في نداء وجهه إلى اللبنانيين لمناسبة خروج الضباط الأربعة إلى الحرية فضل الله: لحظة الحقيقة أزفت ولا حماية لها إلا بوحدة اللبنانيين بعيداً من التراشق السياسي التخويني |
لمناسبة إطلاق سراح الضباط الأربعة ودخول لبنان في مرحلة جديدة، توجه سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بنداء إلى اللبنانيين، جاء فيه:
لقد كانت مشكلة لبنان على مدى العقود المتعاقبة تتمثل بغياب قاعدة الثواب والعقاب عن حركة الدولة بعامة، وقد انعكس ذلك فساداً في الدوائر المختلفة، سواء منها السياسية والاجتماعية وحتى القضائية، وأريد لكل مؤسسات المراقبة والتفتيش المركزي وغيرها أن تحتفظ بما لديها من معلومات وملفات بعيداً من الاستخدام، ليصار إلى إتلافها عند توافر الفرصة السياسية السانحة، وحتى يبقى المرتكبون والمخالفون والمنحرفون في منأى عن المحاسبة والعقاب.
ولذلك، فإننا عندما نلتقي بلحظة سياسية ووطنية عامة تتمثل بإخراج الضباط الأربعة من السجن القسري الذي أقحموا فيه، ومن دائرة الضغط السياسي والنفسي التي أريد أن تلقي بثقلها على الوضع السياسي العام في لبنان، فإن الحاجة تبدو ماسة إلى سلوك خط مراجعة عامة في البلد، وخصوصاً في المسألة القضائية التي ينبغي أن تكون الناظم العام لحركة الدولة، والساهرة على نظامها، والمشرفة على خطوط العدالة التي ترفض أن يُساق البريء إلى حيث يجب أن يكون المجرم، أو أن يبقى المسؤولون عن تلفيق الاتهامات وتدبير الملفات المفبركة بعيدين من المساءلة والمحاسبة.
إنني أقول للبنانيين:
إن أقل ما يجب أن يحصل عند هذه المحطة البارزة، وفي أعقاب هذا القرار الذي اتخذته محكمة غير لبنانية، هو البدء بإجراءات عملية على الصعيد الداخلي، وخصوصاً في المجالات التي حصل فيها التقصير المتعمد أو غير المتعمد، بحيث يُعاد الاعتبار إلى البريء، وتتم مساءلة من كان يقبض على ناصية الحقيقة عن السبب الذي دفعه إلى إخفائها، وعما إذا كانت المسألة تختفي وراء أخطبوط دولي وإقليمي ومحلي كما يتحدث الكثيرون، أو أنها تتصل بخوف معين جعل من بيدهم البت بهذا الملف في موقع الضعف الذي منعهم من تحمل المسؤولية كاملةً، وهو الأمر الذي يقتضي منهم قبل غيرهم اتخاذ القرار المسؤول لحفظ المسيرة القانونية والقضائية اللبنانية التي تخلّفوا عنها وقصّروا بحقها وحق مواطنيهم أيما تقصير.
وفي المقابل، فإننا ندعو اللبنانيين جميعاً في هذه اللحظة السياسية التي يقف فيها البلد على مفترق سياسي صعب، وعلى أبواب مرحلة انتقالية معقدة، إلى عدم الانجرار وراء الانفعالات الطائشة، والتوترات الناشئة من صدمة اللقاء باللحظة السياسية التي قد تكون مفاجئةً للكثيرين منهم، ونحذرهم من الانسياق في حمى العصبية التي قد تدفع فريقاً شعبياً أو سياسياً هنا، إلى ملاحقة فريق شعبي أو سياسي هناك أو العكس، ومراشقته بالاتهامات والانفعالات والكلمات غير المسؤولة، لأننا نعتقد أن مرحلة الحقيقة أزفت، وأن الذي يحمي هذه الحقيقة أولاً وآخراً هو وحدة اللبنانيين، وانخراطهم في العملية السياسية والانتخابية بمسؤولية شاملة وجامعة تقضي باحترامهم جميعاً مسألة المشاركة والمواكبة لهذه العملية في سياق سباق مسؤول نحو خدمة البلد أكثر، وحمايته من سموم الخارج وأخطار التنازع والتقاتل في الداخل.
إن لبنان الذي لا يزال يهتز سياسياً وأمنياً في الداخل، يمثل هدفاً أكيداً لمؤامرات وخطط خارجية، وإن كيان العدو الذي تذوَّق طعم الهزيمة المرة على يد اللبنانيين ومقاومتهم الباسلة في محطات عديدة، كانت حرب تموز من العام 2006 آخرها، لا يزال يتحيَّن الفرص ويعد الخطط للانقضاض على البلد في ليلة ليلاء، وفي غفلة من انشغالاتنا السياسية ومنازعاتنا الداخلية، ولذلك فإنني أدعو الجميع إلى رصّ الصفوف الداخلية، والخروج من دائرة التنازع والتراشق السياسي والتخويني، إلى دائرة الوحدة الجامعة التي يُصار فيها إلى إعداد العدة لمواجهة العدو المتربص بنا عند كل المفارق السياسية والزمنية التي تطل على المرحلة السياسية الضبابية والمعقدة في المنطقة والعالم.
إننا إذ نبارك للضباط الأربعة خروجهم إلى الحرية، وعودتهم إلى أهلهم وذويهم، وإلى موقع المسؤولية الوطنية العامة، نؤكد أن عليهم أن يخططوا لمستقبل يواصلون فيه الخدمة للبنان كله، وأن يرتفعوا عن الحساسيات والأجواء السلبية التي قد تثار هنا وهناك، وينطلقوا مع الآية الكريمة {وأن تعفوا أقرب للتقوى}.
كما تلقّى سماحته اتصالاً من اللواء جميل السيد، شكره فيه على تهنئته بخروجه إلى الحرية.
|