العلاّمة المرجع السيد محمد حسين فضل الله لـ"الحوادث":
نواجه وضعاً لا تريد فيه أمريكا أي نصر سياسي للمعارضة، ولاسيما "حزب الله"
ليس من السهل على المرء حين يجلس إلى جانب هذا المحيط من العلم والفكر والمعرفة، أن يقرر من أين يبدأ الحوار... لكن الحوار سيبدأ ومن دون مقدّمات.
تسأله، فيجيب، فتعرف من إجاباته أنك "علمت شيئاً وغابت عنك أشياء"، وتكرّ سبّحة الأسئلة... ويفيض هذا النهر العظيم، فتتدفق أجوبته متناغمة مع فكره وقناعاته. وحين تحاول الغوص في قراءاته ورؤيته للأمور، ستجد بالتأكيد أن كل تفصيل أورده، سواء كان مهماً أو صغيراً، له معانٍ كثيرة ودلالات لا يمكن إلا التوقف عندها.
ويستمر الحوار ويمرّ الوقت، لكن في النهاية، ستتيقّن أنّ الوقت مهما طال، لن يكون كافياً لاستكشاف جزء ولو بسيط من هذا المخزون المحفوظ في فكر وذاكرة علامة ومرجع ومفكر وفيلسوف، وقد تنتهي الكلمات دون أن نتمكن من إعطائه حقه في الوصف... هكذا هو اللقاء مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله.
س: سماحة السيد، قلتَ سابقاً إن أزمة لبنان هي جزء من أزمة المنطقة، فهل علينا انتظار انتهاء أزمات المنطقة حتى تنتهي الأزمة اللبنانية؟
ج: عندما كنا نتحدث عن أن الأزمة اللبنانية هي امتداد لمفردات أزمة المنطقة، فإننا كنا نلاحظ أن أزمة المنطقة قد انطلقت من خلال مشروع الإدارة الأمريكية في كل مواقع المصالح الأمريكية الاستراتيجية التي عبرت عنها الأجهزة الرسمية، سواء الرئيس جورج بوش أو الوزيرة رايس أو نائب الرئيس ديك تشيني، فهم انطلقوا ليتحدثوا عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، بحيث يحولون الشرق الأوسط، في كل خصوصياته الاقتصادية والسياسية والأمنية، إلى مشروع أمريكي في خطوطه العامة والخاصة، وهكذا أطلقوا مسألة الديمقراطية كعنوان من عناوين هذا المشروع الذي يريدون من خلاله تغيير الشرق الأوسط.
وعندما نتحرك في امتدادات النظرة إلى واقع المنطقة، نجد أن واشنطن اصطدمت بمشكلة كبيرة في المنطقة، فالاحتلال الأمريكي للعراق لم يستطع أن يحقق المصالح الأمريكية بشكل متوازن، لأن أمريكا غرقت في وحول المسألة العراقية من خلال المقاومة العراقية المتحركة... إضافة إلى أنّ أكثر من دولة من دول جوار العراق، شعر بالحاجة إلى أن تتدخل في الشأن العراقي بشكل سلبي ضد الوجود الأمريكي الذي أصبحت تخشى منه باعتبار أنه وصل إلى حدودها، في الوقت الذي نعرف فيه أن بعض هذه الدول تعيش أوضاعاً قلقة وسلبية مع أمريكا، كإيران وسوريا، وهناك أيضاً تركيا التي تختلف مع السياسة الأمريكية في بعض الخطوط، سواء من خلال إقليم كردستان الذي يشكل خطراً مستقبلياً على تركيا في ما يخطط له الأكراد من إقامة دولة كردية انفصالية في تركيا، أو من خلال قضية التركمان في العراق.
ولذلك، فإن الاحتلال في العراق انطلق من موقع قوة، ولكنّ الأمريكيين لم يخطّطوا منذ البداية لإدارة هذا الاحتلال، وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية تبدل من وقت لآخر بعضاً من مسؤوليها، سواء على مستوى السفراء أو على مستوى الأشخاص الذين يديرون السياسة الأمريكية في العراق. ونلاحظ في هذا المجال، أن أمريكا بدأت تعيش الفوضى التي أرادت أن تفرضها على الواقع العراقي، إذ انقلبت هذه الفوضى على أوضاعها الخاصة، من خلال طبيعة الرأي العام الأمريكي الذي أصبح يطالب بانسحاب الجنود الأمريكيين بفعل الخسائر الاقتصادية والبشرية، ولذلك أصبحت أمريكا تطالب بتوفير أي حل، سواء في محاولات الضغط على سوريا حتى تتحرك لإيجاد بعض الحلول للواقع الأمريكي، أو في الدعوة إلى التفاوض مع إيران على أساس الوضع العراقي وما إلى ذلك.
ونحن نلاحظ أن هذا الواقع الأمريكي في المنطقة بدأ ينعكس على لبنان، لأن الرئيس بوش كان يبحث عن نصرٍ في المنطقة، لذلك هو يعمل على أن يكون هذا النصر في لبنان، وهو يعلم أن لبنان هو البلد الوحيد في المنطقة الذي يملك الحرية التي قد تصل إلى حد الفوضى، ويملك أيضاً الديمقراطية التاريخية التي لم تكن قائمة في المنطقة. لذلك رأينا أن طريقة الإدارة الأمريكية للواقع في لبنان، تصل إلى حدّ الميوعة في التصريحات التي يحاول فيها المسؤولون الأمريكيون التحدث عن لبنان بطريقة الغزل الفارغ من أيّ مضمون في الواقع، كما أننا نرى الموفدين الأمريكيين الذين يأتون إلى لبنان، إضافةً إلى السفير الأمريكي الذي يحاول أن يتدخل حتى في الشؤون اللبنانية الصغيرة. وقد لمسنا التدخل الأمريكي عندما كانت الأزمة اللبنانية تثار في قضية حكومة الوحدة الوطنية.
ونحن نلاحظ أيضاً أن هناك نوعاً من الغموض والضبابية في قضية الاستحقاق الرئاسي الذي تختلف فيه التصريحات الأمريكية. لذلك نقول، إن كل الشخصيات اللبنانية الداخلية، وربما الشخصيات العربية والأوروبية مع التحفظات، تتجه إلى الموقف الأمريكي. ولعلّ الذين تابعوا الأزمة اللبنانية في قضية الاستحقاق، كانوا ينتظرون قمة بوش ـ ساركوزي، لأنهم اعتقدوا أن أمريكا قد تفوّض الرئيس الفرنسي في الشأن اللبناني استناداً إلى خصوصية فرنسا في لبنان، كونها تعتبر أن لبنان يمثل موقعاً مهماً لنفوذها تاريخياً وحاضراً، بسبب التداخل بين الشعبين الفرنسي واللبناني. ولكنّ المسألة لا تزال في دائرة الغموض، لذلك فإنه من الصعب جداً استنتاج حكم بشكل حاسم، باعتبار أن الوضع الذي نواجهه الآن يوحي بأن أمريكا لا تريد أي نصر للمعارضة، ولاسيما "حزب الله"، لأن سياستها مع فريقها اللبناني كانت ألا يمنح "حزب الله" أي نصر سياسي بعدما حصل على النصر العسكري ضد إسرائيل.
وهناك نقطة إضافية لا بد من أن نحدّق فيها، وهي أنّ الفوضى التي قد تحصل من خلال الفراغ الدستوري، أو من خلال النصف زائد واحد، قد تسيء إلى السياسة الأمريكية، لأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحرك بحرية في بلد تتعدد فيه الطوائف وتتحرك فيه الفوضى، سواء انتقلت هذه الفوضى إلى توتر أمني أو لم تنتقل.
كما أن هناك ملاحظة أساسية أخرى، وهي أن الفوضى إذا كبرت وامتدت، فإنها قد تترك تأثيرها على واقع قوات "اليونيفيل"، لأن الدول الأوروبية لا يمكن أن تبقي قواتها في حالٍ من الفوضى التي ستشكل خطراً عليها، وربما قد تختلط الأوراق في المسألة الإسرائيلية، لأن أي حرب إسرائيلية ضد لبنان وسوريا، سوف تجعل كل الذين يعارضون إسرائيل يتحركون بطريقة قد لا تحتملها إسرائيل.
س: انطلاقاً من القراءة التي قدمتها للواقع الراهن، هل ترى تغييراً في التعاطي الأمريكي مع لبنان؟
ج: أنا قلت إن هذه النقطة لا بد لنا أن نتابعها، لأنّ أمريكا، عندما تدرس النتائج الخطرة التي قد تنعكس سلباً على سياستها في لبنان، فإنّ من الممكن أن تحرّك الواقع السياسي فيه، ولو عبر الاستحقاق الرئاسي.
أنا أتصور أنه لو وافقت أمريكا على رئيس توافقي، ووافق عليه الآخرون بفعل الضغط الأمريكي والفرنسي، فقد يكون الرئيس رئيساً لا لون له ولا طعم.
س: سماحة السيد، هل بات في الإمكان القول إن القرار اللبناني لم يعد في يد اللبنانيين وأصبح في يد الخارج كلياً؟
ج: لم يكن للبنانيين في كل تاريخ لبنان، وعلى مستوى الاستحقاق الرئاسي على الأقل، أي دور في انتخاب رئيس للجمهورية، ولعلّ النكتة التي كان اللبنانيون يتداولونها، في أي مرحلة من مراحل انتخاب الرئيس، أنهم ينتظرون كلمة السرّ، وقد كانت كلمة السر في السابق أوروبية، ثمّ صارت سورية ترضى بها أمريكا، أما الآن، فنحن لا نعرف هل كلمة السرّ أمريكية أم فرنسية، أم أنهم رأوا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن الموقف السوري، ولو بشكل أو بآخر؟!
ولقد سمعت نقلاً عن بعض المسؤولين السوريين، أنه عندما كان يزورهم بعض الموفدين الأوروبيين، ولاسيما الفرنسيين، كانوا يطالبونهم بعدم التدخل في لبنان، والآن هم يصرّون عليهم بالتدخل في حل المشكلة اللبنانية.
س: كيف السبيل ليتمكّن المسؤولون اللبنانيون من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم؟
ج: من الصعب جداً الوصول إلى هذا الأمر، لسبب بسيط، وهو النظام الطائفي في لبنان، ذلك لأن الطائفية السياسية تختزن في داخلها طائفيةً دينيةً متعصّبة. هذا النظام الطائفي في لبنان يتحرك على أساس أن تأخذ كل طائفة موقعاً للقوة لها مقابل الطوائف الأخرى. ونحن نلاحظ أن الكثيرين من اللبنانيين، عندما يتحدثون عن قانون الانتخاب، يتحدثون على أساس أنه لا يمكن للمسلمين أن ينتخبوا نائباً مسيحياً، أو أن ينتخب المسيحيون نائباً مسلماً، حتى عندما تتحرك قضية الاستحقاق الرئاسي، فإن بعض الشخصيات الإسلامية التي تبحث في هذا الاستحقاق، تتحدث عن عدم إمكانية انتخاب رئيس جمهورية من قِبَل شخصيات مسلمة تدير الحوار بينها، لذا لا بد من سؤال البطريركية، وسؤال القيادات المارونية في هذا المجال، ما يعني أنه ليس هناك لبنان، بل هناك طوائف، وكل طائفة تسعى إلى ممارسة خصوصياتها على مستوى ما أعطي لها من مواقع، أو من خلال طبيعة اللعبة السياسية التي تحاول فيها كل طائفة أن تستقوي بالخارج.
ولعلّنا كنا نسمع سابقاً أن بعض الطوائف اللبنانية تنتمي إلى بريطانيا، وبعضها إلى فرنسا، وأخيراً، صار هناك من ينتمي إلى أمريكا. ونحن نعرف أنّ البلاد العربية دخلت إلى لبنان خلال الحرب اللبنانية من خلال المنظمات الفلسطينية، حيث كان لكل دولة عربية منظمة فلسطينية تخصّها. ولهذا فإن الصراع العربي ـ العربي كان يتمظهر من خلال الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني، لأن كل منظمة فلسطينية كانت تأخذ أوامرها من هذه الدولة العربية أو تلك. لذلك نحن دعونا من الأساس إلى المواطنة، وإلى أن يكون لبنان وطناً يشعر فيه اللبنانيون بلبنانيتهم، على أساس أن لهم حقوقهم الوطنية وعليهم واجبات وطنية، دون فرق بين طائفة وأخرى.
ونحن نلاحظ الآن، أن أي لبناني لا يستطيع أن يحصل على حقوقه الحياتية إلا من خلال طائفته؛ فإذا أراد المواطن الحصول على حقّ من حقوقه من الدولة، فلا بد من أن ينطلق من خلال زعيم طائفته. لذلك فإن هذا النوع من التوزع الطائفي، أبعد اللبنانيين عن هويّتهم الوطنية. ولهذا أقول ليس هناك لبنان، بل هناك "لبنانات" يمكن أن يكون لها سقف يدعى لبنان، لكنه سقف مليء بالثقوب.
س: بات واضحاً أن الأزمة في لبنان صارت أكبر بكثير مما يمكن تصوّره، ويبدو أيضاً أن جسور الثقة قد قُطعت تماماً بين الفرقاء المتخاصمين. في رأيك، كيف السبيل إلى إعادة وصل هذه الثقة، خصوصاً بعد المحطات الكبيرة التي مرّ بها لبنان، والتي أسهمت في زيادة الشرخ؟
ج: من الصعب جداً حلّ المشكلة اللبنانية بعد أن تفاقمت ووصلت إلى الحدود القصوى، فنحن نرى أن التحالفات فيه لم تنطلق من خطوط لبنانية مستقيمة، بل هي تتحرك دائماً من خلال خلفيات دولية وإقليمية، ولذلك، فإن هذا "اللبنان" هو اللبنان الأمريكي، والفرنسي، والأوروبي، والسوري، والإيراني، والمصري، والسعودي...
والسؤال الذي نطرحه في هذا المقام: ما هي المناسبة التي تستوجب استدعاء هذا الموفد العربي أو ذاك الموفد الدولي أو الإقليمي، وأن يطوف على كل اللبنانيين ليستمع من هذا أو ذاك؟!
وما هي المناسبة لكي يعلّق كل السفراء في لبنان على الواقع اللبناني، ولكي يتحدثوا عن آرائهم في هذا الأمر أو ذاك؟ في الوقت الذي نعرف أن السفراء في العالم كله يخضعون للقانون الذي تفرضه وزارة الخارجية، ولا يملك أي سفير الحق في أن يتدخل في الشؤون الداخلية للبلد الذي يكون فيه سفيراً. لذلك أرى أن لبنان لا يوجد فيه دولة. وأنا يأخذني الابتسام عندما يتحدثون عن الدولة اللبنانية، وأنه لا بد للدولة من أن تسيطر على هذا المجال أو ذاك. وأسأل: كيف تسيطر الدولة، وفي لبنان جيوش أوروبية؟ وكيف تسيطر وهي تتحرك من وقت إلى آخر من خلال خط أمريكي أو فرنسي وما إلى ذلك؟
لقد قرأت في الصحف أن الولايات المتحدة سوف تساعد لبنان وتقدم له طائرات تدريب قديمة، أكل عليها الدهر وشرب، ما يعني أن اللبنانيين عندما يتدربون عليها أول مرة، فإنهم سيحتاجون إلى الكثير لإصلاحها. فهل من المعقول أن يعطَى لبنان طائرات تدريب قديمة مستهلكة، في وقت تُعطى إسرائيل أحدث الطائرات الأمريكية، وهي طائرة "أف 35" التي تستطيع قطع المسافات البعيدة دون توقف، وقد أعدّت بشكلٍ خاص لقصف إيران؟! هل هكذا تكون تقوية الجيش اللبناني، في وقت نعيش صراعاً مع إسرائيل جعل لبنان تاريخياً يعيش عدم استقرار أمني نتيجة التهديد الدائم من قِبَل إسرائيل؟ وها هي إسرائيل ما تزال تحتل جزءاً من أرضنا، وما تزال تقوم بمناورات على حدود لبنان؟!
إن هذا الأمر يمثل نوعاً من أنواع السخرية، لأنّ تقوية الجيش اللبناني تكون بإعطائه طائرات هجومية وصواريخ فاعلة.
س: سماحة السيد، تمرّ العلاقات اللبنانية ـ السورية في هذه الفترة بأسوأ مراحلها، ما مدى حاجة لبنان إلى إعادة بناء هذه العلاقات؟ وكيف يمكن إعادة هذه العلاقة؟
ج: من الطبيعي جداً القول إن العلاقة بين لبنان وسوريا هي علاقة حيوية، بحيث لا يستغني عنها لبنان ولا تستغني عنها سوريا. وقد لاحظنا كيف عاش اللبنانيون أحوالاً صعبةً عند إغلاق الحدود مع سوريا في الشمال خلال أحداث نهر البارد، وأيضاً عندما حصلت بعض التعقيدات على الحدود بشأن الشاحنات التي كانت تحمل البضائع اللبنانية. هذا إضافةً إلى الجوانب الأخرى. وأنا أعتقد أن للسياسة الأمريكية دوراً في هذا النوع من القطيعة بين سوريا ولبنان، كما أن هناك فريقاً سياسياً لبنانياً يحاول أن يُحمّل سوريا مسؤولية كل شيء قبل أن تأتي المحكمة، وقبل أن تُعرَف أسس الاتهامات، كما أعتقد أنه ليس في الإمكان عودة العلاقات اللبنانية ـ السورية إلا بعد عودة العلاقات السورية ـ الأمريكية.
س: كيف تنظر إلى الدور الإيراني في لبنان؟
ج: لا أعتقد أن لإيران دوراً سياسياً حركياً فاعلاً في لبنان، كما هي الأدوار الأمريكية والفرنسية، وحتى الأوروبية من خلال قوات "اليونيفيل".
نعم، هناك مسألة وحيدة، وهي علاقة حزب الله بإيران، وأنا أعتقد أن هذه العلاقة لم تترك تأثيراً فوق العادة بالنسبة إلى السياسة الداخلية، إنما انطلقت في مواجهة العدو الإسرائيلي، ولذلك لا أتصور أن إيران تملك دوراً كبيراً في الساحة اللبنانية، قد تملك بعض الدور من خلال علاقتها بحزب الله مثلاً، أو ببعض الشخصيات في لبنان، لكنها لا تملك دوراً كبيراً فاعلاً ومؤثِّراً كبقية الأدوار الأخرى.
س: سبق وتحدثت عن ضرورة عدم السماح بإدخال القضية الفلسطينية في متاهات حرب مخيمات جديدة. هل تخاف من ضياع القضية الأساس؟ وهل ما زالت القضية الفلسطينية هي القضية الأم في ضوء كل ما نراه من تعامل عربي وغربي معها؟
ج: القضية الفلسطينية هي أم القضايا في الواقع العربي، على الأقل في الشارع العربي والشارع الفلسطيني بشكلٍ خاص، ولكن هناك الكثير من التدخلات الدولية والعربية دخلت على المسألة الفلسطينية من أجل تحجيمها وتقديم التنازلات لإسرائيل، وهذا ما نقرأه في أهداف المؤتمر الدولي القادم، الذي تريد أمريكا وإسرائيل عقده من أجل التطبيع بين العرب وإسرائيل.
وإسرائيل لا تريد أن تبحث مع الفلسطينيين في القضايا الأساسية، كعودة اللاجئين، وقضية القدس، وتهديم الجدار، ومسألة المستوطنات، وإعطاء الفلسطينيين حريتهم وما إلى ذلك، لذلك، فهي سوف تشغل الفلسطينيين ببعض المفردات الأمنية، ولن تعطيهم شيئاً كبيراً، فالاستراتيجية الإسرائيلية هي أن يكون الفلسطينيون على هامش إسرائيل، لتبقى إسرائيل دولةً يهوديةً يتحول فيها الفلسطينيون إلى عمَّال بسطاء.
س: هل يكون لمؤتمر أنابوليس هزّاتٌ ارتدادية؟ وماذا يمكن أن تكون طبيعتها؟
ج: إنني لا أتوقع هزات ارتدادية كبيرة لهذا المؤتمر الذي يتوقع له الفشل، لأن العرب الذين يحضرونه ينطبق عليهم قول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجـرحٍ بميّـتٍ إيـلامُ
س: في ضوء ما يُثار حول سلاح المقاومة، في رأيك هل بات هذا السلاح المقاوم نعمةً أم نقمةً؟ ولماذا يخاف منه الفريق الآخر، على الرغم من أن المقاومة طمأنت إلى أنه مهما حصل، فإن سلاحها لن يوجّه إلى الداخل؟
ج: إن هناك سياسيين لبنانيين انفتحوا على السياسة الإسرائيلية والأمريكية، لذلك فهم موظفون في إثارة التشكيك بهذا السلاح، وإطلاق المواقف السياسية القائلة بأن حزب الله يمثّل دولة ضد الدولة، وأنّ سلاحه يمثّل خطراً على لبنان. ولكنّ القائمين على هذا السلاح قالوا في جلسات الحوار: تعالوا نرسم سياسةً استراتيجيةً دفاعيةً للبنان، لنبحث موضوع السلاح في إطار هذه الاستراتيجية!
ثم إن لبنان ما زال في حالة حرب مع إسرائيل، والجيش اللبناني الذي لا نشك في وطنيته، لكنه لا يملك القوة التي يستطيع بواسطتها الدفاع عن لبنان في مواجهة إسرائيل. والجميع يعرفون أن سوريا أرسلت الذخائر إلى الجيش اللبناني في أثناء معركة نهر البارد، لأنه لا يملك ذخائر. لذلك عندما يخرج لبنان من دائرة الخطر الإسرائيلي، فأي حاجة بعد ذلك إلى سلاح حزب الله أو أي سلاح آخر؟
س: كيف تنظر إلى واقع القضاء في لبنان، خصوصاً أن هناك انتقادات وُجّهت إليه؟
ج: قبل سنين، كنت أتحدث مع بعض القضاة عن أن القضاء في لبنان ليس حراً، واستقلالية القضاء في لبنان تمثِّل نكتةً قضائيةً، باعتبار أن السياسيين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة فيه، ويهددون القضاة بالويل والثبور وعظائم الأمور، وهذا ما لاحظناه في كثير من القضايا وكثير من المراحل، ولهذا نتصور أنه من الصعب جداً أن يكون هناك استقلال للقضاء في لبنان، على رغم وجود بعض القضاة الذين يحترمون القضاء والعدالة. ونحن نعرف أن بعض القضاة في لبنان قد تعرّضوا لهجمات قاسية، وقيل عن بعض الأحكام التي صدرت عن بعضهم، والذين لا يُشَكُّ في نزاهتهم، إنهم كانوا خاضعين للسوريين أو لغيرهم ممن اعتُبروا في موقع الوصاية.
س: أودّ أن أسأل عن دور رجال الدين في هذه المرحلة الصعبة، خصوصاً أن معظم رجال الدين انخرطوا في العمل السياسي؟
ج: إن مشكلة الكثيرين من رجال الدين ـ وأنا هنا لا أتكلم عن الجميع ـ أنهم أصبحوا موظّفين وتابعين ومصفقين ومهلّلين لرجال السياسة على الأساس الطائفي، وكل زعامة طائفية من هنا وهناك تأخذ معها الكثير من العمائم، وأكاد أقول الكثير من القلانس.
بيروت ـ وفاء حيدر
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 13 ذو القعدة 1428 هـ الموافق: 13/11/2007 م