المرجع الديني محمد حسين فضل اللـه في حوار مع "الوطن السورية"
أفتينا ونفتي بمواجهة الاحتلال... وإدارة بوش يمكن أن تهرب إلى الأمام!
ال
حوار مع المرجع الديني، السيد محمد حسين فضل الله، له طبيعة خاصة، ويحمل في طياته مجموعة علمية متجانسة من النواحي الفقهية والفكرية والسياسية، هي مطلوبة جداً على الصعيدين الجماهيري والرسمي في العالمين العربي والإسلامي.
لقد أطل سماحته على جملة من القضايا الشائكة والمعقدة، والمقلقة في الوقت نفسه، بدءاً من الأوضاع المتفاقمة والفوضى العارمة في العراق، ومروراً بالتحولات والمجريات في فلسطين ولبنان وغيرهما، حيث التوتر يتراوح بين أبعاد عسكرية وسياسية وعنفية بدرجات متفاوتة. وهذا نصّ الحوار معه:
س: كيف تقيِّمون المستجدّات والإرهاصات التي تشهدها المنطقة، وخصوصاً العملية السياسية في العراق بعد أربع سنوات من سقوط نظام صدام؟
ج: لعلَّ المشكلة هي في المرحلة التي مثلت هذا التطور في الواقع العربي والإسلامي، سواء فيما كان يمثله الطاغية صدام في العراق أو في المنطقة من نظامٍ استطاع أن يدمِّر الكثير من أوضاع الشعب العراقي، ويُربك أوضاع المنطقة بشكلٍ عام، ابتداءً من الحرب ضد إيران ثم الحرب ضد الكويت، ثم إرباك الواقع السياسي في العالم العربي، وربما في العالم الإسلامي.
وكُنا نلاحظ من خلال المعلومات، أن هذا الرجل الطاغية كان يمثل حالةً أميركية لإسقاط الواقع في المنطقة العربية الإسلامية، وكان موظفاً لدى المخابرات الأميركية في تنفيذ السياسة الأميركية لإضعاف الواقع العربي والإسلامي، وخصوصاً في دولتين كبيرتين تمثلان مركز القوة في المنطقة، لأن العراق كان يمثل البلد الذي يقف في وجه القوة الإسرائيلية، وكانت إيران الثورة تمثل الدولة التي يمكن أن تنطلق من خلال مواقع القوة فيها، نظراً إلى دورها الكبير في العالم الإسلامي.
لذلك كانت أميركا ومعها دول الغرب، وحتى دول الشرق، تعمل على إضعاف مواقع الثورة الإسلامية، وعلى تحطيم القوة العراقية، لأنّ هدف الجميع، كان إبقاء إسرائيل في موقع القوة وفي موقع الأمن في المنطقة، وعندما استكملت هذه المحاور الدولية وظيفة النظام في العراق، ورأت أنه لا يستطيع أن يحقق الكثير مما تريده مستقبلاً، استفادت من ثورة الشعب العراقي الداخلية ضد هذا النظام، وقامت بخديعة الشعب العراقي عبر إيهامهم بأنّ ما تقوم به هو لإنقاذهم من هذا النظام الذي كانت قد فرضته عليهم.
وهكذا سقط الطاغية من دون أن يُطلق أي رصاصةً في وجه الاحتلال، ودخلت قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية إلى العراق، واستطاع الاحتلال، ومن دون عناء، أن يسقط العراق الذي لم تنطلق دولته بأي مواجهةٍ له من دون عناء، كما أنه لم يكن هناك ضحايا من الجيش الأميركي عند احتلاله للعراق، بل كانت كلّ الضحايا من المدنيين من الشعب العراقي، ولكن أميركا لم تكن قد درست جيداً مسألة كيفية إدارة البلد بعد احتلاله، ولذلك فإنها غرقت في الرمال المتحركة هناك، وبدأت تحرك التجربة تلو التجربة في إدارة الواقع الداخلي للعراق، ما جعلها تتخبط في كل خطوط الإدارة.
وتحوَّل العراق إلى بلدٍ تحكمه الفوضى الأمنية والفوضى الحياتية، فلم يستطع الاحتلال أن يقدم للشعب العراقي ما كان قد وعده به من مستقبل مستقر قوي ديمقراطي شامل، بل إن العراقيين أصبحوا في وضعٍ من أقسى الأوضاع، وخصوصاً أن الفوضى التي فرضها الاحتلال في العراق، استطاعت أن تدخل إليه الكثير من المتطرفين في العالم الإسلامي، كما أنها استطاعت بفعل التعقيدات الموجودة في الداخل، أن تحرك الكثيرين من بقايا الجيش العراقي الذي ألغاه الاحتلال الأميركي، وتحريك الكثير من الأشخاص الذين ربما فكر بعضهم في المقاومة، وربما سار بعضهم في أحقاده المذهبية التكفيرية وما إلى ذلك. وهكذا بعد مرور أربع سنوات من تجارب الاحتلال في العراق، من خلال الحكومات العراقية المتعاقبة، ومن خلال الانتخابات الشعبية العراقية، لم يستطع الاحتلال أن يحقق للعراق أي أمن أو أي استقرار أو أي حياةٍ منفتحة على حاجات الناس بشكل أو بآخر.
س: ما الشعور السائد لدى الاحتلال أمام ما يحصل في العراق؟
ج: إننا نلاحظ أن هذا الاحتلال بعد أربع سنوات، بدأ يشعر بالفشل في إدارته لهذا البلد، وبسقوطه من الناحية الأمنية، من خلال تعاظم المقاومة في الداخل، ومن خلال فوضى التكفيريين الذين كان يغطّيهم بين وقتٍ وآخر، ومن خلال التعقيدات التي حصلت في الدول المجاورة للعراق، التي رأت في احتلال أميركا للعراق خطراً على مقدّراتها، باعتبار ما تختزنه أميركا، ولاسيما في إدارتها الحالية، من الخطر على أكثر من دولة في المنطقة، ولاسيما إيران وسورية، وحتى إن الدول المتحالفة أو المتعاملة مع أميركا، بدأت تعيش الهواجس من الاحتلال الأميركي، للعراق ولاسيما حيال حالة الفوضى الضاربة أطنابها فيه.
ولهذا أصبحت أميركا تعيش في احتلالها للعراق في داخلِ منطقةٍ تتحرك ضدها بأكثر من وسيلة ووسيلة، وهذا ما لاحظناه في انعكاس هذا الوضع كله على الرأي العام الأميركي الذي بدأ يطالب حكومته وإدارته بانسحاب الجيش من العراق، وبدأت أيضاً الشعوب تتحرك في تظاهراتٍ حاشدة في أكثر من دولة من دول أوروبا، وحتى في داخل أميركا، ضد هذه الحرب، والمطالبة بانسحاب القوات الأميركية، وانعكس أيضاً ذلك سلباً على الحكومة البريطانية التي واجه رئيسها الكثير من التحديات في داخلِ حزبه وفي مختلف مواقع الشعب البريطاني، إضافةً إلى الشعوب الأوروبية التي عاشت الاهتزاز أمام حرب أميركا وبريطانيا على العراق، لأنها حربٌ لم تنطلق من خلال شرعية الأمم المتحدة أو من أسباب حقيقية، بل انطلقت من خلال اتهام العراق بأنه يملك أسلحة الدمار الشامل، وقد كذَّبت حتى المخابرات الأميركية هذا الزعم.
س: ماذا على صعيد ارتدادات الاحتلال في المنطقة؟
ج: نحن نعتقد أنّ المسألة تجاوزت الوضع العراقي إلى اهتزاز الوضع في المنطقة التي أرادت أميركا من خلالها أن تعمل على أساس تنفيذ مشروعها في الشرق الأوسط الكبير، أو في ما تدّعيه من تبنّي الديمقراطية وحقوق الإنسان التي لم تكن جادة في تحريكها في المنطقة، وخصوصاً أنها تحالفت مع أنظمة شمولية استبدادية ليس لها من الديمقراطية شيء، ولا من حقوق الإنسان شيء، ولهذا بدأت الحديث عن التطرف والاعتدال، وانطلقت لإرباك معارضيها في المنطقة، ولاسيما إيران والمعارضة الإسلامية الشيعية للسياسة الأميركية، في إثارة الفتنة بين السُنة والشيعة، وهكذا دخلت المنطقة في مناخٍ تهتز فيه الأوضاع على جميع المستويات.
س: لو فرضنا أن أميركا فشلت في إدارة الواقع السياسي الجديد في العراق، فهل يمكن القول إنها تستفيد من إدارة الفوضى في هذا البلد في إطار ما يسمى الفوضى الخلاقة التي ينطلق منها مشروع الشرق الأوسط الكبير؟
ج: إنني أتصور أن أميركا عندما تحدثت عن الفوضى الخلاقة أو البناءة، فإنها تحدثت عن الفوضى التي تخدم سياستها وتحقق لها الانتصار، عندما تُشغل المنطقة بمشكلاتها وبنقاط ضعفها، ولكن هذه الفوضى التي أحاطت بها وصنعتها، صاحبتها الفوضى التي حركت عناصر الإرهاب من جهة، والعناصر السياسية التي قد تؤدي إلى إسقاط السياسة الأميركية في هذه المنطقة من جهة أخرى، فنحن نعرف أن الاحتلال الأميركي جعل العالم، بشكلٍ عام، يحمل انطباعاً بأن أميركا قد فشلت وسقطت في هذا المجال، حتى إن الرأي العام الأميركي بالذات أصبح يطالب بإنهاء هذا الاحتلال، وقد سمعنا صقور الإدارة الأميركية، وفي مقدمهم نائب الرئيس، ديك تشيني، يتحدث ضد الذين يطالبون بانسحاب القوات الأميركية من العراق، بأن هذا الانسحاب سوف يؤدي إلى خطرٍ على الأمن، وفي داخل أميركا هذه المرة، وهذا ما يتحدَّث عنه الرئيس بوش، حيث إن المأزق الذي تعيشه أميركا الآن في داخل العراق، ربما يؤدي إلى اهتزاز الواقع الأمني في أميركا، وإلى سقوط تجربة المحافظين الجدد، الذين يسيطرون على سياسات البيت الأبيض، وربما يؤدي إلى إضعاف الموقع الإسرائيلي الذي تسعى أميركا إلى أن يبقى قوياً في هذه المنطقة، إضافةً إلى أنّ هذا المأزق يفسح في المجال لما يسمى الإرهاب أو التطرف الإسلامي أو التطرف القومي، في أن يمتد في العالم بشكل أكبر، بحيث تسقط معه سياسة أميركا في ما أعلنه الرئيس جورج بوش من حرب ضد الإرهاب.
س: اتُهم الشيعة منذ إسقاط صدام حسين حتى اليوم، بأنهم هم الذين تواطأوا مع الاحتلال وأوجدوا الأوضاع الوخيمة في هذا البلد، ماذا تقولون أنتم في هذا المجال؟
ج: أولاً؛ إني أستطيع أن أؤكد من خلال معرفتي الدقيقة بالوضع العراقي، وبالذهنية السياسية التي يحملها المسلمون الشيعة في العراق، أن أي شيعيٍ هو ضد أي احتلال لبلده، سواء أكان الاحتلال بريطانياً أم أميركياً أم فرنسياً، وإذا كانت هناك بعض الثغرات التي ربما يتحدث عنها بعض الناس في هذا المجال، فإن علينا أن ندرسها دراسة واقعية، فنحن نلاحظ مثلاً في العراق، أن النظام السابق قد صادر المسلمين الشيعة بشكلٍ لم يسبق له مثيل، سواء في سياستهم أو في اقتصادهم أو حتى في التزاماتهم الدينية والاجتماعية وما إلى ذلك، حيث إن طريقته في هذه المصادرة، جعلت المسلمين الشيعة يشعرون بالاختناق بالطريقة التي لم يستطيعوا أن يتنفسوا فيها أي فرصة من هواء الحرية.
ولذلك، فقد كان المسلمون الشيعة في حركة المعارضة قبل سقوط النظام، يواجهون المخابرات الأميركية وغير الأميركية التي كانت تعطي النظام المعلومات الاستخبارية من أجل حمايته وإبقائه. لذلك فإنّنا نلاحظ أن أميركا استطاعت أن تخدع العراقيين، سواء أكانوا من المسلمين الشيعة أم من غيرهم، بأنّ تدخّلها في إسقاط هذا النظام سوف يحرّر العراق منه، وسوف يمنح العراقيين الحرية في إدارة أمورهم. لذلك انطلقت المسألة في توافق الواقع الشعبي العراقي مع الاحتلال بفعل الضرورة، وليس بفعل تأييده، فنحن نلاحظ الآن أن هناك مقاومةً إسلامية شيعيةً للاحتلال تتحرك بشكلٍ فاعلٍ وقويٍ، وهذا ما اعترف به الاحتلال عندما كان يحمِّل الجمهورية الإسلامية الإيرانية مسؤولية الجهات التي تواجه الاحتلال، وأغلبها جهات شيعية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن المسألة كانت مسألة خديعة تتحرك في دائرة الاضطرار وفي دائرة الضرورة، لا في دائرة الاقتناع والتحالف مع الاحتلال، ومقابل ذلك أتساءل: لماذا لم يتحدث هؤلاء الذين يريدون أن يتهموا الشيعة بالتعاطف والتحالف مع الاحتلال، عن الشخصيات السنية الكثيرة التي انطلقت مع الاحتلال، سواء في مشاركتها في الحكم، أو في مشاركتها في الكثير من نشاطاته وما إلى ذلك في المقام هذا؟! إننا نلاحظ أن الكثير من الشخصيات السياسية السنية، قد انطلقت في هذه التجربة تماماً كالشخصيات السياسية الشيعية، ولكن المشكلة أن هناك عقدةً في بعض مواقع العالم الإسلامي أو المواقع القومية، أنهم يريدون التركيز على الشيعة من دون أن يتحدثوا عن الجهات الأخرى.
وهذا ما نلاحظه الآن عندما يتحدَّث الكثيرون، ومن بينهم (هيئة علماء المسلمين)، عن المذابح من الطائفة السنية من قبل الميليشيات الشيعية، ولكنهم لا يتحدثون عن المجازر الضخمة التي تمارسها بعض الميليشيات السنية، سواء من خلال تنظيم القاعدة، أو من خلال الفصائلِ الأخرى ضد الشيعة في مقدساتهم ومساجدهم وأسواقهم وجامعاتهم وما إلى ذلك. لذلك لو أردنا أن نقوم بعملية إحصائية لرأينا أن ضحايا الطائفة الأخرى لا تمثل شيئاً كبيراً أمام ضحايا الطائفة الإسلامية الشيعية في هذا المقام، ولكننا نلاحظ أن العالم الإسلامي لا يتحدث عن المجازر التي تطول الطائفة الإسلامية الشيعية، لأن هناك سياسة أميركية تحاول أن تثير المسألة لتعقد وضع العالم الإسلامي ضد الشيعة وضد إيران بالذات، واتهامها بأنها هي التي تثير الفوضى والمشكلات في العراق.
س: يشيع البعض بأن لإيران مصلحة في استمرار الفوضى، سواء في العراق أو في أفغانستان، فماذا تقولون في ذلك؟
ج: أنا لا أعتقد أنّ هناك مصلحة لإيران في الفوضى في العراق أو في أفغانستان، لأن الفوضى عندما تتحرك، فإنها سوف تمتد إلى البلاد المجاورة، وهذا ما لاحظناه بالنسبة إلى إيران في ما حدث أخيراً من اعتداءات من خلال المتطرفين الذين جاؤوا من أفغانستان ومن باكستان. أنا أعتقد أن الفوضى عندما تتحرك في أي بلدٍ، فإنها لابد من أن تمتد بطريقة أو بأخرى إلى البلدان المجاورة الأخرى. فمصلحة إيران هي أن يكون هناك عراق مستقل، وأفغانستان مستقل، لا يختزن في إدارته العداوة لجيرانه، ولاسيما إيران.
س: هل من آفاق للخروج من الأزمة المتفاقمة في العراق؟
ج: أنا لا أعتقد أن هناك أي فرصة للخروج من هذه الأزمة في العراق ما دام الاحتلال موجوداً هناك، وما دامت أميركا تحرِّك سياستها في المنطقة، ولاسيما أننا نلاحظ أن أوروبا بدأت تخضع للضغط الأميركي في أكثر من خط سياسي في العراق.
س: هل يمكن القول إن أميركا فشلت في إدارة العملية السياسية، لكنها نجحت في إشاعة الفوضى في العراق وفي غيره؟
ج: من الطبيعي أن أميركا نجحت في خلق أجواء من الفوضى التي سوف ترتد عليها، لأن هذا النجاح هو نجاحٌ محدود بمرحلة زمنية، ولكن عندما تتعاظم الفوضى وتمتد، فسوف تؤثر على الوجود الأميركي في المنطقة.
س: كيف تنظرون إلى النظام السياسي في العراق الذي يوصف بأنه شيعي في أغلبه؟
ج: ليس هناك نظام شيعي بالمعنى المذهبي في هذا المقام، هناك نظامٌ سياسيٌ يقوده بعض المسلمين الشيعة إلى جانب الكثيرين ممن يمسكون الوزارات ويديرون الإدارات من غير الشيعة في هذا المجال، ولكنني أعتقد أن أي حكومة تعيش في ظل الاحتلال، لا يمكن أن تنجح، سواء أكانت شيعية أم سنية أم علمانية، لذلك من الصعب جداً أن تنجح هذه الحكومة أمام اللعبة الأميركية السياسية في داخل العراق، وأمام التعقيدات الموجودة من خلال الاحتلال.
س: ما الحلول التي يجب أن يتوخَّاها السياسيون العراقيون؟
ج: هناك حلٌ واحد، وهو مواجهة الاحتلال.
س: أنتم تفتون بمواجهة الاحتلال إذاً؟
ج: نحن أفتينا ونُفتي، وبشكلٍ متكرر ومتعدد، بوجوب مواجهة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة، بما فيها الوسائل العسكرية، ولكن ضمن خطة مدروسة بعيدة عن الفوضى في التحرك.
س: هل يمكن أن تكون هناك مواجهة قريبة بين المنظومة السياسية القائمة والاحتلال الأميركي؟
ج: لا أظن أن هناك فرصاً في الواقع العراقي على المستوى السياسي.
س: ننتقل إلى الوضع في لبنان؛ نحن نرى أن هناك مساعي محمومة لمذهبة الحالة السياسية في هذا البلد؟
ج: أنا أعتقد أن إثارة الفتنة السنية الشيعية في لبنان قد ضعفت، وقد وصلت إلى مستوى لا تشكل أي خطر على الواقع السياسي أو الواقع الإسلامي في لبنان، وذلك من جهة أن هناك تداخلاً في الواقع السياسي بين السنة والشيعة. ثم إن الذين أثاروا الفتنة حاولوا أن يثيروها لحساباتهم الشخصية، وقد شعروا أن الفتنة عندما تتعاظم، فإنها سوف ترتدُّ عليهم بشكل سلبي كبير، ربما يصادر كل أوضاعهم.
س: ما مصير تنظيم القاعدة؟
ج: إنني أعتقد أن الأخطاء السياسية والأمنية التي تتحرك في أميركا والغرب وفي العالم العربي والإسلامي الخاضع لأميركا في إدارة الحرب ضد الإرهاب، هي التي تشجع القاعدة، وتشجع كل الخطوط الإرهابية في العالم الإسلامي.
س: هل يمكن القول إن القاعدة سيئة بالمطلق؟
ج: ليس هناك في السياسة مطلق، فهم في أساليبهم التي تبرر لهم قتل المدنيين أو القيام ببعض التحركات التي تشوِّه الصورة الإسلامية، يمثلون سلبية كبرى، ولكنهم في الوقت نفسه، عندما يتحدثون عما يمارسه الغرب، ولاسيما الغرب الأميركي من العدوان على فلسطين وأفغانستان وأكثر من دولة عربية وإسلامية، ربما يحملون بعض الإيجابيات في المسألة.
س: في هذا السياق، نلاحظ أنّ هناك محاولات لإحياء منهج «طالبان» من جديد؟
ج: هناك محاولة من قِبَل مسؤولين أفغان للمصالحة مع «طالبان»، ولا أدري هل ستنجح هذه المحاولة أم لا؟ ولاسيما أن الكثيرين من «الطالبان» الأفغانيين يخضعون لفتاوى أو لخطّة من غير الأفغانيين.
س: ما الشيء الحسن في «طالبان» حتى يُعملَ على إعادتهم إلى الواجهة مرة أخرى؟
ج: ليس هناك شيء حسن إلا العنوان الإسلامي، ولكنَّ مفرداتهم مفردات غير إسلامية.
س: هل يمكن أن يناصر العالم العربي والإسلامي الطالبان من أجل إثارة أمريكا؟
ج: نحن نعتقد بوجود مشكلة في العالم الإسلامي، وهي أن هناك الكثيرين ممن يشبهون طالبان، وهم ممن يملكون مواقع إفتاء ومواقع متقدمة في العالم الإسلامي!!
س: لماذا لا يُوضع حدٌّ لهؤلاء؟
ج: إنني أرى أنّ انطلاق المثقفين الإسلاميين المنفتحين على الإسلام الحضاري الذي يحاول أن يقدم الإسلام بطريقة علمية مشرقة كما هو الإسلام، يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية على مستوى توازن الفكر الإسلامي والخط الإسلامي في حياة الناس.
س: ما هي مسؤولية الخطاب الديني المتوازن في الوقت الحالي؟
ج: أنا أعتقد أن مشكلة الخطاب الإسلامي، هي أنه خطاب لا يزال غير ناضج في مفرداته التي يتحرك فيها، فنحن نعرف أنه حتى الذين يعتبرون أنفسهم من المعتدلين، يبادرون إلى التحرك في مناخ الفتنة السنية الشيعية، ليأخذوا جانباً حاداً ضد جانبٍ آخر، حتى إنهم عندما يتحدثون عن الوحدة الإسلامية، فإنهم يتحدثون عن وحدة إسلامية منغلقة في الجانب المذهبي، ولا تنفتح على الجانب الإسلامي العام.
س: هل تتوقعون أن تشن أميركا حرباً ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
ج: إن هناك احتمالات لا تزال موجودة، باعتبار أن الرئيس الأميركي وإدارته التي يسيطر عليها المحافظون الجدد المتعصبون ضد الإسلام والمسلمين وضد إيران بالذات، يمكن أن يهربوا إلى الأمام، فيحاولوا أن يوجدوا حجة للعدوان على إيران، ولكني أتصور أن هذا الاحتمال، على الرغم من وجود مبررات واقعية له، ليس قريباً.
أجرى الحوار: حميد حلمي زاده
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 01 ربيع الثاني 1428 هـ الموافق: 19/04/2007 م