الإسلام رسالة حوار وتسامح، والموقف من فلسطين يتصل بصلب القيم الدينية

الإسلام رسالة حوار وتسامح، والموقف من فلسطين يتصل بصلب القيم الدينية

مناقشة هادئة لمواقف البابا وردّ سماحة المرجع فضل الله على رسالة أحد رجال الدين المسيحيين

الإسلام رسالة حوار وتسامح، والموقف من فلسطين يتصل بصلب القيم الدينية

 

بعد مواقف بابا الفاتيكان التي أثارت الكثير من الالتباسات في الواقع العام، ودعوته إلى "ضم كل البشر إلى المسيحية"، والتي جاءت إثر مواقف عديدة ملتبسة برزت في فهمه للإسلام وطبيعته، وبعد ردود الفعل على هذه المواقف، وأبرزها رد سماحة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، على الدعوة الأخيرة للبابا، بينديكت السادس عشر، وردت إلى مكتب سماحة السيد فضل الله رسالة من أحد رجال الدين المسيحيين تناقش رد سماحته.

وقد اعتبرت الرسالة، أن تأكيد سماحة السيد فضل الله على الحق في حرية التعبير، يفرض على المثقَّفين المسلمين العمل لتكريس هذا الحقّ في أطر دينيّة وقانونيّة في البلاد الإسلاميّة والعربيّة، بعيداً عن إثارة الشعور بالتهديد لدى المسلمين ممّا لا يخدم إلاّ تأجيج العداء مع الغرب، وتشجيع التطرّف الإسلامي الذي يؤكّد من جهته، الصورة النمطيّة التي تشكّلت عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربيّة. وأشارت الرسالة أيضاً إلى أن المسلمين مطالبون بأن يؤكدوا بالأفعال وليس بالأقوال، أن الإسلام دين الحوار والتسامح والتعدديّة.

وتساءلت الرسالة عن سبب عدم الإشارة في رد سماحة السيد إلى مواقف دولة الفاتيكان، الداعية إلى دعم القضيّة الفلسطينيّة، ورفض الحرب في العراق، والتي ذكَّر بها البابا في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة. واعتبرت أن ما يثار حول مواقف البابا ناتج من "سوء فهم أشاعته وسائل الإعلام عن خطاب البابا في (ريغسينبورغ)، وقد أوضح البابا موقفه مرارًا بعد ذلك، وشدَّد على أنه يكنُّ للإسلام الاحترام والمودَّة".

رد من مكتب سماحة السيد:

وجاء في رد مكتب سماحة السيد فضل الله على المرسل:

الأخ الكريم، تحية طيبة وبعد:


وصلتنا رسالتك المحترمة، والتي أبديت فيها ملاحظاتك على البيان الصادر ردّاً على موقف بابا روما الأخير بشأن العمل على ضمّ كلّ البشر إلى المسيحية. وتعليقاً عليه، نلفتك إلى النقاط الآتية:

لا يخفى عليك ـ أيّها الأخ الكريم ـ أنّ سماحة السيّد المرجع هو أوّل من دعا إلى الحوار الإسلامي ـ المسيحي، ونظّر له من خلال القرآن الكريم، وقد جسّد هذه الدعوة بسلسلة من الحوارات في كتابه: «في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي»، وكذلك بالعديد من اللقاءات التي كان في قمّتها، اللقاء الذي جمع سماحته مع البطريرك هزيم وممثل البابا الراحل لحوار الأديان، الكاردينال فرانسيس أرينزي؛ انطلاقاً من مبدأ أن الحوار شأن إنسانيّ، وهو مستمرّ استمرار الفكر والتنوّع بين البشر، وقد كان لسماحته شعار شهير، وهو أنّ «الحقيقة بنت الحوار»، وأنّه «لا مقدّسات في الحوار»، إلى غير ذلك.

فلسطين والموقف الديني:

ـ لقد ذكرت قائلاً: «من المؤسف أنّ البيان لم يلمّح إلى موقف دولة الفاتيكان الداعم للقضيّة الفلسطينيّة والرافض للحرب في العراق...». ولعلّ من الواضح لك، أنّ سماحته لم يكن بصدد القيام بدراسة عن مواقف الفاتيكان تجاه مجمل القضايا التي تدور في عالمنا، بل بصدد التعليق على موقفٍ معيّن أتى في سياق موقفين سابقين ـ كما ذكر البيان ـ وفي سياق واقع عالميّ عام يعمل على الإساءة إلى المسلمين عبر الإساءة إلى مقدّساتهم، من دون أن تصدر أصوات فاعلة، ولاسيّما من الجهات الدينية التي يطالها هذا المنهج في الإساءة إلى المقدّسات بشكل وبآخر، وفي سياق حرب مُعلنة على الإسلام من قبل الحلف الأطلسي بعد زوال الاتحاد السوفياتي ودوائر سياسية وثقافيّة وشخصيّات غربية كثيرة؛ علماً أنّ إشارة سماحته إلى موقف البابا من عقلانيّة الإسلام، ليس «استثماراً لسوء فهم» ـ كما سمّيته ـ بل للإشارة إلى السياق الذي تتحرّك فيه مواقف البابا وكلماته، والتي يُفترض بها ـ كونها تصدر عن مرجعيّة دينية عالميّة كُبرى ـ أن تكون في غاية الدقّة، حتّى في استشهاداتها التي قد تُوضع في خانة الكلام «الدبلوماسي» الذي يستطيع صاحبه أن يتراجع عن مقصوده تجاهه.

ـ أمّا فيما يتعلّق بالموقف من المسألة الفلسطينية، فسماحته لا يعتبر المسألة مجرّد قضيّة سياسية كبقيّة القضايا، بل يرى أنّها تتّصل بعمق الموقف الديني حيال الظُلم والاغتصاب والقتل والتدمير والإبادة وما إلى ذلك ممّا يتعرّض له الشعب الفلسطيني الذي أُريد أن تُقام على أنقاضه دولةٌ ذات جذور تاريخية مزعومة، وبذلك، فهي تتّصل بصُلب القيم الدينية تجاه الإنسان، بصرف النظر عن هويّته الدينية والثقافيّة؛ ولذلك فإنّ سماحته يعتبر أنّ الاعتراف بقيام هذا الكيان الغاصب، ومباركته، والتعبير الصريح عن الشكر لله تعالى على «عودة اليهود إلى أرض أجدادهم»، يعتبره تشريعاً ومباركةً وتصديقاً على مبدأ الاغتصاب، والقتل، والتدمير، والتشريد لما يقرب من خمسة ملايين إنسان من أرضهم؛ وقد طرح سماحته تساؤلاً برسم كلّ المسيحيّين، أنّه لو كان السيّد المسيح (عليه السلام) حاضراً، فهل يكون موقفه مثل هذه المواقف، وهو الذي عمل على طرد اللصوص من هيكله الطاهر، فكيف بلصوص الأوطان؟!

الإسلام دين الحوار:

ـ يؤكّد سماحته أنّ الإسلام فعلاً هو دين الحوار والتسامح والتعدّدية، ويرفض سماحته أن يُعمد إلى اختزال العالم الإسلامي في صورةٍ تقدّمها بعض الجماعات أو الأفراد على أنّه دين العنف والتطرّف. ولا يخفى عليك، أنّنا لم نعد نتحدّث اليوم عن تهديد للإسلام، بل عن ممارسات فعليّة ضدّ الإسلام، تدخل تارةً في إطار «حرّية التعبير»، وأخرى في إطار «الحرب على الإرهاب»، كما لا يخفى عليك أيضاً، أنّ سماحته لا يترك مناسبةً إلا ويدافع فيها عن أيّ إنسان مظلوم، سواء كان مسلماً أو مسيحيّاً أو يهوديّاً. ويُمكن من خلال مراجعة سريعة لمواقفه في مسألة التفجيرات أو الخطف أو التعرّض للمسيحيّين في العراق، ولاسيّما لمطران الكلدان مؤخّراً، أن تلمس كيف ينطلق صوته واضحاً وقويّاً في رفض هذه الجرائم الوحشيّة.

ـ أما إشارتك إلى «حدّة اللهجة» التي اتّسم بها بيان سماحته؛ فإنّنا إذ لا نوافقك على ذلك، نعتبر أنّ ما يُمكن أن يُسمّى «حدّةً» هو جزء ممّا تقتضيه مسألة إيضاح أيّ فكرة في معرض النقد الموضوعي.

أخيراً: إنّنا إذ نشكر لك هذه الالتفاتة إلى مباشرة الحوار في هذه القضايا، نعتبر أنّ كثيراً من المواقف الملتبسة التي تصدر من البابا ـ أو من أيّ شخصيّة أخرى ـ تجاه القضايا الحارّة في العالم، يُمكن أن يُصار إلى إيجاد قاعدة دينية مشتركة حولها عبر الحوار، لأنّ حركة النقد هي جزء لا يتجزّأ من حركة الحوار الذي لا ينحصر بشكلٍ دون آخر، والذي تمثّل رسالتك جزءاً منه، وكذلك إجابتنا الآن.

