السيد فضل الله لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز":
واقع الشيعة قبل الثورة الإسلامية في إيران كان على هامش الواقع السياسي العالمي
س : كيف تلخّصون سماحتكم وضع الشيعة في العالم، من الهند، إلى باكستان، إلى لبنان، إلى العراق، إلى إيران، خصوصاً في ظلّ التغيّرات التي حصلت في الفترة الأخيرة، ومنها الحرب على العراق؟
ج: يمكننا القول إن الوضع السياسي الذي كان يعيشه المسلمون الشيعة قبل الثورة الإسلامية في إيران، كان على هامش الواقع السياسي العالمي، لأنه لم يكن لهم أي نشاط على المستوى السياسي، أو على مستوى التحديات الأمنية، سواء في المنطقة أو في العالم، إلاّ ما كانت تتحرك به المعارضة في إيران ضد الشاه والتي كان لها مدلول سياسي، لأنها كانت تقف ضد السياسة الأمريكية في سيطرتها على إيران. ولكن بعد الثورة الإسلامية في إيران من قبل الإمام الخميني، دخل الشيعة الواقع العالمي. أولاً، لأن الثورة أسقطت شاه إيران، الذي كان يعتبر شرطي المنطقة من قِبَل أمريكا، وكانت له علاقات واقعية وإن لم تكن دبلوماسية مع إسرائيل. ثانياً، أن شعارات الثورة التي طرحها الإمام الخميني، كانت تتعدى إيران إلى كل مواقع المسلمين في العالم.
ومن الطبيعي أنّ انتصار الثورة الإسلامية في إيران ترك تأثيره على أكثر من موقع شيعي في المنطقة، ولاسيما في العراق وفي لبنان، حيث ارتبط الكثيرون من الشيعة في لبنان بالإمام الخميني تحت عنوان حزب الله، وبذلك تحوّل حزب الله في لبنان، الخاضع لفتاوى الإمام الخميني، باعتبار ولاية الفقيه، تحوّل إلى عنصر ثوري في مواجهة إسرائيل. أما الشيعة في المناطق الأخرى، كالهند وباكستان وأفغانستان، فلم يكن لهم أي موقع قوة كبير، بل كانوا في موقع الضعف بفعل الضغط المذهبي من قِبَل السنة، الذين يرى الكثير منهم أن الشيعة ليسوا مسلمين، أو على الأقلّ لا يرحّبون بهم، باعتبار أنّهم يسيئون إلى بعض الصحابة الذين يقدِّسهم السنَّة.
ولكن أوضاع الشيعة في أفغانستان تحسّنت بعد سقوط طالبان، ونتيجة العلاقات الجيدة مع إيران، بحيث أصبح للشيعة الأفغان تمثيل على المستوى الرسمي، وأيضاً انفتاح على المستوى الشعبي. أما في الباكستان، فلا يزال المتطرفون المتعصبون من جيش الصحابة، يقفون موقفاً عدوانياً ضد الشيعة. أما في الهند، فقد تحسّن وضع الشيعة هناك، لأن علاقاتهم بالسنة والهندوس هي علاقات وطنية لا بأس بها.
س: هل يوجد اليوم عامل يربط بين كلّ الشيعة في العالم؟
ج: كل منطقة لها خصوصياتها، فقد نرى أن علاقة إيران بالهند قد تؤثر بشكل إيجابي على شيعة الهند، أما في دول الخليج، فإننا نجد أن وضع الشيعة في الكويت جيد، كما هو الحال بالنسبة إلى الشيعة في عُمان والإمارات، أما بالنسبة إلى السعودية، فلا يزال الشيعة يعيشون أوضاعاً صعبةً بسبب الضغوط المستمرة من قِبَل الحكومة السعودية بفعل المواقف التكفيرية الصادرة من علماء الوهابية.
س: في رأيك، ما الذي يجب القيام به لتفادي هذا الأمر وتحسين وضع الشيعة؟
ج: في السعودية، يحاول الملك عبد الله أن يدعو إلى حوار فعّال بين الشيعة والسنّة، لأن هذا يؤثر على الواقع الشعبي في السعودية، ولذلك أصبح الشيعة هناك أكثر حريةً من السابق. أما في البحرين، فلا تزال حكومة البحرين تعمل على أساس تقوية السنة ضد الشيعة، مع أن الشيعة يشكّلون الأكثرية في البحرين، ولهذا تستقدم دولة البحرين بعض السنة لتسجّلهم كبحرانيين حتى تخلق توازناً بين الشيعة والسنة، أو حتى يصبح السنة أكثر من الشيعة.
س: هل يمكن أن تطلعنا على خلاصة حول الإنجازات التي حقّقها الشيعة في العالم اليوم؟
ج: أما بالنسبة إلى العراق، فإن الشيعة يمثّلون الأكثرية في هذا البلد، وقد كانوا مضطهدين في عهد صدام حسين، ولذلك فإن سقوط صدام حسين أعطاهم شيئاً من الحرية وشيئاً من القوة، بحيث أصبحت أكثرية الكتل النيابية من الشيعة، أو ما يسمى بكتلة الائتلاف، كما أصبحت رئاسة الوزراء للشيعة بفعل الأكثرية النيابية.
ولكن ما يجعل الوضع في العراق صعباً وغير مستقرّ، هو وجود الاحتلال الذي يريد إبقاء الفوضى في العراق، إضافةً إلى بعض الجماعات السنية الذين شعروا بأنّ الحكم ذهب من أيديهم، وكذلك موقف بعض الدول العربية الرافض للقيادة الشيعية في العراق، والذي يجعلهم يدفعون بعض المتطرفين للقيام بأعمال عدوانية ضد الشيعة، إضافةً إلى تنظيم القاعدة الذي يتحرك في العراق من خلال فتوى تجيز لهم قتل الشيعة، ما سمح بارتكاب المزيد من المجازر ضد الشيعة، وأدى إلى ردّ فعل من قِبَل بعض الشيعة، ومن دون أن يأخذوا فتوى من مراجعهم وعلمائهم بالردّ، وخصوصاً بعد تهديم مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، الذي أدى إلى ما يشبه حالة الجنون بين الشعب العراقي.
من الطبيعي، في ظلّ كل ذلك، أن يكون الوضع في العراق صعباً في مستوى الفوضى الأمنية، وفي مستوى فقدان الخدمات بين الناس، وسقوط الاقتصاد العراقي من قِبَل الاحتلال. لذلك فإن المشكلة في العراق سوف تبقى ما بقي الاحتلال، وخصوصاً أن الدول المجاورة للعراق أصبحت تخاف من وجود الجيش الأمريكي على حدودها، ولذلك فإنها تتدخل في العراق لحماية نفسها.
ولكنّنا نستطيع أن نؤكد، أنه ليس هناك في العراق فتنة سنية ـ شيعية، وليست هناك حرب أهلية، أما المجازر التي تحدث، فهي إما من فعل تنظيم القاعدة، وإما من فعل بقايا النظام العراقي السابق من الجيش العراقي، أو من بعض غير المنضبطين من الشيعة، ونؤكّد أنّ هناك مقاومةً سنيةً وشيعيةً ضد الاحتلال.
أما بالنسبة إلى وضع الشيعة في لبنان، فإننا نؤكّد أنّ وضعهم جيد من الناحية السياسية والناحية العسكرية، لأن حزب الله يمثّل القوة الأكبر التي استطاعت أن تحرر لبنان في عام 2000م، وأن ترد العدوان في عام 2006م.
س: هل هناك وحدة بين الشيعة في العالم؟ وهل تخاف من فتنة سنية ـ شيعية على مستوى العالم؟
ج: أنا لا أجد أنّ هناك وحدة في الواقع الشيعي في العالم من الناحية التنظيمية، ولكن هناك وحدة من الناحية الشعورية النفسية. أما مسألة هل أنني أخاف من فتنة سنية ـ شيعية على مستوى العالم، فإننا نجد أن أمريكا وحلفاءها يخططون لذلك، وقد نجحوا بعض النجاح في إثارة المشاعر السنية ضد الشيعة، والمشاعر الشيعية ضد السنة، ولكن لم يصل الأمر إلى حدّ الفتنة العالمية الإسلامية، وهناك جهات إسلامية شيعية وسنية تعمل من أجل محاصرة هذه الحرب.
س: فهمت من بعض كتابات سماحتكم، أن إيران اتّجهت في الاتجاه الخاطىء، هل يمكن أن تشرح لنا ذلك؟
ج: لعلّ ما فهمته من أنّ إيران اتّجهت اتجاهات خاطئة ليس دقيقاً، ولكني أتصور أن أسلوب الرئيس الإيراني يحتاج إلى بعض الدبلوماسية السياسية التي لا تخلق لإيران مشاكل من دون حاجة. طبعاً أنا لست من العلماء الذين يؤمنون بولاية الفقية، بل إنني أقول إنه لا بد للفقيه من أن يكون مشرفاً على إدارة الدولة حتى لو كان رئيس الدولة غير فقيه، ليصحح الأخطاء التي تقع فيها الدولة من الناحية الإسلامية، وأنا أؤيد الموقف الإيراني في الملف النووي السلمي.
وأعتقد أن من حقّ إيران أن تكون لها خبرة علمية نووية، ولا أظن أنّها بحاجة إلى صنع القنبلة النووية، إلا إذا اضطرت إلى ذلك في المستقبل في صراعها مع أمريكا أو إسرائيل، إذا أرادت أمريكا أو إسرائيل استخدام القنبلة النووية ضد إيران، وقد أصدر آية الله السيد علي الخامنئي فتوى بأنه لا يجوز صنع القنبلة النووية، وهذه الفتوى ملزمة للحكومة الإيرانية.
س: سماحة السيد، بخصوص لبنان، طبعاً الكل خائف على مستقبله من حرب أهلية، فهل أنت خائف من ذلك؟
ج: أنا لا أتصور أن هناك فرصةً لحرب أهلية لبنانية، لأنه ليس هناك أي فريق لبناني مستعد للدخول في هذه الحرب، سواء على مستوى الشعب أو على مستوى السياسيين، كما أن أمريكا ليس من مصلحتها أن تحدث حرب أهلية في لبنان، لأن ذلك يسقط سياستها فيه جملةً وتفصيلاً، ولأن الفوضى في لبنان سوف تترك تأثيرها من جديد على إسرائيل، وتفسح في المجال أمام حزب الله والفلسطينيين الموجودين في لبنان وفي سوريا، وأيضاً أمام رجال القاعدة والمتطرفين، للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل، كما أن الأوروبيين أيضاً لا يوافقون على ذلك، لأن أي حرب أهلية أو أي توتر أمني سوف يفرض عليهم أن يسحبوا جنودهم من قوات "اليونيفيل". ربما تحدث هناك بعض الأحداث البسيطة العادية، ولكنها لا تصل إلى مستوى الحرب. وقد رأينا الأكثرية النيابية التي كان بعضها يتحدث عن الحرب، أصبحت تتحدث عن السلم الأهلي، كما أن حزب الله ليس مستعداً لأن يدخل في حرب داخلية، لأنه يعلن دائماً أن سلاحه موجه ضدّ إسرائيل فقط، ولذلك فإنني أستبعد جداً وجود أي فرصة لحرب أهلية في لبنان.
أجرى الحوار ـ بورزو ذراغاهي
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 18 ذو القعدة 1428 هـ الموافق: 28/11/2007 م