محاضرات
25/07/2024

دعاءُ الصَّباحِ والمساءِ: الإنسانُ جزءٌ من النِّظامِ الكونيّ

دعاءُ الصَّباحِ والمساءِ: الإنسانُ جزءٌ من النِّظامِ الكونيّ

عندما ندرس بعض فقرات دعاء الإمام زين العابدين (ع) في الصَّباح والمساء، يمكن أن نمدَّه إلى كلِّ بدايات الزَّمن، ومنها بداية السَّنة. فنلاحظ في البداية، أنَّ الإمام (ع) يريدنا أن نتصوَّر أنفسنا جزءاً من النظام الكوني، وأن نشعر بأنَّ كلَّ هذا النظام الكوني خاضع لله تعالى، وأنَّه ليس هناك إلَّا الله مَنْ يطلقه ويدبِّره ويرعاه وينظِّمه.
يقول الإمام (ع) في الدّعاء: "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَتِ الاَشْياءُ كُلُّهَا بِجُمْلَتِهَا لَكَ - فليس هناك شي‏ء لغير الله. وهنا، يستحضر الإنسانُ لنفسه صورةَ كلِّ الرؤساء في العالم وكلِّ الملوك وكلِّ القوى الَّتي يستغرق النَّاس فيها ويخضعون لها، ويعتبرون أنَّها القوَّة القاهرة والجبَّارة وما إلى ذلك، ولكنَّ الإنسان حين ينفذ بعين البصيرة وهو ينظر إلى الكون، يشعر بأنَّ كلَّ هؤلاء مملوكون لله، فمن من هؤلاء يملك عمره، ومن منهم يملك قوَّته؟ كلُّهم كانوا عدماً فوُجِدوا بقدرة الله، وحصلوا على ما حصلوا عليه بالوسائل الَّتي أودعها الله وهيَّأها في سننه.
- سَمَاؤُها وَأَرْضُهَا، وَمَا بَثَثْتَ فِي كُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا؛ سَاكِنُهُ وَمُتَحَرِّكُهُ، وَمُقِيمُهُ وَشَاخِصُهُ، وَمَا عَلا فِي الْهَواءِ، وَمَا كَنَّ تَحْتَ الثَّرى - يبدأُ الإنسانُ بتصوُّر أنَّ الكون كلَّه لله، وأنَّه – الإنسان - جزء من هذا النّظام الكونيّ، كما الزّمن، وكما الأرض، والحيوانات، والجمادات، وأنَّه يشكِّل مع كلِّ المخلوقات وحدة كونيَّة، فأنا جزء من الكون ولست وحدي فيه، وعندما أكون جزءاً من النّظام الكوني، فعليَّ أن لا أسيء إليه، كما الشَّمس وغيرها من الكواكب والكائنات لا تسيء إلى النِّظام الكونيّ، {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس: 40]. والفرق أنّي أنا الإنسان، جعل الله حركتي بيدي، بينما لم يجعل حركة الشَّمس ولا الأرض ولا السَّماء بيدها، عندما قال الله للسَّماء والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}[فصّلت: 11]. فالله هو الَّذي نظَّم السَّماء والأرض {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب: 72] ظلم نفسه بالمعصية والانحراف، وبجهله بما يقبل عليه ويتحرّك به.
لذلك، عندما أكون جزءاً من هذا النّظام الكوني، فعليَّ أن أعرف أنّه كما كلّ هذه الأجهزة الموجودة في الكون تتحرَّك بنظام وتسكن بنظام، فأنا عليَّ أن لا أخرّب النّظام الكوني، صحيح أنَّ الله جعلها باختياري، لكنَّ هذه أمانة عليَّ أن أحملها.
الكونُ كلُّهُ خاضعٌ لله
ومن بعد أن يتصوَّر الإنسان كلّ هذا التّصوّر، يقول الإمام (ع): - أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ، يَحْوِينَا مُلْكُكَ وَسُلْطَانُكَ، وَتَضُمُّنَا مَشِيَّتُكَ، وَنَتَصَرَّفُ عَنْ أَمْرِكَ، وَنَتَقَلَّبُ فِيْ تَدْبِيرِكَ، لَيْسَ لَنَا مِنَ الأمْرِ إلَّا مَا قَضَيْتَ، وَلا مِنَ الْخَيْرِ إلَّا مَا أَعْطَيْتَ – فالله هو الَّذي يملك الأمر كلَّه، ويهيمن على الأمر كلِّه، وليس معنى ذلك أنَّ الله يتدخَّل في الأمور بشكلٍ مباشر، فالله عندما يخلقك، لا يخلقك كما خلق آدم {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[ص: 71-72]، ولكنَّ الله خلقك من خلال قانون الخلق، فالله ركَّز في الإنسان، كما في الحيوان والنَّبات، قانون النّموّ وقانون الزَّوجيَّة، من خلال التفاعل بين الزَّوجين، وجعل من خلال هذا التَّفاعل ولادة الإنسان وخلقه.. فأنت تُخلَق بإرادة الله، ولكن من خلال القانون الَّذي وضعه الله.
ولذلك، بعض النَّاس يقولون: كيف خلق الله هذا الإنسان أعمى؟ كيف خلق فلاناً أعور؟ كيف خلق فلاناً مشوَّهاً...؟ ليس معنى ذلك أنَّ الله خلقهم هكذا بشكل مباشر، بل إنّه جعل للأشياء أسباباً، ومن حكمته أنَّه جعل هناك مؤثّراتٍ لقانون الوراثة، لغذاء الأمّ، ولصحَّتها وصحَّة الأب، وللمناخ الَّذي يعيش فيه الإنسان، وكلُّها لمصلحة هذا الإنسان.. فلو فرضنا أنَّ الله ألغى هذه الأسباب، لأدَّى ذلك إلى مشاكل أكبر بكثير من مسألة ولادة فلان أعمى أو مشوَّهاً أو ما إلى ذلك، وهذا كلّه لمصلحة الإنسان...
إذاً، نحن نعلم أنَّنا في هذا النظام الكونيّ خاضعون لله، والدّنيا كلُّها خاضعة له "أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ"، أين نذهب، هل نهرب؟ يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء يوم الجمعة: "وَقَدْ عَلِمْتُ، يا إلهِي، أَنْ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ، وَلا فِي نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ، إنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ"، فإلى أين تهرب؟ والدّنيا كلُّها بيد الله؛ فالسَّماء ملكه، والأرض ملكه، والبحار ملكه، والجبال ملكه... وهذا يركِّز في نفسك الإحساس بأنَّك في هذا الكون في مدى عمرك، خاضع لإرادة ربِّك، من خلال الأسباب الّتي وضعها الله، والوسائل الَّتي جعلها في خدمتك، والظّروف الّتي هيّأها لك، فتتحسَّس قدرة الله ونعمته عليك، فيعظم إحساسك الإيماني من خلال ذلك.
* من محاضرة عاشورائيّة لسماحته، بتاريخ: 15/03/2002م.
عندما ندرس بعض فقرات دعاء الإمام زين العابدين (ع) في الصَّباح والمساء، يمكن أن نمدَّه إلى كلِّ بدايات الزَّمن، ومنها بداية السَّنة. فنلاحظ في البداية، أنَّ الإمام (ع) يريدنا أن نتصوَّر أنفسنا جزءاً من النظام الكوني، وأن نشعر بأنَّ كلَّ هذا النظام الكوني خاضع لله تعالى، وأنَّه ليس هناك إلَّا الله مَنْ يطلقه ويدبِّره ويرعاه وينظِّمه.
يقول الإمام (ع) في الدّعاء: "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَتِ الاَشْياءُ كُلُّهَا بِجُمْلَتِهَا لَكَ - فليس هناك شي‏ء لغير الله. وهنا، يستحضر الإنسانُ لنفسه صورةَ كلِّ الرؤساء في العالم وكلِّ الملوك وكلِّ القوى الَّتي يستغرق النَّاس فيها ويخضعون لها، ويعتبرون أنَّها القوَّة القاهرة والجبَّارة وما إلى ذلك، ولكنَّ الإنسان حين ينفذ بعين البصيرة وهو ينظر إلى الكون، يشعر بأنَّ كلَّ هؤلاء مملوكون لله، فمن من هؤلاء يملك عمره، ومن منهم يملك قوَّته؟ كلُّهم كانوا عدماً فوُجِدوا بقدرة الله، وحصلوا على ما حصلوا عليه بالوسائل الَّتي أودعها الله وهيَّأها في سننه.
- سَمَاؤُها وَأَرْضُهَا، وَمَا بَثَثْتَ فِي كُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا؛ سَاكِنُهُ وَمُتَحَرِّكُهُ، وَمُقِيمُهُ وَشَاخِصُهُ، وَمَا عَلا فِي الْهَواءِ، وَمَا كَنَّ تَحْتَ الثَّرى - يبدأُ الإنسانُ بتصوُّر أنَّ الكون كلَّه لله، وأنَّه – الإنسان - جزء من هذا النّظام الكونيّ، كما الزّمن، وكما الأرض، والحيوانات، والجمادات، وأنَّه يشكِّل مع كلِّ المخلوقات وحدة كونيَّة، فأنا جزء من الكون ولست وحدي فيه، وعندما أكون جزءاً من النّظام الكوني، فعليَّ أن لا أسيء إليه، كما الشَّمس وغيرها من الكواكب والكائنات لا تسيء إلى النِّظام الكونيّ، {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس: 40]. والفرق أنّي أنا الإنسان، جعل الله حركتي بيدي، بينما لم يجعل حركة الشَّمس ولا الأرض ولا السَّماء بيدها، عندما قال الله للسَّماء والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}[فصّلت: 11]. فالله هو الَّذي نظَّم السَّماء والأرض {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب: 72] ظلم نفسه بالمعصية والانحراف، وبجهله بما يقبل عليه ويتحرّك به.
لذلك، عندما أكون جزءاً من هذا النّظام الكوني، فعليَّ أن أعرف أنّه كما كلّ هذه الأجهزة الموجودة في الكون تتحرَّك بنظام وتسكن بنظام، فأنا عليَّ أن لا أخرّب النّظام الكوني، صحيح أنَّ الله جعلها باختياري، لكنَّ هذه أمانة عليَّ أن أحملها.
الكونُ كلُّهُ خاضعٌ لله
ومن بعد أن يتصوَّر الإنسان كلّ هذا التّصوّر، يقول الإمام (ع): - أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ، يَحْوِينَا مُلْكُكَ وَسُلْطَانُكَ، وَتَضُمُّنَا مَشِيَّتُكَ، وَنَتَصَرَّفُ عَنْ أَمْرِكَ، وَنَتَقَلَّبُ فِيْ تَدْبِيرِكَ، لَيْسَ لَنَا مِنَ الأمْرِ إلَّا مَا قَضَيْتَ، وَلا مِنَ الْخَيْرِ إلَّا مَا أَعْطَيْتَ – فالله هو الَّذي يملك الأمر كلَّه، ويهيمن على الأمر كلِّه، وليس معنى ذلك أنَّ الله يتدخَّل في الأمور بشكلٍ مباشر، فالله عندما يخلقك، لا يخلقك كما خلق آدم {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[ص: 71-72]، ولكنَّ الله خلقك من خلال قانون الخلق، فالله ركَّز في الإنسان، كما في الحيوان والنَّبات، قانون النّموّ وقانون الزَّوجيَّة، من خلال التفاعل بين الزَّوجين، وجعل من خلال هذا التَّفاعل ولادة الإنسان وخلقه.. فأنت تُخلَق بإرادة الله، ولكن من خلال القانون الَّذي وضعه الله.
ولذلك، بعض النَّاس يقولون: كيف خلق الله هذا الإنسان أعمى؟ كيف خلق فلاناً أعور؟ كيف خلق فلاناً مشوَّهاً...؟ ليس معنى ذلك أنَّ الله خلقهم هكذا بشكل مباشر، بل إنّه جعل للأشياء أسباباً، ومن حكمته أنَّه جعل هناك مؤثّراتٍ لقانون الوراثة، لغذاء الأمّ، ولصحَّتها وصحَّة الأب، وللمناخ الَّذي يعيش فيه الإنسان، وكلُّها لمصلحة هذا الإنسان.. فلو فرضنا أنَّ الله ألغى هذه الأسباب، لأدَّى ذلك إلى مشاكل أكبر بكثير من مسألة ولادة فلان أعمى أو مشوَّهاً أو ما إلى ذلك، وهذا كلّه لمصلحة الإنسان...
إذاً، نحن نعلم أنَّنا في هذا النظام الكونيّ خاضعون لله، والدّنيا كلُّها خاضعة له "أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ"، أين نذهب، هل نهرب؟ يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء يوم الجمعة: "وَقَدْ عَلِمْتُ، يا إلهِي، أَنْ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ، وَلا فِي نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ، إنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ"، فإلى أين تهرب؟ والدّنيا كلُّها بيد الله؛ فالسَّماء ملكه، والأرض ملكه، والبحار ملكه، والجبال ملكه... وهذا يركِّز في نفسك الإحساس بأنَّك في هذا الكون في مدى عمرك، خاضع لإرادة ربِّك، من خلال الأسباب الّتي وضعها الله، والوسائل الَّتي جعلها في خدمتك، والظّروف الّتي هيّأها لك، فتتحسَّس قدرة الله ونعمته عليك، فيعظم إحساسك الإيماني من خلال ذلك.
* من محاضرة عاشورائيّة لسماحته، بتاريخ: 15/03/2002م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية