نقد الذات والحوار العلمي مدخلان لمعالجة انقسامات الأمة

نقد الذات والحوار العلمي مدخلان لمعالجة انقسامات الأمة

نقد الذات والحوار العلمي مدخلان لمعالجة انقسامات الأمة


أجرت وكالة "إيسنا" الإيرانية حواراً مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه أسباب التفرقة في العالم الإسلامي وسبل معالجتها عن طريق الحوار بين المذاهب والأديان، وهذا نصّ الحوار:

 

عامل التفرقة في الأمة الإسلامية

س: ما هي أبرز عوامل التفرقة في الأمة الإسلامية؟ وكيف يمكن مواجهتها؟

ج: لعلّ أبرز هذه العوامل هي التراكمات التاريخية عند بعض أتباع المذاهب الإسلامية تجاه مذاهب أخرى، خصوصاً لجهة التعرّض بالسبّ واللعن لبعض الشخصيات من الصحابة، وهو ما يراه أتباع المذهب الذي يقدّس هذه الشخصيات شبيهاً بالكفر، لأن القرآن الكريم من جهة، والنبي الأعظم(ص) من جهة أخرى، يؤكدان احترام كل الصحابة. هذا إضافةً إلى مسألة أخرى، وهي أنّ بعض التفاصيل في الالتزامات العقيدية، التي يأخذ بها مذهب معيّن، قد يراها البعض من مذهب آخر، مخالفة للعقيدة الإسلامية، من حيث مخالفتها لما ثبت عندهم من نصوص الكتاب والسنّة...
     

من عوامل التفرقة في الأمة الإسلامية هي التراكمات التاريخية


عند بعض أتباع المذاهب الإسلامية تجاه مذاهب أخرى


أما في الجانب الآخر، فقد يرى بعض العلماء من المسلمين الشيعة، أن عدم الالتزام بالولاية لأئمة أهل البيت(ع) يعتبر ضلالاً، على أساس فهمهم لبعض الروايات الواردة في هذا المجال، ما أدخل مسألة الخلافة التي أبعد عنها الإمام علي(ع) في إطار تلك الآراء، وأدّى تالياً إلى المزيد من التعقيدات التي ساهم فيها التضييق الذي كانت تمارسه السلطات القائمة في الواقع الإسلامي على المسلمين الشيعة تاريخياً.

أما مواجهة هذه الحال، فقد يتمثّل بالحوار العلمي الموضوعي الذي قد يؤدّي إلى تحريم اللعن أو السبّ، وكذلك بالسير على ما سار عليه الأئمة من أهل البيت(ع)، ولاسيما الإمام علي أمير المؤمنين(ع) في سلوكه مع الصحابة الذين أبعدوه عن الخلافة، من أجل الحفاظ على سلامة الإسلام والمسلمين، حيث أشار عليهم ونصحهم بما يحفظ حياتهم، وهو القائل كلمته المعروفة: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة".

وإذا كان الحكم بالتكفير أو التضليل المتبادل، ينطلق من اجتهادات معيّنة في توثيق النصوص وفي دلالتها، فإنّ الضرورة تفترض دراسة كل مذهب، دراسةً علميةً موضوعيةً من خلال مجتهديه، لإعادة النظر فيما قد يعتبره الآخرون غلوّاً أو كفراً، وإثبات عدم ابتعاد ما يطرحه عن الخط الإسلامي الأصيل، أو تصحيح بعض مواضعه، بما يمهّد لالتقاء هذه المذاهب على قواسم مشتركة كبيرة، تؤسّس أرضية صلبة لمواجهة الأخطار الكبرى المحيطة بالإسلام والمسلمين من خلال الكفر العالمي والاستكبار الدولي، مما يكيدون به بالحرب على الإسلام في ثقافته وأمنه واقتصاده وسياسته؛ الأمر الذي يفرض على المسلمين الالتزام بوحدة الأمة والحفاظ على وجودها ودورها في القيادة في الواقع الإسلامي.

 

التعصب الديني

س: في رأيكم، ما هو أصل التعصّب الديني المفرط في العالم الإسلامي؟ وكيف يمكن مواجهته؟

ج: إن أصل التعصّب ينطلق من فقدان الذهنية العلمية المتحركة، ومن التعامل بقداسة مع مفردات العقيدة التي يحملها كل مذهب، حتى لو حمل بعضها الكثير من نقاط الضعف التي تتطلب معالجة نظرة مختلفة، تقليداً لما درج عليه أهل المذهب من التزام بكل المفردات والمواقف التي أطلقتها الشخصيات التاريخية، بحيث أصبحت من المسلّمات التي لا يسمح لأحد، حتى في داخل المذهب، بمناقشتها وإثارة علامات الاستفهام حولها. كما أن من أسباب هذه العصبية رفض كل ما يلتزمه أتباع المذهب الآخر من مبادىء وأفكار كلامية أو فقهية أو ما يقدّسونه، بحيث لا يسمح ببيان الجوانب الإيجابية التي تتمثّل في الشخصيات التي يحترمونها، حتى لو كانت حقيقيةً، أو كانت إثارتها في الخط الإسلامي العام تؤدي إلى إعطاء صورة مشرقة للإسلام.
     

أصل التعصّب ينطلق من فقدان الذهنية العلمية


ومن التعامل بقداسة مع مفردات العقيدة


وهكذا قد يصل البعض في تقديسهم للشخصيات التاريخية إلى حدّ الغلوّ الذي يمنعهم من الحوار حول بعض الأمور المنسوبة إليهم، والتي قد تكون مكذوبةً عليهم، لأن القضية المطروحة في هذا الواقع المتعصّب هي الجمود على القضايا الموروثة، بحيث يكون تحريكها موجباً للاتهام بالضلال والانحراف من دون حجّة، بل لمجرد التساؤل عنها. هذا إضافةً إلى التخلّف في الذهنية الإسلامية التي لا تنفتح على الحوار، ولا تنظر إلى الأمور بهدف تأصيل التفكير الإسلامي في اتجاه القبول بما هو حقّ ورفض ما هو باطل من خلال الدراسة الواعية الدقيقة، أو الالتزام بما جاء في قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} (النساء:59).

 

أما معالجة هذه الحالات من التعصّب، فتكون بالعمل على تغيير الشخصية الإسلامية، وتحويلها من شخصية تتحرك في خط الجمود الفكري، والانفعال الذاتي، والحب الأعمى، وتقديس الماضي حتى على المستوى الفكري، إلى شخصية متحركة تأخذ بأسباب العقل، وتنفتح على الآخر بأساليب الحوار بالتي هي أحسن، كما هو المنهج القرآني في الدعوة إلى الحوار، واللقاء على القواسم المشتركة، والانفتاح على الحكمة والموعظة الحسنة. إنّ القضية ناشئة من حالات الانغلاق التي تعيشها الشخصية الإسلامية فكراً وحركةً والتزاماً، الأمر الذي يفرض إيجاد شخصية تنفتح على الآخر وتعترف به.

الحوار بين الأديان

س: هل يُسهم حوار الأديان في حلّ خلافات الدول؟ وهل يوجد في العالم الإسلامي شروط للحوار بين الأديان؟ وكيف؟

ج: إن حوار الأديان يرتكز على الجانب الثقافي في دراسة مواقع اللقاء التي عبّر عنها القرآن (بالكلمة السواء)، والتي تركّز على المبادىء بعيداً عن التفاصيل، إضافةً إلى تناول مواضيع الخلاف بالطريقة العلمية المجرّدة التي تعتمد على الموضوعية في طرح الأفكار وتقويمها، ولاسيما أن هناك الكثير مما تلتقي عليه الأديان في عقيدة التوحيد، من حيث الخط العام والقيم الروحية والأخلاقية، ما يفسح في المجال لتأكيد المنهج الفكري الذي يتابع الخلاف في بعض المبادىء والتفاصيل. وربما قيمة الحوار في أنه يمكِّن أتباع الأديان المختلفة من الانفتاح على الأسس العقيدية والفكرية للدين الآخر، بعيداً عن الشبهات والاتهامات، كما هو الحال في اتهام النصارى للإسلام بأنّه يرتكز على العنف كوسيلة للتغيير، وأنه يشجِّع على الإرهاب وإكراه الناس على اعتناق الإسلام بالسيف والقوة، وذلك انطلاقاً من فهمهم الخاطىء لكلمة الجهاد.
     

قيمة الحوار بين الأديان أنه يمكن أتباع الأديان المختلفة


من الانفتاح على الأسس العقيدية والفكرية للدين الآخر


وقد ينسب أيضاً إلى الإسلام ابتعاده عن العقل كوسيلة للتفكير والإيمان، في الوقت الذي يؤكد الكتاب والسنة على العقل كقيمة للفكر، وكميزان لتصحيح الأخطاء الثقافية وحجّة بين الله وعباده.

أمّا ما ينسب إلى الإسلام من أنّه يرتكز على العنف، فذلك ليس صحيحاً، لأنّ الجهاد في الإسلام هو جهاد دفاعي ووقائي، وليس جهاداً عدوانياً، وهو يقوم على الانتصار للمستضعفين المقهورين والدفاع عنهم. بينما نقرأ في بعض النصوص الثقافية الدينية لدى المسيحيين، أن الإيمان فوق العقل، وبذلك يفلسفون الجمع بين التثليث والتوحيد. كما نلاحظ استخدامهم العنف كوسيلة في تعامل بعضهم مع بعض في بعض المواقع عندما تختلف مذاهبهم، وفي حربهم ضد المسلمين من خلال الدعوة الدينية التي تنطلق من رؤساء الدين، كما هو الحال في الحرب التي خاضها الغرب تحت عنوان استرجاع القدس.    

الثقافة الدينية المسيحية تؤكد على مسألة أن الإيمان فوق العقل

         

وهكذا نجد الجدل في قضايا المرأة والحرية وغير ذلك، مما يمكن للحوار أن يوضح الأمور في ذلك كله، ويؤدي إلى التفاهم والتقارب، وربما يصل إلى الاتحاد في المبادىء العامة والقيم المشتركة في الجانب الروحي والأخلاقي، وهذا ما يمثله المنهج القرآني الذي يطلق الحوار بين الأديان بالوسائل الحضارية الإنسانية، بل إنه يتجاوز ذلك إلى الحوار الإنساني الإنساني، فيما يختلف فيه التوحيد مع الشرك، والإيمان مع الكفر، لأنه يدعو إلى عقلنة الانتماء في الالتزام العقيدي...

إلاّ أنّ ذلك كله لا يحلّ الخلافات بين الدول، لأن منطق الدول الاستكبارية التي تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، هو استخدام القوة للضغط على الدول المستضعفة لمصادرة أوضاعها في كل شؤونها العامة وقضاياها الحيوية، وهذا ما نلاحظه فيما قامت به الدول الغربية من استعمار للدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث، وما تقوم به السياسة الأمريكية من احتلال للعراق وأفغانستان، واستغلال مجلس الأمن الذي تهيمن عليه لإصدار القرارات بالعقوبات الاقتصادية للدول غير الخاضعة لها، كما في مسألة التعاطي مع إيران، والضغط عليها في ملفها النووي السلمي بالعقوبات المتنوعة الصادرة عن مجلس الأمن الذي تسيطر عليه أمريكا وحلفاؤها الغربيون.re      

حوار الأديان لا يحلّ الخلافات بين الدول لأن منطق الدول الاستكبارية


هو استخدام القوة للضغط على الدول المستضعفة


أما قضية الشروط للحوار بين الأديان، فتكون، كما أكّد القرآن الكريم، بالانطلاق من القواسم المشتركة التي تلتقي عليها الأديان، والاعتراف بالآخر، واحترام التزاماته بالطريقة الإنسانية، واعتبار الحوار تعاوناً بين الأطراف لاكتشاف الحقيقة الضائعة، كما توحي به الآية الكريمة: {وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلالٍ مبين} (سبأ:24). فالنبي(ص) لم يحكم مسبقاً على الآخرين بالضلال وعلى فريقه بالهدى، بل اعتبر القضية مناسبةً للبحث العلمي الجدي، الذي يحدد الضال من المهتدي بالوسائل الإنسانية. هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى، فإنّ من شروط الحوار أن يكون المحاور في حالة نفسية ثقافية تجعله على أتمّ الاستعداد للقبول بما يطرحه الآخر إذا قُدّم إليه البرهان القوي على صحة رأيه، لا أن يكون في وضع يؤكّد فيه رأيه على أساس التعصّب والعناد، ما يمنعه من الاقتناع بالطرق العلمية، وهذا ما يفرضه المنطق العقلي الحضاري في حركية الحوار بين الأديان أو بين المذاهب أو بين العلمانية والدين، بحيث يكون العنوان الكبير يتلخّص في الحوار الإنساني ـ الإنساني في كل ما يختلف فيه الناس.

عقبات أمام نشر الإسلام

س: كيف تنظر إلى مكانة الإسلام في العالم الحاضر؟ وما هي الموانع التي تمنع من نشر الإسلام؟
   

من شروط الحوار هو أن يتلخّص بالحوار الإنساني ـ الإنساني


ج: إنني أتصور أن الإسلام يملك موقعاً كبيراً في العالم المعاصر، من خلال كونه شاغلاً للناس على مستوى الجدل الدائر حوله ثقافياً، ومن خلال حالات الصراع مع المستكبرين في خط المواجهة للدفاع عن وجوده، وكذلك من خلال الحركة السياسية التي تحكم الواقع كله في الأوضاع العامة ضد هذا المحور الاستكباري أو ذاك، وفي قضايا العنف الذي تمارسه بعض التيارات الإسلامية بطريقة خاطئة أو صائبة، وفي الحرب الشاملة التي تثيرها الجهات المعادية المضادة التي تمنع الإسلام من الامتداد في نشر مفاهيمه الأصيلة وشريعته القانونية وأساليبه الحضارية ومنطقه الإنساني في حقوق الإنسان، وذلك من خلال الحصار الذي تتحرك به الدول الاستكبارية المتحالفة مع منظمات التبشير في إثارة الأوضاع السلبية ضده، هذا إضافةً إلى التخلّف الثقافي الذي لا يزال يسيطر على كثير من البلدان والمجتمعات الإسلامية.

 

لذلك، لا بد من القيام بعملية ردّ فعل مدروس لمواجهة تلك الأوضاع الضاغطة داخلياً وخارجياً، من أجل استعادة موقع الإسلام القيادي في العالم، ورفض الهزيمة النفسية والسياسية، التي قد يخطط لها من هنا وهناك.

س: كيف تقيِّمون وضع الأمّة في العالم الإسلامي؟ وكيف نستطيع أن نصل إلى الوحدة؟

ج: لعلّ قضية الوحدة الإسلامية الشاملة في العالم الإسلامي، من أكثر القضايا صعوبةً، وذلك من خلال العناصر الداخلية ممّا أشرنا إليه سابقاً، ومنها النظرة المتخلفة عند بعض المسلمين، والتي تركِّز على مواقع النزاع ونقاط الخلاف، وتصادر قضايا الوفاق، إضافةً إلى الأحكام التكفيرية التي يكفر فيها المسلمون بعضهم بعضاً، وهو ما يمنع من قيام أي تجربة في خط الوحدة، لأن مسألة الوحدة في هذا الوضع تصبح كمن يريد أن يوحّد بين الكفر والإيمان، والتوحيد والشرك، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن تجارب التقريب بين المذاهب الإسلامية قد أصيب الكثير منها بالفشل، لأنها لم ترتكز على الحلول الواقعية في دراسة عناصر اللقاء والافتراق بطريقة علمية يصل بها الحوار إلى نتائج حاسمة، ما يجعلها حالةً استعراضيةً احتفاليةً تجعل كل فريق واقفاً عند موقعه من دون أن يتحرك خطوةً نحو الآخر أو يفكر في الاعتراف بإسلام الآخر.
     

تجارب التقريب بين المذاهب الإسلامية أصيب الكثير منها بالفشل


لأنها لم ترتكز على الحلول الواقعية في دراسة عناصر اللقاء والافتراق


ولكن القضية ـ بالرغم من ذلك ـ قد منحت الوضع الإسلامي مناخاً وحدوياً اجتماعياً بفعل اللقاءات الشخصية العلمائية، والنجاح الجزئي في بعض المواقع، الأمر الذي قد يؤسّس لحركة تقريبية مستقبلية تنفتح على حال توحيدية واقعية عندما تزول بعض التحديات الموجّهة من الخارج.

ومن جهة ثالثة، فإن مسألة الوحدة الإسلامية قد دخلت في مشاكل الصراع السياسي بين الاستكبار العالمي والعالم الإسلامي، من خلال المستكبرين الذين يخططون في كل يوم للفتن المذهبية والعرقية والإقليمية بين المسلمين، لإيجاد الكثير من التعقيدات بين المجتمعات الإسلامية، بحيث تصل المسألة في بعض الأحيان إلى حال الحرب بين المسلمين في البلد الواحد أو في البلدان المتعددة، كما يحدث في العراق أو في أفغانستان، أو في إثارة المخاوف لدى دول الخليج وشعوبه من الجمهورية الإسلامية في إيران، أو في استغلال مسألة الحرب على الإرهاب في إرباك الأوضاع الداخلية في المجتمع الواحد، من خلال استخدام بعض الأنظمة المحسوبة على الإسلام، الخاضعة لأمريكا، في تمزيق الواقع الإسلامي المعارض لسياستها بتهمة الإرهاب، والدعوة إلى إعلان الحرب عليه ظلماً وعدواناً.

ولعلّ هذه القضية، هي من أكثر الأمور تأثيراً في وحدة العالم الإسلامي في الانفتاح على قضاياه المصيرية وأوضاعه الحيوية. حتى إننا نرى أن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضمّ الدول الإسلامية، لا تتحرك بطريقة فاعلة لمواجهة المشاكل الصعبة التي تحيط بالمسلمين، لأن أكثر هذه الدول خاضعة للولايات المتحدة الأمريكية، وتسير في خط مصالحها الاستراتيجية. حتى إن بعض هذه الدول يرى في إسرائيل صديقاً وفي بعض الدول الإسلامية عدواً، لأن أمريكا فرضت عليهم ذلك.

الوضع السياسي في لبنان

س: هل يمكن أن نتصوّر نهايةً للجدل السياسي في لبنان، مع أن هذا الجدل يأخذ أبعاداً جديدة في كل يوم؟

 

ج: من الصعب تصوّر نهاية للجدل السياسي القائم في لبنان، لأن الأزمة اللبنانية لم تعد مسألةً داخليةً تتحرك في خلافات اللبنانيين بين المعارضة والموالاة، بل إنها أصبحت مسألةً دوليةً، ولاسيما في تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في تعقيدات الأزمة، بحيث تزيدها تعقيداً من خلال فريقها السياسي في لبنان، وقد أكد المسؤولون الأمريكيون أن لبنان تحوّل إلى ساحة لتحريك مشروع الشرق الأوسط الكبير، وإلى موقع حيوي من مواقع الأمن القومي الأمريكي، ومنطلقاً للضغط على المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، ولإدارة الصراع بشكل متحرك مع سوريا وإيران، وخصوصاً في المأزق الذي تواجهه الإدارة الأمريكية في احتلالها للعراق.

ولهذا، فإنّ لبنان سيبقى الساحة المنفعلة التي تتجمع فيها السياسات الدولية التي قد توظّف بعض الأنظمة العربية، إضافةً إلى بعض ما يتصل بالأمن الإسرائيلي الذي تضمنه أمريكا بالمطلق… وربما قد تحدث بعض الانفراجات التي قد تسمح بها الإدارة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية كفرنسا، لأن وصول الجدل السياسي إلى حال التوتر الأمني، قد يربك بعض الأوضاع السياسية للغرب كله، وفي مقدّمته أمريكا.
     

لبنان سيبقى الساحة المنفعلة التي تتجمع فيها السياسات


الدولية التي توظف بعض الأنظمة العربية


س: أنتم تتحدّثون في بعض الأحيان عن التدخّل الأمريكي في أزمات لبنان، ما هي مصادركم حول هذا؟

ج: إننا ندرس المسألة من خلال حركة السفير الأمريكي الذي يصدر تعليماته لفريقه السياسي، وتصريحات الموفدين الأمريكيين حول الأوضاع الداخلية اللبنانية، كما لو كانوا فريقاً لبنانياً، والقرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي بما يتصل ببعض الأمور في لبنان، مما لا علاقة للأمم المتحدة به، حتى إننا نلاحظ أنّ الأمم المتحدة لم تصدر مثل هذا الكمّ من القرارات بحقّ أيّ من الدول كما أصدرت بحقّ لبنان. هذا إضافةً إلى أن العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، كان بالتنسيق مع الخطة الأمريكية للضغط على المقاومة مما تحدَّث به الإعلام العالمي، حتى إن المدة الطويلة التي استمر بها العدوان، كانت بضغط أمريكي على إسرائيل لتحقّق أهدافها في إنهاء المقاومة وتدمير سلاحها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن دراستنا للوضع اللبناني أثبتت لنا أن الأزمة اللبنانية أصبحت مرتبطةً بأزمة المنطقة، بحسب الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

س: بعض الأحيان، نسمع أخباراً من وسائل الإعلام حول استعداد إسرائيل لشنّ حرب ضد سوريا وحزب الله، فهل يمكن لإسرائيل اتخاذ موقف على هذا المستوى؟
   

إسرائيل ليست في وضع عسكري وسياسي يسمح لها بالحرب بعد الهزيمة التي واجهتها


ج: إنني أعتقد أن إسرائيل ليست في وضع عسكري وسياسي يسمح لها بالحرب بعد الهزيمة التي واجهتها في عدوانها على المقاومة الإسلامية، والتي شعرت بعدها بأنّها بحاجة إلى وقت طويل لاستعادة إمكاناتها لحرب جديدة، وخصوصاً أنها أصبحت تعرف أن المقاومة تملك قوةً عسكريةً وخبرةً قتاليةً أكثر مما كانت تملكه وقت العدوان، ولاسيما أنهم يقاتلون عن إيمان لا عن احتراف فحسب.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 25 رمضان 1428 هـ  الموافق: 07/10/2007 م

نقد الذات والحوار العلمي مدخلان لمعالجة انقسامات الأمة


أجرت وكالة "إيسنا" الإيرانية حواراً مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه أسباب التفرقة في العالم الإسلامي وسبل معالجتها عن طريق الحوار بين المذاهب والأديان، وهذا نصّ الحوار:

 

عامل التفرقة في الأمة الإسلامية

س: ما هي أبرز عوامل التفرقة في الأمة الإسلامية؟ وكيف يمكن مواجهتها؟

ج: لعلّ أبرز هذه العوامل هي التراكمات التاريخية عند بعض أتباع المذاهب الإسلامية تجاه مذاهب أخرى، خصوصاً لجهة التعرّض بالسبّ واللعن لبعض الشخصيات من الصحابة، وهو ما يراه أتباع المذهب الذي يقدّس هذه الشخصيات شبيهاً بالكفر، لأن القرآن الكريم من جهة، والنبي الأعظم(ص) من جهة أخرى، يؤكدان احترام كل الصحابة. هذا إضافةً إلى مسألة أخرى، وهي أنّ بعض التفاصيل في الالتزامات العقيدية، التي يأخذ بها مذهب معيّن، قد يراها البعض من مذهب آخر، مخالفة للعقيدة الإسلامية، من حيث مخالفتها لما ثبت عندهم من نصوص الكتاب والسنّة...
     

من عوامل التفرقة في الأمة الإسلامية هي التراكمات التاريخية


عند بعض أتباع المذاهب الإسلامية تجاه مذاهب أخرى


أما في الجانب الآخر، فقد يرى بعض العلماء من المسلمين الشيعة، أن عدم الالتزام بالولاية لأئمة أهل البيت(ع) يعتبر ضلالاً، على أساس فهمهم لبعض الروايات الواردة في هذا المجال، ما أدخل مسألة الخلافة التي أبعد عنها الإمام علي(ع) في إطار تلك الآراء، وأدّى تالياً إلى المزيد من التعقيدات التي ساهم فيها التضييق الذي كانت تمارسه السلطات القائمة في الواقع الإسلامي على المسلمين الشيعة تاريخياً.

أما مواجهة هذه الحال، فقد يتمثّل بالحوار العلمي الموضوعي الذي قد يؤدّي إلى تحريم اللعن أو السبّ، وكذلك بالسير على ما سار عليه الأئمة من أهل البيت(ع)، ولاسيما الإمام علي أمير المؤمنين(ع) في سلوكه مع الصحابة الذين أبعدوه عن الخلافة، من أجل الحفاظ على سلامة الإسلام والمسلمين، حيث أشار عليهم ونصحهم بما يحفظ حياتهم، وهو القائل كلمته المعروفة: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة".

وإذا كان الحكم بالتكفير أو التضليل المتبادل، ينطلق من اجتهادات معيّنة في توثيق النصوص وفي دلالتها، فإنّ الضرورة تفترض دراسة كل مذهب، دراسةً علميةً موضوعيةً من خلال مجتهديه، لإعادة النظر فيما قد يعتبره الآخرون غلوّاً أو كفراً، وإثبات عدم ابتعاد ما يطرحه عن الخط الإسلامي الأصيل، أو تصحيح بعض مواضعه، بما يمهّد لالتقاء هذه المذاهب على قواسم مشتركة كبيرة، تؤسّس أرضية صلبة لمواجهة الأخطار الكبرى المحيطة بالإسلام والمسلمين من خلال الكفر العالمي والاستكبار الدولي، مما يكيدون به بالحرب على الإسلام في ثقافته وأمنه واقتصاده وسياسته؛ الأمر الذي يفرض على المسلمين الالتزام بوحدة الأمة والحفاظ على وجودها ودورها في القيادة في الواقع الإسلامي.

 

التعصب الديني

س: في رأيكم، ما هو أصل التعصّب الديني المفرط في العالم الإسلامي؟ وكيف يمكن مواجهته؟

ج: إن أصل التعصّب ينطلق من فقدان الذهنية العلمية المتحركة، ومن التعامل بقداسة مع مفردات العقيدة التي يحملها كل مذهب، حتى لو حمل بعضها الكثير من نقاط الضعف التي تتطلب معالجة نظرة مختلفة، تقليداً لما درج عليه أهل المذهب من التزام بكل المفردات والمواقف التي أطلقتها الشخصيات التاريخية، بحيث أصبحت من المسلّمات التي لا يسمح لأحد، حتى في داخل المذهب، بمناقشتها وإثارة علامات الاستفهام حولها. كما أن من أسباب هذه العصبية رفض كل ما يلتزمه أتباع المذهب الآخر من مبادىء وأفكار كلامية أو فقهية أو ما يقدّسونه، بحيث لا يسمح ببيان الجوانب الإيجابية التي تتمثّل في الشخصيات التي يحترمونها، حتى لو كانت حقيقيةً، أو كانت إثارتها في الخط الإسلامي العام تؤدي إلى إعطاء صورة مشرقة للإسلام.
     

أصل التعصّب ينطلق من فقدان الذهنية العلمية


ومن التعامل بقداسة مع مفردات العقيدة


وهكذا قد يصل البعض في تقديسهم للشخصيات التاريخية إلى حدّ الغلوّ الذي يمنعهم من الحوار حول بعض الأمور المنسوبة إليهم، والتي قد تكون مكذوبةً عليهم، لأن القضية المطروحة في هذا الواقع المتعصّب هي الجمود على القضايا الموروثة، بحيث يكون تحريكها موجباً للاتهام بالضلال والانحراف من دون حجّة، بل لمجرد التساؤل عنها. هذا إضافةً إلى التخلّف في الذهنية الإسلامية التي لا تنفتح على الحوار، ولا تنظر إلى الأمور بهدف تأصيل التفكير الإسلامي في اتجاه القبول بما هو حقّ ورفض ما هو باطل من خلال الدراسة الواعية الدقيقة، أو الالتزام بما جاء في قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} (النساء:59).

 

أما معالجة هذه الحالات من التعصّب، فتكون بالعمل على تغيير الشخصية الإسلامية، وتحويلها من شخصية تتحرك في خط الجمود الفكري، والانفعال الذاتي، والحب الأعمى، وتقديس الماضي حتى على المستوى الفكري، إلى شخصية متحركة تأخذ بأسباب العقل، وتنفتح على الآخر بأساليب الحوار بالتي هي أحسن، كما هو المنهج القرآني في الدعوة إلى الحوار، واللقاء على القواسم المشتركة، والانفتاح على الحكمة والموعظة الحسنة. إنّ القضية ناشئة من حالات الانغلاق التي تعيشها الشخصية الإسلامية فكراً وحركةً والتزاماً، الأمر الذي يفرض إيجاد شخصية تنفتح على الآخر وتعترف به.

الحوار بين الأديان

س: هل يُسهم حوار الأديان في حلّ خلافات الدول؟ وهل يوجد في العالم الإسلامي شروط للحوار بين الأديان؟ وكيف؟

ج: إن حوار الأديان يرتكز على الجانب الثقافي في دراسة مواقع اللقاء التي عبّر عنها القرآن (بالكلمة السواء)، والتي تركّز على المبادىء بعيداً عن التفاصيل، إضافةً إلى تناول مواضيع الخلاف بالطريقة العلمية المجرّدة التي تعتمد على الموضوعية في طرح الأفكار وتقويمها، ولاسيما أن هناك الكثير مما تلتقي عليه الأديان في عقيدة التوحيد، من حيث الخط العام والقيم الروحية والأخلاقية، ما يفسح في المجال لتأكيد المنهج الفكري الذي يتابع الخلاف في بعض المبادىء والتفاصيل. وربما قيمة الحوار في أنه يمكِّن أتباع الأديان المختلفة من الانفتاح على الأسس العقيدية والفكرية للدين الآخر، بعيداً عن الشبهات والاتهامات، كما هو الحال في اتهام النصارى للإسلام بأنّه يرتكز على العنف كوسيلة للتغيير، وأنه يشجِّع على الإرهاب وإكراه الناس على اعتناق الإسلام بالسيف والقوة، وذلك انطلاقاً من فهمهم الخاطىء لكلمة الجهاد.
     

قيمة الحوار بين الأديان أنه يمكن أتباع الأديان المختلفة


من الانفتاح على الأسس العقيدية والفكرية للدين الآخر


وقد ينسب أيضاً إلى الإسلام ابتعاده عن العقل كوسيلة للتفكير والإيمان، في الوقت الذي يؤكد الكتاب والسنة على العقل كقيمة للفكر، وكميزان لتصحيح الأخطاء الثقافية وحجّة بين الله وعباده.

أمّا ما ينسب إلى الإسلام من أنّه يرتكز على العنف، فذلك ليس صحيحاً، لأنّ الجهاد في الإسلام هو جهاد دفاعي ووقائي، وليس جهاداً عدوانياً، وهو يقوم على الانتصار للمستضعفين المقهورين والدفاع عنهم. بينما نقرأ في بعض النصوص الثقافية الدينية لدى المسيحيين، أن الإيمان فوق العقل، وبذلك يفلسفون الجمع بين التثليث والتوحيد. كما نلاحظ استخدامهم العنف كوسيلة في تعامل بعضهم مع بعض في بعض المواقع عندما تختلف مذاهبهم، وفي حربهم ضد المسلمين من خلال الدعوة الدينية التي تنطلق من رؤساء الدين، كما هو الحال في الحرب التي خاضها الغرب تحت عنوان استرجاع القدس.    

الثقافة الدينية المسيحية تؤكد على مسألة أن الإيمان فوق العقل

         

وهكذا نجد الجدل في قضايا المرأة والحرية وغير ذلك، مما يمكن للحوار أن يوضح الأمور في ذلك كله، ويؤدي إلى التفاهم والتقارب، وربما يصل إلى الاتحاد في المبادىء العامة والقيم المشتركة في الجانب الروحي والأخلاقي، وهذا ما يمثله المنهج القرآني الذي يطلق الحوار بين الأديان بالوسائل الحضارية الإنسانية، بل إنه يتجاوز ذلك إلى الحوار الإنساني الإنساني، فيما يختلف فيه التوحيد مع الشرك، والإيمان مع الكفر، لأنه يدعو إلى عقلنة الانتماء في الالتزام العقيدي...

إلاّ أنّ ذلك كله لا يحلّ الخلافات بين الدول، لأن منطق الدول الاستكبارية التي تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، هو استخدام القوة للضغط على الدول المستضعفة لمصادرة أوضاعها في كل شؤونها العامة وقضاياها الحيوية، وهذا ما نلاحظه فيما قامت به الدول الغربية من استعمار للدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث، وما تقوم به السياسة الأمريكية من احتلال للعراق وأفغانستان، واستغلال مجلس الأمن الذي تهيمن عليه لإصدار القرارات بالعقوبات الاقتصادية للدول غير الخاضعة لها، كما في مسألة التعاطي مع إيران، والضغط عليها في ملفها النووي السلمي بالعقوبات المتنوعة الصادرة عن مجلس الأمن الذي تسيطر عليه أمريكا وحلفاؤها الغربيون.re      

حوار الأديان لا يحلّ الخلافات بين الدول لأن منطق الدول الاستكبارية


هو استخدام القوة للضغط على الدول المستضعفة


أما قضية الشروط للحوار بين الأديان، فتكون، كما أكّد القرآن الكريم، بالانطلاق من القواسم المشتركة التي تلتقي عليها الأديان، والاعتراف بالآخر، واحترام التزاماته بالطريقة الإنسانية، واعتبار الحوار تعاوناً بين الأطراف لاكتشاف الحقيقة الضائعة، كما توحي به الآية الكريمة: {وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلالٍ مبين} (سبأ:24). فالنبي(ص) لم يحكم مسبقاً على الآخرين بالضلال وعلى فريقه بالهدى، بل اعتبر القضية مناسبةً للبحث العلمي الجدي، الذي يحدد الضال من المهتدي بالوسائل الإنسانية. هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى، فإنّ من شروط الحوار أن يكون المحاور في حالة نفسية ثقافية تجعله على أتمّ الاستعداد للقبول بما يطرحه الآخر إذا قُدّم إليه البرهان القوي على صحة رأيه، لا أن يكون في وضع يؤكّد فيه رأيه على أساس التعصّب والعناد، ما يمنعه من الاقتناع بالطرق العلمية، وهذا ما يفرضه المنطق العقلي الحضاري في حركية الحوار بين الأديان أو بين المذاهب أو بين العلمانية والدين، بحيث يكون العنوان الكبير يتلخّص في الحوار الإنساني ـ الإنساني في كل ما يختلف فيه الناس.

عقبات أمام نشر الإسلام

س: كيف تنظر إلى مكانة الإسلام في العالم الحاضر؟ وما هي الموانع التي تمنع من نشر الإسلام؟
   

من شروط الحوار هو أن يتلخّص بالحوار الإنساني ـ الإنساني


ج: إنني أتصور أن الإسلام يملك موقعاً كبيراً في العالم المعاصر، من خلال كونه شاغلاً للناس على مستوى الجدل الدائر حوله ثقافياً، ومن خلال حالات الصراع مع المستكبرين في خط المواجهة للدفاع عن وجوده، وكذلك من خلال الحركة السياسية التي تحكم الواقع كله في الأوضاع العامة ضد هذا المحور الاستكباري أو ذاك، وفي قضايا العنف الذي تمارسه بعض التيارات الإسلامية بطريقة خاطئة أو صائبة، وفي الحرب الشاملة التي تثيرها الجهات المعادية المضادة التي تمنع الإسلام من الامتداد في نشر مفاهيمه الأصيلة وشريعته القانونية وأساليبه الحضارية ومنطقه الإنساني في حقوق الإنسان، وذلك من خلال الحصار الذي تتحرك به الدول الاستكبارية المتحالفة مع منظمات التبشير في إثارة الأوضاع السلبية ضده، هذا إضافةً إلى التخلّف الثقافي الذي لا يزال يسيطر على كثير من البلدان والمجتمعات الإسلامية.

 

لذلك، لا بد من القيام بعملية ردّ فعل مدروس لمواجهة تلك الأوضاع الضاغطة داخلياً وخارجياً، من أجل استعادة موقع الإسلام القيادي في العالم، ورفض الهزيمة النفسية والسياسية، التي قد يخطط لها من هنا وهناك.

س: كيف تقيِّمون وضع الأمّة في العالم الإسلامي؟ وكيف نستطيع أن نصل إلى الوحدة؟

ج: لعلّ قضية الوحدة الإسلامية الشاملة في العالم الإسلامي، من أكثر القضايا صعوبةً، وذلك من خلال العناصر الداخلية ممّا أشرنا إليه سابقاً، ومنها النظرة المتخلفة عند بعض المسلمين، والتي تركِّز على مواقع النزاع ونقاط الخلاف، وتصادر قضايا الوفاق، إضافةً إلى الأحكام التكفيرية التي يكفر فيها المسلمون بعضهم بعضاً، وهو ما يمنع من قيام أي تجربة في خط الوحدة، لأن مسألة الوحدة في هذا الوضع تصبح كمن يريد أن يوحّد بين الكفر والإيمان، والتوحيد والشرك، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن تجارب التقريب بين المذاهب الإسلامية قد أصيب الكثير منها بالفشل، لأنها لم ترتكز على الحلول الواقعية في دراسة عناصر اللقاء والافتراق بطريقة علمية يصل بها الحوار إلى نتائج حاسمة، ما يجعلها حالةً استعراضيةً احتفاليةً تجعل كل فريق واقفاً عند موقعه من دون أن يتحرك خطوةً نحو الآخر أو يفكر في الاعتراف بإسلام الآخر.
     

تجارب التقريب بين المذاهب الإسلامية أصيب الكثير منها بالفشل


لأنها لم ترتكز على الحلول الواقعية في دراسة عناصر اللقاء والافتراق


ولكن القضية ـ بالرغم من ذلك ـ قد منحت الوضع الإسلامي مناخاً وحدوياً اجتماعياً بفعل اللقاءات الشخصية العلمائية، والنجاح الجزئي في بعض المواقع، الأمر الذي قد يؤسّس لحركة تقريبية مستقبلية تنفتح على حال توحيدية واقعية عندما تزول بعض التحديات الموجّهة من الخارج.

ومن جهة ثالثة، فإن مسألة الوحدة الإسلامية قد دخلت في مشاكل الصراع السياسي بين الاستكبار العالمي والعالم الإسلامي، من خلال المستكبرين الذين يخططون في كل يوم للفتن المذهبية والعرقية والإقليمية بين المسلمين، لإيجاد الكثير من التعقيدات بين المجتمعات الإسلامية، بحيث تصل المسألة في بعض الأحيان إلى حال الحرب بين المسلمين في البلد الواحد أو في البلدان المتعددة، كما يحدث في العراق أو في أفغانستان، أو في إثارة المخاوف لدى دول الخليج وشعوبه من الجمهورية الإسلامية في إيران، أو في استغلال مسألة الحرب على الإرهاب في إرباك الأوضاع الداخلية في المجتمع الواحد، من خلال استخدام بعض الأنظمة المحسوبة على الإسلام، الخاضعة لأمريكا، في تمزيق الواقع الإسلامي المعارض لسياستها بتهمة الإرهاب، والدعوة إلى إعلان الحرب عليه ظلماً وعدواناً.

ولعلّ هذه القضية، هي من أكثر الأمور تأثيراً في وحدة العالم الإسلامي في الانفتاح على قضاياه المصيرية وأوضاعه الحيوية. حتى إننا نرى أن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضمّ الدول الإسلامية، لا تتحرك بطريقة فاعلة لمواجهة المشاكل الصعبة التي تحيط بالمسلمين، لأن أكثر هذه الدول خاضعة للولايات المتحدة الأمريكية، وتسير في خط مصالحها الاستراتيجية. حتى إن بعض هذه الدول يرى في إسرائيل صديقاً وفي بعض الدول الإسلامية عدواً، لأن أمريكا فرضت عليهم ذلك.

الوضع السياسي في لبنان

س: هل يمكن أن نتصوّر نهايةً للجدل السياسي في لبنان، مع أن هذا الجدل يأخذ أبعاداً جديدة في كل يوم؟

 

ج: من الصعب تصوّر نهاية للجدل السياسي القائم في لبنان، لأن الأزمة اللبنانية لم تعد مسألةً داخليةً تتحرك في خلافات اللبنانيين بين المعارضة والموالاة، بل إنها أصبحت مسألةً دوليةً، ولاسيما في تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في تعقيدات الأزمة، بحيث تزيدها تعقيداً من خلال فريقها السياسي في لبنان، وقد أكد المسؤولون الأمريكيون أن لبنان تحوّل إلى ساحة لتحريك مشروع الشرق الأوسط الكبير، وإلى موقع حيوي من مواقع الأمن القومي الأمريكي، ومنطلقاً للضغط على المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، ولإدارة الصراع بشكل متحرك مع سوريا وإيران، وخصوصاً في المأزق الذي تواجهه الإدارة الأمريكية في احتلالها للعراق.

ولهذا، فإنّ لبنان سيبقى الساحة المنفعلة التي تتجمع فيها السياسات الدولية التي قد توظّف بعض الأنظمة العربية، إضافةً إلى بعض ما يتصل بالأمن الإسرائيلي الذي تضمنه أمريكا بالمطلق… وربما قد تحدث بعض الانفراجات التي قد تسمح بها الإدارة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية كفرنسا، لأن وصول الجدل السياسي إلى حال التوتر الأمني، قد يربك بعض الأوضاع السياسية للغرب كله، وفي مقدّمته أمريكا.
     

لبنان سيبقى الساحة المنفعلة التي تتجمع فيها السياسات


الدولية التي توظف بعض الأنظمة العربية


س: أنتم تتحدّثون في بعض الأحيان عن التدخّل الأمريكي في أزمات لبنان، ما هي مصادركم حول هذا؟

ج: إننا ندرس المسألة من خلال حركة السفير الأمريكي الذي يصدر تعليماته لفريقه السياسي، وتصريحات الموفدين الأمريكيين حول الأوضاع الداخلية اللبنانية، كما لو كانوا فريقاً لبنانياً، والقرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي بما يتصل ببعض الأمور في لبنان، مما لا علاقة للأمم المتحدة به، حتى إننا نلاحظ أنّ الأمم المتحدة لم تصدر مثل هذا الكمّ من القرارات بحقّ أيّ من الدول كما أصدرت بحقّ لبنان. هذا إضافةً إلى أن العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، كان بالتنسيق مع الخطة الأمريكية للضغط على المقاومة مما تحدَّث به الإعلام العالمي، حتى إن المدة الطويلة التي استمر بها العدوان، كانت بضغط أمريكي على إسرائيل لتحقّق أهدافها في إنهاء المقاومة وتدمير سلاحها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن دراستنا للوضع اللبناني أثبتت لنا أن الأزمة اللبنانية أصبحت مرتبطةً بأزمة المنطقة، بحسب الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

س: بعض الأحيان، نسمع أخباراً من وسائل الإعلام حول استعداد إسرائيل لشنّ حرب ضد سوريا وحزب الله، فهل يمكن لإسرائيل اتخاذ موقف على هذا المستوى؟
   

إسرائيل ليست في وضع عسكري وسياسي يسمح لها بالحرب بعد الهزيمة التي واجهتها


ج: إنني أعتقد أن إسرائيل ليست في وضع عسكري وسياسي يسمح لها بالحرب بعد الهزيمة التي واجهتها في عدوانها على المقاومة الإسلامية، والتي شعرت بعدها بأنّها بحاجة إلى وقت طويل لاستعادة إمكاناتها لحرب جديدة، وخصوصاً أنها أصبحت تعرف أن المقاومة تملك قوةً عسكريةً وخبرةً قتاليةً أكثر مما كانت تملكه وقت العدوان، ولاسيما أنهم يقاتلون عن إيمان لا عن احتراف فحسب.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 25 رمضان 1428 هـ  الموافق: 07/10/2007 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية