هتلـر رجل سلام بالنسبة لبوش وشارون واشنطن غرقت في الرمال العراقية ولا تستطيع أن تغرق في الرمال السورية

هتلـر رجل سلام بالنسبة لبوش وشارون واشنطن غرقت في الرمال العراقية ولا تستطيع أن تغرق في الرمال السورية
 

بيروت: كتبت - رولا أبو شقرا

تحار من أين تبدأ مع المرجع آية الله السيد محمد حسين فضل الله وإلى ما تنتهي في منطقة تكاد تكون خالية إلا من العواصف الكبرى وتداعياتها. وعندما تحار إلى ما تنتهي، سرعان ما يكون ضيق الوقت هو المخرج الممكن لإسدال الستار ولو قسراً على أسئلة متراكمة ومتشعبة في مجريات الأحداث وأبعادها. أما أن تحار بما تبدأ، فلذلك معنى واحد وأنت تندفع قلقاً محاولاً الجمع في آن واحد بين ما تعتقده استراتيجياً وبين ما هو راهن من تطورات، كي لا يفوتك من قراءة المرجع الكبير شمولية الآفاق في تحليله للراهن السياسي المسكون أبداً ببرودة العالِم ـ المفكّر وبعاطفة الرجل المنشغل بقضايا مجتمعه ودينه.

أكثر من أربعين عاماً مرت على مسيرة "السيد" دأب فيها على سبر أغوار الفكر الإسلامي مجتهداً و"محدثاً"، ولا غرابة إذا استعرنا هذا المفهوم من الفكر الحديث لتقديم عالم طالما رفض الدور التقليدي لرجل الدين والاستكانة باسم الإسلام للتخلّف الثقافي، وحضّ على الانفتاح على الحوار مع الآخر كي يكون التغيير ممكن التحقق. فالإنسان الذي يعيش الثبات برأيه يبقى مكانه، أما الإنسان الذي يعيش القلق الروحي والفكري المتحرك حتى في موروثاته، فهو وحده القادر على الغوص في عوالم المعرفة.

إلى الصحو المبدع والهواء الطلق يدعو سماحته الشعوب العربية، لأن قمع الحريات وحده المسؤول عن تخلفنا الثقافي والحضاري، فلا يجد من يوجّه إليه النداء سوى المستقبل علّه يحمل بعض الأمل.

سماحة السيد المنكبّ دوماً على هموم الفكر وشؤون السياسة ومشاكل الناس، خصّنا ببعض من وقته الثمين في منـزله في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكان هذا الحوار:

 

* سماحة السيد، نبدأ بالطريقة التي تقود بها الإدارة الأمريكية العالم اليوم، والانعكاسات السياسية الاستراتيجية لهذه الطريقة على الولايات المتحدة نفسها من منظوركم؟

ـ عندما ندرس سياسة الإدارة الأمريكية، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، نجد أن الإدارة الأمريكية الحالية تختزن في ذهنية رئيسها أنه الشخص الذي أرسله الله من أجل إنقاذ العالم، وتأكيد القيم الأمريكية التي يتمثل فيها الجانب الروحي والإنساني العالمي. في ضوء هذا، فإن الإدارة ورئيسها تنظر إلى ما في داخل مشاعرها وأحاسيسها وعنفوانها الذاتي أكثر مما تنظر إلى الشعوب في آلامها، وربما يؤشر إلى ذلك ما ذكره أحد الكتّاب، أن الرئيس بوش لا يقرأ الصحف ولا يطّلع على برامج التلفزيون، لأنه لا يريد أن يترك أي تأثير على أفكاره من خلال المحللين، ومن خلال البرامج التي تعرضها وسائل الإعلام. رئيس يضع نفسه في المركز الأول في العالم، لا يحاول أن يقرأ ما يقوله الخبراء وما يثيرونه من أفكار نقدية أو تحليلية، بل يكتفي بالتقارير السريعة التي تقدمها له ـ حسب قول هذا الكاتب ـ زوجته، والتي تتطابق مع التقارير التي يقدمها مستشاروه.

* ولكن ما هي الانعكاسات الاستراتيجية لهذه السياسة على الولايات المتحدة؟

ـ من الطبيعي جداً أن الولايات المتحدة الأمريكية في الواقع العالمي تمثل الدولة الأكثر كراهية من الشعوب، كما أنها تمثل ذلك بالنسبة للشعوب الأوروبية التي قد تقترب في تحالفاتها ومصالحها من أمريكا أكثر من الشعوب الأخرى. إننا نجد أن هناك الكثير من الجدل في صدقية الولايات المتحدة الأمريكية من جهة تعاملها السياسي والاقتصادي مع هذه الدول، أو مع مجمل الدول الثمانية التي تمثل الدول الأغنى في العالم، ولا نزال نسمع من السياسيين الأمريكيين السؤال التالي: لماذا يكرهوننا؟ فهم يشعرون أنهم مطوقون بالكراهية من شعوب العالم.

* يرى البعض أن عالم القطب الواحد يحتّم نظرياً على واشنطن هذا النوع من الغطرسة الذي نشهده في العديد من مناطق العالم، هل هو دور حتمي أم أن القضية مرتبطة بالسياسات فحسب؟

ـ أنا أتصور أن المسؤول عن ذلك، هو طبيعة الذهنية التي تحكم حركة القطب الواحد في نظرته إلى العالم، باعتبار أنه يحاول أن يستولي على مقدرات العالم، ويحاول أن يخضع القوى الأخرى لمصالحه، وهذا ما نلاحظه في طريقة إدارة الخلافات بين أمريكا وبعض دول أوروبا، فقد لاحظنا أن بعض ممثلي الإدارة الأمريكية يتحدث عن أوروبا الحالية بأنها أوروبا العجوز بما يشبه الشتيمة، وكأنه يقول إن أوروبا لا تملك الوعي المعاصر الذي يجعلها تواجه المتغيرات بعقلية واقعية في إدارتها للسياسة الخارجية، إشارةً إلى رفض ألمانيا وفرنسا للحرب على العراق.

* الإدارة الأمريكية تسعى، كما قلتم ذات مرة، إلى نسف البديهيات الأساسية لحقوق الإنسان، فإلى أي مدى يمكن أن يؤثر انهيار قيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان، التي تحملها أمريكا كعناوين لتبرير سياساتها، على منظومة القيم الأمريكية بكليتها في عالم يكرّس أكثر فأكثر الانفصال بين الشعوب الغنية والشعوب الفقيرة؟

ـ إنني أشك أن هناك منظومة قيم أمريكية بالمعنى الذي يمثل خطاً قيمياً كلياً. لعلنا نلاحظ أنه منذ أن استطاعت أمريكا أن تأخذ بأسباب القوة بشكل كبير جداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، جعلت الإنسان الأمريكي يشعر بأنه يمثل الشخصية المتفوقة على العالم نتيجة ما تملكه من قدرات، وإذا كان البعض يتحدث عن قوانين الحرية والديمقراطية التي تتمثل في القانون الأمريكي، فإننا نلاحظ أن هذه العناوين انطلقت في واقع الشعب الأمريكي ولم تنطلق لتمتد إلى العالم، وربما نلاحظ أن أمريكا بعد 11أيلول بدأت تشرع بعض القوانين التي تضغط على حرية الشعب الأمريكي، وبالأخص على العرب والمسلمين في أمريكا، ما شكّل عنصر اضطهاد لهم.

إنني أتصور أن هذه الذهنية المستعلية، لا تنطلق من عمق الإنسان الأمريكي العادي، بل تنطلق من أن الإدارة الأمريكية تحتوي شخصيات هم وكلاء عن شركات السلاح كما يقال، مثل رامسفيلد وتشيني وجماعته وشركات البترول أو الشركات الاحتكارية الكبرى التي تريد أن توظف الإدارة الأمريكية في السيطرة على مقدرات الشعوب في العالم.

إن مثل هذه القيم الاحتكارية ـ إذا صحّ التعبير ـ سوف تترك تأثيرها على مستقبل الشعب الأمريكي، باعتبار أنه يخضع للخطوط التي ترسمها هذه الشركات في علاقة هذا الشعب بالشعوب الأخرى، أو أنها تضغط على كثير من حرياته في المستقبل إذا اصطدمت حرياته بمصالح هذه الشركات الكبرى.

إن مشكلة أمريكا أن ديمقراطيتها تخضع لبعض فئات اللوبي اليهودي والمحافظين الجدد، ما يعني أن الشعب الأمريكي ليس هو الذي يصنع سياسته، بل إن هذه القوى التي تمتد في مفاصل الشعب الأمريكي هي التي تصنع له سياسته، مستغلة المشاكل الداخلية التي تسيطر على حركة هذا الشعب في حياته اليومية.

* هل نفهم من ذلك أن شعوب المنطقة لا ينبغي أن تعول على الانتخابات الأمريكية المقبلة؟

ـ ربما نقرأ ذلك من خلال متابعتنا للانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية التي نجح فيها الرئيس بوش، إذ نجد أن الانتخابات الأمريكية التي أنتجت هذا الرئيس مرّت بعملية قيصرية فيها الكثير من اللعبة القانونية والسياسية، وربما كانت الشركات الاحتكارية تقف وراء ذلك. إننا ندرس أن المرشحين للانتخابات الأمريكية يعتمدون في كثير من حركتهم على المال اليهودي وعلى الكثير من أموال الشركات الأخرى التي قد يسيطر عليها اليهود أو المحافظون الجدد وما إلى ذلك، عندها نعرف أن أي مرشح يتحرك يبقى أسيراً لهذه المساعدات التي تأتي من هذا الجانب أو ذاك، وهذا ما يجعلنا نلاحظ أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يعتمدان على أصوات اليهود الذين لا يمثلون أكثرية في الولايات المتحدة.

حتى إن المرشح الديمقراطي كيري يحاول أن يقدم نفسه لليهود بأن أجداده كانوا يهوداً،كما لو كان النسب يمكن أن يجعله محل تأييد من قبل اللوبي اليهودي أو من قبل الشعب الأمريكي. ثم إننا نلاحظ أن الانتخابات الأمريكية لا تتم بالشكل المباشر كما تتم في إيران مثلاً التي تتهمها أمريكا بأنها غير ديمقراطية، أو كما تتمثل في الهند أكبر الديمقراطيات في العالم، ولهذا من السهل جداً اللعب بعملية الانتخاب، سواء كان انتخاب الرئيس أو انتخاب النواب والشيوخ و...

العقوبات على سوريا

* على صعيد السياسات الأمريكية في المنطقة، نبدأ من آخر قرارات الإدارة الأمريكية بشأن العقوبات على سوريا، هل يمكن أن تؤدي حدّة الضغوط برأيكم إلى تنازلات سياسية كبيرة من قِبَل دمشق كما تطمح واشنطن؟

ـ في دراستنا للسياسة السورية، نجد أنها تتحرك بطريقة واقعية تدرس فيها جميع الظروف الموضوعية المحيطة، ولعلها تشعر الآن بأن أمريكا بحاجة إليها في دائرتين، الدائرة الأولى هي الدائرة العراقية، لأن وجود سوريا على حدود أمريكا العسكرية في واقع الاحتلال، يجعل أمريكا بحاجة لأن تتعاون سوريا معها، ولعل كل هذه العقوبات منطلقة من أجل الضغط على سوريا حتى تخضع للتعاون مع أمريكا في تركيز حماية احتلالها للعراق، لأن سوريا وبسبب علاقاتها بالشعب العراقي التاريخية، قادرة على الإضرار بالاحتلال الأمريكي للعراق، ولا سيما بعد أن صرح الرئيس بشار الأسد أن المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني مشروعة في العراق.

* ولكن هل سوريا اليوم في موقع الإضرار بالمصالح الأمريكية؟

ـ إنني أتصور أنها قادرة على الإضرار بهذا الحجم، إذ من الممكن جداً أن بعض الدول قد لا تستطيع إزالة الاحتلال، ولكنها تستطيع أن تربك الاحتلال في هذا المجال أو ذاك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن أمريكا بحاجة إلى سوريا أيضاً في مسألة الحرب على الإرهاب في ما يتصل بالقاعدة وما أشبه ذلك، وهكذا تعرف أمريكا أن سوريا قادرة على إدارة واقع المنظمات الفلسطينية أو المقاومة الإسلامية في لبنان المتمثلة في حزب الله.

لذلك، فإن المسألة في الدائرة السورية ليست مسألة ضعف تجبر سوريا على السقوط أمام أمريكا، ولكن سوريا مع ذلك لا تتخذ موقف المواجهة المباشرة، بل تتحدث بطريقة دبلوماسية، لأنها تريد إدارة الحوار مع أمريكا، خصوصاً أن الطروحات الأمريكية التي تحدّث بها وزير الخارجية باول أخيراً لا تثبت أمام النقد، لأنه تحدث عن أسلحة الدمار الشامل، ولا يزال العالم يعرف أن هذه اللافتة سقطت في العراق عندما حاولت الإدارة الأمريكية أن تبرر احتلال العراق بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، ولا سيما أنها لا تحرك ساكناً، بل إنها تدافع عن امتلاك إسرائيل لأسلحة الدمار الشامل بمختلف أصنافها.

أما قضية حماية الإرهاب، فإن العالم كله، بما فيه الأوروبيون، لا يعتبرون المقاومة الفلسطينية إرهابية، ولا يعتبرون أن المقاومة الإسلامية في لبنان مقاومة إرهابية. ومن هنا، فإن أمريكا تعيش العزلة في إطلاقها كلمة الإرهاب على المنظمات الفلسطينية واللبنانية.

تبقى المسألة التي ركّز عليها باول، وهي مسألة مساعدة سوريا لأمريكا في تثبيت احتلالها أو حماية احتلالها، عندما تحدّث عن ضرورة إغلاق الحدود السورية أمام العراق، وهو يعرف أن الحدود السورية تمثل صحراء، وأنها واسعة ومتداخلة مع الأراضي العراقية، ولا يمكن حتى لأمريكا أن تغلق حدود العراق على سوريا، لأنه لو كانت سوريا قادرةً على ذلك فلماذا لا تقوم أمريكا بإغلاق حدود العراق بالنسبة إلى سوريا أو إيران؟ لأنها تعرف أن هذا طرحاً غير واقعي، لذلك فإنني أتصور أن قانون محاسبة سوريا بالعقوبات التي فرضتها الآن لا تمثل مشكلة فوق العادة لسوريا، وأما القول إن هذا هو بداية الطريق، بحيث تتحول القضايا إلى ما قد ينتهي إلى الحرب على طريقة العراق، فأتصور أن أمريكا تعرف أن المنطقة لا تتحمل، وأن العالم والمنطقة لا تتحملان حرباً واحتلالاً لبلد عربي آخر، لا سيما سوريا، لأن واشنطن غرقت الآن في الرمال المتحركة، فهل تستطيع أن تغرق في رمال سوريا أيضاً؟

سوريـا ولبنـان

* سماحة السيد، ما قلتموه سابقاً حول أن محاسبة سوريا هو نوع من هزّ العصا فقط، وأن المسألة اللبنانية ليست داخلة في الحساب، لأن الدور السوري موضوع على نار قريبة الانطفاء، فهل هذا هو رأيكم اليوم؟

ـ أنا أتصور أن سوريا تمثل للسياسة الأمريكية دوراً حيوياً لا تستطيع الاستغناء عنه، لأن سوريا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تضبط إيقاع الكثير من المنظمات الفلسطينية الراديكالية الموجودة في المنطقة أكثر من أية دولة أخرى، أما الحديث عن مسألة انسحابها من لبنان، فهذه مسألة لا تملك أمريكا الضغط فيها، لأنها قضية بين سوريا ولبنان، وهي قضية تخضع للقانون في البلدين، لأن لبنان هو الذي يمكن أن يقول لسوريا أن تخرج من أرضه.

الأمريكيون يعرفون أن هناك فريقاً من اللبنانيين لا يؤيد الوجود السوري، ولكن هذا الفريق لا يملك لبنان كله، بقطع النظر عن الصواب أو الخطأ في هذا المجال، لأننا لا نريد تقويم الموضوع من موقع هذا الفريق أو ذاك الفريق لبقاء سوريا في لبنان أو لعدم بقائها، ولكن من الناحية الواقعية، هذا الفريق اللبناني لا يمثل القوة الأقوى في لبنان.

* هل تتوقعون ضربة إسرائيلية لمواقع بعض المنظمات الفلسطينية في دمشق، علماً أن إسرائيل قامت بذلك سابقاً؟

ـ إن إسرائيل لا تملك الآن، بحسب الظروف الموضوعية المحيطة بها، أن تدخل في حرب جديدة مع سوريا، لأنها غارقة في الحرب الداخلية الفلسطينية، ونحن نلاحظ في هذا المجال الحرص الإسرائيلي على احتواء أي حادث يقع على الحدود اللبنانية الفلسطينية، ما يعني أنها تحاذر من فتح الجبهة الشمالية للبنان فكيف تغامر بجبهة لبنانية ـ سورية.

* كيف تقيّمون الأوضاع العراقية قبيل تسلم العراقيين ما يسمى بـ"السيادة" آخر هذا الشهر؟

ـ لن يتغير شيء في العراق من الناحية السياسية، لأن سيادة أي بلد لا تتحرك في اللافتة السياسية التي توضع على واجهته، بل تتمثل في القوة العسكرية التي تحمي هذه السيادة والقوة الاقتصادية التي تؤكد أيضاً هذه السيادة.

لو تابعنا التصريحات الأمريكية، لوجدنا أن الجيش العراقي الذي يراد تأسيسه سوف يكون تحت قيادة الجيش الأمريكي المحتل، وإذا تابعنا المسألة الاقتصادية في قضايا الاستثمار في العراق وقضايا إعماره فسنرى أيضاً أنها تخضع للقرار الأمريكي، وكذلك التشريعات، سوف لن يكون لهذه الحكومة دورٌ فيها إلا بعد الانتخابات. فأي سيادة هي هذه السيادة؟ إنها حكومة على غرار مجلس الحكم الانتقالي، ولكن بغطاء سيادي لا يحمل في داخله أي معنى لهذه الكلمة.

العـراق والفتنـة

* برأيكم، هل تجاوز الوضع في العراق إمكانية الفتنة الطائفية؟

ـ إنني أؤكد أن الفتنة بين صفوف العراقيين السنّة والشيعة لم تكن واردة في الحساب منذ البداية وحتى الآن وفي المستقبل، لأن هناك الكثير من الضوابط لدى الشخصيات الشيعية والسنية، سواء من علماء الدين أو من الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي منعت الفتنة في الماضي وتمنعها في المستقبل.

* وهل الفتنة تتحرك فحسب من موقع الوعي الفردي؟

ـ لا، إنني أعتقد أن ذهنية الإنسان العراقي ليست ذهنية الفتنة الطائفية، وخصوصاً أن العشائر العراقية ـ والعراق بلد عشائري ـ متداخلة في المذهبيات الإسلامية الدينية، فأية عشيرة من هذه العشائر تجد في داخلها سنّة وشيعة.

* القيادات والمرجعيات الشيعية في العراق منقسمة حول مسألة الكفاح المسلّح، فهل تعتقد أن هذا الانقسام يفضي موضوعياً أو ضمنياً إلى النأي عن حماية الشيعة في العراق؟

ـ لا أتصور أن أمريكا تريد أن تحمي أحداً، لأنها دخلت العراق لحماية مصالحها، ولكن قد تستغل بعض الظروف الموضوعية الحاصلة لفريق هنا وفريق هناك للّعب على هذا الوتر، كما لعبوا على وتر السنة والشيعة، بأن المقاومة سنية في المثلث السني وأن الشيعة لا يؤمنون بالمقاومة باعتبار أنهم يتحدثون عن مقاومة سلمية وليست عسكرية، لكننا نلاحظ في هذا المجال، أن قضية الشيعة ليست قضية الانفتاح على المحتل، بل هي قضية الظروف الموضوعية التي أحاطت بالواقع الشيعي، والتي أتعبت وأرهقت كل النسيج الشيعي، سواء في الداخل أو في الخارج، ما جعل القيادات الإسلامية الشيعية تشعر أنه ليست هناك ظروف موضوعية ملائمة، إن من الناحية السياسية، باعتبار أن المقاومة تحتاج إلى امتداد خارج نطاق البلد الذي تقاوم فيه، أو من نواحي عسكرية أو غير ذلك. غير أن الشيعة لم يستقبلوا المحتل بالورود مثلما لاحظنا عندما دخل المحتل إلى العراق من باب الجنوب، فقد واجه مقاومة هناك.

لذلك، فالمسألة هذه من المسائل الخاضعة لظروف موضوعية، وقد لاحظنا أنه في المرحلة الأخيرة، عندما استفزت أمريكا بعض الجهات الشيعية، فإنها فتحت على نفسها النار الجديدة لمقاومة تداخلت فيها المقاومة السنية مع المقاومة الشيعية.

العـراق المرجعيـة

* كيف يمكن أن تنعكس التطورات في العراق على العلاقات الشيعية ـ الشيعية في لبنان وسط عودة التنافس بين المرجعيتين العراقية والإيرانية؟

ـ لا أعتقد أن هناك تنافساً بين المرجعية الإيرانية والعراقية إذا صحّ التعبير، أولاً لأن المرجعية العراقية البارزة هي إيرانية، فالسيد السيستاني هو رجل إيراني، هذا من جهة، وحتى الآن هو يملك الجنسية الإيرانية لا العراقية، وثانياً، لأن الظروف الحاضرة جعلت المرجعية الإيرانية ـ إذا صحّ التعبير ـ تدعم المرجعية الشيعية العراقية بكل واقعية وبكل قوة، لذلك أستطيع أن أؤكد أنه ليست هناك أية حالة تناقض أو تنافس أو تنافر بين المرجعيتين.

* في الملف الفلسطيني، ننتقل سماحة السيد إلى آخر الاعتداءات على رفح التي أتت كتعبير واضح عن الضوء الأخضر الأمريكي بعد موافقة بوش على خطة شارون للفصل، يبدو أنه بات يتضح أكثر فأكثر انسداد أفق التسوية، فإلى أين يتجه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برأيكم، وهل الفلسطينيون في موقع القدرة على استثمار مأزق شارون؟

ـ أتصوّر أن المسألة الفلسطينية تملك مركز قوة وحيد، وهو الصمود الفلسطيني والالتفاف الشعبي حول المقاومة، فهذا الشعب يخرج بعشرات الألوف دعماً للمقاومة، ولمواجهة أي حالة من حالات العدوان الإسرائيلي على هذه الجهة وتلك. إنني ألاحظ بأن الشعب الفلسطيني تحول إلى شعب مقاومة يتحرك أطفاله ونساؤه وشيوخه وشبابه من موقع ذهنية واحدة ترفض الاحتلال وتركز على الحرية والاستقلال.

لذلك، فإن هناك نوعاً من الاتحاد بين المقاومة والشعب، حتى إن السلطة لا تستطيع أن تقف في موقف مواجهة للمنظمات الفلسطينية. لهذا فإني أعتقد أن هذا الصمود الفلسطيني الرائع شعباً ومقاومة وسلطة أيضاً ببعض الاعتبارات، هو الذي صنع أكثر من مأزق للإسرائيليين وللأمريكيين معاً. ولا نبالغ أبداً إذا قلنا إن النازي لم يبلغ ما بلغه اليهود في نازيتهم الوحشية بالنسبة إلى اليهود أو غير اليهود الذين عاقبهم هتلر، لأن اليهود يحرقون الشعب الفلسطيني في اقتصاده وأمنه وعمرانه ومزارعه وكل شيء. إنني أزعم أن هتلر يمثل رجل سلام بالنسبة إلى بوش وشارون.

العمليـات الاستشهاديـة

* أنتم لا تعارضون استهداف المدنيين الإسرائيليين في العمليات الاستشهادية، ولكن ألا تعتقدون أن العملية النوعية التي نفذت مؤخراً في غزة وأدّت إلى مقتل عدد من جنود الاحتلال هي أكثر فعاليةً على المستوى السياسي، خاصة وأن إسرائيل تسعى لإظهار صورة المقاومة الفلسطينية كمجموعة من منظمات إرهابية؟

ـ علينا أمام هذا السؤال المتكرر أن ندرس الأمور ميدانياً، إن إسرائيل تملك كل شيء في فلسطين، إنها تملك الأرض على مستوى الاحتلال وتملك أكثر الطائرات تطوراً، بحيث إنها تساوي أمريكا في نوعية الطائرات التي لا تعمل إلا في الحروب الكبيرة، سواء (أف16) أو (الأباتشي) أو غيرهما، وتملك أكثر الصواريخ تقدماً وأكثر الأسلحة النوعية تطوراً، وتملك حرية الحركة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، والقيام بقتل آلاف الفلسطينيين واعتقالهم وجرف مزارعهم وتدمير بيوتهم... أما الفلسطينيون فماذا يملكون؟ يملكون العبوة والكلاشينكوف وبعد الصواريخ البدائية التي تسمى صواريخ قسام.

حرب بهذا المستوى من اختلال موازين القوى، يقتل فيها الأمن الإسرائيلي كل الأمن الفلسطيني، ماذا يفعل الأمن الفلسطيني؟ هل ينتظر الظروف الملائمة لقتل الجندي الإسرائيلي كما فعل في غزة؟ أم أن عليه أن يقتل الأمن الإسرائيلي أو يهدده كحركة مبررة عسكرياً من ناحية ظروف الحرب، كما أنها مبررة سياسياً لأنها تمثل الحكومة اليهودية من خلال الشارع اليهودي؟!

لذلك فإن الفلسطينيين لا يريدون قتل المدنيين الإسرائيليين من أجل قتلهم، بل من أجل قتل الأمن الإسرائيلي. إنها حرب بين الأمن الإسرائيلي والأمن الفلسطيني، وأنا أتساءل، وإن كان كلامي قد يفسّر بغير ما أريد، أن أمريكا عندما أطلقت قنبلة ذرية في هيروشيما قتلت ما يقارب عشرات الآلاف، وبررت ذلك بأن الحرب تفرض ذلك. نحن لا نبـرّر ذلك، ولكن نقول لماذا يصرخ العالم كله ضد الفلسطينيين لأنهم قتلوا مدنيين مع أن ظروفهم الأمنية تفرض ذلك ولا يصرخون أمام ما تفعله أمريكا أو ما تفعله إسرائيل من قتل المدنيين؟ ماذا يعني الآن إزالة مدينة رفح عن الوجود العمراني وتشريد آلاف الفلسطينيين وقصف المخيمات على رؤوس المدنيين وما إلى ذلك، ماذا يعني ذلك؟ هل يعني أن الشخص المدني اليهودي يمثل الشخص السوبرمان الذي لا بد للعالم أن يخضع أمام أي شيء يصيبه، بينما الشخص الفلسطيني هو كما قال أحد حاخامات إسرائيل، إن الفلسطينيين والعرب هم أفاعٍ وحشرات لا بد من قتلهم.

إن باول عندما جاء إلى الأردن تحدث أن أمريكا لا تقبل تهديم البيوت، لكنه لم يضغط ولو بموقف واحد على إسرائيل في ذلك. إن أمريكا تكذب وتكذب وتكذب على العرب، أما من جهة اليهود، فإنها تخاف من أن تسجل ولو كلمة صغيرة عليهم. لذلك نقول إن الفلسطينيين لو كانوا يملكون القدرة على تحقيق تخفيف الضغط عليهم وعلى مدنييهم وعلى أرضهم بمواجهة عسكرية متناسبة ومتوازنة لما لجأوا إلى ذلك، هم لا يملكون القنابل التي يملكها اليهود، لكن يملكون القنابل البشرية التي أرهقت وأوقعت اليهود في أكثر من مأزق.

الشعوب العربية والهواء الطلق

* لضيق الوقت سماحة السيد، سأكتفي بهذا القدر، ولكن لدي سؤال أخير، تدعون "الجميع في العالم العربي إلى معرفة كيفية إدارة خلافاتهم بطريقة قلتم إنها قد تسقط الهيكل على رؤوس الجميع"، فهل هذه الدعوة ممكنة التحقق في واقعنا الحاضر والسياسي الراهن؟

ـ المشكلة في العالم العربي هي أنه لا توجد حريات حقيقية، فالشعب لا يملك الحرية في أن يختار الذين يمثلونه أو الذين يحكمونه، ولذلك فإن غياب الحرية الحقيقية لا الحرية الفلوكلورية هو المسؤول عن إدمان الواقع العربي لكل هذا التخلف السياسي والثقافي، والذي يجعله ينتقل من زنزانة مذهبية إلى زنزانة شخصانية وحزبية وما إلى ذلك. أطلقوا الشعوب العربية في الهواء الطلق وفي الصحو المبدع وأبعدوها عن الضباب.

* لمن توجه هذه الدعوة سماحة السيد؟

ـ إنني أوجهها للمستقبل.

صحيفة "الميثاق" البحرينية: 24-5-2004(العدد:21) البحرين

 

بيروت: كتبت - رولا أبو شقرا

تحار من أين تبدأ مع المرجع آية الله السيد محمد حسين فضل الله وإلى ما تنتهي في منطقة تكاد تكون خالية إلا من العواصف الكبرى وتداعياتها. وعندما تحار إلى ما تنتهي، سرعان ما يكون ضيق الوقت هو المخرج الممكن لإسدال الستار ولو قسراً على أسئلة متراكمة ومتشعبة في مجريات الأحداث وأبعادها. أما أن تحار بما تبدأ، فلذلك معنى واحد وأنت تندفع قلقاً محاولاً الجمع في آن واحد بين ما تعتقده استراتيجياً وبين ما هو راهن من تطورات، كي لا يفوتك من قراءة المرجع الكبير شمولية الآفاق في تحليله للراهن السياسي المسكون أبداً ببرودة العالِم ـ المفكّر وبعاطفة الرجل المنشغل بقضايا مجتمعه ودينه.

أكثر من أربعين عاماً مرت على مسيرة "السيد" دأب فيها على سبر أغوار الفكر الإسلامي مجتهداً و"محدثاً"، ولا غرابة إذا استعرنا هذا المفهوم من الفكر الحديث لتقديم عالم طالما رفض الدور التقليدي لرجل الدين والاستكانة باسم الإسلام للتخلّف الثقافي، وحضّ على الانفتاح على الحوار مع الآخر كي يكون التغيير ممكن التحقق. فالإنسان الذي يعيش الثبات برأيه يبقى مكانه، أما الإنسان الذي يعيش القلق الروحي والفكري المتحرك حتى في موروثاته، فهو وحده القادر على الغوص في عوالم المعرفة.

إلى الصحو المبدع والهواء الطلق يدعو سماحته الشعوب العربية، لأن قمع الحريات وحده المسؤول عن تخلفنا الثقافي والحضاري، فلا يجد من يوجّه إليه النداء سوى المستقبل علّه يحمل بعض الأمل.

سماحة السيد المنكبّ دوماً على هموم الفكر وشؤون السياسة ومشاكل الناس، خصّنا ببعض من وقته الثمين في منـزله في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكان هذا الحوار:

 

* سماحة السيد، نبدأ بالطريقة التي تقود بها الإدارة الأمريكية العالم اليوم، والانعكاسات السياسية الاستراتيجية لهذه الطريقة على الولايات المتحدة نفسها من منظوركم؟

ـ عندما ندرس سياسة الإدارة الأمريكية، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، نجد أن الإدارة الأمريكية الحالية تختزن في ذهنية رئيسها أنه الشخص الذي أرسله الله من أجل إنقاذ العالم، وتأكيد القيم الأمريكية التي يتمثل فيها الجانب الروحي والإنساني العالمي. في ضوء هذا، فإن الإدارة ورئيسها تنظر إلى ما في داخل مشاعرها وأحاسيسها وعنفوانها الذاتي أكثر مما تنظر إلى الشعوب في آلامها، وربما يؤشر إلى ذلك ما ذكره أحد الكتّاب، أن الرئيس بوش لا يقرأ الصحف ولا يطّلع على برامج التلفزيون، لأنه لا يريد أن يترك أي تأثير على أفكاره من خلال المحللين، ومن خلال البرامج التي تعرضها وسائل الإعلام. رئيس يضع نفسه في المركز الأول في العالم، لا يحاول أن يقرأ ما يقوله الخبراء وما يثيرونه من أفكار نقدية أو تحليلية، بل يكتفي بالتقارير السريعة التي تقدمها له ـ حسب قول هذا الكاتب ـ زوجته، والتي تتطابق مع التقارير التي يقدمها مستشاروه.

* ولكن ما هي الانعكاسات الاستراتيجية لهذه السياسة على الولايات المتحدة؟

ـ من الطبيعي جداً أن الولايات المتحدة الأمريكية في الواقع العالمي تمثل الدولة الأكثر كراهية من الشعوب، كما أنها تمثل ذلك بالنسبة للشعوب الأوروبية التي قد تقترب في تحالفاتها ومصالحها من أمريكا أكثر من الشعوب الأخرى. إننا نجد أن هناك الكثير من الجدل في صدقية الولايات المتحدة الأمريكية من جهة تعاملها السياسي والاقتصادي مع هذه الدول، أو مع مجمل الدول الثمانية التي تمثل الدول الأغنى في العالم، ولا نزال نسمع من السياسيين الأمريكيين السؤال التالي: لماذا يكرهوننا؟ فهم يشعرون أنهم مطوقون بالكراهية من شعوب العالم.

* يرى البعض أن عالم القطب الواحد يحتّم نظرياً على واشنطن هذا النوع من الغطرسة الذي نشهده في العديد من مناطق العالم، هل هو دور حتمي أم أن القضية مرتبطة بالسياسات فحسب؟

ـ أنا أتصور أن المسؤول عن ذلك، هو طبيعة الذهنية التي تحكم حركة القطب الواحد في نظرته إلى العالم، باعتبار أنه يحاول أن يستولي على مقدرات العالم، ويحاول أن يخضع القوى الأخرى لمصالحه، وهذا ما نلاحظه في طريقة إدارة الخلافات بين أمريكا وبعض دول أوروبا، فقد لاحظنا أن بعض ممثلي الإدارة الأمريكية يتحدث عن أوروبا الحالية بأنها أوروبا العجوز بما يشبه الشتيمة، وكأنه يقول إن أوروبا لا تملك الوعي المعاصر الذي يجعلها تواجه المتغيرات بعقلية واقعية في إدارتها للسياسة الخارجية، إشارةً إلى رفض ألمانيا وفرنسا للحرب على العراق.

* الإدارة الأمريكية تسعى، كما قلتم ذات مرة، إلى نسف البديهيات الأساسية لحقوق الإنسان، فإلى أي مدى يمكن أن يؤثر انهيار قيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان، التي تحملها أمريكا كعناوين لتبرير سياساتها، على منظومة القيم الأمريكية بكليتها في عالم يكرّس أكثر فأكثر الانفصال بين الشعوب الغنية والشعوب الفقيرة؟

ـ إنني أشك أن هناك منظومة قيم أمريكية بالمعنى الذي يمثل خطاً قيمياً كلياً. لعلنا نلاحظ أنه منذ أن استطاعت أمريكا أن تأخذ بأسباب القوة بشكل كبير جداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، جعلت الإنسان الأمريكي يشعر بأنه يمثل الشخصية المتفوقة على العالم نتيجة ما تملكه من قدرات، وإذا كان البعض يتحدث عن قوانين الحرية والديمقراطية التي تتمثل في القانون الأمريكي، فإننا نلاحظ أن هذه العناوين انطلقت في واقع الشعب الأمريكي ولم تنطلق لتمتد إلى العالم، وربما نلاحظ أن أمريكا بعد 11أيلول بدأت تشرع بعض القوانين التي تضغط على حرية الشعب الأمريكي، وبالأخص على العرب والمسلمين في أمريكا، ما شكّل عنصر اضطهاد لهم.

إنني أتصور أن هذه الذهنية المستعلية، لا تنطلق من عمق الإنسان الأمريكي العادي، بل تنطلق من أن الإدارة الأمريكية تحتوي شخصيات هم وكلاء عن شركات السلاح كما يقال، مثل رامسفيلد وتشيني وجماعته وشركات البترول أو الشركات الاحتكارية الكبرى التي تريد أن توظف الإدارة الأمريكية في السيطرة على مقدرات الشعوب في العالم.

إن مثل هذه القيم الاحتكارية ـ إذا صحّ التعبير ـ سوف تترك تأثيرها على مستقبل الشعب الأمريكي، باعتبار أنه يخضع للخطوط التي ترسمها هذه الشركات في علاقة هذا الشعب بالشعوب الأخرى، أو أنها تضغط على كثير من حرياته في المستقبل إذا اصطدمت حرياته بمصالح هذه الشركات الكبرى.

إن مشكلة أمريكا أن ديمقراطيتها تخضع لبعض فئات اللوبي اليهودي والمحافظين الجدد، ما يعني أن الشعب الأمريكي ليس هو الذي يصنع سياسته، بل إن هذه القوى التي تمتد في مفاصل الشعب الأمريكي هي التي تصنع له سياسته، مستغلة المشاكل الداخلية التي تسيطر على حركة هذا الشعب في حياته اليومية.

* هل نفهم من ذلك أن شعوب المنطقة لا ينبغي أن تعول على الانتخابات الأمريكية المقبلة؟

ـ ربما نقرأ ذلك من خلال متابعتنا للانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية التي نجح فيها الرئيس بوش، إذ نجد أن الانتخابات الأمريكية التي أنتجت هذا الرئيس مرّت بعملية قيصرية فيها الكثير من اللعبة القانونية والسياسية، وربما كانت الشركات الاحتكارية تقف وراء ذلك. إننا ندرس أن المرشحين للانتخابات الأمريكية يعتمدون في كثير من حركتهم على المال اليهودي وعلى الكثير من أموال الشركات الأخرى التي قد يسيطر عليها اليهود أو المحافظون الجدد وما إلى ذلك، عندها نعرف أن أي مرشح يتحرك يبقى أسيراً لهذه المساعدات التي تأتي من هذا الجانب أو ذاك، وهذا ما يجعلنا نلاحظ أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يعتمدان على أصوات اليهود الذين لا يمثلون أكثرية في الولايات المتحدة.

حتى إن المرشح الديمقراطي كيري يحاول أن يقدم نفسه لليهود بأن أجداده كانوا يهوداً،كما لو كان النسب يمكن أن يجعله محل تأييد من قبل اللوبي اليهودي أو من قبل الشعب الأمريكي. ثم إننا نلاحظ أن الانتخابات الأمريكية لا تتم بالشكل المباشر كما تتم في إيران مثلاً التي تتهمها أمريكا بأنها غير ديمقراطية، أو كما تتمثل في الهند أكبر الديمقراطيات في العالم، ولهذا من السهل جداً اللعب بعملية الانتخاب، سواء كان انتخاب الرئيس أو انتخاب النواب والشيوخ و...

العقوبات على سوريا

* على صعيد السياسات الأمريكية في المنطقة، نبدأ من آخر قرارات الإدارة الأمريكية بشأن العقوبات على سوريا، هل يمكن أن تؤدي حدّة الضغوط برأيكم إلى تنازلات سياسية كبيرة من قِبَل دمشق كما تطمح واشنطن؟

ـ في دراستنا للسياسة السورية، نجد أنها تتحرك بطريقة واقعية تدرس فيها جميع الظروف الموضوعية المحيطة، ولعلها تشعر الآن بأن أمريكا بحاجة إليها في دائرتين، الدائرة الأولى هي الدائرة العراقية، لأن وجود سوريا على حدود أمريكا العسكرية في واقع الاحتلال، يجعل أمريكا بحاجة لأن تتعاون سوريا معها، ولعل كل هذه العقوبات منطلقة من أجل الضغط على سوريا حتى تخضع للتعاون مع أمريكا في تركيز حماية احتلالها للعراق، لأن سوريا وبسبب علاقاتها بالشعب العراقي التاريخية، قادرة على الإضرار بالاحتلال الأمريكي للعراق، ولا سيما بعد أن صرح الرئيس بشار الأسد أن المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني مشروعة في العراق.

* ولكن هل سوريا اليوم في موقع الإضرار بالمصالح الأمريكية؟

ـ إنني أتصور أنها قادرة على الإضرار بهذا الحجم، إذ من الممكن جداً أن بعض الدول قد لا تستطيع إزالة الاحتلال، ولكنها تستطيع أن تربك الاحتلال في هذا المجال أو ذاك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن أمريكا بحاجة إلى سوريا أيضاً في مسألة الحرب على الإرهاب في ما يتصل بالقاعدة وما أشبه ذلك، وهكذا تعرف أمريكا أن سوريا قادرة على إدارة واقع المنظمات الفلسطينية أو المقاومة الإسلامية في لبنان المتمثلة في حزب الله.

لذلك، فإن المسألة في الدائرة السورية ليست مسألة ضعف تجبر سوريا على السقوط أمام أمريكا، ولكن سوريا مع ذلك لا تتخذ موقف المواجهة المباشرة، بل تتحدث بطريقة دبلوماسية، لأنها تريد إدارة الحوار مع أمريكا، خصوصاً أن الطروحات الأمريكية التي تحدّث بها وزير الخارجية باول أخيراً لا تثبت أمام النقد، لأنه تحدث عن أسلحة الدمار الشامل، ولا يزال العالم يعرف أن هذه اللافتة سقطت في العراق عندما حاولت الإدارة الأمريكية أن تبرر احتلال العراق بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، ولا سيما أنها لا تحرك ساكناً، بل إنها تدافع عن امتلاك إسرائيل لأسلحة الدمار الشامل بمختلف أصنافها.

أما قضية حماية الإرهاب، فإن العالم كله، بما فيه الأوروبيون، لا يعتبرون المقاومة الفلسطينية إرهابية، ولا يعتبرون أن المقاومة الإسلامية في لبنان مقاومة إرهابية. ومن هنا، فإن أمريكا تعيش العزلة في إطلاقها كلمة الإرهاب على المنظمات الفلسطينية واللبنانية.

تبقى المسألة التي ركّز عليها باول، وهي مسألة مساعدة سوريا لأمريكا في تثبيت احتلالها أو حماية احتلالها، عندما تحدّث عن ضرورة إغلاق الحدود السورية أمام العراق، وهو يعرف أن الحدود السورية تمثل صحراء، وأنها واسعة ومتداخلة مع الأراضي العراقية، ولا يمكن حتى لأمريكا أن تغلق حدود العراق على سوريا، لأنه لو كانت سوريا قادرةً على ذلك فلماذا لا تقوم أمريكا بإغلاق حدود العراق بالنسبة إلى سوريا أو إيران؟ لأنها تعرف أن هذا طرحاً غير واقعي، لذلك فإنني أتصور أن قانون محاسبة سوريا بالعقوبات التي فرضتها الآن لا تمثل مشكلة فوق العادة لسوريا، وأما القول إن هذا هو بداية الطريق، بحيث تتحول القضايا إلى ما قد ينتهي إلى الحرب على طريقة العراق، فأتصور أن أمريكا تعرف أن المنطقة لا تتحمل، وأن العالم والمنطقة لا تتحملان حرباً واحتلالاً لبلد عربي آخر، لا سيما سوريا، لأن واشنطن غرقت الآن في الرمال المتحركة، فهل تستطيع أن تغرق في رمال سوريا أيضاً؟

سوريـا ولبنـان

* سماحة السيد، ما قلتموه سابقاً حول أن محاسبة سوريا هو نوع من هزّ العصا فقط، وأن المسألة اللبنانية ليست داخلة في الحساب، لأن الدور السوري موضوع على نار قريبة الانطفاء، فهل هذا هو رأيكم اليوم؟

ـ أنا أتصور أن سوريا تمثل للسياسة الأمريكية دوراً حيوياً لا تستطيع الاستغناء عنه، لأن سوريا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تضبط إيقاع الكثير من المنظمات الفلسطينية الراديكالية الموجودة في المنطقة أكثر من أية دولة أخرى، أما الحديث عن مسألة انسحابها من لبنان، فهذه مسألة لا تملك أمريكا الضغط فيها، لأنها قضية بين سوريا ولبنان، وهي قضية تخضع للقانون في البلدين، لأن لبنان هو الذي يمكن أن يقول لسوريا أن تخرج من أرضه.

الأمريكيون يعرفون أن هناك فريقاً من اللبنانيين لا يؤيد الوجود السوري، ولكن هذا الفريق لا يملك لبنان كله، بقطع النظر عن الصواب أو الخطأ في هذا المجال، لأننا لا نريد تقويم الموضوع من موقع هذا الفريق أو ذاك الفريق لبقاء سوريا في لبنان أو لعدم بقائها، ولكن من الناحية الواقعية، هذا الفريق اللبناني لا يمثل القوة الأقوى في لبنان.

* هل تتوقعون ضربة إسرائيلية لمواقع بعض المنظمات الفلسطينية في دمشق، علماً أن إسرائيل قامت بذلك سابقاً؟

ـ إن إسرائيل لا تملك الآن، بحسب الظروف الموضوعية المحيطة بها، أن تدخل في حرب جديدة مع سوريا، لأنها غارقة في الحرب الداخلية الفلسطينية، ونحن نلاحظ في هذا المجال الحرص الإسرائيلي على احتواء أي حادث يقع على الحدود اللبنانية الفلسطينية، ما يعني أنها تحاذر من فتح الجبهة الشمالية للبنان فكيف تغامر بجبهة لبنانية ـ سورية.

* كيف تقيّمون الأوضاع العراقية قبيل تسلم العراقيين ما يسمى بـ"السيادة" آخر هذا الشهر؟

ـ لن يتغير شيء في العراق من الناحية السياسية، لأن سيادة أي بلد لا تتحرك في اللافتة السياسية التي توضع على واجهته، بل تتمثل في القوة العسكرية التي تحمي هذه السيادة والقوة الاقتصادية التي تؤكد أيضاً هذه السيادة.

لو تابعنا التصريحات الأمريكية، لوجدنا أن الجيش العراقي الذي يراد تأسيسه سوف يكون تحت قيادة الجيش الأمريكي المحتل، وإذا تابعنا المسألة الاقتصادية في قضايا الاستثمار في العراق وقضايا إعماره فسنرى أيضاً أنها تخضع للقرار الأمريكي، وكذلك التشريعات، سوف لن يكون لهذه الحكومة دورٌ فيها إلا بعد الانتخابات. فأي سيادة هي هذه السيادة؟ إنها حكومة على غرار مجلس الحكم الانتقالي، ولكن بغطاء سيادي لا يحمل في داخله أي معنى لهذه الكلمة.

العـراق والفتنـة

* برأيكم، هل تجاوز الوضع في العراق إمكانية الفتنة الطائفية؟

ـ إنني أؤكد أن الفتنة بين صفوف العراقيين السنّة والشيعة لم تكن واردة في الحساب منذ البداية وحتى الآن وفي المستقبل، لأن هناك الكثير من الضوابط لدى الشخصيات الشيعية والسنية، سواء من علماء الدين أو من الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي منعت الفتنة في الماضي وتمنعها في المستقبل.

* وهل الفتنة تتحرك فحسب من موقع الوعي الفردي؟

ـ لا، إنني أعتقد أن ذهنية الإنسان العراقي ليست ذهنية الفتنة الطائفية، وخصوصاً أن العشائر العراقية ـ والعراق بلد عشائري ـ متداخلة في المذهبيات الإسلامية الدينية، فأية عشيرة من هذه العشائر تجد في داخلها سنّة وشيعة.

* القيادات والمرجعيات الشيعية في العراق منقسمة حول مسألة الكفاح المسلّح، فهل تعتقد أن هذا الانقسام يفضي موضوعياً أو ضمنياً إلى النأي عن حماية الشيعة في العراق؟

ـ لا أتصور أن أمريكا تريد أن تحمي أحداً، لأنها دخلت العراق لحماية مصالحها، ولكن قد تستغل بعض الظروف الموضوعية الحاصلة لفريق هنا وفريق هناك للّعب على هذا الوتر، كما لعبوا على وتر السنة والشيعة، بأن المقاومة سنية في المثلث السني وأن الشيعة لا يؤمنون بالمقاومة باعتبار أنهم يتحدثون عن مقاومة سلمية وليست عسكرية، لكننا نلاحظ في هذا المجال، أن قضية الشيعة ليست قضية الانفتاح على المحتل، بل هي قضية الظروف الموضوعية التي أحاطت بالواقع الشيعي، والتي أتعبت وأرهقت كل النسيج الشيعي، سواء في الداخل أو في الخارج، ما جعل القيادات الإسلامية الشيعية تشعر أنه ليست هناك ظروف موضوعية ملائمة، إن من الناحية السياسية، باعتبار أن المقاومة تحتاج إلى امتداد خارج نطاق البلد الذي تقاوم فيه، أو من نواحي عسكرية أو غير ذلك. غير أن الشيعة لم يستقبلوا المحتل بالورود مثلما لاحظنا عندما دخل المحتل إلى العراق من باب الجنوب، فقد واجه مقاومة هناك.

لذلك، فالمسألة هذه من المسائل الخاضعة لظروف موضوعية، وقد لاحظنا أنه في المرحلة الأخيرة، عندما استفزت أمريكا بعض الجهات الشيعية، فإنها فتحت على نفسها النار الجديدة لمقاومة تداخلت فيها المقاومة السنية مع المقاومة الشيعية.

العـراق المرجعيـة

* كيف يمكن أن تنعكس التطورات في العراق على العلاقات الشيعية ـ الشيعية في لبنان وسط عودة التنافس بين المرجعيتين العراقية والإيرانية؟

ـ لا أعتقد أن هناك تنافساً بين المرجعية الإيرانية والعراقية إذا صحّ التعبير، أولاً لأن المرجعية العراقية البارزة هي إيرانية، فالسيد السيستاني هو رجل إيراني، هذا من جهة، وحتى الآن هو يملك الجنسية الإيرانية لا العراقية، وثانياً، لأن الظروف الحاضرة جعلت المرجعية الإيرانية ـ إذا صحّ التعبير ـ تدعم المرجعية الشيعية العراقية بكل واقعية وبكل قوة، لذلك أستطيع أن أؤكد أنه ليست هناك أية حالة تناقض أو تنافس أو تنافر بين المرجعيتين.

* في الملف الفلسطيني، ننتقل سماحة السيد إلى آخر الاعتداءات على رفح التي أتت كتعبير واضح عن الضوء الأخضر الأمريكي بعد موافقة بوش على خطة شارون للفصل، يبدو أنه بات يتضح أكثر فأكثر انسداد أفق التسوية، فإلى أين يتجه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برأيكم، وهل الفلسطينيون في موقع القدرة على استثمار مأزق شارون؟

ـ أتصوّر أن المسألة الفلسطينية تملك مركز قوة وحيد، وهو الصمود الفلسطيني والالتفاف الشعبي حول المقاومة، فهذا الشعب يخرج بعشرات الألوف دعماً للمقاومة، ولمواجهة أي حالة من حالات العدوان الإسرائيلي على هذه الجهة وتلك. إنني ألاحظ بأن الشعب الفلسطيني تحول إلى شعب مقاومة يتحرك أطفاله ونساؤه وشيوخه وشبابه من موقع ذهنية واحدة ترفض الاحتلال وتركز على الحرية والاستقلال.

لذلك، فإن هناك نوعاً من الاتحاد بين المقاومة والشعب، حتى إن السلطة لا تستطيع أن تقف في موقف مواجهة للمنظمات الفلسطينية. لهذا فإني أعتقد أن هذا الصمود الفلسطيني الرائع شعباً ومقاومة وسلطة أيضاً ببعض الاعتبارات، هو الذي صنع أكثر من مأزق للإسرائيليين وللأمريكيين معاً. ولا نبالغ أبداً إذا قلنا إن النازي لم يبلغ ما بلغه اليهود في نازيتهم الوحشية بالنسبة إلى اليهود أو غير اليهود الذين عاقبهم هتلر، لأن اليهود يحرقون الشعب الفلسطيني في اقتصاده وأمنه وعمرانه ومزارعه وكل شيء. إنني أزعم أن هتلر يمثل رجل سلام بالنسبة إلى بوش وشارون.

العمليـات الاستشهاديـة

* أنتم لا تعارضون استهداف المدنيين الإسرائيليين في العمليات الاستشهادية، ولكن ألا تعتقدون أن العملية النوعية التي نفذت مؤخراً في غزة وأدّت إلى مقتل عدد من جنود الاحتلال هي أكثر فعاليةً على المستوى السياسي، خاصة وأن إسرائيل تسعى لإظهار صورة المقاومة الفلسطينية كمجموعة من منظمات إرهابية؟

ـ علينا أمام هذا السؤال المتكرر أن ندرس الأمور ميدانياً، إن إسرائيل تملك كل شيء في فلسطين، إنها تملك الأرض على مستوى الاحتلال وتملك أكثر الطائرات تطوراً، بحيث إنها تساوي أمريكا في نوعية الطائرات التي لا تعمل إلا في الحروب الكبيرة، سواء (أف16) أو (الأباتشي) أو غيرهما، وتملك أكثر الصواريخ تقدماً وأكثر الأسلحة النوعية تطوراً، وتملك حرية الحركة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، والقيام بقتل آلاف الفلسطينيين واعتقالهم وجرف مزارعهم وتدمير بيوتهم... أما الفلسطينيون فماذا يملكون؟ يملكون العبوة والكلاشينكوف وبعد الصواريخ البدائية التي تسمى صواريخ قسام.

حرب بهذا المستوى من اختلال موازين القوى، يقتل فيها الأمن الإسرائيلي كل الأمن الفلسطيني، ماذا يفعل الأمن الفلسطيني؟ هل ينتظر الظروف الملائمة لقتل الجندي الإسرائيلي كما فعل في غزة؟ أم أن عليه أن يقتل الأمن الإسرائيلي أو يهدده كحركة مبررة عسكرياً من ناحية ظروف الحرب، كما أنها مبررة سياسياً لأنها تمثل الحكومة اليهودية من خلال الشارع اليهودي؟!

لذلك فإن الفلسطينيين لا يريدون قتل المدنيين الإسرائيليين من أجل قتلهم، بل من أجل قتل الأمن الإسرائيلي. إنها حرب بين الأمن الإسرائيلي والأمن الفلسطيني، وأنا أتساءل، وإن كان كلامي قد يفسّر بغير ما أريد، أن أمريكا عندما أطلقت قنبلة ذرية في هيروشيما قتلت ما يقارب عشرات الآلاف، وبررت ذلك بأن الحرب تفرض ذلك. نحن لا نبـرّر ذلك، ولكن نقول لماذا يصرخ العالم كله ضد الفلسطينيين لأنهم قتلوا مدنيين مع أن ظروفهم الأمنية تفرض ذلك ولا يصرخون أمام ما تفعله أمريكا أو ما تفعله إسرائيل من قتل المدنيين؟ ماذا يعني الآن إزالة مدينة رفح عن الوجود العمراني وتشريد آلاف الفلسطينيين وقصف المخيمات على رؤوس المدنيين وما إلى ذلك، ماذا يعني ذلك؟ هل يعني أن الشخص المدني اليهودي يمثل الشخص السوبرمان الذي لا بد للعالم أن يخضع أمام أي شيء يصيبه، بينما الشخص الفلسطيني هو كما قال أحد حاخامات إسرائيل، إن الفلسطينيين والعرب هم أفاعٍ وحشرات لا بد من قتلهم.

إن باول عندما جاء إلى الأردن تحدث أن أمريكا لا تقبل تهديم البيوت، لكنه لم يضغط ولو بموقف واحد على إسرائيل في ذلك. إن أمريكا تكذب وتكذب وتكذب على العرب، أما من جهة اليهود، فإنها تخاف من أن تسجل ولو كلمة صغيرة عليهم. لذلك نقول إن الفلسطينيين لو كانوا يملكون القدرة على تحقيق تخفيف الضغط عليهم وعلى مدنييهم وعلى أرضهم بمواجهة عسكرية متناسبة ومتوازنة لما لجأوا إلى ذلك، هم لا يملكون القنابل التي يملكها اليهود، لكن يملكون القنابل البشرية التي أرهقت وأوقعت اليهود في أكثر من مأزق.

الشعوب العربية والهواء الطلق

* لضيق الوقت سماحة السيد، سأكتفي بهذا القدر، ولكن لدي سؤال أخير، تدعون "الجميع في العالم العربي إلى معرفة كيفية إدارة خلافاتهم بطريقة قلتم إنها قد تسقط الهيكل على رؤوس الجميع"، فهل هذه الدعوة ممكنة التحقق في واقعنا الحاضر والسياسي الراهن؟

ـ المشكلة في العالم العربي هي أنه لا توجد حريات حقيقية، فالشعب لا يملك الحرية في أن يختار الذين يمثلونه أو الذين يحكمونه، ولذلك فإن غياب الحرية الحقيقية لا الحرية الفلوكلورية هو المسؤول عن إدمان الواقع العربي لكل هذا التخلف السياسي والثقافي، والذي يجعله ينتقل من زنزانة مذهبية إلى زنزانة شخصانية وحزبية وما إلى ذلك. أطلقوا الشعوب العربية في الهواء الطلق وفي الصحو المبدع وأبعدوها عن الضباب.

* لمن توجه هذه الدعوة سماحة السيد؟

ـ إنني أوجهها للمستقبل.

صحيفة "الميثاق" البحرينية: 24-5-2004(العدد:21) البحرين

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية