حوار وكالة "مهر" الإيرانية حول يوم القدس
القدس تمثّل القضية الإيديولوجية الكبرى التي تدخل في أصول التفكير الإسلامي، فهي تعني كل مسلم في العالم، لذلك كانت الدعوة إلى إقامة (يوم عالمي للقدس) لما يمثله من رمزية على المستوى الروحي والديني في العالم.
وكالة "مهر" الإيرانية سألت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، عن أبعاد إطلاق دعوة جعل يوم عالمي للقدس، وما تشكّله القدس في وجدان العالمين العربي والإسلامي؟ وهذا نصّ الحوار:
س1: لماذا، برأيكم، الدعوة إلى جعل يوم عالمي للقدس؟
ج1:لا شك في أهمّية أن يكون هناك يومٌ عالمي للقدس وذلك على أساس أنّ القدس تمثّل القضيّة الكبرى للعرب والمسلمين، إضافة إلى ما يمثله احتلال فلسطين من تحديات كبرى للمنطقة، بحيث نجد أنّ تداعيات هذا الاحتلال تُلقي بظلالها على أوضاع المسلمين من الشرق إلى الغرب.
على أنّ رمزيّة القدس للقضيّة الفلسطينيّة، بل لقضايا الصراع مع المستكبرين في العالم الإسلامي، ترتكز إلى الجانب الديني والروحي الذي تحتلّه القدس في قلوب المسلمين جميعاً، إضافةً إلى كونها تشكّل الرمز الديني بالنسبة للمسيحيّين، الذين ينبغي أن يكونوا معنيّين بهذه القضيّة كالمسلمين.
إنّنا ننظر باحترام وتقدير بالغين إلى موقف الإمام الخميني(ره) الذي أعلن فيه آخر جمعة من شهر رمضان يوماً عالميّاً للقدس، انطلاقاً ممّا يمثّله شهر رمضان من شهر البركة والرحمة والوحدة، وما يوحي به من حركة المسلمين في اتّجاه النصر، من خلال اختزانه لمعركة بدر وفتح مكّة، ممّا يُشير إلى المسلمين جميعاً أنّ الارتقاء بصومهم ـ في المستوى الروحي ـ لا بدّ أن ينعكس ارتفاعاً إلى مستوى القضايا الكبرى على المستويات كافّة، السياسية منها والاجتماعية وغيرها، انطلاقاً من التقوى التي كانت هدفاً للصوم، والتي تدفع المسلمين إلى العمل على إرساء دعائم الحقّ والعدل في العالم، ومحاربة الظلم و الظالمين في كلّ مواقعهم.
س2: ما هو تأثير يوم القدس على تمتين الوحدة بين المسلمين، وكيف يستطيع المسلمون الاستفادة من هذا اليوم؟
ج2: من الطبيعي أنّه عندما ينطلق المسلمون ليحتفلوا بقضيّة كبرى تتّصل بمصيرهم، كقضيّة القدس بما ترمز إليه من قضيّة حاول من خلالها المستكبرون تكريس الظُلم والقهر والغصب والاحتلال كأمرٍ واقع يحرّكونه من خلال اختلال موازين القوى، ليفرضوا على شعوبنا الإسلاميّة الاستسلام له والخضوع لمخطّطاته، فمعنى ذلك الاحتفال أنّ المسلمين ارتقوا إلى مستوى الأمّة التي لا تستغرق في خلافاتها التفصيليّة، لتنطلق إلى أفق القضايا الكبرى التي تشكّل قاعدة للاجتماع والحركة، وترتكز إلى تاريخ الأديان والإسلام، وتتّصل بالقيم الرساليّة التي يعمل الإسلام على تأكيدها في حياة المسلمين.
إلا أنّنا نحبّ أن نوجّه إلى ضرورة أن يتنوّع الاحتفال بيوم القدس، فلا ينحصر في إطار معيّن، بل يتحرّك ليشمل كلّ أنشطة المجتمع، الفنّية والأدبيّة والإعلاميّة، بل حتّى تشمل قطاعات الهندسة والطبّ وغيرهما، في تخطيط دقيق لإدخال قضيّة القدس إلى وجدان المجتمع بأسره، ليشعر المسلمون أنّهم معنيّون أن يمهّدوا لإزالة الاحتلال، كلّ من موقعه، وكلّ من خلال طاقاته، فإنّ ذلك من شأنه أن يؤسّس لحركة إسلاميّة متنوّعة لإظهار فظاعة الاحتلال، ومستوى السقوط في ميزان القيم في العالم، وإبراز حقّنا الإسلامي والعربي في المقاومة والدفاع، وخصوصاً أنّ الأجيال الجديدة التي ولدت بعد مأساة احتلال القدس لا تعرف الكثير عن القدس، في أبعادها السياسية والاجتماعية وغيرها، ولذلك فإنّ ذلك يستدعي توعية هذه الأجيال التي ابتعدت كثيراً عن الواقع الزمني الذي انطلقت فيه مأساة القدس واحتلالها.
س3: هل المسلمون قادرون على استعادة القدس وفلسطين؟
ج3: إذا عرف المسلمون كيف يأخذون بأسباب الوحدة، وأن ينبذوا عناصر التفرقة، وأن يكونوا واعين لحجم المخطّطات الاستكبارية التي تفتك بأوضاعهم على مستوى العالم، وحرّكوا الخطط المضادّة، في فعلٍ وردّ فعلٍ، والتي تخطّط إلى تكامل حركات التحرّر في العالم الإسلامي، وإلى تضافر الجهود والطاقات لتصبّ في الهدف الكبير، فعندئذٍ نكون قد أسّسنا لاستعادة القدس إلى الحاضرة الإسلاميّة الكبرى، ولو بعد خمسين سنة من الآن.
لذلك عندما نركّز على ربط مسألة القدس بالمسألة الإسرائيليّة التي تمثّل التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتّحدة الأمريكية التي تخطط بين وقتٍ وآخر لنقل سفارتها إلى القدس، كأساس لاعتبار القدس عاصمة لكيان العدوّ، علينا أن نفكّر دائماً بأن قضيّة القدس بكلّ امتداداتها السياسية ترتبط بحركة السياسة الأمريكية الإسرائيليّة في المنطقة، ولذلك فعلى شعوب العالمين العربي والإسلامي القيام بضغوط على منظّمة المؤتمر الإسلامي لتقوم بدورها بالضغط على أمريكا في مسألة القدس القضيّة والقدس المسجد والمدينة.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 23 رمضان 1429 هـ الموافق: 05/10/2007 م
حوار وكالة "مهر" الإيرانية حول يوم القدس
القدس تمثّل القضية الإيديولوجية الكبرى التي تدخل في أصول التفكير الإسلامي، فهي تعني كل مسلم في العالم، لذلك كانت الدعوة إلى إقامة (يوم عالمي للقدس) لما يمثله من رمزية على المستوى الروحي والديني في العالم.
وكالة "مهر" الإيرانية سألت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، عن أبعاد إطلاق دعوة جعل يوم عالمي للقدس، وما تشكّله القدس في وجدان العالمين العربي والإسلامي؟ وهذا نصّ الحوار:
س1: لماذا، برأيكم، الدعوة إلى جعل يوم عالمي للقدس؟
ج1:لا شك في أهمّية أن يكون هناك يومٌ عالمي للقدس وذلك على أساس أنّ القدس تمثّل القضيّة الكبرى للعرب والمسلمين، إضافة إلى ما يمثله احتلال فلسطين من تحديات كبرى للمنطقة، بحيث نجد أنّ تداعيات هذا الاحتلال تُلقي بظلالها على أوضاع المسلمين من الشرق إلى الغرب.
على أنّ رمزيّة القدس للقضيّة الفلسطينيّة، بل لقضايا الصراع مع المستكبرين في العالم الإسلامي، ترتكز إلى الجانب الديني والروحي الذي تحتلّه القدس في قلوب المسلمين جميعاً، إضافةً إلى كونها تشكّل الرمز الديني بالنسبة للمسيحيّين، الذين ينبغي أن يكونوا معنيّين بهذه القضيّة كالمسلمين.
إنّنا ننظر باحترام وتقدير بالغين إلى موقف الإمام الخميني(ره) الذي أعلن فيه آخر جمعة من شهر رمضان يوماً عالميّاً للقدس، انطلاقاً ممّا يمثّله شهر رمضان من شهر البركة والرحمة والوحدة، وما يوحي به من حركة المسلمين في اتّجاه النصر، من خلال اختزانه لمعركة بدر وفتح مكّة، ممّا يُشير إلى المسلمين جميعاً أنّ الارتقاء بصومهم ـ في المستوى الروحي ـ لا بدّ أن ينعكس ارتفاعاً إلى مستوى القضايا الكبرى على المستويات كافّة، السياسية منها والاجتماعية وغيرها، انطلاقاً من التقوى التي كانت هدفاً للصوم، والتي تدفع المسلمين إلى العمل على إرساء دعائم الحقّ والعدل في العالم، ومحاربة الظلم و الظالمين في كلّ مواقعهم.
س2: ما هو تأثير يوم القدس على تمتين الوحدة بين المسلمين، وكيف يستطيع المسلمون الاستفادة من هذا اليوم؟
ج2: من الطبيعي أنّه عندما ينطلق المسلمون ليحتفلوا بقضيّة كبرى تتّصل بمصيرهم، كقضيّة القدس بما ترمز إليه من قضيّة حاول من خلالها المستكبرون تكريس الظُلم والقهر والغصب والاحتلال كأمرٍ واقع يحرّكونه من خلال اختلال موازين القوى، ليفرضوا على شعوبنا الإسلاميّة الاستسلام له والخضوع لمخطّطاته، فمعنى ذلك الاحتفال أنّ المسلمين ارتقوا إلى مستوى الأمّة التي لا تستغرق في خلافاتها التفصيليّة، لتنطلق إلى أفق القضايا الكبرى التي تشكّل قاعدة للاجتماع والحركة، وترتكز إلى تاريخ الأديان والإسلام، وتتّصل بالقيم الرساليّة التي يعمل الإسلام على تأكيدها في حياة المسلمين.
إلا أنّنا نحبّ أن نوجّه إلى ضرورة أن يتنوّع الاحتفال بيوم القدس، فلا ينحصر في إطار معيّن، بل يتحرّك ليشمل كلّ أنشطة المجتمع، الفنّية والأدبيّة والإعلاميّة، بل حتّى تشمل قطاعات الهندسة والطبّ وغيرهما، في تخطيط دقيق لإدخال قضيّة القدس إلى وجدان المجتمع بأسره، ليشعر المسلمون أنّهم معنيّون أن يمهّدوا لإزالة الاحتلال، كلّ من موقعه، وكلّ من خلال طاقاته، فإنّ ذلك من شأنه أن يؤسّس لحركة إسلاميّة متنوّعة لإظهار فظاعة الاحتلال، ومستوى السقوط في ميزان القيم في العالم، وإبراز حقّنا الإسلامي والعربي في المقاومة والدفاع، وخصوصاً أنّ الأجيال الجديدة التي ولدت بعد مأساة احتلال القدس لا تعرف الكثير عن القدس، في أبعادها السياسية والاجتماعية وغيرها، ولذلك فإنّ ذلك يستدعي توعية هذه الأجيال التي ابتعدت كثيراً عن الواقع الزمني الذي انطلقت فيه مأساة القدس واحتلالها.
س3: هل المسلمون قادرون على استعادة القدس وفلسطين؟
ج3: إذا عرف المسلمون كيف يأخذون بأسباب الوحدة، وأن ينبذوا عناصر التفرقة، وأن يكونوا واعين لحجم المخطّطات الاستكبارية التي تفتك بأوضاعهم على مستوى العالم، وحرّكوا الخطط المضادّة، في فعلٍ وردّ فعلٍ، والتي تخطّط إلى تكامل حركات التحرّر في العالم الإسلامي، وإلى تضافر الجهود والطاقات لتصبّ في الهدف الكبير، فعندئذٍ نكون قد أسّسنا لاستعادة القدس إلى الحاضرة الإسلاميّة الكبرى، ولو بعد خمسين سنة من الآن.
لذلك عندما نركّز على ربط مسألة القدس بالمسألة الإسرائيليّة التي تمثّل التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتّحدة الأمريكية التي تخطط بين وقتٍ وآخر لنقل سفارتها إلى القدس، كأساس لاعتبار القدس عاصمة لكيان العدوّ، علينا أن نفكّر دائماً بأن قضيّة القدس بكلّ امتداداتها السياسية ترتبط بحركة السياسة الأمريكية الإسرائيليّة في المنطقة، ولذلك فعلى شعوب العالمين العربي والإسلامي القيام بضغوط على منظّمة المؤتمر الإسلامي لتقوم بدورها بالضغط على أمريكا في مسألة القدس القضيّة والقدس المسجد والمدينة.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 23 رمضان 1429 هـ الموافق: 05/10/2007 م