العراق بعد عام من الاجتياح الأمريكي

العراق بعد عام من الاجتياح الأمريكي

وحيد تاجا

عامٌ مرّ على احتلال القوات الأمريكية للعراق، ما فرض عدد من الأسئلة التي تتعلق بوضع العراق المستقبل وعلاقته بالانتخابات الأمريكية وأثر ذلك على المنطقة.

وللإجابة عن هذه الأسئلة كان لمراسل موقع الاختلاف ثروة الالكتروني وحيد تاجا، لقاء مفصّل مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله.

وهذا نصّ الحوار:

نظرة تقييمية

* كيف تقييم الوضع الآن بعد مرور عام على احتلال العراق؟

ـ من الطبيعي أن سقوط نظام صدام حسين الذي هيأ لكل تداعيات حكمه ولكل الخطوط التي بدأها بفعل من المخابرات الأمريكية التي وضعته منذ البداية لإرباك الواقع السياسي في العراق وإبعاده عن أصالة الواقع العربي، ومن ناحية أخرى ليكون الوكيل على الاستكبار العالمي لإضعاف أو إسقاط الثورة الإسلامية في إيران بحربه التي فرضها على الجمهورية الإسلامية، والتي أدت في حينها إلى تدمير اقتصاد البنية التحتية للعراق وإيران معاً، وهكذا كانت مسألته في وظيفته الأمريكية احتلال الكويت، لأن أمريكا وضعت على الكويت خطاً أصفر بينما وضعت على السعودية خطاً أحمر، ولهذا كان يتصور من خلال السفيرة الأمريكية في العراق أن هناك ضوءً أخضر لاحتلال الكويت الذي كانت أمريكا تخطط له منذ الثمانينات، وذلك من أجل شرعنة وجودها في الخليج.

ونحن نعرف من خلال وسائل الإعلام الأمريكية ما هو دور رامسفيلد مع صدام وما هو دور تشيني مع صدام وما هو دور الكثير منهم في هذا المجال. إن هذا الرجل أوجد مناخاً ملائماً للاحتلال الأمريكي الذي رأى أن هذا الرجل قد استكمل دوره وأصبحت الحالة تحتاج إلى موظف آخر، لأن أمريكا تصنع الطغاة على طريقتها ثم تستغني عنهم لتصنع طغاة بوجوه ديمقراطية بعمق الدكتاتورية..

أما بعد ذلك فقد احتلت أمريكا العراق ولا يزال هناك أكثر من سر خفي في هذا الاحتلال: كيف لم يقاوم أحد في العراق.. وكيف سقطت بغداد بهذه السهولة؟! هل كان هناك توافق بين عميل المخابرات المركزية السابق وبين واشنطن؟ .. ما هي الصفقة؟.. ولماذا اعتقلت أمريكا في النهاية صدام ومنعت أن يعتبر مجرم حرب بل حاولت أن تكرمه لتجعل منه أسير حرب ليأخذ كل حقوق الأسرى في حياة طبيعية يعيشها في أسره؟..

إن أمريكا دخلت العراق ولم تستقبل بالورود حتى من الذين شعروا بأنها حررتهم من صدام، ولكن الناس يتصورون أن أمريكا ستجلب لهم الأمن والسرور، وسوف تصنع لهم عراقاً جديداً، ديمقراطياً، حراً، تفيض منه الخيرات ثم تخرج من العراق، وقد رأوا بأم أعينهم أن أمريكا دمرت أكثر المواقع الحيوية الحساسة من جامعات ومواقع الدولة وما إلى ذلك، ولم يكن من ضرورة لذلك لأن بغداد لم تحارب إلا بشكل بسيط جداً، لكن أمريكا تريد عراقاً مهمشاً بلا دولة وهذا ما جعلها تلغي الجيش العراقي والأمن وقوات المخابرات، بغض النظر عن طبيعة هذه القوى الأمنية وقدرة الجيش العراقي، وهناك معلومات تقول بأن صدام كان يخاف من الجيش العراقي، ولذلك لم يعطه السلاح الكافي ليدافع به عن نفسه، وهذا ما لاحظه الناس في حرب الكويت، حيث كان الجيش العراقي جيشاً جائعاً ومهزوماً لا يملك القدرة على المواجهة بعد أن كان الناس يتصورون في العالم العربي والإسلامي أن الجيش العراقي سيحول الكويت إلى فيتنام ثانية.. أو يحول بغداد إلى فيتنام، لكن الأمريكيين مع ذلك حولوا الجيش. ولكنهم غرقوا في الرمال العراقية لأن الأمريكيين يستطيعون أن يحتلوا البلد ولكنهم لا يملكون إدارة البلد الذي يحتلونه.

لذلك قلنا إن احتلال الأمريكيين للعراق الذي تم باسم محاربة الإرهاب جعل العراق من جديد ساحة للإرهاب بقطع النظر عن الجهات التي تحارب هل هي جماعة صدام، هل هي فلول الجيش العراقي.. هل هي القاعدة.. هل هم أنصار الإسلام.. هل هم المتحمسون من العالم العربي الذين يرون أنها فرصة لمحاربة احتلال أمريكا لبلد عربي وبلد إسلامي، ليست المسألة مسألة الدخول في هذه التحليلات، ولكن القضية أن أمريكا تواجه حرباً في العراق ربما لم تواجهها حتى في أفغانستان وبذلك أصبح هدف الجيش الأمريكي وخططه تنصب كلها للدفاع عن جنوده أكثر من الدفاع على العراقيين أنفسهم، وهو ما أوقع العراقيين أنفسهم في دوامة العنف وجعلهم يسقطون تحت تأثير هذا المناخ الدموي، فنجد أن هؤلاء هم الذين يتحركون بعنف ويقتلون الشرطة العراقية ويفجرون المساجد ويفجرون الأماكن المقدسة ويفجرون المنظمات الإنسانية كمنظمات الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي.. لذلك فإنني أعتقد أنه من الصعب أن يستمر الاحتلال الأمريكي للعراق لأن العراق كله يرفض الاحتلال الأمريكي ويحارب بشكل عسكري أو بأسلوب سياسي...

أثر الاحتلال على الانتخابات الأمريكية

* كيف ترون انعكاس هذا الوضع على الانتخابات الأمريكية.. وبنفس الوقت كيف ترون انعكاس الانتخابات الأمريكية على الوضع في العراق؟

ـ بالنسبة للفقرة الأولى من السؤال: الرئيس بوش يحاول أن يستخدم حربه في العراق كورقة انتخابية وناجحة بل ربما كان يخطط مع إدارته لحرب العراق من أجل استخدام هذه الحرب في معركته الانتخابية المقبلة، ولذلك فإننا نجد أن خطابة السياسي الذي يحاول فيه أن يربح ثقة الأمريكيين يتمحور حول الحرب ضد الإرهاب الذي كان يمثل الخطر الأكبر على الأمريكيين بالذات، لأنه صور صدام كطاغية يملك أسلحة دمار شامل يمكن أن يدمر بها أمريكا ويدمر العالم، وهكذا استفاد من مسألة التفجيرات التي حصلت في أمريكا ( 11 أيلول) لشنّ حملته على طالبان في أفغانستان، ولكننا نلاحظ أن الفريق الآخر وهو الديمقراطيون أو الذين يتحركون من خلال مراكز الدراسات أو من خلال الأشخاص السياسيين الآخرين نجد بأنهم استشفوا بنسبة 90% بأنه لا أسلحة دمار في العراق وأنها كذبة كبرى صنعتها أمريكا.

وبدأ الجدل هناك حول من الذي يتحمل مسؤولية هذه القضية.. هل هي المخابرات المركزية الأمريكية الـCIA أم الإدارة الأمريكية هي التي تتحمل ذلك؟!!... وتأتي المواجهة للجنود الأمريكيين الذين يقتل منهم في كل يوم أكثر من شخص فضلا عن الجرحى لتضغط أكثر فأكثر، وبالتالي لا يستبعد أن هذه الحرب الاحتلالية يمكن أن تضغط على الرئيس بوش كما يمكن أن تضغط على بلير في بريطانيا في اعتبار اشتراكهما في هذه الكذبة الكبرى، وربما بدأت تضغط على رئيس وزراء أستراليا الذي قدم أيضاً للبرلمان هناك ولشعبه معلومات أصبحت محل الشك والريب.

أما عن تأثير الانتخابات الأمريكية على الواقع العراقي والواقع العربي والإسلامي فإني أتصور بأن المسألة بقدر ما ترتبط بإسرائيل فإنه لا فرق بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي بالنسبة للمسألة الإسرائيلية، لأن العلاقة مع إسرائيل هي علاقة ارتباط عضوي بكل ما للكلمة من معنى، حتى أن بعض المسؤولين الأمريكيين قال إننا لا نتحاور مع إسرائيل لأننا نعمل معها. لذلك فإن السؤال أنه لو فاز مرشح الديمقراطيين فهل سيخضع للسياسة الإسرائيلية كما خضع الرئيس الجمهوري؟، هل سينفذ خطط إسرائيل في هذا المجال؟ وإسرائيل هي التي بدأت ترسم خطط السيطرة على المنطقة ولا سيما على سورية وعلى إيران وعلى المنطقة تحت اسم الشرق الأوسط الكبير الذي يمثل ربما صورة لمشروع الشرق الأوسط الذي أطلقه شمعون بيريز وغيرها. أما بالنسبة إلى قضية العراق فإني أتصور أن الرئيس الديمقراطي ربما يتحرك بطريقة تختلف عن الطريقة التي تحرك بها بوش الرئيس الجمهوري.

تسليم السلطة للعراقيين

* هل سيقوم الأمريكان فعلاً بتسليم السلطة للعراقيين وإجراء انتخابات؟

ـ إنني أتصور أن المسألة ستكون في التسليم الرسمي الذي لا يملك عمقاً واقعياً يمكن العراقيين من الإمساك بمصيرهم، لسبب بسيط جداً هو أولاً: أن هذه السيادة لم تنطلق من الشعب العراقي بالمعنى السياسي لأن الشعب العراقي لم ينتخب هذه الحكومة بل إن الذي عينها والذي أعطاها مرسوم السيادة لا يملك شرعية السيادة وهو الاحتلال الأمريكي، مما جعل هذه السيادة غير شرعية بالمعنى الوطني، مع احترامنا لكل الذين يتمثلون فيها، لأنهم لم ينتخبوا من الناس في هذا المجال، وثانياً أننا نلاحظ الأمريكيين عملوا بكل طاقتهم من اجل ألا ينتخب الشعب العراقي حكومته لأنه يُخشى أن ينطلق من داخل الشعب العراقي ممثلون معارضون للسياسة الأمريكية وللاحتلال الأمريكي ويمسك الشعب من خلال سلطاته الشعبية ويقول للأمريكيين اخرجوا من بلدنا لأننا أصبحنا نملك أمرنا من خلال القاعدة الشعبية لا من خلال شرعية الاحتلال في هذا المجال.

وأما النقطة الثانية هي أن قوة الاحتلال ستبقى في العراق حتى بعد إعطاء السيادة بالمعنى الرسمي الشكلي لأن هذه السيادة لا يمكن أن تأخذ أي موقع قوي إلا إذا ملكت القوة خصوصاً القوة العسكرية. ونحن نعرف أن أمريكا ليست مستعدة لأن تعطي العراقيين قوة ضاربة يمكن أن تسيطر على العراق كله وعلى كل مواقع القوة فيه أو تعطيها صلاحيات واسعة يمكن أن تتصرف باقتصادها وأمنها وسياستها. ونحن لا نتحدث عن ذلك من خلال استعارات وإنما نتحدث عن ذلك من خلال الاستراتيجية الأمريكية لاحتلال العراق التي تنطلق من قاعدة المصالح الأمريكية باعتبار السيطرة على ثروات العراق وعلى أمنه واعتبار العراق جسراً للعبور إلى المنطقة وهذا لا يمكن أن يتحقق من خلال سيادة وطنية، وإنني أتصور أنه حتى الانتخابات المقبلة التي يقال أنها بعد عام أو أكثر من عام لن تكون بهذه الحرية التي يتحدث عنها الأمريكيون أو العراقيون.

المقاومة العراقيـة

* أشرتم إلى وضع المقاومة العراقية؟

ـ بداية أنا لا أملك أن أعطي أولئك اسم مقاومة.. صحيح إننا ضد الاحتلال ومع كل الذين يقاومون الاحتلال لتحرير شعبهم..ولكن المسألة هنا: من هم هؤلاء الذين يقاومون.. نراهم يتحركون في ضباب كثيف.. فنحن حتى الآن لا نعرف خططهم ولا برنامجهم، إذا كانت القاعدة فهي لم تعبر عن خطتها في مسألة الاحتلال، وإذا كان هناك أشخاص آخرون من الجيش أو من قوى الأمن أو ما إلى ذلك فلماذا لم يعلنوا حتى الآن عن خططهم وبرنامجهم، عندما نتحدث مثلا عن المقاومة اللبنانية، وفي مقدمتها الإسلامية، فالجميع يعرفون خطوطها وحركتها و خلفياتها ونعرف اختلاطاتها وعلاقاتها.

نحن أيضاً نستطيع أن نتحدث عن المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها، ولكن إذا كانت هناك مقاومة عراقية فمن هي؟!.. السؤال من هم هؤلاء الذين يفجرون الأماكن الدينية المقدسة كما حدث في النجف و كربلاء والكاظمية، ومن هم الذين يفجرون مواقع المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة والصليب الأحمر. من هم هؤلاء الذين يقتلون الشرطة العراقية التي أريد لها حتى من خلال الأمريكيين أن تحفظ الأمن العراقي الداخلي وهي لا تمتلك الكثير من أمرها. من هم هؤلاء الذين تتحرك " مقاومتهم " بالطريقة التي يقتل فيها الأطفال والنساء والشيوخ. نحن هنا نواجه وضعاً يسكنه الضباب من كل جهة وتتحرك فيه القضايا بشكل مربك يؤدي إلى قتل الشعب العراقي، وهو الأمر الذي قد يستغله المحتل لتمديد احتلاله للعراق. الذين صنعوا مجزرة كربلاء والكاظمية والذين صنعوا سابقاً مجازر النجف والمجازر الأخرى قد لا يكونون الجنود الأمريكيين بالذات.. لكن لابد أن يكون للمخابرات الأمريكية و الإسرائيلية يد في ذلك فهم المستفيدون فقط من هذا الوضع، لذلك أقول إننا لا نفهم هذه المقاومة ومن الصعب أن نؤمن بها في هذا الخليط من علامات الاستفهام التي تحيط بها، فنحن قلنا بأننا ضد الاحتلال ومع الذين يقاومون الاحتلال ضمن خطة للشعب كله وللأمة كلها.

* هل تعتقدون بأن من قام بهذه التفجيرات وهذه المجازر هم أنفسهم الذين يقتلون الأمريكان.. وكأنك وضعتهم في سلة واحدة؟

ـ لا أستطيع أن أعطي حكماً قضائياً في ملامحه ومعطياته، ولكني أقول بأن الذين قاموا بهذه المجازر لا يملكون طهر مقاومة الاحتلال، إن مقاومة الاحتلال تمثل طهارة الفكر والروح والحركة والخطة. أما الذين يقتلون النفس. ويعانون من قسوة الاحتلال فأي فرق بينهم وبين الاحتلال. الاحتلال يقتل مستقبل هؤلاء الناس ويقتل اقتصادهم وسياستهم وأمنهم وهم يقتلون هؤلاء الناس بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم.

إننا أمام غموض المجرم قد نتصور أن هذه الفئات مقصودة دون غيرها..ولكن نتساءل إذا وضعت التفجيرات التي استهدفت مواقع شيعية في دائرة معينة، فمن الذي فجر بعض مساجد السنّة؟ هل هم الشيعة؟ إن هناك نوعاً من الغموض، ولذلك فإن الحكم على الفاعل بالطريقة القضائية يحتاج إلى معطيات واقعية.

إن الأمن في العراق مسؤولية المحتل الاميركي، لأنه هو الذي ضمن أمن العراق بحسب قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لأن الولايات المتحدة تملك أقوى مخابرات في العالم وهي موجودة في العراق وحتى في قلب نظام صدام، كما أن هناك تحالفاً بين المخابرات الأميركية و"الموساد" الذي دخل بكل قدرته إلى العراق متحالفاً مع المخابرات المركزية الأميركية على أساس أن يخلط الأوراق ويساهم في تثبيت الخطة الأميركية الإسرائيلية في العراق ولذلك نعتقد أن المصلحة الكبرى، لهما وأن المسؤول الأساسي والمستفيد الأساسي هما الولايات المتحدة وإسرائيل ونقول لمن يقولون بأن الأساليب تشير إلى أن من قام بالأعمال الإجرامية هم مسلمون متطرفون، أيضاً من يتجسسون في فلسطين على الانتفاضة لمصلحة الإسرائيليين هم مسلمون ويتحركون من خلال المخابرات الدولية والإقليمية لخدمة هذا النظام أو ذاك.

إن أي احتمال لاتهام أية جهة لا يبرىء المحتل الاميركي، ونحن نتساءل لماذا لم تمنح الإدارة الأميركية الشرطة العراقية الأسلحة التي تحتاجها، وقد سمعنا من ضباط عراقيين عينوا حديثاً أنهم لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم، ولماذا لا يعطى مجلس الحكم عناصر وأدوات القوة التي يستطيع من خلالها رصد الإحداث. هناك أكثر من سر خفي ومشكلتنا أننا نحدق في السطح ونتنازع على السطح ونحكم على السطح ولا ننفذ إلى الواقع. يجب أن نقرأ بين السطور يجب أن نقرأ الممحي من المفردات.

* سؤال يطرح نفسه باستمرار.. لماذا لم تشارك الشيعة في المقاومة المسلحة في العراق حتى الآن؟

ـ الشيعة في العراق درسوا المسألة دراسة واقعية، المقاومة ليست فقط هي المقاومة العسكرية، و المقاومة خطة وتحتاج إلى وضوح ويمكن أن يكون لها إنجاز عسكري ً أو اقتصادي ً أو سياسي، وقد رأوا أن الظروف المحيطة بالواقع في العراق لن تمكنهم من المقاومة عسكرياً، لذلك هم أعلنوا بالصوت العالي أنهم يقاومون مقاومة سلمية، ولذلك فإنك لاتجد مسلماً شيعياً من الشعب العراقي سواءً في الفعاليات الدينية أو السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية لا يطالب بزوال الاحتلال.

* وكيف تقيم مواقف سماحة آية الله السيستاني.. تحركاته؟

ـ هو يطالب بما يطالب به الشعب العراقي، أي أن يمسك الشعب العراقي قراره ويحدّد مصيره، وأن يضع دستوره من خلال ممثليه الذين ينتخبهم على أساس الإسلام طبعاً باعتبار أن 90% من الشعب العراقي مسلم، وأن يملك أمره وأمنه وأن ينسحب المحتل.. هذه مطالب الشعب العراقي.

* وكيف ترون مطالب السيد مقتدى الصدر؟

ـ هو شاب يملك حالة ثورية ضد المحتل، ونحن مع أية حالة ضد المحتل.

الفدرالية الكرديـة

* ما رأيكم بموضوع الفدرالية الكردية في العراق؟

ـ يتعرّض العراق في هذه المرحلة لجملة من الأخطار التي لا تقتصر نتائجها على الحاضر، بل تتعدّاه إلى المستقبل، ولا تطاول الجغرافيا العراقية وحدها، بل قد تنفذ إلى المنطقة المحيطة به بطريقة وأخرى. ولعل من أبرز هذه المخاطر بعد الاحتلال مسألة الفيدرالية التي بدأ الحديث عنها في بعض الدوائر يتصاعد ليصل إلى أعلى مستويات الخطورة، سواء لجهة مطالبة البعض بقوات عسكرية خاصة بهم، أو لجهة تأثر أطراف أخرى بهذا الطرح وسعيها باتجاهه حيث بدأت المطالبة بفيدرالية كردية تغذّي الشعارات التي يرفعها التركمان للمطالبة بالأمر نفسه.

ونحن في الوقت الذي نعرف أن الإسلام يحرص على الحقوق الذاتية وعلى خصوصيات الجماعات، نؤكد على التنوع داخل الوحدة على أساس احترام وحدة البلد، لأن من شأن هذه الانقسامات أن تنعكس على الوحدة العراقية الداخلية وأن تضع العراق على مشارف التقسيم وأن تحدث تغييراً في الخريطة الجغرافية والسياسية للمنطقة بالطريقة التي يتغذى فيها المشروع الأميركي بجرعات جديدة من الانقسامات على المستوى الوطني والإسلامي.

إن الفيدرالية لم تكن في يوم من الأيام علاجاً لبلد يعيش الوحدة بشكل صريح وواقعي كما هو الحال في العراق، بل قدمت على مستوى الطرح كأحد الحلول لبلد يعيش التمزقات والانقسامات، ونحن نخشى من أن تقود الفيدرالية المطروحة كحل لدى البعض على أساس عرقي في العراق إلى فيدرالية بين المذاهب، لتنطلق المسألة عرقياً ولا تنتهي مذهبياً، ولتدخل اللعبة الدولية بحرية أكبر إلى هذه الساحة لتثير الفتن بين السنة والشيعة وبين الأكراد والتركمان والعرب، بحيث يتكرس الاحتلال ويطول بقاؤه تحت وطأة هذه الخلافات التي يراد من خلالها أن يقال للعالم بأن العراقيين منقسمون حتى على مستوى اختيار الهوية العامة لبلدهم.

نحن نفهم المحاولات الأميركية الأخيرة الساعية لاستبعاد الإسلام كمصدر أساسي للتشريع في العراق، على أساس أنها تستبطن إبعاد الإسلام كمصدر توحيدي على المستوى السياسي، إضافة إلى إبعاده عن الساحة العقيدية والتشريعية مع وجود الأكثرية العراقية الساحقة التي تدين بالإسلام، وذلك فضلاً عن دور الإسلام على المستوى الحضاري في صناعة تاريخ العراق منذ ما يزيد على ألف وأربعمئة سنة، ونفهم محاولات الحاكم المدني الأميركي لتخويف العراقيين والتهويل على المنطقة بهذا الأسلوب، مع أن الإسلام حرص على حماية الأقليات وحفظ حقوقها، وقد عاشت الأقليات في كنفه بعيدا عن أي اضطهاد في ممارساتها وفي شؤونها العبادية والاجتماعية وما إلى ذلك وفي نطاق القانون العام الذي شمل الجميع.

لذلك، نقول للسنة والشيعة والأكراد والعرب والتركمان وكل فئات الشعب العراقي إن هذه المرحلة ليست مرحلة الحديث عمن يحكم العراق، أو عن الأكثرية المذهبية أو العرقية وما إلى ذلك، لأن هذا التنازع الإعلامي أو السياسي الذي يتغذى من أكثر من مناخ داعٍ للانقسام في المنطقة هو جزءٌ من الفوضى الداخلية التي لا يستفيد منها إلا الاحتلال الذي يمسك بالأرض العراقية بكل ما فيها من ثروات ليقدمها لشركاته الاحتكارية كما يمسك بالقرار السياسي للعراق تحت شعار " الفيتو" الذي يلوّح به الحاكم المدني الأميركي الذي يتصرف كحاكم عسكري وأمني من الدرجة الأولى.

إن المطلوب هو أن يتوحد العراقيون بكل أطيافهم السياسية وانتماءاتهم العرقية أو المذهبية على أساس العناوين الكبرى التي تجعلهم يخططون بعناية ودقة وإحكام لبناء عراق المستقبل، وأول هذه العناوين هو عنوان السعي الجاد للخلاص من المحتل بكل السبل المتاحة، ونحن نحيي كل اللقاءات الوحدوية التي حصلت في العراق مؤخراً، وخصوصاً تلك التي اجتمع فيها علماء السنة والشيعة والتي أكدت أن الشعب العراقي منفتح على الوحدة الإسلامية بكل قوة، ونريد لهذه اللقاءات أن تتجذر وتتوسع لتكون النواة لجبهة إسلامية عراقية واسعة تجمع السنة والشيعة في مناخ من الحوار المنفتح على مستقبل العراق، لأن المسألة الآن هي ليست في كيف نثير الجدال في قضايا الإمامة أو الخلافة، بل كيف يمكن أن نضمن للعراقيين مستقبلهم في انتمائهم الإسلامي والوطني، وكيف نحفظ وحدتهم في مواجهة الاحتلال ومخاطر اللعبة الدولية التي تقودها أميركا في المنطقة ومن خلال استهدافها للساحة العراقية في شكل خاص.

* برأيك إلى أي مدى يمكن للأمريكان أن يدفعوا باتجاه الفدرالية أو أن يقفوا في وجهها؟

ـ جاء في الخطاب الأمريكي أنهم لا يوافقون على قيام فدرالية عرقية، ولكن أمريكا دولة لا مبادئ لها بل هي موجودة تتحرك بوقاحة لتصنع مبادئها.

* إذا انتقلنا إلى دول الجوار، كيف ترون التهديدات الأمريكية لسورية و إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه التهديدات؟

ـ إن التهديدات الأمريكية لسورية هي تهديدات وقائية أكثر مما هي تهديدات هجومية، لأنها تعرف قيمة سورية وتعرف دورها في المنطقة، وليست هناك أية أمور تدعي لشن الحرب ضد سورية على طريقة الحرب في العراق، فالظروف العراقية كانت ظروفا ملائمة للاحتلال.. ولكن مسألة سورية تختلف عن المسألة العراقية من كل النواحي، وباعتقادي أن التهديدات هذه تهويلية.. وقائية أكثر مما هي تهديدات واقعية.

* وأين يمكن أن تضع قانون محاسبة سورية؟

ـ قانون محاسبة سورية ليس بجديد، بل كان قانوناً إسرائيلياً من خلال المجلسين الذين يسيطران: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، اللذان يسيطر عليهما اللوبي الصهيوني، والموقف من سوريا معروف لأن سورية تدعم الانتفاضة الفلسطينية وتدعم الذين يحاربون في لبنان (المقاومة الإسلامية) من أجل رفع الاحتلال عن بلدهم وعن الجولان.. ومن الطبيعي أن يعطي احتلال العراق للأمريكان ذريعة في هذا الضغط على أساس اتهام سورية بأنها تفسح المجال للذين يحاربون الجيش الأمريكي من خلال الحدود، أو أسلحة الدمار الشامل هذه التهمة التي تطلقها أمريكا على كل من يعارض سياستها، ولا سيما الدول العربية والإسلامية.

* كيف ترى انعكاسها على إيران؟

ـ تحاول أمريكا أيضاً أن تضغط على إيران من خلال احتلالها للعراق حيث إنها أصبحت على حدود إيران، ولكن لا أرى أن هناك أية ظروف أمريكية يمكن أن تساعد على القيام بأي حرب على إيران على الطريقة العراقية، لأن ظروف إيران ومواقع القوة فيها مختلفة عن ظروف العراق عند احتلاله، ولأن إيران تتحرك في أسلوب سياسي برغماتي يمكن أن نطلق عليه " لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم".

* البعض يرى بأن نجاح المحافظين في إيران هو واحدة من الانعكاسات، ويعتقدون بأن المحافظون هم الأبعد أو التيار المتشدد أكثر تجاه الأمريكان؟

ـ وهناك تحليلاً آخر يقول بأن المحافظين أقرب إلى أمريكا من الإصلاحيين ولا ندري أيهما الأصح فالقضايا لا تزال غامضة، ولا يمكن أن نعرفها من خلال التحليلات ولا بد من مراقبة الواقع بشكل دقيق. وهناك أكثر من حديث متداول في إيران وغيرها بان المحافظين تبنوا مطلب الإصلاحيين في العلاقة مع أميركا بالرغم من أن الإصلاحيين كانوا متهمين من المحافظين بأنهم عملاء أميركا وما إلى ذلك.

* ما مدى صحة التحليل الذي يقول بأن الضغط الأمريكي على إيران هدفه إيقاف الشيعة عن القتال في العراق؟

ـ لا أعتقد أن إيران تعتبر أن العراق يمثل مركز قوة لها بطريقة أو بأخرى، لذلك فإنها لن تسقط أية ورقة من القوة التي يمكن أن تعمل لحسابها بقطع النظر عن طبيعة هذه الأوراق وطبيعة علاقاتها مع أمريكا، كما أن الشيعة في العراق يختلفون في انتماءاتهم السياسية وفي علاقاتهم مع إيران، وهم ليسوا ورقة شاملة بيد أي جهة. هناك فكرة لا بد أن نعرفها عندما نتحدث عن الشيعة أو السنة.. الشيعة ليسوا فريقاً واحداً فمنهم إسلاميون ومنهم علمانيون وقوميون وماركسيون، ومن الخطأ أن تعطي الشيعة خطاً سياسياً واحداً في هذا المجال، وحتى عندما يتحدث في المسألة السياسية عن الأكثرية والأقلية، فإن الشيعة منقسمون كما أن السنة منقسمون.

* كيف ترون تركيا في هذا الإطار؟

ـ تركيا تحاول أن تراقب المسألة الكردية، ومدى انعكاس ما سيحصل على أكراد تركيا الذين يقاربون 20 مليون حسب اختلاف الإحصاءات باعتبار أن أي حل يعطي الأكراد موقعاً مستقلاً وقيادياً يمكن أن ينعكس سلباً عليها، كما أن تركيا جارة للعراق تراقب السياسة الأمريكية التي قد تلعب لعبة مزدوجة وقد تضغط على تركيا، لذلك أنا أعتقد أن الأتراك في موقف حيرة وفي موقف مراقبة لما يستقبل من أمر العراق.

* هناك تحليل بأن التقارب السوري التركي هو واحد من انعكاسات الحرب العراقية؟

ـ ربما يكون كذلك، وربما يكون من خلال أن تركيا تحاول أن تجعل علاقاتها بالمنطقة العربية والإسلامية أكثر قرباً، لأنها شعرت أن الاتحاد الأوربي لن يقبل بأن تدخل تركيا في داخله مع خصوصيتها الإسلامية، ونحن نعرف أن المسألة الإسلامية هي أساسية في المسألة الأوربية، ولذلك لم يسمحوا للبوسنة والهرسك أن تكون دولة مستقلة بل إنهم دمجوها مع الكروات ودول مختلفة من الاتحاد الأوربي حتى لا تكون هناك دولة إسلامية في الاتحاد الأوربي، وقد سبق أن أرسل أحد رؤساء الوزارة في تركيا السابقين رسالة للاتحاد الأوربي في بروكسل وقال لهم، إنكم لا تقبلوننا لأننا مسلمون. وقد سمعنا البابا وهو يتحدث مع الاتحاد الأوربي أن عليكم أن تضعوا في قانون الاتحاد أن جذور أوروبا مسيحية.

الموقف الأوروبي من الاحتلال

* الآن ننتقل إلى الوضع الأوروبي، كيف ترى انعكاس هذه الحرب على أوروبا وهل تتوقع تحالف أوروبي - أمريكي جديد؟

ـ أنا لا أتصور.. هناك في أوروبا أكثر من خط وهي ليست موحدة في سياستها الأمريكية، فهناك بريطانية وهناك إسبانية وبعض الدول الأوروبية هنا وهناك تلتقي مع أمريكا، ونحن نعرف أن قرار الحرب ضد العراق وقع من قبل ثمان دول إلى جانب بريطانية وأمريكا في هذا المجال. لذلك أوروبا ليست واحدة في السياسة الأمريكية كما أن أوروبا تقف لتراقب السياسة الأمريكية من أكثر من جهة، من جهة اقتصادية، لأن أوربا تريد أن تشارك الشركات الأمريكية في مسألة إعمار العراق، كما أنها تريد أن توازن في مسألة مصالحها، لأن لأوروبا مصالح في بترول العراق أو بترول الشرق الأوسط وما إلى ذلك.

إن أوروبا تعتبر أن الشرق الأوسط لا سيما العراق يمثل الساحة التي تتحرك فيها مصالحها لذلك هناك صراع خفي بين أوروبا وأمريكا ولكن قوة أمريكا بالنسبة إلى أوروبا من خلال طبيعة موازين القوى ومن خلال الانقسام الأوروبي لا سيما اتحاد الدول الضعيفة التي دخلت الاتحاد الأوروبي والتي هي أقرب إلى أمريكا منها إلى فرنسا وألمانيا الدولتين اللتين تقفان بطريقة أو بأخرى في خط المعارضة ضد الحرب الأمريكية، لهذا فإني أعتقد أن الوضع سيبقى وضعاً يتحرك ليقدم رجلاً ويؤخر أخرى بالنسبة للمشاريع الاستثمارية.

* الصراع العربي الإسرائيلي؟

ـ أنا أعتقد أن الصراع العربي الإسرائيلي سوف يبقى خاضعاً للسياسة الأمريكية، ولن يكون لأوروبا موطئ قدم واحدة في هذا الصراع إلا من خلال ما تخططه أمريكا.

* من الملاحظ أن هناك سعي حميم من جانب الكيان الصهيوني للدخول إلى العراق؟

ـ أعتقد أن الصهاينة هم الآن فعلا في داخل العراق.

* آفاق المستقبل ما هي برأيكم؟

ـ آفاق المستقبل تتوقف على مسألة هل يتطلع العرب والمسلمون إلى المستقبل أم أنهم يظلون مشدودين إلى زنازين الحاضر.

* ضمن سلسلة من اللقاءات التي أجراها مراسل ثروة وحيد تاجا يأتي هذا اللقاء مع سماحة السيد محمد حسين فضل الله

8 نيسان، 2004 (نشرت على www.arabic.tharwaaprojeet.com في 15-6-2004)

وحيد تاجا

عامٌ مرّ على احتلال القوات الأمريكية للعراق، ما فرض عدد من الأسئلة التي تتعلق بوضع العراق المستقبل وعلاقته بالانتخابات الأمريكية وأثر ذلك على المنطقة.

وللإجابة عن هذه الأسئلة كان لمراسل موقع الاختلاف ثروة الالكتروني وحيد تاجا، لقاء مفصّل مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله.

وهذا نصّ الحوار:

نظرة تقييمية

* كيف تقييم الوضع الآن بعد مرور عام على احتلال العراق؟

ـ من الطبيعي أن سقوط نظام صدام حسين الذي هيأ لكل تداعيات حكمه ولكل الخطوط التي بدأها بفعل من المخابرات الأمريكية التي وضعته منذ البداية لإرباك الواقع السياسي في العراق وإبعاده عن أصالة الواقع العربي، ومن ناحية أخرى ليكون الوكيل على الاستكبار العالمي لإضعاف أو إسقاط الثورة الإسلامية في إيران بحربه التي فرضها على الجمهورية الإسلامية، والتي أدت في حينها إلى تدمير اقتصاد البنية التحتية للعراق وإيران معاً، وهكذا كانت مسألته في وظيفته الأمريكية احتلال الكويت، لأن أمريكا وضعت على الكويت خطاً أصفر بينما وضعت على السعودية خطاً أحمر، ولهذا كان يتصور من خلال السفيرة الأمريكية في العراق أن هناك ضوءً أخضر لاحتلال الكويت الذي كانت أمريكا تخطط له منذ الثمانينات، وذلك من أجل شرعنة وجودها في الخليج.

ونحن نعرف من خلال وسائل الإعلام الأمريكية ما هو دور رامسفيلد مع صدام وما هو دور تشيني مع صدام وما هو دور الكثير منهم في هذا المجال. إن هذا الرجل أوجد مناخاً ملائماً للاحتلال الأمريكي الذي رأى أن هذا الرجل قد استكمل دوره وأصبحت الحالة تحتاج إلى موظف آخر، لأن أمريكا تصنع الطغاة على طريقتها ثم تستغني عنهم لتصنع طغاة بوجوه ديمقراطية بعمق الدكتاتورية..

أما بعد ذلك فقد احتلت أمريكا العراق ولا يزال هناك أكثر من سر خفي في هذا الاحتلال: كيف لم يقاوم أحد في العراق.. وكيف سقطت بغداد بهذه السهولة؟! هل كان هناك توافق بين عميل المخابرات المركزية السابق وبين واشنطن؟ .. ما هي الصفقة؟.. ولماذا اعتقلت أمريكا في النهاية صدام ومنعت أن يعتبر مجرم حرب بل حاولت أن تكرمه لتجعل منه أسير حرب ليأخذ كل حقوق الأسرى في حياة طبيعية يعيشها في أسره؟..

إن أمريكا دخلت العراق ولم تستقبل بالورود حتى من الذين شعروا بأنها حررتهم من صدام، ولكن الناس يتصورون أن أمريكا ستجلب لهم الأمن والسرور، وسوف تصنع لهم عراقاً جديداً، ديمقراطياً، حراً، تفيض منه الخيرات ثم تخرج من العراق، وقد رأوا بأم أعينهم أن أمريكا دمرت أكثر المواقع الحيوية الحساسة من جامعات ومواقع الدولة وما إلى ذلك، ولم يكن من ضرورة لذلك لأن بغداد لم تحارب إلا بشكل بسيط جداً، لكن أمريكا تريد عراقاً مهمشاً بلا دولة وهذا ما جعلها تلغي الجيش العراقي والأمن وقوات المخابرات، بغض النظر عن طبيعة هذه القوى الأمنية وقدرة الجيش العراقي، وهناك معلومات تقول بأن صدام كان يخاف من الجيش العراقي، ولذلك لم يعطه السلاح الكافي ليدافع به عن نفسه، وهذا ما لاحظه الناس في حرب الكويت، حيث كان الجيش العراقي جيشاً جائعاً ومهزوماً لا يملك القدرة على المواجهة بعد أن كان الناس يتصورون في العالم العربي والإسلامي أن الجيش العراقي سيحول الكويت إلى فيتنام ثانية.. أو يحول بغداد إلى فيتنام، لكن الأمريكيين مع ذلك حولوا الجيش. ولكنهم غرقوا في الرمال العراقية لأن الأمريكيين يستطيعون أن يحتلوا البلد ولكنهم لا يملكون إدارة البلد الذي يحتلونه.

لذلك قلنا إن احتلال الأمريكيين للعراق الذي تم باسم محاربة الإرهاب جعل العراق من جديد ساحة للإرهاب بقطع النظر عن الجهات التي تحارب هل هي جماعة صدام، هل هي فلول الجيش العراقي.. هل هي القاعدة.. هل هم أنصار الإسلام.. هل هم المتحمسون من العالم العربي الذين يرون أنها فرصة لمحاربة احتلال أمريكا لبلد عربي وبلد إسلامي، ليست المسألة مسألة الدخول في هذه التحليلات، ولكن القضية أن أمريكا تواجه حرباً في العراق ربما لم تواجهها حتى في أفغانستان وبذلك أصبح هدف الجيش الأمريكي وخططه تنصب كلها للدفاع عن جنوده أكثر من الدفاع على العراقيين أنفسهم، وهو ما أوقع العراقيين أنفسهم في دوامة العنف وجعلهم يسقطون تحت تأثير هذا المناخ الدموي، فنجد أن هؤلاء هم الذين يتحركون بعنف ويقتلون الشرطة العراقية ويفجرون المساجد ويفجرون الأماكن المقدسة ويفجرون المنظمات الإنسانية كمنظمات الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي.. لذلك فإنني أعتقد أنه من الصعب أن يستمر الاحتلال الأمريكي للعراق لأن العراق كله يرفض الاحتلال الأمريكي ويحارب بشكل عسكري أو بأسلوب سياسي...

أثر الاحتلال على الانتخابات الأمريكية

* كيف ترون انعكاس هذا الوضع على الانتخابات الأمريكية.. وبنفس الوقت كيف ترون انعكاس الانتخابات الأمريكية على الوضع في العراق؟

ـ بالنسبة للفقرة الأولى من السؤال: الرئيس بوش يحاول أن يستخدم حربه في العراق كورقة انتخابية وناجحة بل ربما كان يخطط مع إدارته لحرب العراق من أجل استخدام هذه الحرب في معركته الانتخابية المقبلة، ولذلك فإننا نجد أن خطابة السياسي الذي يحاول فيه أن يربح ثقة الأمريكيين يتمحور حول الحرب ضد الإرهاب الذي كان يمثل الخطر الأكبر على الأمريكيين بالذات، لأنه صور صدام كطاغية يملك أسلحة دمار شامل يمكن أن يدمر بها أمريكا ويدمر العالم، وهكذا استفاد من مسألة التفجيرات التي حصلت في أمريكا ( 11 أيلول) لشنّ حملته على طالبان في أفغانستان، ولكننا نلاحظ أن الفريق الآخر وهو الديمقراطيون أو الذين يتحركون من خلال مراكز الدراسات أو من خلال الأشخاص السياسيين الآخرين نجد بأنهم استشفوا بنسبة 90% بأنه لا أسلحة دمار في العراق وأنها كذبة كبرى صنعتها أمريكا.

وبدأ الجدل هناك حول من الذي يتحمل مسؤولية هذه القضية.. هل هي المخابرات المركزية الأمريكية الـCIA أم الإدارة الأمريكية هي التي تتحمل ذلك؟!!... وتأتي المواجهة للجنود الأمريكيين الذين يقتل منهم في كل يوم أكثر من شخص فضلا عن الجرحى لتضغط أكثر فأكثر، وبالتالي لا يستبعد أن هذه الحرب الاحتلالية يمكن أن تضغط على الرئيس بوش كما يمكن أن تضغط على بلير في بريطانيا في اعتبار اشتراكهما في هذه الكذبة الكبرى، وربما بدأت تضغط على رئيس وزراء أستراليا الذي قدم أيضاً للبرلمان هناك ولشعبه معلومات أصبحت محل الشك والريب.

أما عن تأثير الانتخابات الأمريكية على الواقع العراقي والواقع العربي والإسلامي فإني أتصور بأن المسألة بقدر ما ترتبط بإسرائيل فإنه لا فرق بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي بالنسبة للمسألة الإسرائيلية، لأن العلاقة مع إسرائيل هي علاقة ارتباط عضوي بكل ما للكلمة من معنى، حتى أن بعض المسؤولين الأمريكيين قال إننا لا نتحاور مع إسرائيل لأننا نعمل معها. لذلك فإن السؤال أنه لو فاز مرشح الديمقراطيين فهل سيخضع للسياسة الإسرائيلية كما خضع الرئيس الجمهوري؟، هل سينفذ خطط إسرائيل في هذا المجال؟ وإسرائيل هي التي بدأت ترسم خطط السيطرة على المنطقة ولا سيما على سورية وعلى إيران وعلى المنطقة تحت اسم الشرق الأوسط الكبير الذي يمثل ربما صورة لمشروع الشرق الأوسط الذي أطلقه شمعون بيريز وغيرها. أما بالنسبة إلى قضية العراق فإني أتصور أن الرئيس الديمقراطي ربما يتحرك بطريقة تختلف عن الطريقة التي تحرك بها بوش الرئيس الجمهوري.

تسليم السلطة للعراقيين

* هل سيقوم الأمريكان فعلاً بتسليم السلطة للعراقيين وإجراء انتخابات؟

ـ إنني أتصور أن المسألة ستكون في التسليم الرسمي الذي لا يملك عمقاً واقعياً يمكن العراقيين من الإمساك بمصيرهم، لسبب بسيط جداً هو أولاً: أن هذه السيادة لم تنطلق من الشعب العراقي بالمعنى السياسي لأن الشعب العراقي لم ينتخب هذه الحكومة بل إن الذي عينها والذي أعطاها مرسوم السيادة لا يملك شرعية السيادة وهو الاحتلال الأمريكي، مما جعل هذه السيادة غير شرعية بالمعنى الوطني، مع احترامنا لكل الذين يتمثلون فيها، لأنهم لم ينتخبوا من الناس في هذا المجال، وثانياً أننا نلاحظ الأمريكيين عملوا بكل طاقتهم من اجل ألا ينتخب الشعب العراقي حكومته لأنه يُخشى أن ينطلق من داخل الشعب العراقي ممثلون معارضون للسياسة الأمريكية وللاحتلال الأمريكي ويمسك الشعب من خلال سلطاته الشعبية ويقول للأمريكيين اخرجوا من بلدنا لأننا أصبحنا نملك أمرنا من خلال القاعدة الشعبية لا من خلال شرعية الاحتلال في هذا المجال.

وأما النقطة الثانية هي أن قوة الاحتلال ستبقى في العراق حتى بعد إعطاء السيادة بالمعنى الرسمي الشكلي لأن هذه السيادة لا يمكن أن تأخذ أي موقع قوي إلا إذا ملكت القوة خصوصاً القوة العسكرية. ونحن نعرف أن أمريكا ليست مستعدة لأن تعطي العراقيين قوة ضاربة يمكن أن تسيطر على العراق كله وعلى كل مواقع القوة فيه أو تعطيها صلاحيات واسعة يمكن أن تتصرف باقتصادها وأمنها وسياستها. ونحن لا نتحدث عن ذلك من خلال استعارات وإنما نتحدث عن ذلك من خلال الاستراتيجية الأمريكية لاحتلال العراق التي تنطلق من قاعدة المصالح الأمريكية باعتبار السيطرة على ثروات العراق وعلى أمنه واعتبار العراق جسراً للعبور إلى المنطقة وهذا لا يمكن أن يتحقق من خلال سيادة وطنية، وإنني أتصور أنه حتى الانتخابات المقبلة التي يقال أنها بعد عام أو أكثر من عام لن تكون بهذه الحرية التي يتحدث عنها الأمريكيون أو العراقيون.

المقاومة العراقيـة

* أشرتم إلى وضع المقاومة العراقية؟

ـ بداية أنا لا أملك أن أعطي أولئك اسم مقاومة.. صحيح إننا ضد الاحتلال ومع كل الذين يقاومون الاحتلال لتحرير شعبهم..ولكن المسألة هنا: من هم هؤلاء الذين يقاومون.. نراهم يتحركون في ضباب كثيف.. فنحن حتى الآن لا نعرف خططهم ولا برنامجهم، إذا كانت القاعدة فهي لم تعبر عن خطتها في مسألة الاحتلال، وإذا كان هناك أشخاص آخرون من الجيش أو من قوى الأمن أو ما إلى ذلك فلماذا لم يعلنوا حتى الآن عن خططهم وبرنامجهم، عندما نتحدث مثلا عن المقاومة اللبنانية، وفي مقدمتها الإسلامية، فالجميع يعرفون خطوطها وحركتها و خلفياتها ونعرف اختلاطاتها وعلاقاتها.

نحن أيضاً نستطيع أن نتحدث عن المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها، ولكن إذا كانت هناك مقاومة عراقية فمن هي؟!.. السؤال من هم هؤلاء الذين يفجرون الأماكن الدينية المقدسة كما حدث في النجف و كربلاء والكاظمية، ومن هم الذين يفجرون مواقع المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة والصليب الأحمر. من هم هؤلاء الذين يقتلون الشرطة العراقية التي أريد لها حتى من خلال الأمريكيين أن تحفظ الأمن العراقي الداخلي وهي لا تمتلك الكثير من أمرها. من هم هؤلاء الذين تتحرك " مقاومتهم " بالطريقة التي يقتل فيها الأطفال والنساء والشيوخ. نحن هنا نواجه وضعاً يسكنه الضباب من كل جهة وتتحرك فيه القضايا بشكل مربك يؤدي إلى قتل الشعب العراقي، وهو الأمر الذي قد يستغله المحتل لتمديد احتلاله للعراق. الذين صنعوا مجزرة كربلاء والكاظمية والذين صنعوا سابقاً مجازر النجف والمجازر الأخرى قد لا يكونون الجنود الأمريكيين بالذات.. لكن لابد أن يكون للمخابرات الأمريكية و الإسرائيلية يد في ذلك فهم المستفيدون فقط من هذا الوضع، لذلك أقول إننا لا نفهم هذه المقاومة ومن الصعب أن نؤمن بها في هذا الخليط من علامات الاستفهام التي تحيط بها، فنحن قلنا بأننا ضد الاحتلال ومع الذين يقاومون الاحتلال ضمن خطة للشعب كله وللأمة كلها.

* هل تعتقدون بأن من قام بهذه التفجيرات وهذه المجازر هم أنفسهم الذين يقتلون الأمريكان.. وكأنك وضعتهم في سلة واحدة؟

ـ لا أستطيع أن أعطي حكماً قضائياً في ملامحه ومعطياته، ولكني أقول بأن الذين قاموا بهذه المجازر لا يملكون طهر مقاومة الاحتلال، إن مقاومة الاحتلال تمثل طهارة الفكر والروح والحركة والخطة. أما الذين يقتلون النفس. ويعانون من قسوة الاحتلال فأي فرق بينهم وبين الاحتلال. الاحتلال يقتل مستقبل هؤلاء الناس ويقتل اقتصادهم وسياستهم وأمنهم وهم يقتلون هؤلاء الناس بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم.

إننا أمام غموض المجرم قد نتصور أن هذه الفئات مقصودة دون غيرها..ولكن نتساءل إذا وضعت التفجيرات التي استهدفت مواقع شيعية في دائرة معينة، فمن الذي فجر بعض مساجد السنّة؟ هل هم الشيعة؟ إن هناك نوعاً من الغموض، ولذلك فإن الحكم على الفاعل بالطريقة القضائية يحتاج إلى معطيات واقعية.

إن الأمن في العراق مسؤولية المحتل الاميركي، لأنه هو الذي ضمن أمن العراق بحسب قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لأن الولايات المتحدة تملك أقوى مخابرات في العالم وهي موجودة في العراق وحتى في قلب نظام صدام، كما أن هناك تحالفاً بين المخابرات الأميركية و"الموساد" الذي دخل بكل قدرته إلى العراق متحالفاً مع المخابرات المركزية الأميركية على أساس أن يخلط الأوراق ويساهم في تثبيت الخطة الأميركية الإسرائيلية في العراق ولذلك نعتقد أن المصلحة الكبرى، لهما وأن المسؤول الأساسي والمستفيد الأساسي هما الولايات المتحدة وإسرائيل ونقول لمن يقولون بأن الأساليب تشير إلى أن من قام بالأعمال الإجرامية هم مسلمون متطرفون، أيضاً من يتجسسون في فلسطين على الانتفاضة لمصلحة الإسرائيليين هم مسلمون ويتحركون من خلال المخابرات الدولية والإقليمية لخدمة هذا النظام أو ذاك.

إن أي احتمال لاتهام أية جهة لا يبرىء المحتل الاميركي، ونحن نتساءل لماذا لم تمنح الإدارة الأميركية الشرطة العراقية الأسلحة التي تحتاجها، وقد سمعنا من ضباط عراقيين عينوا حديثاً أنهم لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم، ولماذا لا يعطى مجلس الحكم عناصر وأدوات القوة التي يستطيع من خلالها رصد الإحداث. هناك أكثر من سر خفي ومشكلتنا أننا نحدق في السطح ونتنازع على السطح ونحكم على السطح ولا ننفذ إلى الواقع. يجب أن نقرأ بين السطور يجب أن نقرأ الممحي من المفردات.

* سؤال يطرح نفسه باستمرار.. لماذا لم تشارك الشيعة في المقاومة المسلحة في العراق حتى الآن؟

ـ الشيعة في العراق درسوا المسألة دراسة واقعية، المقاومة ليست فقط هي المقاومة العسكرية، و المقاومة خطة وتحتاج إلى وضوح ويمكن أن يكون لها إنجاز عسكري ً أو اقتصادي ً أو سياسي، وقد رأوا أن الظروف المحيطة بالواقع في العراق لن تمكنهم من المقاومة عسكرياً، لذلك هم أعلنوا بالصوت العالي أنهم يقاومون مقاومة سلمية، ولذلك فإنك لاتجد مسلماً شيعياً من الشعب العراقي سواءً في الفعاليات الدينية أو السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية لا يطالب بزوال الاحتلال.

* وكيف تقيم مواقف سماحة آية الله السيستاني.. تحركاته؟

ـ هو يطالب بما يطالب به الشعب العراقي، أي أن يمسك الشعب العراقي قراره ويحدّد مصيره، وأن يضع دستوره من خلال ممثليه الذين ينتخبهم على أساس الإسلام طبعاً باعتبار أن 90% من الشعب العراقي مسلم، وأن يملك أمره وأمنه وأن ينسحب المحتل.. هذه مطالب الشعب العراقي.

* وكيف ترون مطالب السيد مقتدى الصدر؟

ـ هو شاب يملك حالة ثورية ضد المحتل، ونحن مع أية حالة ضد المحتل.

الفدرالية الكرديـة

* ما رأيكم بموضوع الفدرالية الكردية في العراق؟

ـ يتعرّض العراق في هذه المرحلة لجملة من الأخطار التي لا تقتصر نتائجها على الحاضر، بل تتعدّاه إلى المستقبل، ولا تطاول الجغرافيا العراقية وحدها، بل قد تنفذ إلى المنطقة المحيطة به بطريقة وأخرى. ولعل من أبرز هذه المخاطر بعد الاحتلال مسألة الفيدرالية التي بدأ الحديث عنها في بعض الدوائر يتصاعد ليصل إلى أعلى مستويات الخطورة، سواء لجهة مطالبة البعض بقوات عسكرية خاصة بهم، أو لجهة تأثر أطراف أخرى بهذا الطرح وسعيها باتجاهه حيث بدأت المطالبة بفيدرالية كردية تغذّي الشعارات التي يرفعها التركمان للمطالبة بالأمر نفسه.

ونحن في الوقت الذي نعرف أن الإسلام يحرص على الحقوق الذاتية وعلى خصوصيات الجماعات، نؤكد على التنوع داخل الوحدة على أساس احترام وحدة البلد، لأن من شأن هذه الانقسامات أن تنعكس على الوحدة العراقية الداخلية وأن تضع العراق على مشارف التقسيم وأن تحدث تغييراً في الخريطة الجغرافية والسياسية للمنطقة بالطريقة التي يتغذى فيها المشروع الأميركي بجرعات جديدة من الانقسامات على المستوى الوطني والإسلامي.

إن الفيدرالية لم تكن في يوم من الأيام علاجاً لبلد يعيش الوحدة بشكل صريح وواقعي كما هو الحال في العراق، بل قدمت على مستوى الطرح كأحد الحلول لبلد يعيش التمزقات والانقسامات، ونحن نخشى من أن تقود الفيدرالية المطروحة كحل لدى البعض على أساس عرقي في العراق إلى فيدرالية بين المذاهب، لتنطلق المسألة عرقياً ولا تنتهي مذهبياً، ولتدخل اللعبة الدولية بحرية أكبر إلى هذه الساحة لتثير الفتن بين السنة والشيعة وبين الأكراد والتركمان والعرب، بحيث يتكرس الاحتلال ويطول بقاؤه تحت وطأة هذه الخلافات التي يراد من خلالها أن يقال للعالم بأن العراقيين منقسمون حتى على مستوى اختيار الهوية العامة لبلدهم.

نحن نفهم المحاولات الأميركية الأخيرة الساعية لاستبعاد الإسلام كمصدر أساسي للتشريع في العراق، على أساس أنها تستبطن إبعاد الإسلام كمصدر توحيدي على المستوى السياسي، إضافة إلى إبعاده عن الساحة العقيدية والتشريعية مع وجود الأكثرية العراقية الساحقة التي تدين بالإسلام، وذلك فضلاً عن دور الإسلام على المستوى الحضاري في صناعة تاريخ العراق منذ ما يزيد على ألف وأربعمئة سنة، ونفهم محاولات الحاكم المدني الأميركي لتخويف العراقيين والتهويل على المنطقة بهذا الأسلوب، مع أن الإسلام حرص على حماية الأقليات وحفظ حقوقها، وقد عاشت الأقليات في كنفه بعيدا عن أي اضطهاد في ممارساتها وفي شؤونها العبادية والاجتماعية وما إلى ذلك وفي نطاق القانون العام الذي شمل الجميع.

لذلك، نقول للسنة والشيعة والأكراد والعرب والتركمان وكل فئات الشعب العراقي إن هذه المرحلة ليست مرحلة الحديث عمن يحكم العراق، أو عن الأكثرية المذهبية أو العرقية وما إلى ذلك، لأن هذا التنازع الإعلامي أو السياسي الذي يتغذى من أكثر من مناخ داعٍ للانقسام في المنطقة هو جزءٌ من الفوضى الداخلية التي لا يستفيد منها إلا الاحتلال الذي يمسك بالأرض العراقية بكل ما فيها من ثروات ليقدمها لشركاته الاحتكارية كما يمسك بالقرار السياسي للعراق تحت شعار " الفيتو" الذي يلوّح به الحاكم المدني الأميركي الذي يتصرف كحاكم عسكري وأمني من الدرجة الأولى.

إن المطلوب هو أن يتوحد العراقيون بكل أطيافهم السياسية وانتماءاتهم العرقية أو المذهبية على أساس العناوين الكبرى التي تجعلهم يخططون بعناية ودقة وإحكام لبناء عراق المستقبل، وأول هذه العناوين هو عنوان السعي الجاد للخلاص من المحتل بكل السبل المتاحة، ونحن نحيي كل اللقاءات الوحدوية التي حصلت في العراق مؤخراً، وخصوصاً تلك التي اجتمع فيها علماء السنة والشيعة والتي أكدت أن الشعب العراقي منفتح على الوحدة الإسلامية بكل قوة، ونريد لهذه اللقاءات أن تتجذر وتتوسع لتكون النواة لجبهة إسلامية عراقية واسعة تجمع السنة والشيعة في مناخ من الحوار المنفتح على مستقبل العراق، لأن المسألة الآن هي ليست في كيف نثير الجدال في قضايا الإمامة أو الخلافة، بل كيف يمكن أن نضمن للعراقيين مستقبلهم في انتمائهم الإسلامي والوطني، وكيف نحفظ وحدتهم في مواجهة الاحتلال ومخاطر اللعبة الدولية التي تقودها أميركا في المنطقة ومن خلال استهدافها للساحة العراقية في شكل خاص.

* برأيك إلى أي مدى يمكن للأمريكان أن يدفعوا باتجاه الفدرالية أو أن يقفوا في وجهها؟

ـ جاء في الخطاب الأمريكي أنهم لا يوافقون على قيام فدرالية عرقية، ولكن أمريكا دولة لا مبادئ لها بل هي موجودة تتحرك بوقاحة لتصنع مبادئها.

* إذا انتقلنا إلى دول الجوار، كيف ترون التهديدات الأمريكية لسورية و إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه التهديدات؟

ـ إن التهديدات الأمريكية لسورية هي تهديدات وقائية أكثر مما هي تهديدات هجومية، لأنها تعرف قيمة سورية وتعرف دورها في المنطقة، وليست هناك أية أمور تدعي لشن الحرب ضد سورية على طريقة الحرب في العراق، فالظروف العراقية كانت ظروفا ملائمة للاحتلال.. ولكن مسألة سورية تختلف عن المسألة العراقية من كل النواحي، وباعتقادي أن التهديدات هذه تهويلية.. وقائية أكثر مما هي تهديدات واقعية.

* وأين يمكن أن تضع قانون محاسبة سورية؟

ـ قانون محاسبة سورية ليس بجديد، بل كان قانوناً إسرائيلياً من خلال المجلسين الذين يسيطران: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، اللذان يسيطر عليهما اللوبي الصهيوني، والموقف من سوريا معروف لأن سورية تدعم الانتفاضة الفلسطينية وتدعم الذين يحاربون في لبنان (المقاومة الإسلامية) من أجل رفع الاحتلال عن بلدهم وعن الجولان.. ومن الطبيعي أن يعطي احتلال العراق للأمريكان ذريعة في هذا الضغط على أساس اتهام سورية بأنها تفسح المجال للذين يحاربون الجيش الأمريكي من خلال الحدود، أو أسلحة الدمار الشامل هذه التهمة التي تطلقها أمريكا على كل من يعارض سياستها، ولا سيما الدول العربية والإسلامية.

* كيف ترى انعكاسها على إيران؟

ـ تحاول أمريكا أيضاً أن تضغط على إيران من خلال احتلالها للعراق حيث إنها أصبحت على حدود إيران، ولكن لا أرى أن هناك أية ظروف أمريكية يمكن أن تساعد على القيام بأي حرب على إيران على الطريقة العراقية، لأن ظروف إيران ومواقع القوة فيها مختلفة عن ظروف العراق عند احتلاله، ولأن إيران تتحرك في أسلوب سياسي برغماتي يمكن أن نطلق عليه " لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم".

* البعض يرى بأن نجاح المحافظين في إيران هو واحدة من الانعكاسات، ويعتقدون بأن المحافظون هم الأبعد أو التيار المتشدد أكثر تجاه الأمريكان؟

ـ وهناك تحليلاً آخر يقول بأن المحافظين أقرب إلى أمريكا من الإصلاحيين ولا ندري أيهما الأصح فالقضايا لا تزال غامضة، ولا يمكن أن نعرفها من خلال التحليلات ولا بد من مراقبة الواقع بشكل دقيق. وهناك أكثر من حديث متداول في إيران وغيرها بان المحافظين تبنوا مطلب الإصلاحيين في العلاقة مع أميركا بالرغم من أن الإصلاحيين كانوا متهمين من المحافظين بأنهم عملاء أميركا وما إلى ذلك.

* ما مدى صحة التحليل الذي يقول بأن الضغط الأمريكي على إيران هدفه إيقاف الشيعة عن القتال في العراق؟

ـ لا أعتقد أن إيران تعتبر أن العراق يمثل مركز قوة لها بطريقة أو بأخرى، لذلك فإنها لن تسقط أية ورقة من القوة التي يمكن أن تعمل لحسابها بقطع النظر عن طبيعة هذه الأوراق وطبيعة علاقاتها مع أمريكا، كما أن الشيعة في العراق يختلفون في انتماءاتهم السياسية وفي علاقاتهم مع إيران، وهم ليسوا ورقة شاملة بيد أي جهة. هناك فكرة لا بد أن نعرفها عندما نتحدث عن الشيعة أو السنة.. الشيعة ليسوا فريقاً واحداً فمنهم إسلاميون ومنهم علمانيون وقوميون وماركسيون، ومن الخطأ أن تعطي الشيعة خطاً سياسياً واحداً في هذا المجال، وحتى عندما يتحدث في المسألة السياسية عن الأكثرية والأقلية، فإن الشيعة منقسمون كما أن السنة منقسمون.

* كيف ترون تركيا في هذا الإطار؟

ـ تركيا تحاول أن تراقب المسألة الكردية، ومدى انعكاس ما سيحصل على أكراد تركيا الذين يقاربون 20 مليون حسب اختلاف الإحصاءات باعتبار أن أي حل يعطي الأكراد موقعاً مستقلاً وقيادياً يمكن أن ينعكس سلباً عليها، كما أن تركيا جارة للعراق تراقب السياسة الأمريكية التي قد تلعب لعبة مزدوجة وقد تضغط على تركيا، لذلك أنا أعتقد أن الأتراك في موقف حيرة وفي موقف مراقبة لما يستقبل من أمر العراق.

* هناك تحليل بأن التقارب السوري التركي هو واحد من انعكاسات الحرب العراقية؟

ـ ربما يكون كذلك، وربما يكون من خلال أن تركيا تحاول أن تجعل علاقاتها بالمنطقة العربية والإسلامية أكثر قرباً، لأنها شعرت أن الاتحاد الأوربي لن يقبل بأن تدخل تركيا في داخله مع خصوصيتها الإسلامية، ونحن نعرف أن المسألة الإسلامية هي أساسية في المسألة الأوربية، ولذلك لم يسمحوا للبوسنة والهرسك أن تكون دولة مستقلة بل إنهم دمجوها مع الكروات ودول مختلفة من الاتحاد الأوربي حتى لا تكون هناك دولة إسلامية في الاتحاد الأوربي، وقد سبق أن أرسل أحد رؤساء الوزارة في تركيا السابقين رسالة للاتحاد الأوربي في بروكسل وقال لهم، إنكم لا تقبلوننا لأننا مسلمون. وقد سمعنا البابا وهو يتحدث مع الاتحاد الأوربي أن عليكم أن تضعوا في قانون الاتحاد أن جذور أوروبا مسيحية.

الموقف الأوروبي من الاحتلال

* الآن ننتقل إلى الوضع الأوروبي، كيف ترى انعكاس هذه الحرب على أوروبا وهل تتوقع تحالف أوروبي - أمريكي جديد؟

ـ أنا لا أتصور.. هناك في أوروبا أكثر من خط وهي ليست موحدة في سياستها الأمريكية، فهناك بريطانية وهناك إسبانية وبعض الدول الأوروبية هنا وهناك تلتقي مع أمريكا، ونحن نعرف أن قرار الحرب ضد العراق وقع من قبل ثمان دول إلى جانب بريطانية وأمريكا في هذا المجال. لذلك أوروبا ليست واحدة في السياسة الأمريكية كما أن أوروبا تقف لتراقب السياسة الأمريكية من أكثر من جهة، من جهة اقتصادية، لأن أوربا تريد أن تشارك الشركات الأمريكية في مسألة إعمار العراق، كما أنها تريد أن توازن في مسألة مصالحها، لأن لأوروبا مصالح في بترول العراق أو بترول الشرق الأوسط وما إلى ذلك.

إن أوروبا تعتبر أن الشرق الأوسط لا سيما العراق يمثل الساحة التي تتحرك فيها مصالحها لذلك هناك صراع خفي بين أوروبا وأمريكا ولكن قوة أمريكا بالنسبة إلى أوروبا من خلال طبيعة موازين القوى ومن خلال الانقسام الأوروبي لا سيما اتحاد الدول الضعيفة التي دخلت الاتحاد الأوروبي والتي هي أقرب إلى أمريكا منها إلى فرنسا وألمانيا الدولتين اللتين تقفان بطريقة أو بأخرى في خط المعارضة ضد الحرب الأمريكية، لهذا فإني أعتقد أن الوضع سيبقى وضعاً يتحرك ليقدم رجلاً ويؤخر أخرى بالنسبة للمشاريع الاستثمارية.

* الصراع العربي الإسرائيلي؟

ـ أنا أعتقد أن الصراع العربي الإسرائيلي سوف يبقى خاضعاً للسياسة الأمريكية، ولن يكون لأوروبا موطئ قدم واحدة في هذا الصراع إلا من خلال ما تخططه أمريكا.

* من الملاحظ أن هناك سعي حميم من جانب الكيان الصهيوني للدخول إلى العراق؟

ـ أعتقد أن الصهاينة هم الآن فعلا في داخل العراق.

* آفاق المستقبل ما هي برأيكم؟

ـ آفاق المستقبل تتوقف على مسألة هل يتطلع العرب والمسلمون إلى المستقبل أم أنهم يظلون مشدودين إلى زنازين الحاضر.

* ضمن سلسلة من اللقاءات التي أجراها مراسل ثروة وحيد تاجا يأتي هذا اللقاء مع سماحة السيد محمد حسين فضل الله

8 نيسان، 2004 (نشرت على www.arabic.tharwaaprojeet.com في 15-6-2004)

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية