً، ولكنَّه ملحق بسفر المعصية في الحكم بوجوب الإتمام فيه.  هذا ولا يبعد لحوق الحكم بوجوب الإتمام لكلّ سفر باطل خارج عن المقاصد العقلائية، بحيث يراه العقلاء لهواً باطلاً.  وعليه فإنَّ الصيد لقوتِ النفس والعيال أو للتجارة لا يدخل في باب اللّهو، ولا يكون السفر إليه معصية، ويقصر المسافر لأجله في الصلاة ويفطر في الصوم، ويدخل في باب اللّهو إن خلا من الغرض العقلائي ويلحقه حكم سفر المعصية من الإتمام والصيام رغم أنه ليس محرّماً في نفسه.

م ـ 823: التابع للجائر إذا كان مكرهاً أو بقصد غرض صحيح، كدفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره، يقصر، وإلاَّ فإن كان على وجه يعدّ من أتباعه وأعوانه في ظلمه لزمه الإتمام، حتى لو كان سفر الجائر مباحاً، إذ إنه ـ في هذه الحالة ـ يقصر الجائر ويتمّ التابع له.

م ـ 824: إذا سافر لغاية فيها الحلال وفيها الحرام وجب عليه الإتمام، إلاَّ أن يكون قصد الحرام ثانوياً وغير ذي أهمية بحيث لا يبعث باستقلاله على السفر، وذلك كمن سافر لإنجاز معاملة مهمة وقصد مصافحة امرأة أجنبية هناك، أو نحو ذلك.

م ـ 825: العائد من سفر المعصية يقصر في صلاته إذا كان سفر الرجوع مسافة امتدادية، ولم يكن سفر الرجوع حراماً في نفسه، كأن لم يكن  في وسيلة نقل مغصوبة للفرار بها، وإلاَّ لزمه الإتمام في رجوعه أيضاً، ولا فرق في حكم القصر في سفر الرجوع المحلل بين التائب وغيره.  كذلك فإنه يشرع في القصر بمجرّد ابتداء سيره في سفر العودة ولو لم يخرج بعد من البلد.

م ـ 826: إذا كان ابتداء السفر مباحاً فقصد المعصية خلال السفر، كمن سافر لتجارة الحبوب وفي الطريق غيَّر قصده إلى تجارة المسكرات، فإن استمر على قصده الجديد لزمه الإتمام، ولم يصح منه ما صلاه قصراً قبل العدول، بل يعيده تماماً إن بقى الوقت، ويقضيه إن كان قد فات وقته، وإن لم يستمر وعاد إلى قصد المباح قصر في صلاته حتى لو لم يكن ما بقي من الطريق مسافة شرعية، بل إن فترةَ تغيُّرِ نيته لا تلغي المسافة التي قطعها خلاله، وتحسب مع مجموع المسافة.
أمّا إذا كان ابتداء سفره معصية فتاب وعدل إلى المباح وظلّ على توبته لزمه التقصير إن كان الباقي مسافة ولو بضميمة مسافة الرجوع إليه، ولم يصح منه ما صلاه تماماً قبل عدوله وعليه الإعادة في الوقت دون خارجه، فإن عاد إلى قصد المعصية عاد إلى الإتمام.  ونلفت إلى أنَّ من تاب في الأثناء ولزمه القصر فإنه إنما يشرع في القصر بعد تحرّكه وسيره لا قبل ذلك حين استراحته فإنه يصلي تماماً.

م ـ 827: إذا تغيّر قصد المسافر سفراً مباحاً إلى المعصية بعد الوصول إلى مقصده لم يضرّ ذلك في بقائه على القصر إلى أن يغادره، فإن غادر مقصده مُنشئاً سفراً جديداً في معصية فالأقوى لزوم التمام؛ وإن غادره عائداً إلى وطنه، ولم يكن السفر في نفسه حراماً، كأن لم يكن في وسيلة نقل مغصوبة للفرار بها، يقصر في سفره، وإلاَّ يتم.
الثاني: كثير السفر:
ويُراد به من يتكرر منه السفر بلا فترة يعتد بها، بنحو يكثر منه السفر ويصير له ديدناً وحالة دائمة، ويعبّر عنه "بكثير السفر" أو "دائم السفر".
وهذا العنوان ينطبق:
أولاً:
على من كان نفس السفر مهنة له وعملاً، كسائق السيارة أو الطائرة أو المعاون لهما ونحوهم ممن يتخذ الانتقال من بلد إلى بلد مهنة له وعملاً، وذلك لنقل الركاب أو جلب الخَضْروات أو البضائع أو غير ذلك، وحكمه إتمام الصلاة في ذهابه وإيابه ومحط رحله، ويصح الصوم منه.

م ـ 828: لا يشترط فيمن عمله السفر استمرار السفر منه على مدار العام، بل يصدق على من اتخذ السفر مهنة له في فصل معين من السنة، أو في موسم معين، كالحج، ولم يكن سفره لمدة ضئيلة لا يعتد بها، كالأسبوع والأسبوعين، بل كان أكثر من ذلك، أو كانت مدّة السفرة الواحدة قليلة ولكنَّه يسافر مرات عديدة خلال السنة، مثل المعرفين والمرشدين الذين يذهبون للحج والعمرة وزيارة المقامات مراراً متعدّدة في كلّ عام، بحيث يصدق عليهم أنَّ عملهم السفر.
كذلك فإنه لا يشترط في لزوم التمام على من عمله السفر الدائم ـ لا الموسمي ـ أن يكون سفره لعملٍ لغيره، فلو سافر السائق لنقل أهله أو نقل أثاثه مجاناً، أو سافر هو أو مع أهله لزيارة صديق أو ولي أو لإنجاز معاملة رسمية، لزمه الإتمام في سفره ذلك كغيره من أسفاره.
أمّا من كان عمله السفر في موسم معيّن فإنه يختص ترتيبُ الآثار عليه بذلك الموسم الخاص، ويبقى على القصر في سائر الفصول التي لا يعمل فيها في السفر.

م ـ 829: لا بُدَّ من تناسب فترة الاستراحة والتوقف عن السفر مع طبيعة المسافة التي يقطعها في سفره، فمن يسافر من بيروت إلى طهران مثلاً مرة في الشهر لا يضره توقفه خلال الشهر أسبوعاً أو أسبوعين في صدق عنوان "من عمله السفر" عليه، أمّا من يسافر مرة في الأسبوع من بيروت إلى صور، أو من النجف إلى كربلاء، لا يصدق عليه ذلك العنوان، بل يحتاج في صدقه عليه لتكرر السفر منه أكثر من مرة بسبب قرب المسافة.  وهكذا مثلاً قائد الطائرة فإنه لا يضره التوقف بين سفرة وأخرى أياماً متعدّدة على ما تستوجبه طبيعة سفرته وعرفها الخاص بها.
ولذا فإنه لا يزول العنوان عمّن عمله السفر المتواصل إذا بقى في وطنه عشرة أيام، أو إذا نوى الإقامة عشرة أيام في غير وطنه، ما دام متناسباً مع نوع عمله، بل عليه إتمام الصلاة بمجرّد الشروع مجدّداً في السفر، حتى في سفره الأول، سواء أقام هذه المدة لضرورة أو لغير ضرورة، وإن كان الأحوط استحباباً الجمع بين القصر والتمام في سفره الأول.