وتفضّل بقبول فائق الاحترام.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 10-6-1429 هـ  الموافق: 14/06/2008 م

مناقشة هادئة لمواقف البابا وردّ سماحة المرجع فضل الله على رسالة أحد رجال الدين المسيحيين

الإسلام رسالة حوار وتسامح، والموقف من فلسطين يتصل بصلب القيم الدينية

 

بعد مواقف بابا الفاتيكان التي أثارت الكثير من الالتباسات في الواقع العام، ودعوته إلى "ضم كل البشر إلى المسيحية"، والتي جاءت إثر مواقف عديدة ملتبسة برزت في فهمه للإسلام وطبيعته، وبعد ردود الفعل على هذه المواقف، وأبرزها رد سماحة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، على الدعوة الأخيرة للبابا، بينديكت السادس عشر، وردت إلى مكتب سماحة السيد فضل الله رسالة من أحد رجال الدين المسيحيين تناقش رد سماحته.

وقد اعتبرت الرسالة، أن تأكيد سماحة السيد فضل الله على الحق في حرية التعبير، يفرض على المثقَّفين المسلمين العمل لتكريس هذا الحقّ في أطر دينيّة وقانونيّة في البلاد الإسلاميّة والعربيّة، بعيداً عن إثارة الشعور بالتهديد لدى المسلمين ممّا لا يخدم إلاّ تأجيج العداء مع الغرب، وتشجيع التطرّف الإسلامي الذي يؤكّد من جهته، الصورة النمطيّة التي تشكّلت عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربيّة. وأشارت الرسالة أيضاً إلى أن المسلمين مطالبون بأن يؤكدوا بالأفعال وليس بالأقوال، أن الإسلام دين الحوار والتسامح والتعدديّة.

وتساءلت الرسالة عن سبب عدم الإشارة في رد سماحة السيد إلى مواقف دولة الفاتيكان، الداعية إلى دعم القضيّة الفلسطينيّة، ورفض الحرب في العراق، والتي ذكَّر بها البابا في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة. واعتبرت أن ما يثار حول مواقف البابا ناتج من "سوء فهم أشاعته وسائل الإعلام عن خطاب البابا في (ريغسينبورغ)، وقد أوضح البابا موقفه مرارًا بعد ذلك، وشدَّد على أنه يكنُّ للإسلام الاحترام والمودَّة".

رد من مكتب سماحة السيد:

وجاء في رد مكتب سماحة السيد فضل الله على المرسل:

الأخ الكريم، تحية طيبة وبعد:


وصلتنا رسالتك المحترمة، والتي أبديت فيها ملاحظاتك على البيان الصادر ردّاً على موقف بابا روما الأخير بشأن العمل على ضمّ كلّ البشر إلى المسيحية. وتعليقاً عليه، نلفتك إلى النقاط الآتية:

لا يخفى عليك ـ أيّها الأخ الكريم ـ أنّ سماحة السيّد المرجع هو أوّل من دعا إلى الحوار الإسلامي ـ المسيحي، ونظّر له من خلال القرآن الكريم، وقد جسّد هذه الدعوة بسلسلة من الحوارات في كتابه: «في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي»، وكذلك بالعديد من اللقاءات التي كان في قمّتها، اللقاء الذي جمع سماحته مع البطريرك هزيم وممثل البابا الراحل لحوار الأديان، الكاردينال فرانسيس أرينزي؛ انطلاقاً من مبدأ أن الحوار شأن إنسانيّ، وهو مستمرّ استمرار الفكر والتنوّع بين البشر، وقد كان لسماحته شعار شهير، وهو أنّ «الحقيقة بنت الحوار»، وأنّه «لا مقدّسات في الحوار»، إلى غير ذلك.

فلسطين والموقف الديني:

ـ لقد ذكرت قائلاً: «من المؤسف أنّ البيان لم يلمّح إلى موقف دولة الفاتيكان الداعم للقضيّة الفلسطينيّة والرافض للحرب في العراق...». ولعلّ من الواضح لك، أنّ سماحته لم يكن بصدد القيام بدراسة عن مواقف الفاتيكان تجاه مجمل القضايا التي تدور في عالمنا، بل بصدد التعليق على موقفٍ معيّن أتى في سياق موقفين سابقين ـ كما ذكر البيان ـ وفي سياق واقع عالميّ عام يعمل على الإساءة إلى المسلمين عبر الإساءة إلى مقدّساتهم، من دون أن تصدر أصوات فاعلة، ولاسيّما من الجهات الدينية التي يطالها هذا المنهج في الإساءة إلى المقدّسات بشكل وبآخر، وفي سياق حرب مُعلنة على الإسلام من قبل الحلف الأطلسي بعد زوال الاتحاد السوفياتي ودوائر سياسية وثقافيّة وشخصيّات غربية كثيرة؛ علماً أنّ إشارة سماحته إلى موقف البابا من عقلانيّة الإسلام، ليس «استثماراً لسوء فهم» ـ كما سمّيته ـ بل للإشارة إلى السياق الذي تتحرّك فيه مواقف البابا وكلماته، والتي يُفترض بها ـ كونها تصدر عن مرجعيّة دينية عالميّة كُبرى ـ أن تكون في غاية الدقّة، حتّى في استشهاداتها التي قد تُوضع في خانة الكلام «الدبلوماسي» الذي يستطيع صاحبه أن يتراجع عن مقصوده تجاهه.

ـ أمّا فيما يتعلّق بالموقف من المسألة الفلسطينية، فسماحته لا يعتبر المسألة مجرّد قضيّة سياسية كبقيّة القضايا، بل يرى أنّها تتّصل بعمق الموقف الديني حيال الظُلم والاغتصاب والقتل والتدمير والإبادة وما إلى ذلك ممّا يتعرّض له الشعب الفلسطيني الذي أُريد أن تُقام على أنقاضه دولةٌ ذات جذور تاريخية مزعومة، وبذلك، فهي تتّصل بصُلب القيم الدينية تجاه الإنسان، بصرف النظر عن هويّته الدينية والثقافيّة؛ ولذلك فإنّ سماحته يعتبر أنّ الاعتراف بقيام هذا الكيان الغاصب، ومباركته، والتعبير الصريح عن الشكر لله تعالى على «عودة اليهود إلى أرض أجدادهم»، يعتبره تشريعاً ومباركةً وتصديقاً على مبدأ الاغتصاب، والقتل، والتدمير، والتشريد لما يقرب من خمسة ملايين إنسان من أرضهم؛ وقد طرح سماحته تساؤلاً برسم كلّ المسيحيّين، أنّه لو كان السيّد المسيح (عليه السلام) حاضراً، فهل يكون موقفه مثل هذه المواقف، وهو الذي عمل على طرد اللصوص من هيكله الطاهر، فكيف بلصوص الأوطان؟!

الإسلام دين الحوار:

ـ يؤكّد سماحته أنّ الإسلام فعلاً هو دين الحوار والتسامح والتعدّدية، ويرفض سماحته أن يُعمد إلى اختزال العالم الإسلامي في صورةٍ تقدّمها بعض الجماعات أو الأفراد على أنّه دين العنف والتطرّف. ولا يخفى عليك، أنّنا لم نعد نتحدّث اليوم عن تهديد للإسلام، بل عن ممارسات فعليّة ضدّ الإسلام، تدخل تارةً في إطار «حرّية التعبير»، وأخرى في إطار «الحرب على الإرهاب»، كما لا يخفى عليك أيضاً، أنّ سماحته لا يترك مناسبةً إلا ويدافع فيها عن أيّ إنسان مظلوم، سواء كان مسلماً أو مسيحيّاً أو يهوديّاً. ويُمكن من خلال مراجعة سريعة لمواقفه في مسألة التفجيرات أو الخطف أو التعرّض للمسيحيّين في العراق، ولاسيّما لمطران الكلدان مؤخّراً، أن تلمس كيف ينطلق صوته واضحاً وقويّاً في رفض هذه الجرائم الوحشيّة.

ـ أما إشارتك إلى «حدّة اللهجة» التي اتّسم بها بيان سماحته؛ فإنّنا إذ لا نوافقك على ذلك، نعتبر أنّ ما يُمكن أن يُسمّى «حدّةً» هو جزء ممّا تقتضيه مسألة إيضاح أيّ فكرة في معرض النقد الموضوعي.

أخيراً: إنّنا إذ نشكر لك هذه الالتفاتة إلى مباشرة الحوار في هذه القضايا، نعتبر أنّ كثيراً من المواقف الملتبسة التي تصدر من البابا ـ أو من أيّ شخصيّة أخرى ـ تجاه القضايا الحارّة في العالم، يُمكن أن يُصار إلى إيجاد قاعدة دينية مشتركة حولها عبر الحوار، لأنّ حركة النقد هي جزء لا يتجزّأ من حركة الحوار الذي لا ينحصر بشكلٍ دون آخر، والذي تمثّل رسالتك جزءاً منه، وكذلك إجابتنا الآن.

وتفضّل بقبول فائق الاحترام.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 10-6-1429 هـ  الموافق: 14/06/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية