أكّد العلامة المرجع محمد حسين فضل الله، أن لا مصلحة لأحد في تقسيم العراق، حتى إن الأمريكيين أنفسهم لا يريدون تقسيم هذا البلد، وقال إن السنة والشيعة وسائر فئات الشعب على موقف واحد في رفض الاحتلال الأمريكي.
ودان فضل الله في حديث لـ"السياسة" بشدّة ذبح الرهائن في العراق، وقال إن ذلك مُسيءٌ، مشيراً إلى أن الموساد يتحرك في العراق لمنع قيام دولة قوية في هذا البلد قادرة على محاربة إسرائيل، معتبراً أن استمرار سياسة أمريكا في العراق وفلسطين على هذا النحو سيخلق مناخاً متحركاً في محاربة الأمريكيين في المنطقة.
ورأى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك أيّ فرصة لعمل عسكري ضد إيران ولفت إلى أنه لا يتصوّر أن أمريكا وفرنسا ستسيران في تنفيذ القرار 1559 حتى النهاية. وبعيداً عن المواضيع السياسية، أكّد فضل الله أن التدخين لا يفطِّر مع أنه محرم...
وفيما يلي نصُّ الحديث:
* ما أسباب اللغط الدائم بشأن استبيان بداية شهر رمضان؟ وما هي الوسيلة الأنجع برأي سماحتكم لإنهاء هذا اللّغط؟ وما صحة الحسابات الفلكية؟ وهل يجوز اللجوء إليها؟
ـ عندما نريد أن ندرس مسألة النظام الزمني الذي وضعه الله للناس من خلال القمر، فإننا نلاحظ أن مسألة الشهور هي من المسائل المرتبطة بالسماء إذا صحّ التعبير، لا بالناس، وقد قال الله سبحانه وتعالى وهو يتحدث عن هذا النظام الكوني: {إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض} [التوبة:36]. وهذه الآية توحي بأن هذا النظام وجد قبل أن يكون هناك إنسان، الأمر الذي يدل على أنه ليس مرتبطاً بالرؤية وعدم الرؤية، بل هو مرتبط ببعض الأسباب الموجودة في داخل هذا النظام كأي ظاهرة كونية تخضع لأسبابها، لأن الله خلق الأشياء في الكون بأسبابها {إنّا كل شيءٍ خلقناه بقدر} [القمر:49]، وعندما ندقق في مسألة القمر، فإننا نجد أن للقمر وجهاً مضيئاً ووجهاً مظلماً، وأنه يظل يكشف عن وجهه المضيء في رحلة الشهر منذ بدايته حتى نهايته، ليصل في النهاية بعد أن يبدأ بفقد نوره تدريجياً، إلى اختفاء وجهه المضيء ليبرز وجهه المظلم، وهذا ما يعبر عنه بدخوله في مرحلة "المحاق".
ثم يبدأ رحلة الكشف عن وجهه المشرق، وهذا ما يسمى بولادة الهلال، وهذا هو الذي يحدد نهاية الشهر وبدايته. وإلا فإن الزمن مستمر من دون أي حواجز مادية. أما مسألة الرؤية، فهي مرتبطة بالتفاعلات أو بالعناصر التي تحكم حركتها، وليست مرتبطة بالناس، والمسألة هي كيف نكتشف وجود القمر بوجهه المضيء حتى نستطيع أن نحدد بداية الشهر. هناك الحديث المشهور الذي يرويه كل المسلمين عن النبي محمد(ص): "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته".
إننا عندما نستنطق هذا النص الذي يربط مسألة الصوم والإفطار بالرؤية، فإننا نلاحظ أن الرؤية في المفهوم العام لا تدل عن الوسيلة الحسية لاكتشاف وجود شيءٍ ما يراد به معرفة وجوده. وعلى هذا الأساس، ليس للرؤية موضوعية بحيث تكون لها خصوصية خارج نطاق الكشف عن وجود الشيء، ولعلّنا نستشهد هنا ببعض المحاورات الشعبية، فلو قال شخص لشخص إذا رأيت فلاناً فأخبرني، ولكنه لم يرَ فلاناً، وإنما اتصل به فلان هاتفياً، فهل يخبره أم لا؟ إن الناس كلهم يقولون إن عليه أن يخبره، لأن الرؤية لم تلحظ إلا من حيث كونها كاشفة عن الوجود لا لخصوصية فيها.
وهنا نقول إن الرؤية وسيلة حسية من وسائل معرفة وجود الهلال في الأفق، ولكن الحسابات الفلكية الدقيقة التي وصلت إلى مستوى المعادلات الرياضية في مسألة التوليد، أصبحت تكشف وجود القمر في الأفق بعد خروجه من المحاق، وهو ما يعبَّر عنه بولادة الهلال بنسبة مئوية ليس فيها أي خلل.
وعلى هذا الأساس، فإنها تشير كما تشير الرؤية إلى وجود الهلال، بل ربما تكشف الآن عن وجود الهلال أكثر من الرؤية التي تعتمد على المشاهدة في الفضاء، ونحن نعرف أن الفضاء أصبح ملوّثاً بالكثير من العناصر التي قد يخيل فيها للإنسان أنه رأى شيئاً يشبه الهلال.
ولذلك، فإننا نعتبر أن الحسابات الفلكية الدقيقة التي لا يختلف فيها اثنان من الفلكيين، هي أكثر دقةً من الرؤية الآن نتيجة هذا التلوّث وهذا الاشتباه الذي يحصل مع الرائين، بل إننا نعرف أن دقة الحسابات الفلكية بلغت من الحسم المئوي بالمستوى الذي نلاحظ فيه أنهم يخبرون عن الكسوف والخسوف قبل مئة سنة. وهذا ما يعرفه كل الناس، وهذه الحسابات هي التي يستعين بها العلماء في الرحلات الفضائية وما إلى ذلك.
لهذا، فإننا نجد أن استبيان أول الشهر يمكن أن يكون بواسطة الحسابات الفلكية الدقيقة، فإذا قال الفلكيون إنّ الهلال قد ولد، أي خرج من المحاق وأنه اختزن كميةً من الضوء بحيث يمكن رؤيته لولا العوائق الموجودة في الفضاء أو عند الرائي، فإننا نحكم بثبوت الهلال وبالمستوى الذي هو أكثر دقةً مما قد يحصل للإنسان من خلال الرؤية.
والفلكيون يجمعون على أنه لا يمكن رؤية الهلال في منطقة الشرق الأوسط في هذه السنة، ولكن يمكن أن يرى في جنوب أمريكا أو في بعض المناطق الأخرى خارج نطاق الشرق الأوسط، ولكننا رأينا أن أكثر من 50 شخصاً في الخليج وغيره ادّعوا الرؤية، فالمسألة قد يصيبها الخطأ. ونحن نعرف أنه في إيران قبل سنين شهد أكثر من مائة شاهد برؤية الهلال في الوقت الذي حكم على أساس هذه الشهادة بثبوت العيد، ولكن القمر كان في المحاق. من هنا نعتقد أن الحسابات الفلكية الدقيقة كما قلت أكثر دقةً من مسألة الرؤية.
* لماذا لا يُصار إذاً إلى اعتماد الحسابات الفلكية في استبيان بداية شهر رمضان في الدول الإسلامية؟
ـ إننا أطلقنا هذه الفكرة منذ أكثر من عشر سنوات، وأفتينا بها وأثارت الكثير من الجدل، ولا زالت تثير الجدل الذي استخدم فيه بعض الناس بعض الأساليب غير العلمية في عملية التشهير أو ما إلى ذلك، ولكن التعبد بالنص بحرفيته، حيث يحكمون بأن للرؤية موضوعية، هو السبب في ذلك، ولكننا لاحظنا أن بعض العلماء بدأ يقترب من الرأي الذي أكّدناه، فهناك بعض العلماء في النجف وغيرهم من علماء المسلمين السنّة، يرون أنّ نأخذ بحسابات الفلك في الجانب السلبي، أي بمعنى أنه إذا أكد الفلكيون أنه لا يُرى وشهد الشهود بالرؤية، فإننا لا نقبل شهادة الشهود، ولكننا لا نحكم بمقتضى الفلك، وكنا نقول لهم إذا كان قول الفلكي حجة فلماذا لا تأخذون به في الجانب الإيجابي، وإذا لم يكن قول الفلكي حجة فكيف تأخذون به في الجانب السلبي. فإذا شهد الشهود وشهادتهم حجة شرعية، فلماذا نرفضها لنأخذ بآراء رجال الفلك؟!
إنني أعتقد أن التطور الاجتهادي في حركة العلماء في الزمن سوف يؤدي بهم إلى أن يأخذوا بهذا الرأي الذي يمكنه وحده أن يوحّد أعياد المسلمين وبدايات شهورهم وحجهم.
* هل صحيح أن التدخين لا يفطر في شهر رمضان كما تقولون سماحتكم؟
ـ لعلّ الذين أثاروا الجدل حول هذه الفتوى لم يدقّقوا في حدودها، فإنني من الفقهاء الذين يحكمون بحرمة التدخين في الليل وفي النهار وفي كل الزمن، لأنه مضرّ، وكلُّ ما يضرّ البدن فهو حرام، وقد بلغ من ضرره حسب المتخصّصين، أنه أصبح المسؤول بدرجة كبيرة عن سرطان الفم والرئة والحنجرة، ما يعني أنه يعرض الجسم للتهلكة، والله تعالى يقول: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:195]، ويقول أيضاً في سبب تحريم الخمر والميسر: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}، والمراد من الإثم الضرر، وكل ما كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام.
ولكن التدخين مع كونه محرماً فهو غير مفطر، لأن المفطرات هي الأكل والشرب والجنس التي تحدّث عنها القرآن، وهناك أمور أخرى مما اختلف فيها العلماء. لذلك فالتدخين ليس مفطراً، لأن دخول الدخان إلى الفم لا يفطر، فلو أن الإنسان مرّ على شخص يشوي لحماً أو سيارة تطلق دخاناً ودخل الدخان إلى فمه فإنه لا يفطر.
ولكننا في الوقت نفسه نقول إنه يحرم على الإنسان أن يُدخِّن، ولكنه لو دخَّن وعصا الله في تدخينه فإنه لا يفطر، تماماً كما نقول إنه يحرم على الإنسان الغيبة، ولكنه لو اغتاب لا يفطر، فهو يأثم ولا يفطر.
فبعض الناس يأخذون بعض الكتاب ويكفرون ببعض، لأنني في الوقت الذي أقول إن التدخين لا يفطر، فإنني أقول لا يجوز التدخين، وأضيف إلى ذلك أن التدخين في شهر رمضان محرم أولاً من جهة حرمته الذاتية، وثانياً لأنه يؤدّي إلى هتك حرمة شهر رمضان، فهو حرام من الجهتين.
* ما حكم الدين في رأيكم بالنسبة إلى الصائمين الذين يحاولون تمضية الوقت بلعب الورق والشطرنج وغيرها من ألعاب التسلية؟ وكذلك هل تعتبرون أن مشاهدة الأزواج الأفلام الخلاعية محرّم شرعاً؟ وهل دخول المرأة إلى ملاعب كرة القدم محرّم؟
ـ بالنسبة إلى قضية اللعب بالورق، فإنني أرى حرمته من جهة كونه قماراً، والقمار يتركز على اللعب الذي ينتج ربحاً، وإلا لا يكون قماراً، لأن الله حرَّم الميسر الذي هو عبارة عن اللعب الذي يختزن في داخله ربح الغالب على الآخر، ولذلك نحن قلنا بحلية كل ألعاب التسلية إذا لم يكن هناك شرط في ما بين اللاعبين بخسارة المغلوب.
وهكذا نحن التزمنا بأن لعبة الشطرنج حلال أيضاً بالرغم من أن أكثر العلماء يقولون بحرمة هذه اللعبة، لأن الروايات الواردة في مسألة الشطرنج تتحدث عن حرمته بعنوان كونه ميسراً. ونحن نعرف أن الميسر هو اللعب الذي يستتبع ربحاً، أما إذا كان اللعب بالشطرنج لا يستتبع ربحاً، بل هو لإراحة الفكر أو للتسلية فليس محرماً. ولكننا في فتوانا بحلية اللعب بأدوات التسلية، كالورق وغيره، اشترطنا ألا يسيء ذلك إلى مسؤوليات الإنسان، أي ألاّ يعزله عن أهله ومحيطه، بمعنى أن يأخذ به كما يأخذ أي إنسان بلون من ألوان التسلية، على أساس: "روِّحوا القلوب ساعةً بعد ساعة".
أمّا في ما خصّ الأفلام الخلاعية، فنحن نحرِّم مشاهدتها، باعتبار أنها تفقد الإنسان المناعة الأخلاقية، إضافة إلى أنها قد تترك بعض الآثار السلبية على العلاقة الزوجية، عندما تشاهد الزوجة أو الزوج الأفلام التي يمثّلها الممتهنون للجنس، ما قد يترك انعكاسات سلبية على العلاقات الزوجية. ولذلك فإننا نحرِّم مشاهدة الأفلام الخلاعية، ولكننا في المقابل استثنينا حالة واحدة، وهي حالة ما إذا كان الرجل أو المرأ أو كلاهما مصابين بالبرود الجنسي كمرض، بحيث لا يتمكّن الإنسان معه من القيام بالعملية الجنسية بشكل طبيعي، وهو ما يهدِّم حياته الزوجية، ولم يكن هناك أي دواء نفسي أو دواء مادي يمكن أن يساعده على تخطّي مشكلته، وقد وصل به الأمر إلى حد الاضطرار، وحينها: {فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه} [البقرة:173]، أو: "ما من شيء إلا وقد أحلّه الله لمن اضطرّ إليه".
وكذلك فإننا نحلل دخول المرأة إلى ملاعب كرة القدم، وهذا ليس محرّماً، خلافاً لما يجري في بعض الدول الإسلامية، ولا نرى حرمةً في نظر المرأة إلى اللاعبين إذا لم يكن بتلذّذ وريبة، وإذا لم يكن مثيراً للشهوة أو مؤدياً للانحراف.
* كيف تنظرون إلى ما يجري في العراق، وما هي رؤيتكم لمستقبل هذا البلد في ظل الحديث عن اتجاه لتقسيمه وتفتيته؟
ـ بالنسبة إلى الصورة العامة للموضوع في العراق، فإننا نتصور أنه ما دامت القوات الأميركية وحلفاؤها في العراق، فمن الصعب أن يحصل هناك أي أمن مستقر في هذا البلد، على الرغم من كل هذه العمليات الهجومية الساحقة كما يحدث في الفلوجة أو غيرها، لسبب بسيط، وهو ما صرح به بعض المحللين الأميركيين وغيرهم، وآخرهم كان رئيس فريق المفتشين الدوليين التابعين للأمم المتحدة سابقاً "بليكس"، أنّ حرب العراق هي التي أدّت إلى تطور الإرهاب، حتى إن المسؤولين الأميركيين صرحوا بأن العراق أصبح ساحةً للإرهاب، لأن كل أعداء أميركا في العالم بدأوا يتجمعون في العراق ويستفيدون من الحدود المفتوحة التي تحيط به من خلال الدول المجاورة له، ولذلك فإن الأمن في العراق لن يتحقق إلا من خلال هزيمة أميركا وخروجها وتسلم الشعب العراقي مصيره بيده، أو من خلال انتصار أميركا على المقاومة العراقية، وهذا لن يحصل.
وقد حدّثني أحد الصحافيين البريطانيين الكبار عند زيارته للعراق، بأنه خرج بنتيجة حاسمة، وهي أن أميركا لن تستطيع البقاء طويلاً في هذا البلد، ونحن نتصوّر أن الدعم المطلق الذي تمنحه أميركا لحركة الإرهاب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، في المجازر اليومية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي يزيد من نقمة الشعوب ضد أمريكا، وكذلك ضد إسرائيل.
من هنا، فإنّ السياسة الأميركية في المنطقة، ولا سيما في أزمة الشرق الأوسط، وطريقتها في إدارة احتلال العراق، وفي ضغوطها على دول المنطقة من الناحية السياسية والاقتصادية، وتهديدها بالضربات الأمنية المقبلة، سوف يخلق مناخاً متحرّكاً متطوّراً لمحاربة أميركا في المنطقة. حتى إننا نلاحظ أن الدول الحليفة للولايات المتحدة تقف في حالة قلق وترقّب للمستقبل الذي سوف تتحرك فيه أميركا ضدهاً، لأن هذه الأخيرة لا صديق لها وخصوصاً الإدارة الحالية التي يسيطر عليها اللوبي اليهودي والمحافظون الجدد الذين يتحركون على أساس العداء للعالمين العربي والإسلامي.
لهذا، فمن الصعب جداً أن يستقرَّ الوضع في العراق، قد يستقر في منطقة ولكنه يهتز في منطقة أخرى، حتى إننا نلاحظ أنّ الحرب ضد الاحتلال تطورت إلى حرب ضد العراقيين، فهم يقتلون رجال الأمن والحرس الوطني والذين يتعاونون مع أميركا، حتى في الأمور المدنية مثلاً، وقد وصل الأمر إلى قتل أساتذة الجامعات والعلماء، لأن المسألة في هذا البلد تحولت إلى حرب بالدرجة التي دخلت فيها إسرائيل على الخط، باعتبار أن الموساد الإسرائيلي يتحرك من أجل إسقاط كل قوة في العراق، حتى لا ينشأ هناك عراق جديد يمكن أن يحمل شعار محاربة إسرائيل.
أما قضية تقسيم العراق، فإننا نتصور أنه من الصعب جداً تقسيم العراق بالشكل الذي يثيره الإعلام، لأنه ليس هناك عقلية تقسيمية، على الأقل في الفريقين الكبيرين في العراق السنة والشيعة. ولذلك فإنه ليس هناك أي ذهنية لدى المسلمين العرب في العراق تتحدث عن دولة سنيّة أو دولة شيعية، كما أنه ليس هناك واقعية في هذا التقسيم، وهناك أيضاً أقليات في العراق، كالتركمان والآشوريين وغيرهم لا يفكرون بذلك.
لكن قد تبرز مشكلة التقسيم بالنسبة إلى المسألة الكردية، لأن الأكراد يتحدثون عن الفيدرالية التي ليس لها واقعية إلا في كردستان فقط، لتكون الفيدرالية مقدمة لانفصال الأكراد عن العراق عندما تأتي الظروف المناسبة، وبالتالي ربما تنطلق المشكلة الكردية في جوار العراق وتركيا وإيران وسورية، لأن للأكراد طموحهم القومي الذي يتحدث عن القومية الكردية في نطاق الدولة الموحّدة، كما يتحدث العرب عن القومية العربية.
كما وأن تقسيم الدول ينطلق من مصالح الدول الكبرى، ونحن لا نجد أي مصلحة لأميركا أو لأوروبا التي لا تملك لنفسها شيئاً أمام الولايات المتحدة، في تقسيم العراق، أضف إلى ذلك، أنه إذا أردت أن تقسم دولة في منطقةٍ، فلا بد أن يكون ذلك من خلال خطّةٍ تقسيمية، فإذا تحدث المتحدثون عن تقسيم العراق، فقد يتحدثون عن تقسيم العروبة، وربما عن تقسيم تركيا أو إيران، وهذا ليس واقعياً في المستقبل المنظور.
* ما هو موقفكم من عمليات القتل والذبح التي يتعرض لها الأجانب في العراق؟ وهل صحيح أن إسرائيل تقف وراء هذه العمليات عبر عملائها؟
ـ هناك نقطة لا بد أن نبحثها بموضوعية، وهي أن الذين يخطفون الرهائن لا ينطلقون من عمل فردي، بل إن بعضهم يتحرك من خلال تنظيمات معينة تعتبر أن خطف الرهائن وذبحهم يمثِّل وسيلة من وسائل الضغط على دولهم ليسحبوا قواتهم من العراق، أو للضغط على الشركات لتمتنع عن مساعدة الاحتلال في تنظيم أمور العراق تحت إشرافه وبتخطيطه، أو ملاحقة الجواسيس الأميركيين.
والذين يقومون بهذه الأعمال يتصوّرون أنها مهما كانت وحشيّتها، فهي جزء من وسائل مقاومة المحتل، لأن مقاومة هذا المحتل قد تكون بشكل مباشر، وقد تكون بالضغط عليه لتجريده من كلِّ مواقع القوة بطريقة وبأخرى.
ولكننا نعتقد أن ما يقوم به هؤلاء قد يسيء إلى المقاومة ـ إن كانت هناك مقاومة حقيقية ـ أكثر مما ينفعها، لأنه يفقدها تعاطف شعوب العالم التي وقفت مع الشعب العراقي ضد الحرب، كما في إيطاليا وفرنسا وغيرهما من الدول، ويتيح لأميركا أن تعمل على تشويه صورة هذه المقاومة، كما أن المسألة ليست إنسانية ولا إسلامية، وهم يضعون الإسلام واجهة، فلا يجوز لإنسان أن يخطف صحافياً أو عاملاً في مؤسسة إنسانية، سواء كان أجنبياً أو عربياً.
ونقول إن هذا الأمر ليس شرعياً، وقد أفتينا بحرمته واستنكرناه، لأن القاعدة الإسلامية تقول في القرآن الكريم: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. كما وإننا أفتينا بأنه لا يجوز مساعدة الجيش الأميركي بأيِّ شيء يقوِّي موقعه واحتلاله للعراق.
* هل ترى أن العراق يشكِّل بدايةً لمرحلة تغييرات في أنظمة الدول العربية المجاورة؟
ـ إننا نعتقد أن العالم العربي بشكل عام، وربما حتى العالم الإسلامي، بحاجة كبيرة إلى الإصلاح، نتيجة أن الأنظمة التي تحكم هذه الدول ليست أنظمة شعبية، بل هي أنظمة أقرب إلى الأنظمة الاستبدادية المفروضة على الشعوب.
كما إن طبيعة القوانين التي تحكم وقضية توزيع الثّروة وتنظيم العمل، كلّها أثقلت الواقع الشعبي وجعلته كما يقول بعض الشعراء:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول
هناك فرق بين أن تقوم الشعوب مع القائمين على شؤونها بإصلاح أمورهم بما يتّفق مع التقاليد والعادات والذهنية، وبين أن يأتي الإصلاح من الخارج، ونحن نعرف أن أميركا عندما تتحدث عن الديمقراطية كنظام لشعوب المنطقة والعالم الثالث، فإنها تتحدث عن ديمقراطية تخدم مصالحها ولا تريد ديمقراطيةً لا تلتقي مع مصالحها.
* ما رأيكم في التهديدات الأميركية لسورية بعد صدور القرار 1559؟
ـ أعتقد أن العلاقات الأميركية السورية سوف تبقى طويلاً في دائرة الإيجاب لا السلب، ولكنها عملية جدلية لضغوط أمريكية على سورية، لتقدّم دمشق تنازلات لواشنطن بقدر ما يتعلق الأمر بالعراق من جهة أخرى.
* ما تفسيرك للانقلاب في الموقف الفرنسي؟
ـ هناك قضايا عالقة بين فرنسا وسورية، فهي قضايا فرنسية سورية من جهة، ومن جهة أخرى، فإن فرنسا تعتبر أن لبنان يمثل موقعاً من مواقع النفوذ الذي يمتد من تاريخ الاستعمار الفرنسي حتى الآن، ولهذا فإنها لا تريد لأميركا أن تستقلّ في أيِّ شأن لبناني، بل تريد أن تشارك الولايات المتحدة عندما تجد الأخيرة مقبلة على التدخل في بعض الشؤون اللبنانية.
* هل تتوقع أن تسير أميركا وفرنسا في القرار 1559 إلى النهاية؟
ـ لا أتصوّر أن الولايات المتحدة وفرنسا ستسيران إلى النهاية، ولعلّنا عندما ندرس هذا الإرباك في مجلس الأمن الدولي واختلاف الآراء، نعرف أنّ الدول الأخرى ليست مستعدة لأن تسمح لأميركا ولفرنسا بالسير بعيداً في هذا القرار.
* هناك تحريض أميركي إسرائيلي متصاعد ضد إيران على خلفية امتلاكها أسلحة غير تقليدية، هل تتوقع مغامرة عسكرية أميركية ضد إيران؟
ـ في اعتقادي أن أميركا لا تملك فرصة لأي عمل عسكري ضد إيران، لأن إيران ليست العراق وليست أفغانستان، ثم إن إيران تملك الكثير من أوراق الضغط حتى في المسألة النووية. ولهذا فإنّ القضية لا تزال تعيش في دائرة التجاذب السياسي بين أميركا وإيران، ولعلَّ هذا التحرك الديبلوماسي الجديد الذي تقوم به أوروبا بوحي من أميركا بالنسبة إلى إيران، يدل على أن المسألة ليست بهذه القوة والخطورة التي يتصورها البعض.
* أين موقع لبنان على الخارطة الإقليمية في ظل الصراع الدائر الآن؟
ـ لبنان يمثِّل ساحة المخابرات الدولية، وساحة الاهتزازات السياسية في المنطقة، ولقد قلت عن لبنان دائماً إنه الرئة التي تتنفّس فيها مشكلات المنطقة، ودور لبنان منذ الأساس هو الساحة التي تحتاجها كل دول المنطقة والدول الأخرى، كونه نافذة الشرق على الغرب، ونافذة الغرب على الشرق، وهو المختبر لكلِّ الاتجاهات الموجودة في العالم العربي. هذا هو دور لبنان، وليس دوره أن يكون دولةً لها مؤسسات، ولهذا ابحث عن النظام الطائفي في لبنان.
* ما هو رأيكم في ظاهرة ما يسمى بالخيم الرمضانية؟
ـ إنها ظاهرة سيئة، فالمفروض أن يكون السهر للتذاكر وطلب العلم والدعاء والمغفرة، فشهر رمضان هو شهر التوبة وليس شهر الغناء والرقص.
وهناك حرمة إذا حصل غناء مثير واختلاط غير شرعي.
عمر البردان