الوقف هو: (إخراج المالك العين عن ملكه وحبسها من أجل انتفاع الناس بها دون أن تكون للموقوف عليه سلطة نقلها عن ملكه)، وهو ما يختصره الفقهاء بقولهم: "الوقف هو: تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة"، أي المنفعة. ويترتب على الوقف عند حصوله نوع من الملكية ليست في قوة الملكية التي تترتب على غيره من النواقل، كالبيع والهبة والوصية وغيرها، فإنَّ قصر الانتفاع بالعين فيه على الموقوف عليه أشبه بالتخصيص منه بالتمليك، لكن رغم ذلك، فإننا سوف نعبِّر عنه بالتمليك جرياً على ما هو المألوف من عبارة الفقهاء في هذا الباب، ولأن بعض آثار الملكية تترتب على بعض أنواعه.
وكما لا يخفى، فإن الوقف هو نوع من الهبة لتلك العين ومنافعها، وهو من أجل ذلك يندرج في أبواب هذا المقصد؛ ولما كانت معظم الوقوف مما يقصد بها التقرب إلى الله تعالى، فإنها بذلك تصير قسماً من الصدقات، بل إن الغالب في الأخبار التعبير عن الوقف بالصدقة؛ وهو (الصدقة) الجارية التي ورد الحثّ عليها في الأخبار، والتي شاع منها ما عن النبي(ص) أنه قال: "إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاثة؛ ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به بعد موته، وصدقة جارية".
ثم إنّ الفقهاء قد ألحقوا بالوقف بحثاً اصطلحوا على تسميته بـ(التحبيس) ويراد به: (حبس المالك منفعة العين على شخص أو جهة مدة من الزمان من دون إخراج العين عن ملكه)، خلافاً للوقف الذي يؤخذ فيه التأبيد ويُخرج فيه المالك العين عن ملكه، وذلك كحبس سيارته وبذلها لخدمة زوار المراقد المطهرة للأئمة المعصومين عليهم السلام مدة من الزمان، أو حبس كتبه على طلاب حوزة علمية كذلك؛ ولكن الفقهاء اصطلحوا في ذلك بـ(السُكنى) على ما لو كانت العين المحبوسة داراً للسكن، فإن كانت مدة تحبيس الدار أو غيره على مدى العمر اصطلحوا عليه بـ(العمرى)، وإن كانت لما دون ذلك فهي(الرُقْبى)، وجميع ذلك متفرع على (التحبيس).
وعليه، فإننا سوف نعالج مباحث هذا الباب في فصلين: الأول: في الوقف، والثاني: في التحبيس، متكلين على الله تعالى.