الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بات شعاراً ولافتةً دولية يُقتل تحتها عشرات الآلاف من البشر
فضل الله يستغرب صمت العرب والعالم أمام دعوة "ليفني" إلى تهجير الفلسطينيين وطردهم
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً أشار فيه إلى الموقف الإسلامي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جاء فيه:
مرّت قبل أيام الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرور الكرام، باستثناء بعض الندوات أو الكلمات التي توقفت عند أهمية الإعلان، أو تلك التي استعرضت الإخفاقات الدولية والعالمية إزاء الانتهاكات المتصاعدة لحقوق الإنسان على المستوى العالمي بعامة، وفي المنطقة العربية الإسلامية على وجه الخصوص.
وقد يكون من المفيد التأكيد أن الإسلام جعل من مسألة حقوق الإنسان واحدة من الأهداف السامية والكبرى لرسالته، حيث عمل على حمايتها وحفظها على المستوى التشريعي وترجمها في منظومته الفكرية والتشريعية، لا بل انطلق السعي الإسلامي لحماية هذه الحقوق منذ أن انطلقت التجربة الإسلامية الميدانية الأولى في المدينة المنورة، وذلك بصرف النظر عن هوية من تستهدفه قوانين حقوق الإنسان، لأن الإسلام أراد للبشرية كلها أن ترتقي في خط السلام والحرية وفي مجالات التعبير عن الرأي وتقرير المصير وغيرها على أساس أن الدين جاء لخدمة الإنسان ولم يأتِ الإنسان لخدمة الدين.
ونحن نعتقد أن ما قرّره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مبادئه الأساسية وعناوينه العامة لا يبتعد عن القاعدة الإسلامية، سيما وأن بعض هذه المبادىء ـ العناوين انطلقت من الجذور الإسلامية والرسالية لجهة تأكيدها أن الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بكل الحريات والحقوق الواردة في الإعلان من دون تمييز في العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو ما إلى ذلك.
ولكننا نرى أن المدة الزمنية التي قطعها هذا الإعلان منذ إقراره في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول 1948، شهدت انتهاكات ضخمة لحقوق الإنسان، قامت بها الدول التي ضغطت بكل قوة لإقرار هذا الإعلان، إلى المستوى الذي باتت ترتكب أفظع الجرائم تحت هذا الشعار، وباتت مبادئه ومقرراته سلعة تُباع وتُشترى في سوق السياسة الدولية الاستهلاكية التي استخدمت الأمم المتحدة نفسها لتمرير مشاريعها وأهدافها.
ولعلّ من اللافت أن الكيان الصهيوني الذي أُعلن عن ولادته قبل نحو سبعة أشهر من إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي مثّل الخطيئة الدولية الكبرى، والحالة الكارثية العظمى التي أصابت حقوق الإنسان في الصميم، وُضِع ـ ولا يزال ـ في نطاق من الحماية الدولية إلى المستوى الذي مُنعت فيه الأمم المتحدة من التحقيق في المجازر الكبرى التي ارتكبها والتي قام على أساسها، والتي توالت منذ مجزرتي ديرياسين وكفرقاسم إلى صبرا وشاتيلا وقانا، والكل يعلم كيف وقف هذا الكيان بكل صلافة ليمنع الأمم المتحدة من القيام بتحقيق شفّاف في مجزرة جنين، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية عندما وقفت في وجه الأمم المتحدة ومنعتها من توجيه اتهام مباشر لرئيس كيان العدو الحالي (شمعون بيريز) الذي كان مسؤولاً عن مجزرة قانا، وكيف عملت ـ بعد ذلك ـ على معاقبة الأمين العام للمنظمة، بطرس غالي، ومنعت التجديد له، لأنه تجرأ واتّهم إسرائيل بارتكابها للمجزرة بتعمّد وبدم بارد.
إننا نعتقد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بات يمثّل عنواناً شكلياً تتساقط مبادئه ومواده كما تتساقط أوراق الخريف تحت ضغط الآلة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية، وفي ظل الاختلال في موازين القوى لحساب قوى الهيمنة والبطش والوحشية الدولية المتمثلة بأمريكا بخاصة، والداعمة دائماً لقوى الاحتلال والغصب.
إننا نستغرب أن تقف وزيرة خارجية العدو لتعلن بكل صلافة عن أن الحلّ القومي للشعب الفلسطيني موجود في مكان آخر، وخصوصاً خارج نطاق فلسطين المحتلة منذ 1948، ولتطلق دعوة طرد وتهجير جديدة للفلسطينيين في وقت متزامن مع الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان من دون أن يردّ عليها أي مسؤول دولي، أو أن ينطلق أي مسؤول عربي ليقوم بمسؤولياته في الردّ على هذه الدعوة، في الوقت الذي نستمع إلى تصريحات عربية تهاجم إيران وقوى المقاومة والممانعة وتتودد لإسرائيل بطريقة وأخرى...
إننا في الوقت الذي نشعر أن إعلان حقوق الإنسان وغيره من المبادىء الدولية والإنسانية التي أقرّت بحقوق الشعوب، ولاسيما حقها في تقرير المصير، أصبحت مجرد لافتة دولية يُقتل تحتها عشرات الألوف وتُشرّد باسمها الجماعات وتطرد الشعوب، وخصوصاً ما حصل ويحصل في فلسطين، وتُحتلّ فيها البلدان كما حدث في العراق وأفغانستان، نعتقد أنه لا حياة للمبادىء والمفاهيم الإنسانية والرسالية بعيداً من القوة التي تحمي هذه المبادىء والمفاهيم، ولذلك ندعو شعوبنا وقواها الحيّة والممانعة إلى مواصلة الإعداد لصناعة القوة الذاتية وعوامل الحصانة الداخلية في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، ووسط غابة دولية تحمي المجرمين وتحرص على سلامتهم داخل الأمم المتحدة وخارجها، وعلى هامش شرائعها ونظمها وقوانينها.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 23-12-1429 هـ الموافق: 21/12/2008 م
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بات شعاراً ولافتةً دولية يُقتل تحتها عشرات الآلاف من البشر
فضل الله يستغرب صمت العرب والعالم أمام دعوة "ليفني" إلى تهجير الفلسطينيين وطردهم
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً أشار فيه إلى الموقف الإسلامي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جاء فيه:
مرّت قبل أيام الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرور الكرام، باستثناء بعض الندوات أو الكلمات التي توقفت عند أهمية الإعلان، أو تلك التي استعرضت الإخفاقات الدولية والعالمية إزاء الانتهاكات المتصاعدة لحقوق الإنسان على المستوى العالمي بعامة، وفي المنطقة العربية الإسلامية على وجه الخصوص.
وقد يكون من المفيد التأكيد أن الإسلام جعل من مسألة حقوق الإنسان واحدة من الأهداف السامية والكبرى لرسالته، حيث عمل على حمايتها وحفظها على المستوى التشريعي وترجمها في منظومته الفكرية والتشريعية، لا بل انطلق السعي الإسلامي لحماية هذه الحقوق منذ أن انطلقت التجربة الإسلامية الميدانية الأولى في المدينة المنورة، وذلك بصرف النظر عن هوية من تستهدفه قوانين حقوق الإنسان، لأن الإسلام أراد للبشرية كلها أن ترتقي في خط السلام والحرية وفي مجالات التعبير عن الرأي وتقرير المصير وغيرها على أساس أن الدين جاء لخدمة الإنسان ولم يأتِ الإنسان لخدمة الدين.
ونحن نعتقد أن ما قرّره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مبادئه الأساسية وعناوينه العامة لا يبتعد عن القاعدة الإسلامية، سيما وأن بعض هذه المبادىء ـ العناوين انطلقت من الجذور الإسلامية والرسالية لجهة تأكيدها أن الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بكل الحريات والحقوق الواردة في الإعلان من دون تمييز في العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو ما إلى ذلك.
ولكننا نرى أن المدة الزمنية التي قطعها هذا الإعلان منذ إقراره في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول 1948، شهدت انتهاكات ضخمة لحقوق الإنسان، قامت بها الدول التي ضغطت بكل قوة لإقرار هذا الإعلان، إلى المستوى الذي باتت ترتكب أفظع الجرائم تحت هذا الشعار، وباتت مبادئه ومقرراته سلعة تُباع وتُشترى في سوق السياسة الدولية الاستهلاكية التي استخدمت الأمم المتحدة نفسها لتمرير مشاريعها وأهدافها.
ولعلّ من اللافت أن الكيان الصهيوني الذي أُعلن عن ولادته قبل نحو سبعة أشهر من إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي مثّل الخطيئة الدولية الكبرى، والحالة الكارثية العظمى التي أصابت حقوق الإنسان في الصميم، وُضِع ـ ولا يزال ـ في نطاق من الحماية الدولية إلى المستوى الذي مُنعت فيه الأمم المتحدة من التحقيق في المجازر الكبرى التي ارتكبها والتي قام على أساسها، والتي توالت منذ مجزرتي ديرياسين وكفرقاسم إلى صبرا وشاتيلا وقانا، والكل يعلم كيف وقف هذا الكيان بكل صلافة ليمنع الأمم المتحدة من القيام بتحقيق شفّاف في مجزرة جنين، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية عندما وقفت في وجه الأمم المتحدة ومنعتها من توجيه اتهام مباشر لرئيس كيان العدو الحالي (شمعون بيريز) الذي كان مسؤولاً عن مجزرة قانا، وكيف عملت ـ بعد ذلك ـ على معاقبة الأمين العام للمنظمة، بطرس غالي، ومنعت التجديد له، لأنه تجرأ واتّهم إسرائيل بارتكابها للمجزرة بتعمّد وبدم بارد.
إننا نعتقد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بات يمثّل عنواناً شكلياً تتساقط مبادئه ومواده كما تتساقط أوراق الخريف تحت ضغط الآلة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية، وفي ظل الاختلال في موازين القوى لحساب قوى الهيمنة والبطش والوحشية الدولية المتمثلة بأمريكا بخاصة، والداعمة دائماً لقوى الاحتلال والغصب.
إننا نستغرب أن تقف وزيرة خارجية العدو لتعلن بكل صلافة عن أن الحلّ القومي للشعب الفلسطيني موجود في مكان آخر، وخصوصاً خارج نطاق فلسطين المحتلة منذ 1948، ولتطلق دعوة طرد وتهجير جديدة للفلسطينيين في وقت متزامن مع الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان من دون أن يردّ عليها أي مسؤول دولي، أو أن ينطلق أي مسؤول عربي ليقوم بمسؤولياته في الردّ على هذه الدعوة، في الوقت الذي نستمع إلى تصريحات عربية تهاجم إيران وقوى المقاومة والممانعة وتتودد لإسرائيل بطريقة وأخرى...
إننا في الوقت الذي نشعر أن إعلان حقوق الإنسان وغيره من المبادىء الدولية والإنسانية التي أقرّت بحقوق الشعوب، ولاسيما حقها في تقرير المصير، أصبحت مجرد لافتة دولية يُقتل تحتها عشرات الألوف وتُشرّد باسمها الجماعات وتطرد الشعوب، وخصوصاً ما حصل ويحصل في فلسطين، وتُحتلّ فيها البلدان كما حدث في العراق وأفغانستان، نعتقد أنه لا حياة للمبادىء والمفاهيم الإنسانية والرسالية بعيداً من القوة التي تحمي هذه المبادىء والمفاهيم، ولذلك ندعو شعوبنا وقواها الحيّة والممانعة إلى مواصلة الإعداد لصناعة القوة الذاتية وعوامل الحصانة الداخلية في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، ووسط غابة دولية تحمي المجرمين وتحرص على سلامتهم داخل الأمم المتحدة وخارجها، وعلى هامش شرائعها ونظمها وقوانينها.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 23-12-1429 هـ الموافق: 21/12/2008 م