العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، يستشرف آفاق المرحلة:
رؤية الهلال توجب اليقين، واليقين لم يعد متوفراً مع الاحتباس الحراري!
كعادته كلّ سنة، يبادر المرجع العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، إلى تحديد أوَّل أيام شهر رمضان المبارك على أساس الحسابات الفلكية الدقيقة لإمكانية رؤية الهلال، بحيث ثبت لديه بالوجه الشرعي أنَّ يوم الخميس، الثالث عشر من أيلول ـ سبتمبر، هو أول أيام شهر رمضان... والعلاّمة فضل الله كان جريئاً وسبَّاقاً في إصدار فتاوى في مسائل عدّة على تماس مباشر مع المجتمع والناس، بما في ذلك تحريم جرائم الشرف، وجرائم الأخذ بالثأر، وتحريم إطلاق الرَّصاص والمفرقعات، ناهيك عن دعوته إلى الحوار بين السنة والشيعة وبين التيارات الإسلامية، كضرورة حياتية، وكمطلب أساسي لإعادة القوة إلى كيان الأمة الإسلامية، ولتفويت الفرصة على إحداث فتنة مذهبية فيما بينهم...
«الأفكار»، وعلى جري عادتها في شهر رمضان المبارك، التقت العلامة فضل الله، وحاورته في مسائل شرعية دينية، وفي قضايا دنيوية تشغل بال اللبنانيين والعرب والمسلمين.
وهذا نص الحوار:
الاحتباس الحراري ورؤية الهلال
* أصدرت سماحتك بياناً قلت فيه إنّ يوم الخميس (13 أيلول) هو أول أيام شهر رمضان المبارك، ويظهر أنّ الدول الإسلامية ستسير في هذا الاتجاه، لكن الرئيس الليبي معمر القذافي اعتبر يوم الأربعاء هو أول أيام رمضان... فما دليله على ذلك؟
- القذافي انطلق من فكرة، أنّه لمجرد حصول تولّد القمر، حتى لو غاب قبل الغروب، فهذا إثبات عنده، ونحن نرى أنّه من المفروض أن يبقى بعد الغروب.
* علام تعتمد في مسألة رؤية الهلال؟
- نحن نعتمد على التولّد الفلكيّ للقمر، مع إمكانيّة الرؤية بحسب طبيعة النظام الكوني. ومشكلة المسلمين حتى الآن في هذه المجال، هي أنّ هذه الحالة لا تزال تعيش الجمود في داخل النص، فهم لا يحاولون الولوج إلى مضمون النص وفهم الفكرة التي ينطلق منها، وهي أنّ قضية الشهر من القضايا المرتبطة بالنظام الكوني وليست مرتبطة بالإنسان: {
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}(التوبة/36)، فعندما يدخل القمر في المحاق ينتهي الشهر، وعندما يخرج من المحاق، أي دائرة الظلام، يمكن لنا رؤيته لولا العوائق، ونحن نعتمد في هذا المجال على إمكان الرؤية.
قضية الشهر من القضايا المرتبطة بالنظام الكوني وليست مرتبطة بالإنسان
* جاء في الحديث: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، ولم يقل الرؤية بالعين المجردة. فهل الرؤية تتمُّ عبر العلم؟
- هناك نقطة يجب ملاحظتها، وهي أنّ الأحاديث المسندة لدينا، تؤكد «أن اليقين لا يدخله الشك»، ومعناه الاعتماد على اليقين، والرؤية هي إحدى الوسائل التي توجب اليقين، وإذا كان لدينا وسائل أخرى توجب اليقين أكثر من الرؤية، فيجب اعتمادها خصوصاً، بعدما أصبحت الرؤية البصريّة غير سليمة، باعتبار أنّ الفضاء الآن مملوء بالكثير من العناصر التي تمنع من صفاء الجو الذي يمكن للعين أن تخترقه.
* هل الاحتباس الحراري جزء من هذه العناصر؟
- هذا صحيح... أيضاً هناك مشكلة نواجهها في أيامنا، وهي أن الجو مليء بالكثير من الغبار ومن بعض ما تنفثه المصانع والمعامل، بحيث تصبح الرؤية غير سليمة، وبالتالي فالرؤية لا تفيد اليقين في هذا المقام، باعتبار أنّ الإنسان يرى في بعض الحالات عشرين هلالاً، وهو في الحقيقة لم ير الهلال، بل يتصور ذلك من خلال اللمعات التي تحدث ويتصورها الناس هلالاً، وهي ليست بهلال...
الرؤية لم تعد تفيد اليقين بسبب الاحتباس الحراري
عنف «فتح الإسلام» ودين التسامح والرفق
* كيف ينظر سماحة المرجع إلى قضية «فتح الإسلام» من منظور إسلامي؟
- نحن نعتبر أنّ الإسلام هو دين السلام في علاقته مع العالم، وخصوصاً أن العنوان الكبير للقاء المسلم مع الآخر هو السلام المتمثِّل بكلمة «السلام عليكم»، هذا أولاً.
وثانياً، إنّ السَّلام هو تحية أهل الجنة: {
وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}(يونس/10)، أيضاً الملائكة عندما يستقبلون المؤمنين يقولون لهم {
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}(الرعد/24). وعليه، فإن القاعدة في الإسلام تقوم على أساس الرفق ورفض العنف، وهذا ما أكّده تعالى في قوله: {
وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصِّلت/34). والمعنى، هو أن نتعاطى مع الآخرين الذين تختلف معهم، بالأسلوب الذي يحوّل العدوّ إلى صديق، وهذا ما يوحي لنا بأن علينا أن نتحرك لنكون أصدقاء العالم، ثم عندما نختلف مع الآخرين، أن نعالج خلافاتنا بالانطلاق من الكلمة السواء، أي من قواعد القواسم المشتركة.
القاعدة في الإسلام تقوم على أساس الرفق ورفض العنف
وصحيح أن القرآن تحدَّث عن دعوة أهل الكتاب إلى الكلمة السّواء، ولكن نستطيع أن نأخذ من ذلك فكرةً، بأنّنا يمكن أن نلتقي مع كل الناس الذين تجمعنا بهم قواسم مشتركة، سواء كانت القواسم سياسيةً أو ثقافيةً أو اجتماعيةً، بحيث نلتقي معهم في ما نتّفق عليه، ونتحاور فيما نختلف فيه،
{قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}(آل عمران/64).
وهكذا نجد أنَّ القرآن الكريم ركّز على ضرورة الانفتاح على المسالم الذي لا يمارس العنف ضدَّك، وأن تعدل معه وتحسن إليه، {
لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}(الممتحنة/8). أمّا من يستعمل العنف ليسقطك، فاستعمل العنف معه، وهذا ما ركّز عليه القرآن الكريم في أكثر من آية بقوله تعالى: {
فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(البقرة/194)، {
وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}(البقرة/190)، {
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}(الأنفال/61)، {
ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}(البقرة/208)... وهناك حديث مرويّ عن رسول الله(ص) يقول فيه: «إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلاّ شانه»، و«إنّ الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف». وهذا يعني أنك إذا عملت على أن تحلَّ مشكلتك بواسطة الرفق، فإنّ الله يعطيك ثواباً أكثر من الثواب على حلّها بالعنف
الذين يتهمون الإسلام بالإرهاب أو بالعنف لم يدرسوا الإسلام دراسة موضوعية ودقيقة
لذلك نقول، إنَّ الذين يتَّهمون الإسلام بالإرهاب أو بالعنف أو بالتطرف أو بما إلى ذلك، هؤلاء لم يدرسوا الإسلام دراسةً عميقةً ودقيقةً بشكل علمي وموضوعي، من خلال المقارنة بين الآيات التي تتحدَّث عن الجهاد، والآيات التي تتحدث عن السلام والرِّفق، لأنّ الآيات التي تتحدث عن الجهاد إنما تتحدث عن الجهاد الدفاعي، {
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}(البقرة/190)، {
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ}(النساء/75)... من هنا، فإنّ الإعلام الذي يتحرك الآن مع الغرب، أو من خلال بعض المتغربين في هذا المجال، ويقول إنَّ الإسلام هو فاشي، "كما عبر الرئيس الأميركي جورج بوش"، أو إنّ الإسلام متطرف أو ما إلى ذلك، فهذا خطأ في فهم الإسلام وتجنّ عليه. صحيح أن هناك في الواقع الإسلامي بعض الفئات التي اعتبرت العنف وسيلةً من وسائل الحركة المضادة للآخرين، وتجاوزوا المسألة الإنسانية عندما قتلوا الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين الأبرياء، وعندما تحركوا عشوائياً بالقتل هنا وهناك، إلاّ أنّ هؤلاء قلّة في الواقع الإسلاميّ. ونحن نقول إنّ كلّ من يتحرك بهذا الأسلوب الحاد ليس إسلامياً، ولا يمثل النظرة الإسلامية إلى حركة الصراع في هذا المجال.
يوم 11 سبتمبر
وأيضاً هناك نقطة يجب أن نلاحظها، ونحن في هذه الأيام في ذكرى الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وقد حدث ما حدث في مركز التجارة العالمي في نيويورك، وقد أنكرناه واستنكرناه، وقلنا إنَّ هذا لا يقبله عقل ولا شرع ولا دين، ولا سيما أنَّ الذين قتلوا في مركز التجارة العالمي أغلبهم من الناس العاديين الذين لا علاقة لهم بالسياسة الأميركية، لا بل إنَّ بعضهم كان من المسلمين. لكن المسألة التي لا بدَّ لنا من أن ندرسها، وقد دعونا الشعب الأميركي إلى دراستها، هي: لماذا انطلق فريق من الشباب الّذين لم يكونوا يائسين من الحياة، ليقوموا بما قاموا به؟!
إن المسألة عندما ندرسها، فإنّما نحيلها إلى الأوضاع السياسية الحادَّة التي انطلقت فيها السياسة الأميركية في العالم الإسلامي والعالم الثالث... كما كان للقضية الفلسطينية تأثيرها الكبير على كل مسلم ومسلمة، وعلى كل عربي وعربية، بحيث إنّها اختزنت الكثير من الآلام التي يعيشها المسلمون أمام السيطرة الإسرائيلية المتحالفة مع الهيمنة الأميركية السياسية والاقتصادية والعسكرية، ما جعلهم يشعرون بأنهم لا يملكون أمام هذا الظلم الوحشي شيئاًَ في هذا المجال، لأنَّ الأنظمة التي يعيشون في كنفها، لم تخطط من أجل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولم تخطط للضغط على أميركا وحتى على بعض أوروبا في المسألة الفلسطينية، هذا إلى جانب عولمة الاقتصاد التي لاحظنا أنّ الشعوب الغربية وقفت ضدها، لأنّها تزيد الأغنياء غنى وتزيد الفقراء فقراً... فكلّ هذه التراكمات السياسية والاقتصادية والأمنية، هي التي خلقت مثل هذا العنف الذي يخرج عن بعض العقلانية وربما يخرج من الإنسانية، تماماً كمثل الإنسان الذي تحاصره في زنزانة ضيقة، فلا يملك إلاّ أن يتخلّص منها بمختلف الوسائل، حتى يقال بأنّك إذا حاصرت الهرة، فإنها تهجم عليك بمخالبها.
لذلك لم يدرس هؤلاء الناس الذين قاموا بحفلات العزاء لأميركا على ما حدث فيها، والّذين وقفوا وقفة احتجاج، لم يدرسوا كيف يمكن لأميركا إمبراطورة العالم وقائدته من أن تغزى في عقر دارها؟! ومن ثم نلاحظ بعد ذلك، أنّ السياسة الأميركية لم تأخذ درساً مما حدث في 11 أيلول (سبتمبر)، ولم تناقش الأسباب التي أدت إلى ذلك، ولهذا كانت من قبيل الدولة التي تهرب إلى الأمام، عندما انطلقت لتحتل أفغانستان، في الوقت الذي لم يكن للشعب الأفغاني يد في ذلك، بل كانت المسألة منطلقةً من أفراد في أفغانستان يؤيِّدون هذا الاتجاه. كما أنها انطلقت لتحتل العراق ولتحوّله إلى ساحةٍ للفوضى وللقتل وللسقوط في كل الأوضاع التي دمرت الشعب العراقي، وأربكت المنطقة من خلال ذلك. وهكذا نجد كيف أنَّ أميركا تتحرك من أجل إرباك الواقع في لبنان وفي سوريا وكل المنطقة.
التراكمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي خلقتها الإدارة الأميركية في العالم دفعت إلى العنف الذي حدث في 11 أيلول
لا حرب أهلية في لبنان
لو أخذنا كلَّ هذه المعطيات وطبقناها على الحالة اللبنانية السائدة الآن، فإلى أين سنصل، ولا سيما أنّ الرئيس نبيه بري يحذِّر من الشر المستطير في الأيام العشرة الأخيرة من موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وغيره يقول بالنـزول إلى الشارع واستعمال السلاح؟
- عندما أدرس المسألة اللبنانية من خلال خلفياتها الدولية والإقليمية، فإنّني لا أرى أن هناك أيَّ فرصة لأيِّ حرب أهلية، لأن اللبنانيين ليسوا في وارد الدخول في حرب مع بعضهم البعض، ولا يملك أحد إمكانية ذلك، لا بل إنَّ بعض الزعماء يلوحون بالحرب ويتَّهمون الآخرين بأنَّهم سوف يستعملون سلاحهم للحرب، تبريراً لما قد يقدمون عليه، فهم لا يملكون القدرة على الدخول في الحرب.
الحرب الأهلية في لبنان قد تسقط الكثير من خطوط السياسات الدولية
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ أيَّ حرب لبنانية قد تسقط الكثير من خطوط السياسات الدولية، بمعنى أنّه إذا حدثت حرب أهلية، فهل ستبقى القوات الدولية (اليونفيل) في منأى عنها؟! ولو افترضنا أن هناك حرباً أهلية، فهل يستقر الوضع بين إسرائيل ولبنان؟ بالطبع لا، بل سوف يندفع كلُّ الفلسطينيين في لبنان إلى اللقاء مع الفلسطينيين في الداخل، وسوف تتحول المسألة في داخل فلسطين إلى فوضى في هذا المجال، وسوف تمتد القضية بشكل واضح أو بشكل خفي إلى أن يدخل على الحرب اللبنانية الكثيرون من دول المنطقة، باعتبار أن هناك نوعاً من أنواع التداخل السياسي في المنطقة، لأنَّ الأزمة التي نعيشها الآن تشمل المنطقة كلّها، ولذلك أعتقد بأنّ أميركا التي تحرك الأزمة اللبنانية، تعمل على أساس إبقاء الفوضى السياسية، أما الفوضى الأمنية، فإن تحريكها ليس من مصلحتها ولا من مصلحة أوروبا.
كذلك فإنّ البلاد العربية لن توافق على ذلك، لأنّ النار سوف تمتدُّ إليها، وهذا ما لاحظناه لجهة تركيبة التيار السلفيّ (فتح الإسلام) في منطقة مخيم البارد، والتي تضم السعوديين واليمنيين والسوريين والتونسيين والفلسطينيين وما إلى ذلك، وهذا يعني أنَّ هناك جامعة عربية متطرفة كانت موجودة في داخل نهر البارد، ومن الطبيعي أنه عندما تحدث الفوضى الأمنية في لبنان، فسوف يدخل كل هؤلاء، وسوف تستيقظ الخلايا النائمة، كما يعبَّر عنها، لتخلط الحابل بالنابل. لذلك أتصوّر أنّ مسألة الفوضى الأمنية في لبنان ليست واردةً في الحسابات المنظورة في هذا المقام.
قضية الفتنة في لبنان غير واقعية ولبنان لن يتعرقن
كما أنّني أحبُّ أن أؤكد من خلال مجلة «الأفكار»، أن الخطة التي حاولت إذكاء الفتنة بين السنة والشيعة قد سقطت، وانطلق العقلاء من السنة ومن الشيعة على المستوى الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي ليجمِّدوا كل حركية الفتنة. ونحن نعرف أن لبنان هو البلد الوحيد في العالم العربي الذي يتم فيه التزاوج بين السنة والشيعة بشكلٍ لا مثيل له في أيِّ بلد إسلامي آخر، ما يوحي بوجود تداخل بين العوائل الإسلامية من السنة والشيعة، كما أنه ليس هناك منطقة صافية، ففي بيروت مثلاً، يلتقي المسلمون من السنة والشيعة في المواقع الاقتصادية والثقافية والسياسية وما إلى ذلك، وهذا ما نلاحظه في المعارضة وفي الموالاة، بحيث إن المعارضة تشمل كلّ الطوائف، والموالاة أيضاً تشمل كل الطوائف، ولذلك فإنّ قضية الفوضى الأمنية والفتنة الإسلامية السنية الشيعية، وحتى الفتنة الطائفية المسيحية الإسلامية، ليس لها واقعية في لبنان، ولن «يتعرقن» لبنان كما كانت التسمية سابقاً عن لبننة هذا البلد أو ذاك.
* البعض يتحدث عن حرب إسرائيلية مقبلة على لبنان وسوريا، ولا سيما أن الطائرات الإسرائيلية التي اخترقت الأجواء السورية تؤشر إلى ذلك. فماذا يقول السيد محمد حسين فضل الله في هذا الأمر؟
- لا أعتقد أن إسرائيل تملك، بحسب ظروفها السياسية وقوتها العسكرية، أن تخوض حرباً في لبنان أو في سوريا، ولكنّها تحاول القيام بعملية استعراضية لتزيل هذا الانطباع الذي هزَّ معنوياتها وقوة ردعها إبّان حربها على لبنان في تموز الماضي، وأنّها لا تزال موجودةً، وهذا ما كتبت عنه الصحف الإسرائيلية عندما اخترقت إسرائيل الأجواء السورية.
القضاء اللبناني
* سماحتك تبحث عن العدالة، والضباط الأربعة الموقوفون لم يبتّ أمر إدانتهم أو الإفراج عنهم، حتى إن البطريرك صفير يطالب صراحةً بوضع حد لتوقيفهم، فماذا يقول العلامة فضل الله؟
-لقد درست هذه المسألة بشكل هادئ وعلمي من خلال كلِّ الذين لهم علاقة بالمسألة، سواء من أقارب الموقوفين، أو من خلال المحامين ورجال العدل، حتى إنّني بعثت برسالة إلى القاضي الياس عيد بهذا الخصوص، وطلبت منه أن يكون «بطل العدل»، و«بطل الحق» في هذا المقام، رغم أنّنا لا نريد التدخل في القضاء، ولكن إذا كان هؤلاء الناس أبرياء، ولم يثبت عليهم أيُّ شيء في الجريمة من خلال كلام رئيس لجنة التحقيق الدولية «سيرج براميرتز»، فلا يجوز احتجازهم ولو ليوم واحد، لأنّ هذا ضد العدالة، ويسيء إلى القضاء اللبناني الذي نريده أن يرتفع عن مستوى السقوط في الأوحال السياسية.
أعتقد أن سمعة لبنان في المحافل الدولية ارتكزت على أنه بلد القضاء الأصيل المنفتح على قضايا الحق والعدل
* هل ردّ القاضي عيد عليكم؟
- سكت، ولم يجب في هذا المجال...
* وماذا عن إبعاده، واتهامه بالمحاباة والارتياب؟
- أنا حزين على واقع القضاء في لبنان، لأنّني أعتقد بأنّ سمعة لبنان في المحافل العربية والدولية ارتكزت على أنّه بلد القضاء الأصيل المنفتح على قضايا الحق والعدل، ولكن السياسة ما دخلت شيئاً إلاّ أفسدته، ومن الخطورة أن تدخل السياسة في القضاء...
أهل الجنة
* البعض يسأل: في أيّ عمر يدخل الإنسان المؤمن التقي الجنة؟
-يقول الله تعالى: {
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}(الزَّلزلة/7-8). وفي آية أخرى يقول: {
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}(النساء/123). فالقضية ليست قضية عمر، بل هي قضية عمل. ولكن يقال إنَّ الإنسان يدخل إلى الجنة شاباً وإنَّ كل أهل الجنة شباب. وينقل في هذا المجال على سبيل الرواية أو النكتة، أنّه اجتمع إلى النبي(ص) عجوز وعجوزة، وقال لهما بأنَّ العجائز لا يدخلون الجنة، فبكيا، ولكنه تحدث إليهما بأن أهل الجنة يتحوّلون إلى شباب عندما يدخلون الجنة. وعلى ضوء هذا، ورد الحديث الشريف: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»، مع أن الحسين كان في سن الكهولة، والحسن أيضاً كان في سن الكهولة، فالحديث يعني أنهما يتحولان إلى سنّ الشباب...
قضية الجنة ليست قضية عمر بل هي قضية عمل
* وهل الخلية العائلية تجتمع في الجنة؟
- الله سبحانه وتعالى يتحدث بأنَّ العائلة تجتمع في الجنة بقوله: {
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}(الرعد/23-24)، {
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ}(يس/56).
* ومن هنّ الحور العين؟
-الحور العين، هنّ النساء اللاتي يجعلهنّ الله سبحانه وتعالى لفرح الرجال، ولكن بالنسبة إلى النّساء يقول الله: {
ولكم فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}(فصِّلت/31)، أي لا أحد يشعر بالحرمان في الجنة، ولكن لم يكن من المتعارف التحدث عن الحاجة الجنسية للمرأة في أثناء نزول القرآن..
قوانين الآخرة تختلف عن قوانين الدنيا
* هل تعدّد الزوجات ممكن في الجنة؟
- في الدنيا قد يوجد تعدّد الزوجات بعض الحساسيات والمشاعر السلبية، لكن في الجنة الوضع مختلف، فليس هناك ألم بالنسبة إلى المرأة إذا كان هناك تعدد زوجات أو حور عين أو ما أشبه ذلك، وبالتالي ليس من الضروري أن تكون قوانين الدنيا هي قوانين الآخرة نفسها في هذا المقام، وقد تكون هناك قوانين يشعر فيها الناس بالسعادة الأبدية.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 05 رمضان 1428 هـ الموافق: 17/09/2007 م