"اللّهمّ اعصمني من الفخر".
يا ربّ، لقد خلقتني إنساناً سويّاً، وخطّطت لي الطّريق الذي يصل بي إلى الارتفاع بإنسانيّتي في مضمونها الدّاخلي، حتى أكون سويّاً في صورة الكيان في داخل ذاتي، كما كنت سوياًّ في الصورة الظاهريّة من وجودها، وأردتني أن أكون المخلوق الحيّ الذي يغني الحياة بجهده، ويرتفع بمستوى الناس في حركة مسؤوليّته، ويحرّك عناصر الخير في وجوده، ليعرف كيف يؤكّد نفسه في أخلاقه العالية، ويؤكّد دوره في حركة الواقع، فيكون الإنسان المسؤول في بذل الخير كلّه للنّاس، وفي الارتفاع بنفسه عن القبيح وإخضاعها لفعل الجميل، والتّخطيط لكلّ قناعاته وأقواله وأفعاله، من أجل الوصول إلى الدّرجة العليا التي تجعل من إنسانيّته عنصراً حيّاً تجد الحياة فيه بركتها وارتفاعها وحيويّتها وحركيّتها في اتجاه الخير والحقّ والعدل.
اللّهمّ هب لي معالي الأخلاق، لأكون الإنسان الّذي يعلو بأخلاقه لا بعناصره الماديّة. ولكن المشكلة - في هذا المجال - أن النفس قد ترتفع في النظرة إلى الذّات من خلال عناصرها الأخلاقيّة، لتكون رؤيتها لها باعتبارها عناصر امتياز ذاتيّ في مقابل العناصر الذاتيّة لامتيازات الآخرين، فتنطلق بها نزعة الفخر الّذي يتحدّث عن الأمجاد، ويتطاول بها على النّاس، لينظر إليهم من الموقع الأعلى باعتبار أنّهم في الموقع الأسفل، لأنّهم لا يملكون ما يملكه من الخصائص، الأمر الّذي يُسقط الرّوح، ويحوّل الأخلاق إلى عنصر ماديّ يضيع في عناصر التراب، بدلاً من أن ينطلق في آفاق السموّ في عناصر النّور الإلهي.
اللّهمّ اجعلني أنظر إلى معالي الأخلاق كنعمةٍ أنعمت بها عليَّ، من خلال إلهامك لي في السير على الخط المستقيم الذي يحدّد لي اتجاه السير في مواقع رضاك، وامنحني السموّ الروحي الذي أرتفع من خلاله إلى الأفق الرّحب الفكريّ الذي يوحي إليّ أنّني إذا كنت أتميّز عنهم في صفة، فإنّهم يتميزون عنّي في صفات أخرى، وأنّ قيمة أخلاقيّة الصفات الطيّبة، أن لا يحسّ بها الإنسان في حجم الذّات، بل في اتجاه السّير، بحيث تكون حالة عضويّة تحرّك خطواته من خلال إيحاءاتها بشكل طبيعيّ هادئ.
*من كتاب "في رحاب دعاء مكارم الأخلاق".