م ـ 830: من اتخذ لتوه السفر الدائم مهنة له وشرع فيه الآن، فإنه كي يصدق عليه هذا العنوان عرفاً وتترتب عليه آثاره شرعاً لا يتحدّد ذلك بتكرار السفر منه مرات متعدّدة، كثلاث مرات مثلاً، فلو صدق هذا العنوان بالأقل من ذلك أو بالأكثر اقتصر عليه ورتب الأثر وأتـمّ الصلاة.
ثانياً: على من يكون عمله في السفر، وذلك كالتاجر المتجول في بضاعته، أو الراعي الذي ينتقل بقطيعه مسافة السفر الشرعي، أو الحطاب الذي يتنقل لجلب الحطب، وكذا مثل المفتش أو المحاسب في بنك والمكلّف بالتطواف على الفروع المختلفة من بلد إلى بلد، أو أصحاب الحرف الذين يدورون في البلدان لمزاولة أعمالهم، والمقاولون الملتزمون لعدّة مشاريع يدورون عليها، وأمثالهم ممن يكون "عمله في السفر".
وصاحب هذه الحالة يتميّز عن صاحب الحالة السابقة بأنه لا يمتهن نفس السفر والتنقل ولا يتخذه حرفة وعملاً له، كما هو شأن سائق السيارة أو ملاح السفينة، بل إنَّ له مهنة غير السفر، هي الحدادة أو المحاسبة أو تصليح الآلات مثلاً، ولكنَّهم يختارون أن يمارسوها بطريقة التجوال من دون الارتباط بمكان محدّد، أو أنَّ المهنة بطبيعتها تستوجب التنقل والتجوال، كالرعي أو جمع الحطب، فالذي يجمع هؤلاء أنَّ عملهم واقع في حالة سفر وتنقل لا أنَّ نفس السفر عملهم.  ولكنَّه رغم هذا الاختلاف في طبيعة العمل فإنَّ حكم العنوانين واحد في جميع ما مرّ من أحكام وتفاصيل تتعلّق بالعمل الموسمي، أو بنقل أهله، أو بإقامته عشرة أيام وغير ذلك.
وعلى صاحب هذه الحالة أن يتمّ صلاته في حله وترحاله ويصوم، شأنه في ذلك شأن الحاضر في وطنه.
ثالثاً: على من يتكرر سفره ويكثر من أجل الوصول إلى مقر عمله الذي يعتاش منه ويتكسب، وذلك عندما يكون سكنه في بلد وعمله في بلد آخر بينهما المسافة الشرعية، ولا يمكنه أداء عمله إلاَّ بالانتقال إليه مراراً كثيرة يصدق عليه معها كثرة السفر، ويكفي فيه أن يحضر ستة أيام ويسافر إلى مقر عمله يوماً واحداً، بنحو يكون مجموع الأيام التي يسافر فيها شهرياً أربعة أيام، متفرقة على أيام الشهر وأسابيعه أو مجتمعة كلّها في قسم منه، فإن كان أقل لزمه التقصير.
هذا، ولا بُدَّ أن تكون كثرة السفر حالة ملحوظة في حركة حياته ولو في موسم معيّن من كلّ سنة، أو من أجل أمر طارئ يستمر لبضعة أشهر، كما في بعض الدورات الدراسية التي تستمر لستة أشهر مثلاً.  فإن لم يكن كذلك وتكرر منه السفر وكثر لأمر طارئ وفي فترة ضئيلة كمثل الشهر والشهرين لم يصدق عليه أنه كثير السفر.
فإن تـمَّ ذلك للمكلّف لزمه الصوم خلال سفره والصلاة تماماً في مقر العمل وفي الطريق إليه ذهاباً وإياباً إذا لم يكن مقر عمله مسكناً له بل كان مسكنه في موضع آخر غير موضع العمل، كما ذكرناه في تعريف هذه الحالة.
أمّا إذا اتخذ مقر عمله مسكناً له لمدة طويلة نسبياً، وبالنحو الذي لا يعتبر تواجده فيه سفراً، مثلما هو شأن النوع الثالث من الوطن كما تقدّم، فإنَّه حينئذ يصوم ويتمّ في البلد الذي يسكن فيه لا في الطريق إليه ذهاباً وإياباً، لأنَّ حكمه ـ حينئذ ـ كحكم أي وطن يسافر الإنسان منه ويرجع إليه.

ومن أجل المزيد من التوضيح والتطبيق على الواقع الذي يعيشه المكلّف سوف نذكر فيما يلي عدداً من الأمثلة التي ينطبق معظمها على العنوان الثالث الذي يكون فيه المكلّف كثير السفر من أجل الإنتاج والكسب، وبعضها على العنوان الثاني الذي يكون فيه العمل في السفر، وهذه هي الأمثلة:

1 ـ الموظفون الذين تقع وظائفهم في بلد آخر غير بلدهم، مع عدم اتخاذهم مركز العمل وطناً ثانياً، فعليهم الإتمام فيه وفي الطريق إليه ذهاباً وإياباً، سواء أكانوا يرجعون إلى بلدهم في كلّ يوم أم في كلّ جمعة أم كانوا يقضون في مركز العمل أكثر من ذلك.

2 ـ المهندسون وأمثالهم من الذين يُنتدَبون للعمل في مشاريع تستمر سنة أو أكثر، فيكون مقر عملهم في مكان تنفيذ المشروع الذي يبعد عن بلدهم بقدر المسافة المحدّدة، فيفرض عليه التواجد في مقر العمل مدّةً طويلة أحياناً وقصيرة أخرى، فيُتمّ في كلّ تلك الأسفار، أي في مقر العمل وفي طريق الذهاب إليه والعودة منه.

3 ـ الجنود المكلّفون أو المتطوعون أو العسكريون، بأية رتبةٍ من الرتب العسكرية، إذا كان معسكرهم ومقر عملهم يبعد عن بلداتهم، فيسافرون إلى مقر العمل لممارسة عملهم فعليهم الإتمام في صلاتهم، سواء كان بقاؤهم في مقر العمل أسبوعاً أو أسبوعين أو مدّة لا يعرف مداها تُحدّد حسب الأوامر التي تصدر إليهم، وكذلك عليهم الإتمام إذا سافروا من المعسكر بمهمة ترتبط بأعمالهم، سواء كان سفرهم بصورة منفردة أو ضمن جماعة.

4 ـ الخبراء ـ كالمهندسين أو الأطباء أو غيرهم ـ الذين يكلّفون من قبل دوائرهم التي ينتسبون إليها بالسفر سنة مثلاً إلى الخارج إلى منطقة معينة لكسب المزيد من الخبرة، فعليهم إتمام الصلاة في تلك المنطقة أو البلدة التي تضمّ الجامعة أو المستشفى أو المصنع الذي يمارسون عملهم فيه.

5 ـ التجار الذين يملكون عملاً إنتاجياً في بلد آخر، ويتردّدون على معاملهم ويقيمون في بلد المعمل اليوم أو اليومين أو الأسبوع أو الأسبوعين حسب الحاجة، فعليهم الإتمام في سفرهم وفي مقر عملهم.

6 ـ المفتشون أو المحاسبون المكلّفون بالتطواف على الفروع المختلقة لبنك من البنوك أو شركة تجارية، فيسافرون من بلد إلى بلد يمارسون أعمالهم في كلّ بلد للتدقيق في الحسابات أو التفتيش في أوضاع العمل، فعلى واحدهم التمام في كلّ أسفاره المتعلّقة بعمله التدقيقي أو التفتيشي أو نحوه.

7 ـ أصحاب المهن الحرة كالحدادين والنجارين ومتعهدي الماء والكهرباء، ونحو ذلك من الذين يعملون في مجموعة من القرى، فيسافرون من قريةٍ إلى قرية، وكذلك المقاولون الذين يلتزمون بعدّة مقاولات في بلدان متعدّدة ويسافرون من موقع إلى موقع لمزاولة عملهم، فإنهم يتمون صلاتهم.

8 ـ الوعاظ والمبلغون الذين تفرض عليهم وظيفتهم في الوعظ والتبليغ تكرر السفر إلى بلد أو أكثر من البلدان التي يمارسون فيها عملهم مما يبعد عن بلدهم بقدر المسافة، فإنهم يتمون في صلاتهم، وكذلك كلّ أصحاب الأدوار الاجتماعية والسياسية الذين تفرض عليهم أدوارهم التطواف في البلدان التي تتصل بها مهماتهم الاجتماعية أو السياسية بحيث يكونون في سفر دائم متكرر.

وجميع هؤلاء إذا لم يكن سفرهم كثيراً من أجل أعمالهم، فإنهم إذا سافروا ـ أحياناً ـ من أجل العمل يلزمهم القصر، وذلك كالحداد المستقر في عمله في بلده، فتعرض له سفرة في الشهر ليوم أو يومين من أجل العمل في مكان آخر، ومثله الجندي والمحاسب والمبلغ ونحوه ممن يمارسون عملهم ووظيفتهم في مكان محدّد فيطرأ عليهم السفر في عملهم مرة في الشهر أو في السنة، أو أقل من ذلك أو أكثر مما هو دون حدّ كثرة السفر، فإنَّ عليهم أن يقصروا في سفرهم ذلك ويفطروا، سواء في مركز عملهم الذي سافروا إليه أو في الطريق إليه ذهاباً وإياباً.
رابعاً: ينطبق عنوان من عمله السفر ـ أيضاً ـ على من يكثر منه السفر من موضع سكنه إلى مكان آخر يتجاوز للوصول إليه المسافة الشرعية، ولكن لا من أجل الكسب والإنتاج بل من أجل الأجر والثواب ومعاونة الغير، أو من أجل التعلّم أو التنزه أو التداوي أو غيرها من الأغراض والأهداف غير الإنتاجية.
وهو في تعريفه وحدوده وأحكامه مثل العنوان الثالث تماماً.

وهذه أمثلة عليه:
1 ـ المبلّغون والعلماء والمتطوعون في أعمال الإغاثة والدفاع المدني والعسكري والسياسي والاجتماعي ممن لا يتقاضون أجوراً على أعمالهم، حتى لو كان بعضها بالجبر والإكراه، كالخدمة العسكرية الإجبارية.

2 ـ الطلاب الذين يدرسون في الجامعات في البلدان التي تبعد عن موطنهم بقدر المسافة، فيأتون إلى الجامعة كلّ يوم، أو بين يوم ويوم، للدراسة، ويعودون إلى بلداتهم بعد انتهاء الدراسة، فيجب عليهم الإتمام في بلد الجامعة وفي الطريق إليها ذهاباً وإياباً.

3 ـ الطلاب الذين يمكثون خمسة أيام في بلد الجامعة ويرجعون إلى بلدانهم في العطلة يومين من دون أن يقصدوا السكن والاستقرار في بلد الجامعة سنين عديدة، كأن تكون دراسة أحدهم تنتهي في سنةٍ واحدة أو ستة أشهر، فإنَّ هؤلاء وأمثالهم يتمون الصلاة والصوم في بلد الجامعة وفي سفرهم ذهاباً وإياباً، وكذلك إذا كانت فترة مكثهم في بلد الجامعة أكثر من أسبوع.

4 ـ الطلاب الذين يتخرجون من المدرسة في بلداتهم فيلتحقون بدورة دراسية تمتد ستة أشهر في بلد آخر، فيسافرون إليه لأجل ذلك ويمكثون فيه طيلة تلك المدة، إمّا بصورة مستمرة وإمّا بصورة متقطعة على نحو يعود واحدهم إلى أهله وبلدته كلّ يوم مساءً أو في كلّ أسبوع مرةً أو في فترات غير محدّدة، وفي جميع الحالات يصلي صلاته تامة في بلد الدورة وكذلك في الطريق إليها ذهاباً أو رجوعاً منها.  وهنا نلفت إلى أنَّ المقياس في ذلك أن يصدق عليه عرفاً أنه كثير السفر، وهذا قد يصدق على الدورة التي تستمر أقل من ستة أشهر.

5 ـ الأشخاص الذين يخرجون في كلّ يوم أو بين يوم ويوم أو أكثر من ذلك للتنزه أو لزيارة نبيّ أو وليّ أو لعلاج مرض أو نحو ذلك مما لا يكون السفر فيه حرفة ومهنة، فإنه يجب عليهم الإتمام حتى لو لم يصدق عليهم أنَّ ذلك هو عملهم، لأنَّ المدار هو كثرة السفر وتعدّده بحيث يصدق عليه أنه دائم السفر.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية