أكَّد أنّه لا مصلحة لإيران في تعكير علاقاتها مع دول الخليج والعكس صحيح
العلاَّمة فضل الله لـ"الأنباء":
لو تريّثت الحكومة اللبنانية يومين أو ثلاثة وناقشت المحكمة مع المعارضة
لربما جنّبت البلد ما حصل
تحدّث العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، لصحيفة "الأنباء الكويتية" عن الوحدة الإسلامية والصراع الإقليمي ـ الدولي الذي يدور على الساحة اللبنانية، في ردٍّ على أسئلة وجّهتها إليه الصحيفة، وهذا نصّ الحوار:
معوِّقات الوحدة:
س: ربع قرن من الزمان، وأنتم ونظراؤكم من العلماء، تعملون من أجل الوحدة الإسلامية، ومع ذلك، وخلال سنة واحدة من الخلافات في لبنان، بدأنا نلحظ انهيار أجواء ذلك كله. لماذا؟
ج: هناك عدة عوامل تترك تأثيرها السلبي في حركة الوحدة الإسلامية، العامل الأول: هو التخلّف الثقافي في الذهنية الإسلامية في الرأي العام الإسلامي بشكل عام، فهو لا يزال يخضع لبعض المفردات التاريخية بطريقة الإثارة، بعيداً عن حركة الفكر، فهناك في المسار التاريخي، واقع الأحداث التي أعقبت وفاة الرسول(ص)، والطروحات الفكرية التي تناولت مسألة الخلافة، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ ما حدث لهم لا يمثِّل خرقاً للخط الإسلامي الأصيل الذي يلتقي فيه المسلمون على العقائد الأساسية، وهي التوحيد والنبوة والإيمان باليوم الآخر، فكل من يلتزم هذا الثالوث العقيدي، إن صحّ التعبير، يكون مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ويكون المسلم من خلاله أخاً للمسلم.
أما مسألة الخلافة، فإنها انطلقت من خلال النزاع حول ما قاله الرسول، وهل عيّن شخصاً للخلافة أم لا؟ وهل الشورى في مسألة الخلافة هي القاعدة؟ وهل كانت هناك شورى بالمعنى الكامل للواقع الإسلامي أم لا؟ هذه المسائل يمكن للمسلمين أن يتناقشوا فيها من خلال الكتاب والسنّة، انطلاقاً من قوله تعالى: {
فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} (النساء:59).
هذه المشكلة إنّما فرضت نفسها على الدائرة الإسلامية، لأنّ القضية تحوّلت إلى عصبية يتعصب فيها كل فريق لهذا الجانب أو لذاك الجانب، بالمستوى الذي دخلت فيه مسألة التكفير واللعن والسباب إلى الساحة، بينما كان المسلمون في ذاك الوقت، والّذين كانوا مختلفين حول مسألة الخلافة، يعيشون متناصحين متعاونين متكاملين، ويغلِّبون المصلحة الإسلامية العليا، وهذا ما عبّر عنه الإمام علي(ع) بقوله: «لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جورٌ إلا عليَّ خاصّة».
لذلك، فإن هذا المسار التاريخي من العصبية، تحوّل إلى ما يشبه الحالات الذاتية لهذا الفريق أو ذاك، بقطع النظر عن العنوان الإسلامي الكبير الذي ينبغي للمسلمين أن يحافظوا عليه وأن يؤصّلوه ويركّزوه، وأن يكون هو القاعدة التي يمكن أن يحلّوا خلافاتهم من خلالها.
العامل الثاني: هو أن مسألة المذهبية السنية والشيعية انطلقت في بعض الدوائر الشرعية الفقهية الإسلامية لتصنع قاعدةً للتكفير، انطلاقاً من أنّ فريقاً من المسلمين قد يصير إلى فكرة يعتقد أنها تنسجم مع الخطوط الإسلامية الأصيلة، خطأً أو صواباً، لكن الفريق الثاني يرى أنّ هذه الفكرة هي ضد العقيدة الإسلامية، لأنّه يفهم الآية القرآنية بطريقة مختلفة عن فهم الآخر لها، أو لأنّه يركّز على صحّة حديث لا يراه الآخر صحيحاً، فيؤدّي ذلك إلى اعتبار هذا مخالفاً للكتاب والسنّة، ومن الطبيعي أن أي مسلم يخالف الكتاب والسنة، فإنه يخرج عن الإسلام، لأنه يكون قد التزم بعكس ما ثبت في الدين ضرورةً أو بداهةً.
وبسبب ذلك، رأينا كيف انطلقت خطوط التكفير من خلال بعض الفرق الإسلامية ضد الفرق الإسلامية الأخرى، وهذا الأمر لا يقتصر على المواقع الفقهية السنية، بل قد نجد في المواقع الفقهية الشيعية ما يشبهه، فهناك من يرى أنّ إنكار الولاية ـ ولاية الإمام علي(ع) ـ يكفِّر صاحبه، أو يجعله قريباً من الكفر.
ولعلّ المشكلة التي واجهت الواقع الإسلامي، خصوصاً في هذه المرحلة، هي أن بعض الناس يرى أن هناك علاقة بين الكفر وإهدار الدم، ويرى أنه يجوز إهدار دم أي مسلم إذا التزم ببعض الخطوط التي يعتبرها الآخرون كفراً، بينما هناك جدل في المسألة الفكرية الفقهية حول أن القتل حتى للكافر ليس بسبب كفره، بل بسبب الحرابة، وهذا ما نستفيده من قوله تعالى: {
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون} (الممتحنة:8-9).
ولربما يجد بعض الذين يستحلّون دم المسلم الآخر سبباً لقتله هو ارتداده عن الإسلام، ونحن إذا جارينا هذا المنطق، فإننا نقول: كيف يمكنكم أن تكفروا هذا الشخص وهو في الأصل لم يدخل في الإسلام ـ وفق مفهومكن ـ حتى يرتدّ عنه، وهنا تكون المسألة بحاجة إلى مقاضاة ومحاكمة، وإلى الاستماع إلى وجهة نظر الآخر، وإلى الحوار حول ما إذا كان هذا الخط العقيدي يمثل أساساً للإسلام أو لا.
العامل الثالث: هو أنّ مسألة الخلاف بين السنة والشيعة في قضية الوحدة الإسلامية، قد دخلت في خط الصراع السياسي العالق، فنحن نجد أنّ الغرب بشكل عام، وفي مقدّمه أمريكا، قد خطط ولا يزال يخطط لإشغال المسلمين بعضهم ببعض عن القضايا الحيوية الأساسية في مسألة الحرية والاستقلال والعزة والكرامة، في مواجهة الاستكبار العالمي الذي يحتلّ بلاد المسلمين، ويصادر ثرواتهم، ويحوّل سياساتهم إلى هامش لسياساته، وأمنهم إلى هامش من أمنه، وقد انطلقت الخطة الأمريكية، ومعها الكثير من الخطوط الأوروبية، لإثارة الفتنة بين السنة والشيعة، وحشد كل هذا التخلف التاريخي، وكل هذه العصبيات التي عاشها المسلمون في تاريخهم، لإثارة الواقع الإسلامي، ولتمزيق الوحدة الإسلامية، ولجعل المسلمين يواجهون بعضهم بعضاً، على أساس مقولة بعض الناس، إن الانحراف في داخل الدين هو أخطر من الانحراف في مواجهة الدين بالذات في هذا المقام.
ومن المفارقات أنّ بعض الناس الذين يفكرون بهذه الطريقة، يستعيدون ما تحدثت عنه الآية في حديث اليهود عن المشركين عندما سألوهم: هل نحن أهدى أم محمد وأتباعه أهدى؟ فقال اليهود: {
هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً}. فبعض الناس يعتبرون، جهلاً منهم، وبفعل الحقد المذهبي والتعصب العاطفي، أن أتباع الأديان الأخرى هم أهل كتاب، ويجب معاملتهم على أنهم أهل كتاب، أما المسلمون الذين يحكمون بكفرهم، فيعتبرونهم مشركين ومرتدّين، ولذلك لا يجدون سبيلاً للتعاطي معهم إلا باستحلال دمائهم وإزالتهم من الوجود.
هذه العوامل الثلاثة هي المسؤولة عن المشاكل التي واجهت الوحدة الإسلامية، ومنعت المصلحين في خطّها من أن يؤسسوا ذهنية وحدوية، وقد ساهم في ذلك بشكل قويّ، السطحية الفكرية التي تسيطر على واقع الرأي العام الإسلامي بشكل عام، حيث لا يعيش لا يمثل أي عمق في الفكر والثقافة، وأكاد أقول وفي التقوى.
لبنان... الساحة والصراع:
س: الملاحظ أن هذه الإثارة تبدأ دائماً في لبنان، لماذا لبنان بالذات من بين كل الدول في المنطقة العربية؟
ج: أعتقد أن لبنان هو الساحة التي تستقبل الصراع ولا تنتجه، فنحن نعرف أن هذه الاتجاهات التكفيرية، أو هذا التعصب الحاقد القاسي، انطلق من بعض المناطق العربية والإسلامية، التي يسيطر فيها بعض الفقهاء الذين يتحركون في هذا الاتجاه، من خلال عقدة التكفير للمسلمين الذين يختلفون معهم في الرأي، ولا أعتقد أن المسألة تتحرك في تكفير هؤلاء للشيعة فحسب، بل حتى لبعض السنة أيضاً، فالذين يرفضون الاعتقاد بشفاعة الأنبياء والأولياء، أو الذين يرفضون التوسل بهم أو زيارة قبورهم وما إلى ذلك، يعتبرون الذين يمارسون ذلك من المشركين.
ونحن نعرف أن بعض المواقع العربية تتحرك في إعلامها الفقهي لتؤكد هذا المعنى في الواقع الشعبي الذي قد يقدس بعض هؤلاء الفقهاء، أو أنه يتبعهم ويقلدهم تقليداً أعمى في هذا المجال. ونحن نعلم أن هذا الاتجاه التكفيري قد استفادت منه الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان في حربها ضد الاحتلال السوفياتي هناك، عندما حشدت الكثير من الذين يفكرون بهذه الطريقة، واعتبرتهم من المجاهدين، باعتبار أنهم يواجهون الإلحاد الشيوعي المتمثل بالاتحاد السوفياتي.
ثم انطلق هؤلاء ليكونوا بعد ذلك مشكلة للغرب، وليكونوا أيضاً مشكلة للبلدان التي غذّتهم، ولأكثر من موقع في العالم، كما أصبحوا مشكلة للعالم الإسلامي كله، لأن طريقتهم في المواجهة توحي بأن الإسلام هو دين العنف ودين الإرهاب وما إلى ذلك.
ولذلك، فإن لبنان لم يعرف في تاريخه مثل هذه القسوة والحدّة في علاقات المسلمين بعضهم ببعض، وخصوصاً بين السنة والشيعة، ولاسيما أن هناك نوعاً من أنواع التداخل والتواصل بين السنة والشيعة، من خلال التزاوج المختلط الذي يتحرك بشكل كبير جداً بين اللبنانيين. ولكن حركة هذه الفتنة داخل لبنان انطلقت من خلال التخطيط الأمريكي في إثارة الواقع اللبناني ضد الذين يعارضون السياسة الأمريكية، وضد الذين يواجهون الخطة الإسرائيلية أو العنفوان الإسرائيلي من أجل إيجاد وضع يمزّق الواقع اللبناني لمصلحة فريق ضد فريق.
إضافةً إلى بعض الطموحات السياسية لدى بعض الفرقاء، في محاولة لتقوية مواقعهم التي لم تكن قوية بحسب طبيعتها، وذلك من خلال إثارة المسألة السنية في مقابل الشيعة، والإيحاء بأن المعارضة لهذا السياسي أو ذاك هي معارضة للطائفة السنية، وأنّ هذه المعارضة السياسية تشكّل خطورة على مجمل وضع الطائفة السنية في لبنان، في الوقت الذي يعرف الجميع أن المسألة ليست مذهبية وإنما سياسية، لأن الحكومة ليست سنية وإن كان يرأسها سني، كما أن المعارضة ليست شيعية، بل هي تمثل وضعاً ائتلافياً.
ولهذا، فإنني أعتقد أنّه على الرغم من أن هناك عناصر استطاعت أن تخلق نوعاً من الإثارة كاد يؤدي إلى فتنة، وأن هناك فريقاً آخر غير إسلامي يحاول أن يحارب المعارضة بآخر سني وبآخر شيعي في هذا المجال، إلاّ أنني أتصور أن العقلاء لدى السنة والشيعة، سواء كانوا على مستوى المواقع الدينية أو المواقع السياسية أو الاجتماعية، استطاعوا التخفيف من تأثير هذه الإثارة التي أريد لها أن تتحول إلى فتنة، وأظن أنهم لن ينجحوا في ذلك، لأن الواقع اللبناني لا يسمح بوجود هذه الفتنة، لأن العلاقات الإسلامية ـ الإسلامية هي علاقات متجذرة في التاريخ ومتجذرة في الواقع.
العراق وتأثيراته:
س: ألا ترى أن ما يجري في لبنان من مواقف حادّة إنما يرتبط إلى حدٍّ كبير بما يجري في العراق؟
ج: أعتقد أنّ ما يجري في العراق يمثل عنصراً من عناصر تحريك الإثارة وليس هو الأساس، لأننا من خلال دراستنا للواقع السياسي في لبنان، نجد أن هناك فريقين سياسيين؛ وأنّ فريقاً منهما يلتزم السياسة الأمريكية بالمطلق، ومعها بعض خطوط السياسة الغربية، لاسيما فرنسا، وقد سمعنا تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية التي تحدثت عن أن لبنان يمثل القاعدة التي يمكن أن تصنع فيها أمريكا الكثير من خطوط سياستها في المنطقة. ومن الطبيعي أن أمريكا، ومعها فرنسا وغيرهما من دول الاتحاد الأوروبي، أرادت أن تتدخل في الأمور الداخلية اللبنانية، لتضعف فريقاً معارضاً لسياستها لحساب فريق آخر، لأن القضية هي أن الانتصار الذي تحقّق من خلال المقاومة على إسرائيل، أُريد إجهاضه وإضعافه ومصادرته على أساس ألاّ يستفاد من هذه القوة، كما أريد لهذا الامتداد الذي استطاعت أن تحصل عليه المقاومة الإسلامية في لبنان، والتي أكثر مجاهديها من المسلمين الشيعة، أريد له أن يضعف وأن يسقط تحت تأثير المسألة السنية والشيعية، من خلال التركيز على أن المقاومين هم من الشيعة، وأن الشيعة يقفون ضد السنة، سواء في لبنان أو خارجه.
إننا نعتقد أن المسألة انطلقت من خلال الخطة الأمريكية في تنفيذ استراتيجيتها في مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية في تعليقها على العدوان الإسرائيلي، والذي قالت عنه إنّه سيحقق النتائج الكبرى في نجاح هذا المشروع.
إن مسألة العراق هي من المسائل التي تقدم كعنصر إثارةٍ للحديث عن أن الشيعة في العراق يقتلون السنة مثلاً، وفي مقابل ذلك، ينطلق إعلام آخر ليقول إن السنة يقتلون الشيعة. فالقضية تعتبر وسيلةً من وسائل إعلام الإثارة الذي تتحرك فيه الكثير من وسائل الإعلام، سواء الصحافية في الأخبار والتحليلات، أو الإذاعية أو التلفزيونية الفضائية أو ما إلى ذلك، تنفيذاً للخطة الأمريكية الرامية إلى إشغال العالم الإسلامي، ولاسيما لبنان، بهذه المسألة، وتحويلها إلى فتنة مذهبية تمهيداً للوصول إلى فتنة طائفية.
س: ألا يمكن أن تدفع المقاومة الإسلامية في لبنان الثمن نفسه الذي دفعته جبهة الإنقاذ في الجزائر، وحماس في فلسطين، بسبب دخولها إلى السلطة الذي يؤدي إلى نتيجة عكس المرغوب فيها؟
ج: هناك فرق بين واقع المقاومة الإسلامية في لبنان، وبين جبهة الإنقاذ في الجزائر، أو حماس في فلسطين؛ ففي فلسطين، هناك احتلال استيطاني يحاول بالتعاون مع أمريكا والدول الغربية تأكيد الوطن اليهودي، ليحصل الفلسطينيون على بعض الفتات من بقايا فلسطين. لذلك فإن حماس، ومعها فصائل الانتفاضة الأخرى، تمثل خطورةً على المشروع الإسرائيلي والمشروع الأمريكي بالذات في التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل وأمريكا في هذا المقام. ولهذا فإن الصدمة التي واجهها هذا التحالف هي نجاح حركة حماس في الانتخابات النيابية التي اعترف العالم بأنها انتخابات ديمقراطية في الدرجة الأولى، ولم يحصل فيها أي تزوير من أية جهة كانت.
ومن هنا، فإن استلام حركة حماس الحكم في فلسطين، أثار الواقع الغربي بشكل عام، امتداداً إلى الواقع الإسلامي الذي حاول أن يحاصر حركة حماس لمصلحة إسرائيل، التي دخلت حتى إلى غرف النوم العربية والإسلامية.
لذلك، أصبح الواقع في فلسطين يمثّل خطورة على المشروع المصيري بالنسبة إلى الاستراتيجية الأمريكية ـ الإسرائيلية، في إقامة وطن قومي يهودي، وأن تكون هناك دولة يهودية. لذا فإن الحديث الآن في أروقة الإدارة الأمريكية، هو إبقاء المستوطنات والجدار العازل، وتهويد القدس، ومنع عودة اللاجئين، لأن ذلك يساعد على قيام الدولة اليهودية الخالصة، حتى إن هناك حديثاً عن طرد العرب الموجودين الآن في الكيان الصهيوني.
أما بالنسبة إلى الجزائر، فإن الإسلاميين لم يستلموا الحكم، وإنما دخلوا الندوة البرلمانية التي نجحوا فيها في الدورة الأولى، والتي انطلقت من خلالها بعض الأوضاع السياسية الداخلية من جهة، والخارجية من جهة أخرى، لتجهض هذا المشروع، وربما كانت الحركة الإسلامية في الجزائر لا تمثل الكثير من الحكمة في طريقة إثارتها وفي الشعارات التي أطلقتها، ما جعل الآخرين يشعرون بالخطر منها.
أما بالنسبة إلى المقاومة الإسلامية في لبنان، فإنها لم تتحرك من أجل أن تأخذ الحكم، لأنها لا تملك المواقع التي تتيح لها أن تحكم لبنان كله، بل إنها عملت وتعمل على أساس تحمّل المسؤولية إلى جانب الفئات اللبنانية الأخرى، سواء كانت إسلامية أو مسيحية. ولهذا فإنها انطلقت لتتحالف مع فريق مسيحي يملك مواقع للقوة في الشارع المسيحي، ومع فريق إسلامي يملك أيضاً مواقع متقدمة في بعض العناوين الإسلامية في هذا المجال، وهي لا تطالب بأن تحكم، حتى إنها في مسألة المقاومة، تحدثت عن أن المقاومة بالنسبة إليها تمثل ضرورة للدفاع عن لبنان في غياب القوة الفعلية للجيش اللبناني في الدفاع عن الوطن، ولهذا قالت في أدبياتها السياسية وفي خطابها الوطني، إنه إذا استطاعت الدولة أن تصل إلى المستوى الذي يمكنها أن تدافع عن الوطن في مواجهة العدوان الإسرائيلي، فإنه لن تكون هناك حاجة إليها وستحل نفسها بنفسها.
لذلك أعتقد أن المقاومة الإسلامية في لبنان تملك رشداً سياسياً يحسب حساب المطبات السياسية التي يريد الآخرون لها أن تتعثّر فيها، في الوقت الذي نشعر بأن هناك حرباً عالمية ضد المقاومة الإسلامية في لبنان، تمثّلت في موقف الدول الغربية بشكل عام، وربما الدول العربية أيضاً أثناء العدوان الإسرائيلي، حيث إن هذا الفريق الدولي والعربي وقف مع إسرائيل بطريقة معلنة وخفية، ولا يزال التخطيط من أجل إسقاط هذه المقاومة من خلال السياسات الدولية التي تتحرك على أساس لعبة الأمم. لكنني أتصور أن المقاومة تملك الرشد السياسي الذي تستطيع من خلاله أن تحافظ على توازنها، في الوقت الذي لا تتحدث عن أنها تمثل القوة الكبرى التي تستطيع أن تواجه كل الضغوط، وإن امتلكت بعض الوسائل التي يمكن لها أن تقف أمام هذه الضغوط.
إلغـاء الآخـر:
س: لكن ثمّة من يرى أن الواقع اللبناني كلّه، بما فيه المقاومة الإسلامية، هو مجموعة أوراق بأيدي الخارج؟
ج: إننا نعتقد أن الصراع في لبنان هو بين الخارج والداخل، فهناك فريق يريد أن يجعل لبنان خاضعاً للوصاية الدولية، وفريق آخر يريد أن يبقى لبنان مستقلاً في قراره، وأن تكون مسألة علاقاته بالخارج هي علاقات صداقة وتعاون لا علاقات وصاية.
س: يُقال إن الثقافة السياسية اللبنانية، هي ثقافة إلغاء الآخر منذ الأمير فخر الدين وحتى اليوم، كل قوة سياسية تسعى إلى إلغاء القوة الأخرى، فما رأيكم في ذلك؟
ج: لقد جرّب اللبنانيون إلغاء بعضهم بعضاً من خلال سيطرة طائفة على أخرى، ولكنهم شعروا بفشل هذه التجربة، ولذلك بدأوا يتحدثون من خلال اتفاق الطائف وما بعده عن الديمقراطية التوافقية، أو عن التكامل والتواصل وما إلى ذلك.
س: هل أنتم مؤمنون بأن لبنان لن يصل إلى مرحلة تحقيق المؤامرة الإسرائيلية، أي إلى تثبيت إلغاء الآخر؟
ج: لا أعتقد أن هناك من يملك القدرة على إلغاء الآخر، لأن هناك نوعاً من توازن القوى. لذلك، وعلى الرغم من التصريحات العنترية التي توحي باستقواء فريق ضد فريق آخر، فإنّ الجميع يعرف أن لكل فريق حجمه في داخل لبنان الذي لا يستطيع أحد أن يلغيه، كما أنه لا يمكن لفريق أن يسيطر على لبنان كله.
التغيير الديموغرافي:
س: هناك من يربط ما يحصل حالياً في لبنان بالتغيير الديموغرافي فيه، بمعنى الانتقال من حالة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، إلى مرحلة التساوي بين السنة والشيعة والمسيحيين، وأن هذه الثقافة هي التي تفرض القوى الجديدة؟
ج: لم يكن العدد هو الأساس في حركة السياسة اللبنانية، بل كانت العناوين الطائفية هي التي تحكم الخطوط السياسية، ولذلك سواء كثر الشيعة أو قلّوا، أو كثر المسيحيون أو قلّوا، أو كثير السنّة أو قلّوا، فإننا نجد أن اللبنانيين أدمنوا أن تبقى معادلة 6/6 هي التي تحكم لبنان في كل المواقع السياسية، لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية التوافقية التي قد يلعبون بها هنا وهناك، ولكن يبقى لبنان معادلة دولية تتنفس فيها مشاكل المنطقة، وتتحرك فيها بعض الحرائق حسب المقام، ليكون اللبنانيون مطباً لحريق هنا أو حريق هناك. وقد قلت فيما سبق، إنّ لبنان لم يؤسس ليكون وطناً لبنيه، وإنما أسس ليكون ساحة تتحرك فيها كل الخطوط، وتنطلق فيها المحاور الدولية، من أجل أن تضغط على الواقع الإقليمي، أو لتتحرك بعض الأوضاع في الواقع الدولي.
صحيفة "الأنباء الكويتية" 23-4-2007م
بيروت: عمر حبنجر ـ خالد اللحام
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 05 ربيع الثاني 1428 هـ الموافق: 23/04/2007 م