الثّقة بالله تُبعِد كلّ شعور بالخوف

الثّقة بالله تُبعِد كلّ شعور بالخوف
[ورد في دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين (ع)]

"اللَّهُمَّ وَفَرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتي، وصَحِّحْ بمَا عِنْدَكَ يَقِيني، واسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ ما فَسَدَ مِنّي".

يا ربّ، إنّني ها هنا - بين يديك - أستعطف لطفك، بما تغدقه عليّ من الخير، وتوفّره لي من النجاح، أن تتمّ لي نيّتي وتكملها، لتوفّر لي من خلالها الانفتاح على الحقّ في الحياة والإنسان، فلا تتحرّك إلّا من أجل نصرة الحقّ، ونشر المحبّة، وتجنّب الحقد والحسد والبغي، والاتجاه إلى كلّ ما يحقّق السّلامة في الدّين والدّنيا، وأن تصونها من كلّ انحراف، وتحميها من كلّ سوء، وتبعدها عن كلّ زيف ورياء، لأكون الإنسان الّذي يُقبل على الحياة من مواقع الاستقامة في القول والعمل.

يا ربّ، وقد ينحرف اليقين في حركة قناعاتي في خطّ الفكر والشّعور والعمل، فيبتعد عن المنهج القويم، فيخيَّل إليّ - بشكل جازم - أنَّ النَّاس يملكون لي الضَّرر والنَّفع، أو أن أرى الحرام حلالاً والحلال حراماً، أو أجد نفسي في موقع لا أملك صدقه، أو أنفتح على موقف لا أملك حقّه.

اللّهمّ فهب لخطوات اليقين المتجذّر في كياني الصحّة الفكريّة الواقعيّة، بما عندك من القدرة والرحمة والعناية، حتى تكون الصّورة لديَّ مطابقة للواقع، وتنسجم الرؤيا مع إشراقة الحقّ، بالوضوح في إضاءة معناه...

وقد جاء في الرواية عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنّه قال: «من صحّة يقين المرء المسلم، أن لا يرضي الناس بسخط الله، ولا يلومهم على ما لم يؤته الله». وقال: «حدّ اليقين أن لا تخاف مع الله شيئاً».

وهذا هو الوعي الصّحيح لليقين؛ أن ينفتح على الله ليؤمن بأنَّه هو - وحده - مالك النفع والضَّرر، فلا يملك أحد من النَّاس، مهما بلغت قوَّته، أن يضرّه إذا كان الله يريد أن ينفعه، أو ينفعه إذا كان الله يريد أن يضرّه، فيدفعه ذلك إلى الامتناع عن تقديم التَّنازلات للنّاس على حساب موقعه من ربّه، بالابتعاد عن خطِّ الالتزام بطاعة الله، وذلك بالسَّير في خطّ معصية الله، من أجل أن يرضى الناس عنه، لما يترقّبه من نفعهم له، أو لما يخافه من إضرارهم به، لأنَّ ذلك يمثّل انحراف الصورة الإلهيّة في معنى الإيمان.

ولعلّ في هذا بعض الإيحاء النفسي بأنَّ الانحراف في العمل قد يكون - في الأغلب - نتيجةً للانحراف الفكري من خلال اليقين الخاطئ، فإنَّ الإنسان الذي تمتلئ نفسه بالثّقة بالله والمعرفة بقدرته المطلقة، يبقى في خطِّ الله، أمَّا الذي يمارس الانحراف، فقد يحتاج إلى أن يلاحق قاعدته النفسيّة في أعماق ذاته، من خلال خطأ في الفكر أو خلل في الشّعور.

وهكذا، لا بدَّ من الثّقة بالله في معنى الشّجاعة الروحيّة التي تُفرّغ نفسه من الخوف من كلّ شيء، على أساس استمداد القوَّة من الله، لأنّ القوّة لله جميعاً، فمن كان مع الله من خلال الإيمان به والإخلاص له، كان الله معه، الأمر الذي يعني أن الخوف الضّاغط على الذات، ينطلق من ضغط نفسي على الفكر في حركيّة الذات في الواقع.

وبهذا يتحرّر من ضغط الفكرة التي توحي بأنّ الناس هم السبب في حرمانه من بعض الأشياء المفقودة عنه، لأنّ الله هو المهيمن على الكون كلّه، وهو وليّ العطاء والمنع، من خلال ما أودعه في الأسباب من عمق السببيّة، حيث قد يتصوّر الناس أنّ الأشياء المتحركة في داخلهم ومن حولهم، هي الأساس المستقلّ في النتائج، بينما تكون الحقيقة أنّها الأداة التي تحرّكها سنَّة الله في قضائه وقدره.

وهكذا، نجد أنّ لليقين صحةً وفساداً بحسب مضمونه الفكري وإيحاءاته النفسية ونتائجه العملية، الأمر الذي ينبغي للإنسان معه، أن يعيد النّظر في قناعاته اليقينيّة التي قد تكون ناتجة من حالةٍ انفعاليّة أو من وضع تقليديّ، أو من معادلات خاطئة، بحيث تكون أشبه بالجهل المركّب الذي لا بدَّ له من التخلّص منه قبل أن يسيطر على ذاته فيحوّله إلى جاهل، في عمق الحقيقة، فيتّخذ لنفسه صفة العلم في حجم الإحساس.

وربما كانت التربية الجدليّة التي تدفع الإنسان إلى إثارة الجدل في القناعات، حتى في البديهيّات، ذات تأثير إيجابي في المسألة الفكريّة، باعتبار أنّها تحرّك علامات الاستفهام في السطح، لتكشف فيه بعض الشّقوق غير المنظورة، ولتنفذ في النهاية إلى العمق الذي قد ترى فيه الكثير من الأشياء المتعفّنة أو الميتة التي لا تصلح لبناء إنسان حيّ.

*من كتاب "في رحاب دعاء مكارم الأخلاق".

[ورد في دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين (ع)]

"اللَّهُمَّ وَفَرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتي، وصَحِّحْ بمَا عِنْدَكَ يَقِيني، واسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ ما فَسَدَ مِنّي".

يا ربّ، إنّني ها هنا - بين يديك - أستعطف لطفك، بما تغدقه عليّ من الخير، وتوفّره لي من النجاح، أن تتمّ لي نيّتي وتكملها، لتوفّر لي من خلالها الانفتاح على الحقّ في الحياة والإنسان، فلا تتحرّك إلّا من أجل نصرة الحقّ، ونشر المحبّة، وتجنّب الحقد والحسد والبغي، والاتجاه إلى كلّ ما يحقّق السّلامة في الدّين والدّنيا، وأن تصونها من كلّ انحراف، وتحميها من كلّ سوء، وتبعدها عن كلّ زيف ورياء، لأكون الإنسان الّذي يُقبل على الحياة من مواقع الاستقامة في القول والعمل.

يا ربّ، وقد ينحرف اليقين في حركة قناعاتي في خطّ الفكر والشّعور والعمل، فيبتعد عن المنهج القويم، فيخيَّل إليّ - بشكل جازم - أنَّ النَّاس يملكون لي الضَّرر والنَّفع، أو أن أرى الحرام حلالاً والحلال حراماً، أو أجد نفسي في موقع لا أملك صدقه، أو أنفتح على موقف لا أملك حقّه.

اللّهمّ فهب لخطوات اليقين المتجذّر في كياني الصحّة الفكريّة الواقعيّة، بما عندك من القدرة والرحمة والعناية، حتى تكون الصّورة لديَّ مطابقة للواقع، وتنسجم الرؤيا مع إشراقة الحقّ، بالوضوح في إضاءة معناه...

وقد جاء في الرواية عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنّه قال: «من صحّة يقين المرء المسلم، أن لا يرضي الناس بسخط الله، ولا يلومهم على ما لم يؤته الله». وقال: «حدّ اليقين أن لا تخاف مع الله شيئاً».

وهذا هو الوعي الصّحيح لليقين؛ أن ينفتح على الله ليؤمن بأنَّه هو - وحده - مالك النفع والضَّرر، فلا يملك أحد من النَّاس، مهما بلغت قوَّته، أن يضرّه إذا كان الله يريد أن ينفعه، أو ينفعه إذا كان الله يريد أن يضرّه، فيدفعه ذلك إلى الامتناع عن تقديم التَّنازلات للنّاس على حساب موقعه من ربّه، بالابتعاد عن خطِّ الالتزام بطاعة الله، وذلك بالسَّير في خطّ معصية الله، من أجل أن يرضى الناس عنه، لما يترقّبه من نفعهم له، أو لما يخافه من إضرارهم به، لأنَّ ذلك يمثّل انحراف الصورة الإلهيّة في معنى الإيمان.

ولعلّ في هذا بعض الإيحاء النفسي بأنَّ الانحراف في العمل قد يكون - في الأغلب - نتيجةً للانحراف الفكري من خلال اليقين الخاطئ، فإنَّ الإنسان الذي تمتلئ نفسه بالثّقة بالله والمعرفة بقدرته المطلقة، يبقى في خطِّ الله، أمَّا الذي يمارس الانحراف، فقد يحتاج إلى أن يلاحق قاعدته النفسيّة في أعماق ذاته، من خلال خطأ في الفكر أو خلل في الشّعور.

وهكذا، لا بدَّ من الثّقة بالله في معنى الشّجاعة الروحيّة التي تُفرّغ نفسه من الخوف من كلّ شيء، على أساس استمداد القوَّة من الله، لأنّ القوّة لله جميعاً، فمن كان مع الله من خلال الإيمان به والإخلاص له، كان الله معه، الأمر الذي يعني أن الخوف الضّاغط على الذات، ينطلق من ضغط نفسي على الفكر في حركيّة الذات في الواقع.

وبهذا يتحرّر من ضغط الفكرة التي توحي بأنّ الناس هم السبب في حرمانه من بعض الأشياء المفقودة عنه، لأنّ الله هو المهيمن على الكون كلّه، وهو وليّ العطاء والمنع، من خلال ما أودعه في الأسباب من عمق السببيّة، حيث قد يتصوّر الناس أنّ الأشياء المتحركة في داخلهم ومن حولهم، هي الأساس المستقلّ في النتائج، بينما تكون الحقيقة أنّها الأداة التي تحرّكها سنَّة الله في قضائه وقدره.

وهكذا، نجد أنّ لليقين صحةً وفساداً بحسب مضمونه الفكري وإيحاءاته النفسية ونتائجه العملية، الأمر الذي ينبغي للإنسان معه، أن يعيد النّظر في قناعاته اليقينيّة التي قد تكون ناتجة من حالةٍ انفعاليّة أو من وضع تقليديّ، أو من معادلات خاطئة، بحيث تكون أشبه بالجهل المركّب الذي لا بدَّ له من التخلّص منه قبل أن يسيطر على ذاته فيحوّله إلى جاهل، في عمق الحقيقة، فيتّخذ لنفسه صفة العلم في حجم الإحساس.

وربما كانت التربية الجدليّة التي تدفع الإنسان إلى إثارة الجدل في القناعات، حتى في البديهيّات، ذات تأثير إيجابي في المسألة الفكريّة، باعتبار أنّها تحرّك علامات الاستفهام في السطح، لتكشف فيه بعض الشّقوق غير المنظورة، ولتنفذ في النهاية إلى العمق الذي قد ترى فيه الكثير من الأشياء المتعفّنة أو الميتة التي لا تصلح لبناء إنسان حيّ.

*من كتاب "في رحاب دعاء مكارم الأخلاق".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية