الاستحقاق الرئاسي لن يغير في الأسلوب والأداء والنتائج

الاستحقاق الرئاسي لن يغير في الأسلوب والأداء والنتائج

حوار حسين أ. سلامة

الدخول عليه سهل، فهو منفتح على المجتمع بلا تعقيد، ولكن من عنده صعب، لأن تحت عمامته فكر سيال، ينساب فيأسر المحاور، الذي يحاول أن يتربص بالكلمات ليجد السؤال. أنه المرجع الشيعي العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله الذي ما أن تبدأ الحديث معه حتى تأخذك كلماته فتستزيد، إلى أن يأتي من ينبهك إلى استنفاد الوقت. والسيد فضل الله صريح دون حذر، فهو يرى أنه من الصعب جداً أن يصل اللبنانيون إلى وطن حر منفتح على قضايا الناس، وإلى شعب يتحسس مسؤولياته، وذلك بسبب البناء الطائفي الذي صيغ الدستور على أساسه. وقال في حوار مع "الصياد" أن الطوائف اللبنانية ترث زعماءها ولا تختارهم، وأن المشكلة هي في تكامل المواقع الدينية مع المواقع السياسية، وهو ليس ضد تدخل رجل الدين في السياسة، ولكن على أساس أن رجل الدين السياسي شيء والدين شيء آخر. وهو مع محاسبة أي صاحب رأي سياسي رجل دين كان أو سياسياً، فلا قدسية لأحد. ويعتقد أن الاستحقاق الرئاسي لن يغير شيئاً في الأسلوب أو في الأداء أو في النتائج. وعن عودة الحديث عن متفجرة بئر العبد التي استهدفته في منتصف الحرب اللبنانية، أكد أنه لا يتهم غير الولايات المتحدة الأميركية ومخابراتها، وأنه لم يتهم أي سفير بهذه الجريمة، ودعا إلى عدم إثارة مسائل من هذا النوع لأن المشكلة مع الاستكبار العالمي ولا مصلحة لأحد في ذلك. وعن العراق قال السيد فضل الله، أنه لم يعد هناك أسوأ مما يعيشه اليوم، وأنه الجسر الذي تريد أن تعبر عليه الولايات المتحدة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير. أما بالنسبة إلى فلسطين فقال أنها ستنتصر بالصمود لأن العرب" تحرروا منها".

الداخل اللبناني

ـ الوضع الداخلي اللبناني بكل تجلياته وهمومه، هو محل اهتمامكم الدائم، والكل بات يعرف المشكلة وأسبابها، فهل تملكون رؤية معينة للخروج من أزمات هذا الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصاي المعقد؟

ـ من الصعب جداً، في مسار الوضع اللبناني التاريخي، أن يجد الإنسان أي نافذة مفتوحة على الأفق الذي يحمل إطلالة على الحل لأية مشكلة لبنانية، لأن لبنان الذي صيغ طائفياً في دستوره، على أساس الأمر الواقع، وعلى أساس الميثاق الجديد، لا يراد له أن يتحول دولة مؤسسات، حتى ونحن نرى أكثر من مؤسسة، كما هي الحال في الدول الأخرى كمؤسسات رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، نلاحظ أن هذه المؤسسات تخضع لبعض الأوضاع المتميزة بالشخصانية وبالأشباح التي تتحرك خلفها لتحرك قراراتها، أو واقعها أو ما أشبه... ما يعني أن المسألة لم تعد مسألة مسؤولية الشعب بالنسبة إلى الحاجات التي تخفق بها أوضاعه، ولكن التسويات تتحرك، من خلال بعض القوى النافذة المسيطرة على هذه المؤسسات، فإذا ما اتفقت أمكن للبلد أن يتابع مسيرته بطريقة أو بأخرى وإذا لم تتفق تجمد البلد..

لذلك، أجدني متصوراً، أن النظام الطائفي بتداعياته، وبحساسياته يمنع أي إصلاح، فعلى سبيل المثال: عندما يواجه البلد انحرافاً لدى أي شخصية طائفية، فإنه من الصعب جداً أن يقدم هذا الشخص إلى القانون، لأن هذا السلوك القضائي سينعكس على الطائفة ليكون اتهام الشخص اتهاماً للطائفة. وفي هذه الحالة تصبح المسألة مرتبطة بالأوضاع الطائفية في لبنان. ولهذا فمن الصعب جداً أن يتحرك القضاء لمحاسبة أي شخصية طائفية كبرى، سواء من خلال طبيعة سلوكها الخاص أو سلوك من يحيط بها هنا وهناك. ونعرف أن هناك أكثر من جهة خلفية ضاغطة في الداخل وفي الخارج لا تمكن القضاء من أن يأخذ حريته، في أن ينظر إلى الواقع بعين القانون، بل لا بد له من أن يراعي الحساسيات الطائفية السياسية هنا وهناك.

وهكذا نلاحظ في مسار الواقع اللبناني، الذي كنت ولا أزال أرصده، منذ الخمسينات من القرن الماضي، أن العناوين ما زالت هي نفسها، ولكن الأسماء تتغير، فقد كنا نقرا عن قانون "من أين لك هذا" وعن قانون محاسبة الشخصيات الكبيرة وعن الهدر والفساد، وعن هذا التجمع الطائفي الذي ينطلق من خلفيات سياسية خارجية، وذاك التجمع الطائفي الذي يتحرك في اتجاه آخر، وتشتد الأزمة ثم تأتي التسويات.

ومن الأمور التي أصبح يدمنها اللبناني، أن الوضع السياسي في لبنان يتحرك في دائرة الملهاة التي تفتح ملفاً اليوم، ويعلو الصراخ هنا وهناك، وتنطلق الاتهامات ضد هذا الفريق أو ذاك، ولكن الملف يغلق بقدرة قادر ليفتح ملف آخر، وينسى الناس كل الملفات، في نهاية المطاف، ليواجهوا أزماتهم المعيشية وأوضاعهم السياسية، والتحديات الخارجية والداخلية، وما إلى ذلك.

الوصول إلى وطن حرّ صعب

ـ كيف تحل هذه المشكلة؟

ـ أعتقد، أن المواطنية هي التي تحل مشكلة لبنان، بحيث يشعر المواطن أن حقوقه الوطنية، تتحرك من خلال صفة المواطن فيه، لا من خلال صفة طائفته، كي يعطى من هذه الكوتا لهذه الطائفة أو تلك. ثم أن يكون لبنان، دولة المؤسسات لا دولة الأشخاص، بحيث لا يكون هناك أحد فوق القانون. وهكذا يتحرك الناس الذين يريدون أن يقفزوا إلى المواقع الكبرى عبر البرنامج الواضح الذي يخضع للمحاسبة بعد ذلك.

ومن هنا تستطيع أن تطل على الواقع الشعبي، لأن المشكلة ليست مشكلة المرشح للمنصب الكبير أو للنيابة أو غيرها... ولكن المسألة هي مسألة الناخب، الذي لم يتعود أن يحاسب المنتخب، عندما يتحرك في مسؤوليته هنا وهناك، وربما لا تتقبل بعض المواقع أن يشار إليها بالأسم، كما يحصل في الدول الكبرى، فنحن نرى أنه في بعض هذه الدول التي ربما نقف موقفاً سلبياً منها، لتدخلِّها في أزماتنا الاقتصادية والسياسية والأمنية، نجد أن أياً كان في تلك الدول يستطيع أن يوجه سؤالاً أو تهمة صارخة ضد أعلى موقع في الدولة، وضد كل مفصل من مفاصل الدولة، بينما نلاحظ أن هذا الأمر ليس وارداً عندنا حتى على مستوى المواقع الصغيرة في هذا المجال. وذلك لأن المشكلة هي أن الطائفية فوق الوطن وأن الشخص فوق القانون، ولذلك نتصور أنه من الصعب جداً أن نصل إلى وطن حرّ منفتح على قضايا الناس، وإلى شعب يتحسس مسؤوليته ليستطيع إسقاط الذين يكذبون عليه، ويخذلونه بين وقت وآخر.

المشكلة هي أن هناك عبادة للأشخاص، ولذلك ترث الكثير من الطوائف زعماءها ولا تختارهم.

مسؤولية المؤسسات الدينية

ـ لا شك في أن هذا التوصيف لواقع لبنان دقيق، ولكننا نلاحظ أنك حملت السياسيين والشعب كامل المسؤولية، ولم تعر مواقف المؤسسات الدينية التي تتحرك طائفياً، عندما يتعرض زعيم كبير يمثلها إلى ضغوط سياسية، للدفاع عنه بأي شكل من الأشكال؟

ـ إنني منذ زمن طويل أتحدث عن أنه ليست لدينا أية مقدسات للأشخاص بمن فيهم الرموز الدينية، وأن أي رمز ديني في أي طائفة، هو إنسان كبقية الناس، ومواطن كبقية المواطنين، يخطيء ويصيب سواء في الفكر الديني عند الاجتهاد أو في الفكر السياسي عندما يعطي رأياً سياسياً، أو في الواقع الاجتماعي، عندما يتدخل في مفاصل المجتمع.

ولذلك، ليس لدينا مقدسون، ونحن لا نعطي القداسة لأحد. وهناك فرق بين أن تحترم الشخص من خلال احترامك للرمز، وبين أن تقدس الشخص، بمعنى أن تغمض عينيك عن أخطائه، وتعتبر خطأه صواباً، وباطله حقاً. وأن من الطبيعي لهذا الواقع الطائفي، الذي ترتبط فيه كل رموز الطائفة برباط العنوان الكبير للطائفة أن تتكامل المواقع الدينية مع المواقع السياسية والمواقع الاجتماعية، بحيث يشعر كل موقع من هذه المواقع، بأن أي سلبية توجه إلى هذا الموقع، كأنها توجه إليه.

لذلك، نحن نؤيد أن يتدخل الرمز الديني في السياسة، ولكن لا على أساس أن يكون رأيه السياسي مفروضاً على الدين، أو منفتحاً على قداسة الدين. وأن رأي رجل الدين شيء والدين شيء آخر. ولا فرق بين رجل الدين المواطن وبين أي مواطن آخر، في الموقع السياسي أو الاجتماعي أو العمالي أو التجاري... أننا ندعو إلى المحاسبة لكل من يعطي رأياً، ولكل من يتخذ موقفاً يتصل بحياة الناس أو بأوضاعها العامة، سواء كان رمزاً دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً، لا قداسة لأحد. الكل تحت المحاسبة ولا أحد فوق المحاسبة، ونستذكر في هذا المجال الكلمة المروية عن النبي محمد "صلعم" حيث يقول: "أنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ". "والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها".

الاستحقاق لا يمثل تغييراً

ـ أن فتح الملف الاستحقاق الرئاسي يضغط على الأوضاع بشكل يزيد من أزماتنا سواءاً، ولا شك في أنك مطلع على كل الطروحات المتداولة سواء بالنسبة إلى التمديد أو التجديد أو بالنسبة إلى إنتخاب رئيس جديد. فهل لدى سماحتكم رؤية تفيد البلد وتساعده على تقطيع هذه المرحلة؟

ـ لا أتصور أن هناك جديداً في مسألة الاستحقاق الرئاسي، في كل المسارات الرئاسية في لبنان.

في البداية، إن منهج الاستحقاق لا بد من أن يتمظهر في البرنامج الذي يطلقه المرشح أياً كان، بشكل تفصيلي واضح، وذلك في بداية مخاطبته الناس ودعوتهم لانتخابه، وألا تكون هناك أي ضبابية في موقف أي شخص، لأنه، كما ذكرنا، ليس هناك قداسة لشخص أن يضع نفسه في داخل الضباب حتى ينظر الناس إليه من خلال "التهاويل" التي تحيط به. على أي شخص أن يخرج إلى الناس بكل عناصر فكره وحركته ومنهجه ليختاروه. بينما نجد أن القضية عندما تقع في دائرة التداول، فإن الناس يعرفون، إنه ليس لهم أي دور في انتخاب هذا أو ذاك. ومن خلال ذلك، نطل على مسألة أخرى استراتيجية، وهي أن كان الذين ينتخبون رئيس الجمهورية هم النواب، الذين اعتدنا منهم في جلسات الثقة بالحكومة أنهم يتحدثون عن الحكومة بكل السلبيات ثم يعطونها الثقة، لأن هناك سلبيات معينة تفرض عليهم ذلك.

أن المشكلة هي أن النواب عندما ينتخبون ينسون الناس، وينساهم الناس، إلا عند حاجاتهم الفردية والاستهلاكية، ولا يفكرون في البرنامج الذي طرحوه على الناس ليراقبوا أنفسهم من خلاله. ولا يفكر الناس بالبرنامج الذي قرأوه، أم لم يقرأوه ليحاسبوهم على أساس ذلك.

لذلك، يشعر النائب أنه حرّ لا تهمه مواقف الناس في ما يتخذه من قرار، أو في ما يصوّت عليه من مشاريع. وأن هذا المجلس قد يخضع لكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، في هذه المسألة الحساسة في البلد. ولعل النكتة السياسية هي في ما يتداوله الناس عن كلمة السر، التي تعطى في هذا الجانب أو ذاك. ولا نريد أن نتحدث عن شمولية لكل الناس في داخل هذه المؤسسة، ولكن نتحدث عن ظاهرة.

وعلى هذا الأساس، كنا ولا نزال نقترح أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية عبر الاستفتاء الشعبي كي يستطيع الشعب أن يحدد مواصفات الشخصية الأولى في الدولة، وأن يكون له دوره في الاختيار، لأن أي عنصر داخلي أو خارجي لن يستطيع أن يصادر الشعب كله لا سيما أمام هذه التنوعات الفكرية والسياسية. لذلك أعتقد أن ما نقبل عليه لا يمثل أية عملية تغيير في الأسلوب وفي المسار، وأكاد أقول في النتائج.

متفجرة بئر العبد أميركية

ـ في معرض حديثك عن كلمة السر، هناك قضية قديمة تتعلق بمحاولة الاعتداء الغاشم الذي تعرضتم له عبر متفجرة بئر العبد. هذه القضية تغيب لتعود وتطل برأسها وأخيراً أثيرت من جديد عبر شاشة الجزيرة الفضائية، وأتهم المتحدث في الموضوع السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان بأنه وارء ذلك التفجير، ومن ثم ظهر الأمير بندر على شاشة العربية ونفى أن تكون له صلة بالاعتداء، وقال أن سماحتكم قلتم شيئاً من هذا القبيل، ما هي الحقيقة؟

ـ من الطبيعي أن يكون لهذه القضية في نفسي عنصر المأساة، لأن الضحايا الذين سقطوا، كان من بينهم الأجنة التي قفزت من بطون أمهاتها. وبعض الأطفال الرضع بالإضافة إلى النساء اللاتي جئن من المسجد بعد صلاة يوم الجمعة، وبعض العمال الذين عادوا مكدودين متعبين، من مراكز عملهم ليرتاحوا في بيوتهم، وما إلى ذلك، فمن الطبيعي أن يعيش الإنسان في هذه المسألة كمأساة تثير الحزن، ومن ناحية أخرى، هناك أيضاً المسألة السياسية، لأن دولة في حجم الولايات المتحدة الأميركية تقوم بعملية إرهابية بهذا الحجم.

وبالرغم من أن الرئيس ريغان قد صرح آنذاك بأنه لم يعط الأوامر بتنفيذ هذه العملية. ولكننا، من خلال هذا التصريح، نستذكر الجدل الذي دار بين المخابرات المركزية الأميركية(سي. آي. أيه) في إدارة بوش الابن، وبين الإدارة نفسها حول مسألة المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، التي خاضت أميركا الحرب تحت عنوانها. ونستنتج أنه من الممكن جداً أن المخابرات تقوم بعمل معين، أي أنها تدفع بهذا العمل لتخدع الإدارة الأميركية، أو أن تكون الإدارة الأميركية تحتاج إلى ذلك لتقوم بعمل آخر.

أن المعلومات التي استقيناها حول هذه المسألة هي من جريدة "الواشنطن بوست" ومن مذكرات وليم كايسي التي وردت في كتابه "القناع" للمؤلف"بوب ودوارد" وبالنسبة إلي، لم أحقق في هذه القضية لأتهم سفيراً هنا أو سفيراً هناك. وإنني لا أملك أي معلومة قضائية دقيقة تخوّلني أن أوجه الاتهام بشكل دقيق لأية جهة من هذه الجهات. ولذلك لم أعلق على الموضوع إلا باتهام الولايات المتحدة الأميركية.

وعلقت بعد ذلك على ما جاء في المذكرات، بأنني قبضت مبلغ مليونين أو ثلاثة ملايين دولار، بعد فشل العملية، من أجل ألا أهاجم سياسة الولايات المتحدة التي أصبحت متعباً لها. بحسب تعبير هذا المؤلف، بأنها وزعت على جماعتي بحسب المصطلح الذي استخدمه المؤلف ذاته.

وكان تعليقي أن هذه الكذبة لا يمكن أن يقبلها عقل، ولا أن تحترم، لأنه لم يحصل في تلك المرحلة أن وزعت أدوية ومساعدات على أهالي المنطقة في الضاحية.

لذلك، أنني أحب أن أؤكد أنه لم يصدر مني أي حكم أو اتهام لأي جهة في تفاصيل المسألة.

ـ يقول البعض أن "الجزيرة" من خلال الحلقة التي بثتها مع أنيس النقاش حاولت اللعب على العلاقات بين سماحتكم وبين الأخوة في المملكلة العربية السعودية، أو إثارة نعرة طائفية سنية ـ شيعية، فهل ذلك ممكن؟

ـ في الوقت الذي لا أشجع فيه، في هذه المرحلة القاسية التي يمر بها عالمنا العربي والإسلامي، ولا سيما بالنسبة إلى ما يحدث اليوم من أعمال إجرامية في السعودية والعراق، بفعل قوات الاحتلال في العراق، وبفعل بعض القوات الأجنبية والمتطرفة التي لا تفهم الإسلام جيداً، إنني لا أجد هناك أية مصلحة في أية إثارة تتناول بعض القضايا التي مر عليها الزمن، والتي قد خضعت للأوضاع السياسية التي يختلف الناس فيها، سواء بالنسبة إلى سياسة هذه الدولة العربية أو الدولة الإسلامية أو الدولة الأجنبية.

إنني أتصور أن هذه المسألة توضع عادة في الإطار السياسي، ولا توضع في الإطار المذهبي. ومع ذلك فأنني أعتقد أن المشكلة التي نواجهها اليوم مع القوى الاستكبارية في العالم التي تضغط على أصدقائها وأعدائها لتهيمن عليهم. لا تترك مصلحة لأي إثارة من هذا النوع.

مناعة العراق ضد الفتنة.

ـ لقد أصدرت مؤخراً فتوى مهمة جداً بالنسبة إلى تحريم قتل الأسرى، والعراق يشهد اليوم وضعاً أشبه بشريعة الغاب، إلى أي مدى ترون في ذلك خطراً على أصدقائكم بشأن مشروع التقريب بين المذاهب؟

ـ أتصور أن العراق يملك، بشخصياته الإسلامية، من السنّة والشيّعة، مناعة ضد الفتنة المذهبية على الصعيد الميداني. ربما يتهم هناك بعض الشيعة في القيام بعمل إجرامي، وربما يقوم بعض السنة باغتيال بعض المراجع الشيعية أو تفجير بعض المراكز الشيعية. لإثارة الاتهامات المتبادلة وإطلاق الحساسيات المذهبية من أجل إنتاج فتنة. ولكننا نلاحظ أنه في أي حدث من هذا القبيل ينطلق عقلاء السنة والشيعة سواء من العلماء هنا وهناك، أو من الشخصيات الاجتماعية لتطويق هذه المسألة. وهذا ما لا حظناه في أشد الأحوال مأساوية. وخصوصاً عندما استشهد السيد محمد باقر الحكيم، وكانت الأصابع تشير إلى بعض الجهات السلفية من خارج العراق أو من داخله. وجدنا أن العلماء السنة والكثير من الشخصيات السنية جاؤوا إلى النجف للمشاركة في الاحتجاج وفي المواساة. وكذلك عندما حصلت قضية الفلوجة، انطلق الكثير من علماء المسلمين الشيعة وشخصياتهم لأداء صلاة جمعة في الفلوجة اجتمع فيها أهل السنة والشيعة.

لهذا فإنني أعتقد أن العراق، برغم وجود حساسية سنية شيعية فيه، لا يمكن أن تحدث فيه فتنة ونحن لا نزال نعمل مع فريق كبير من علماء السنة والشيعة في العراق وخارجه على أساس التقريب الإسلامي قبل التقريب الفقهي، الإسلامي الاجتماعي والسياسي والفقهي والكلامي بين السنة والشيعة، لأن مسألة التحدي الذي يواجه المسلمين في العالم، هي مسألة هذه التمزقات الإسلامية، الناشئة من السلبيات التي يقوم بها فريق هنا وفريق هناك، بالنسبة إلى القضايا المذهبية.

لا حاجة إلى خبرات من الخارج.

ـ يمر العراق في مرحلة غموض شديد لناحية مستقبلية، فهل لدى سماحتكم قراءة معينة لما ستكون عليه الحال في هذه الدولة الشقيقة؟

ـ من خلال ثقتي الكبرى بالشعب العراقي، حيث أنه يملك خزاناً ثقافياً وعلمياً وسياسياً وإدارياً عبر تجربته الطويلة، لا سيما أن العراق يرقى في المدى الحضاري إلى ستة آلاف سنة. وفي المدى الإداري أو السياسي يرقى إلى سبعين سنة أو أكثر في الدولة العراقية الحديثة، لست أرى أن العراق يحتاج إلى خبرات من الخارج.

ـ ولكن رغم ذلك، قرر مؤتمر اسطنبول تقديم العون في المجال الأمني للعراق عبر الحلف الأطلسي؟

ـ عندما نقرأ ما كتب، عن ما قدمه بعض المسؤولين العراقيين وتلقفته أميركا، بشأن الطلب من الحلف الأطلسي بأن يدرب قوى الأمن العراقية. نستغرب ذلك، لأن هناك خبرات في الجيش العراقي، وليس كل ذلك الجيش تابعاً لنظام الطاغية صدام، وهذه الخبرات تستطيع أن تدرب الجيش العراقي في هذا المجال.

لذلك فإنني أعتقد أن العراق ليس قاصراً، ولا يحتاج إلى ولي يدير أموره.

عراق على مستوى مصالح أميركا

ـ لكن الولايات المتحدة الأميركية لم تكتف بالغاء النظام السياسي العراقي بل فككت الدولة بكاملها لماذا؟

ـ لقد أرادت أن تصوغ العراق على مستوى مصالحها، وأن تفرغ العراق من كل خبراته التاريخية والحاضرة، لتعمل على أساس أن يكون العراق على صورة مصالحها. وعندما نستمع إلى الرئيس بوش، وهو يقول: لن نخرج من العراق حتى يستطيع العراقيون أن يحفظوا أمنهم، وعندما نراقب كل هذه المجازر التي يتهم بها الخارج. ونراقب أن هناك أكثر من مئة وخمسة وأربعين ألفا من القوات العسكرية الأميركية وغير الأميركية المشاركة في العراق لم تستطع حماية العراقيين طيلة هذه المدة. لا بعسكرها ولا بمخابراتها، ولا في أي مجال من المجالات، وهي التي سوف تكون قوات الحكومة العراقية الجديدة، تتسائل كيف يمكن أن يصل العراقيون تحت الإشراف الأميركي من خلفيات القوى الأمنية، إلى أمن لم تستطع هذه القوات أن تحافظ عليه بشكل مباشر.

أميركا وراء المجازر

هناك من يتهم القوات الأميركية بأنها وراء كل هذه المجازر، لأنها تريد أن تؤكد واقعاً، بأن العراق بحاجة إليها، ولذلك فرضت على الحكومة المؤقتة قبل أن تتسلم الحكم، عقد معاهدة بينها وبين القوات المتعددة الجنسية، تطلب بموجبها أن تقوم هذه القوات بمسؤولية الأمن في العراق.

لذلك فإن العراق أصبح ساحة للمصالح الدولية، وساحة للأوضاع الأقليمية التي ربما تتحرك لحماية نفسها من أميركا التي أصبحت على حدودها. فالجيش الأميركي أصبح على حدود سوريا وعلى حدود إيران، وعلى حدود تركيا والسعودية. لهذا فأنني أشك بأن العراق سيصل إلى حالة من الاستقرار ما دامت أميركا لم تحقق استراتيجيتها في المنطقة، باعتبار أن العراق هو الجسر التي تريد أن تعبر عليه الولايات المتحدة إلى المنطقة كلها لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، والمشاريع الأخرى.

ـ هل ترى الصراع مفتوحاً بين الشعوب في المنطقة وليس الأنظمة، وهل ان هذا الصراع سيصل إلى مدى معين؟

ـ مشكلة شعوب المنطقة أنها محاصرة ومصادرة من قبل حراسها لصالح للمصالح الأميركية في المنطقة. ولكن هناك تململاً بدأ يطفو على السطح.

والسؤال هو كيف يمكن أن تأتي التطورات لتحوّل ما على السطح إلى عاصفة.

ما يعيشه العراق هو الأسوأ

ـ ما هو أسوأ ما يمكن أن نتوقعه للعراق؟

ـ أنا لا أتوقع الأسوأ.

ـ لا أقصد ما تتمنى، بل ما تستنتج من توقعات؟

ـ أنا لا أتوقع الأسوأ، لأن ما يعيشه هو قمة الأسوأ.

العرب تحرروا من فلسطين

ـ في فلسطين تجري حرب إبادة وتدمير وتجريف، والمشكلة أن العرب غائبون عن السمع والرؤيا، إلى أين ستؤدي هذه الحرب؟

ـ المشكلة" أن العرب منذ مدة في كل مؤتمراتهم التي بدأت في الخرطوم ومن ثم في المغرب، قرروا أن يتحرروا من فلسطين، وهذا ما لاحظناه لأن البعض صالح إسرائيل وهو يرى المجازر، التي تستهدف الفلسطينيين وهي مجازر تطال الأطفال والنساء والشيوخ والشباب من المدنيين، كما تطال الحقول والبيوت كذلك.

وهناك أيضاً دول تحاول أن تدخل إسرائيل من الشباك عبر المكاتب التجارية وغير التجارية. ونلاحظ أن هناك سقوطاً عربياً أمام السياسية الأميركية التي هي سياسة إسرائيلية، وهذا ما يذكرنا بكلام مسؤول أميركي عن المسألة العراقية، عندما قال نحن لا نتحاور مع إسرائيل لأننا نعمل معاً. مما جعل العالم العربي عاجزاً عن أي شيء يقدمه للفلسطينيين، حتى أن كثيراً من الدول العربية التي كانت تدعم الشعب الفلسطيني ألغت مساعداتها خوفاً من أن تتهم بأنها تشجع وتدعم الإرهاب.

لذلك لم يبق للفلسطينيين إلا أن يقلعوا شوكهم بأظافرهم، وقمة الموقف الفلسطيني هي الصمود.

إن إسرائيل واجهت الانتفاضة على أساس أن تسقطها في مئة يوم، ولكن الشعب الفلسطيني بفصائله وأطيافه كافة ورغم التعقيدات التي تحيط بالسلطة الفلسطينية، حيث تقدم رجلاً لتؤخر أخرى، ورغم التجارب الأميركية التي وصلت في نهايتها إلى تطويق الدول المتعاطفة مع الفلسطينيين في الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي، والأمم المتحدة، فأسست اللجنة الرباعية بقيادة الولايات المتحدة وطوقتها، رغم كل ذلك، فإن الشعب الفلسطيني بصموده، سواء فصائل المقاومة، أو الشعب الذي يتحرك باللحم العاري وينطلق بالمظاهرات الجنائزية ليلوح بقبضاته ضد الإسرائيليين، إن هذا الصمود هو سر الانتصار المستقبلي الذي يضغط على الواقع الدولي والعربي والواقع الإسرائيلي.

مجلة "الصياد" العدد 3114: الجمعة 21 جمادى الأولى 1425 هـ الموافق في 09 تموز - يوليو  2004 م

حوار حسين أ. سلامة

الدخول عليه سهل، فهو منفتح على المجتمع بلا تعقيد، ولكن من عنده صعب، لأن تحت عمامته فكر سيال، ينساب فيأسر المحاور، الذي يحاول أن يتربص بالكلمات ليجد السؤال. أنه المرجع الشيعي العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله الذي ما أن تبدأ الحديث معه حتى تأخذك كلماته فتستزيد، إلى أن يأتي من ينبهك إلى استنفاد الوقت. والسيد فضل الله صريح دون حذر، فهو يرى أنه من الصعب جداً أن يصل اللبنانيون إلى وطن حر منفتح على قضايا الناس، وإلى شعب يتحسس مسؤولياته، وذلك بسبب البناء الطائفي الذي صيغ الدستور على أساسه. وقال في حوار مع "الصياد" أن الطوائف اللبنانية ترث زعماءها ولا تختارهم، وأن المشكلة هي في تكامل المواقع الدينية مع المواقع السياسية، وهو ليس ضد تدخل رجل الدين في السياسة، ولكن على أساس أن رجل الدين السياسي شيء والدين شيء آخر. وهو مع محاسبة أي صاحب رأي سياسي رجل دين كان أو سياسياً، فلا قدسية لأحد. ويعتقد أن الاستحقاق الرئاسي لن يغير شيئاً في الأسلوب أو في الأداء أو في النتائج. وعن عودة الحديث عن متفجرة بئر العبد التي استهدفته في منتصف الحرب اللبنانية، أكد أنه لا يتهم غير الولايات المتحدة الأميركية ومخابراتها، وأنه لم يتهم أي سفير بهذه الجريمة، ودعا إلى عدم إثارة مسائل من هذا النوع لأن المشكلة مع الاستكبار العالمي ولا مصلحة لأحد في ذلك. وعن العراق قال السيد فضل الله، أنه لم يعد هناك أسوأ مما يعيشه اليوم، وأنه الجسر الذي تريد أن تعبر عليه الولايات المتحدة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير. أما بالنسبة إلى فلسطين فقال أنها ستنتصر بالصمود لأن العرب" تحرروا منها".

الداخل اللبناني

ـ الوضع الداخلي اللبناني بكل تجلياته وهمومه، هو محل اهتمامكم الدائم، والكل بات يعرف المشكلة وأسبابها، فهل تملكون رؤية معينة للخروج من أزمات هذا الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصاي المعقد؟

ـ من الصعب جداً، في مسار الوضع اللبناني التاريخي، أن يجد الإنسان أي نافذة مفتوحة على الأفق الذي يحمل إطلالة على الحل لأية مشكلة لبنانية، لأن لبنان الذي صيغ طائفياً في دستوره، على أساس الأمر الواقع، وعلى أساس الميثاق الجديد، لا يراد له أن يتحول دولة مؤسسات، حتى ونحن نرى أكثر من مؤسسة، كما هي الحال في الدول الأخرى كمؤسسات رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، نلاحظ أن هذه المؤسسات تخضع لبعض الأوضاع المتميزة بالشخصانية وبالأشباح التي تتحرك خلفها لتحرك قراراتها، أو واقعها أو ما أشبه... ما يعني أن المسألة لم تعد مسألة مسؤولية الشعب بالنسبة إلى الحاجات التي تخفق بها أوضاعه، ولكن التسويات تتحرك، من خلال بعض القوى النافذة المسيطرة على هذه المؤسسات، فإذا ما اتفقت أمكن للبلد أن يتابع مسيرته بطريقة أو بأخرى وإذا لم تتفق تجمد البلد..

لذلك، أجدني متصوراً، أن النظام الطائفي بتداعياته، وبحساسياته يمنع أي إصلاح، فعلى سبيل المثال: عندما يواجه البلد انحرافاً لدى أي شخصية طائفية، فإنه من الصعب جداً أن يقدم هذا الشخص إلى القانون، لأن هذا السلوك القضائي سينعكس على الطائفة ليكون اتهام الشخص اتهاماً للطائفة. وفي هذه الحالة تصبح المسألة مرتبطة بالأوضاع الطائفية في لبنان. ولهذا فمن الصعب جداً أن يتحرك القضاء لمحاسبة أي شخصية طائفية كبرى، سواء من خلال طبيعة سلوكها الخاص أو سلوك من يحيط بها هنا وهناك. ونعرف أن هناك أكثر من جهة خلفية ضاغطة في الداخل وفي الخارج لا تمكن القضاء من أن يأخذ حريته، في أن ينظر إلى الواقع بعين القانون، بل لا بد له من أن يراعي الحساسيات الطائفية السياسية هنا وهناك.

وهكذا نلاحظ في مسار الواقع اللبناني، الذي كنت ولا أزال أرصده، منذ الخمسينات من القرن الماضي، أن العناوين ما زالت هي نفسها، ولكن الأسماء تتغير، فقد كنا نقرا عن قانون "من أين لك هذا" وعن قانون محاسبة الشخصيات الكبيرة وعن الهدر والفساد، وعن هذا التجمع الطائفي الذي ينطلق من خلفيات سياسية خارجية، وذاك التجمع الطائفي الذي يتحرك في اتجاه آخر، وتشتد الأزمة ثم تأتي التسويات.

ومن الأمور التي أصبح يدمنها اللبناني، أن الوضع السياسي في لبنان يتحرك في دائرة الملهاة التي تفتح ملفاً اليوم، ويعلو الصراخ هنا وهناك، وتنطلق الاتهامات ضد هذا الفريق أو ذاك، ولكن الملف يغلق بقدرة قادر ليفتح ملف آخر، وينسى الناس كل الملفات، في نهاية المطاف، ليواجهوا أزماتهم المعيشية وأوضاعهم السياسية، والتحديات الخارجية والداخلية، وما إلى ذلك.

الوصول إلى وطن حرّ صعب

ـ كيف تحل هذه المشكلة؟

ـ أعتقد، أن المواطنية هي التي تحل مشكلة لبنان، بحيث يشعر المواطن أن حقوقه الوطنية، تتحرك من خلال صفة المواطن فيه، لا من خلال صفة طائفته، كي يعطى من هذه الكوتا لهذه الطائفة أو تلك. ثم أن يكون لبنان، دولة المؤسسات لا دولة الأشخاص، بحيث لا يكون هناك أحد فوق القانون. وهكذا يتحرك الناس الذين يريدون أن يقفزوا إلى المواقع الكبرى عبر البرنامج الواضح الذي يخضع للمحاسبة بعد ذلك.

ومن هنا تستطيع أن تطل على الواقع الشعبي، لأن المشكلة ليست مشكلة المرشح للمنصب الكبير أو للنيابة أو غيرها... ولكن المسألة هي مسألة الناخب، الذي لم يتعود أن يحاسب المنتخب، عندما يتحرك في مسؤوليته هنا وهناك، وربما لا تتقبل بعض المواقع أن يشار إليها بالأسم، كما يحصل في الدول الكبرى، فنحن نرى أنه في بعض هذه الدول التي ربما نقف موقفاً سلبياً منها، لتدخلِّها في أزماتنا الاقتصادية والسياسية والأمنية، نجد أن أياً كان في تلك الدول يستطيع أن يوجه سؤالاً أو تهمة صارخة ضد أعلى موقع في الدولة، وضد كل مفصل من مفاصل الدولة، بينما نلاحظ أن هذا الأمر ليس وارداً عندنا حتى على مستوى المواقع الصغيرة في هذا المجال. وذلك لأن المشكلة هي أن الطائفية فوق الوطن وأن الشخص فوق القانون، ولذلك نتصور أنه من الصعب جداً أن نصل إلى وطن حرّ منفتح على قضايا الناس، وإلى شعب يتحسس مسؤوليته ليستطيع إسقاط الذين يكذبون عليه، ويخذلونه بين وقت وآخر.

المشكلة هي أن هناك عبادة للأشخاص، ولذلك ترث الكثير من الطوائف زعماءها ولا تختارهم.

مسؤولية المؤسسات الدينية

ـ لا شك في أن هذا التوصيف لواقع لبنان دقيق، ولكننا نلاحظ أنك حملت السياسيين والشعب كامل المسؤولية، ولم تعر مواقف المؤسسات الدينية التي تتحرك طائفياً، عندما يتعرض زعيم كبير يمثلها إلى ضغوط سياسية، للدفاع عنه بأي شكل من الأشكال؟

ـ إنني منذ زمن طويل أتحدث عن أنه ليست لدينا أية مقدسات للأشخاص بمن فيهم الرموز الدينية، وأن أي رمز ديني في أي طائفة، هو إنسان كبقية الناس، ومواطن كبقية المواطنين، يخطيء ويصيب سواء في الفكر الديني عند الاجتهاد أو في الفكر السياسي عندما يعطي رأياً سياسياً، أو في الواقع الاجتماعي، عندما يتدخل في مفاصل المجتمع.

ولذلك، ليس لدينا مقدسون، ونحن لا نعطي القداسة لأحد. وهناك فرق بين أن تحترم الشخص من خلال احترامك للرمز، وبين أن تقدس الشخص، بمعنى أن تغمض عينيك عن أخطائه، وتعتبر خطأه صواباً، وباطله حقاً. وأن من الطبيعي لهذا الواقع الطائفي، الذي ترتبط فيه كل رموز الطائفة برباط العنوان الكبير للطائفة أن تتكامل المواقع الدينية مع المواقع السياسية والمواقع الاجتماعية، بحيث يشعر كل موقع من هذه المواقع، بأن أي سلبية توجه إلى هذا الموقع، كأنها توجه إليه.

لذلك، نحن نؤيد أن يتدخل الرمز الديني في السياسة، ولكن لا على أساس أن يكون رأيه السياسي مفروضاً على الدين، أو منفتحاً على قداسة الدين. وأن رأي رجل الدين شيء والدين شيء آخر. ولا فرق بين رجل الدين المواطن وبين أي مواطن آخر، في الموقع السياسي أو الاجتماعي أو العمالي أو التجاري... أننا ندعو إلى المحاسبة لكل من يعطي رأياً، ولكل من يتخذ موقفاً يتصل بحياة الناس أو بأوضاعها العامة، سواء كان رمزاً دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً، لا قداسة لأحد. الكل تحت المحاسبة ولا أحد فوق المحاسبة، ونستذكر في هذا المجال الكلمة المروية عن النبي محمد "صلعم" حيث يقول: "أنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ". "والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها".

الاستحقاق لا يمثل تغييراً

ـ أن فتح الملف الاستحقاق الرئاسي يضغط على الأوضاع بشكل يزيد من أزماتنا سواءاً، ولا شك في أنك مطلع على كل الطروحات المتداولة سواء بالنسبة إلى التمديد أو التجديد أو بالنسبة إلى إنتخاب رئيس جديد. فهل لدى سماحتكم رؤية تفيد البلد وتساعده على تقطيع هذه المرحلة؟

ـ لا أتصور أن هناك جديداً في مسألة الاستحقاق الرئاسي، في كل المسارات الرئاسية في لبنان.

في البداية، إن منهج الاستحقاق لا بد من أن يتمظهر في البرنامج الذي يطلقه المرشح أياً كان، بشكل تفصيلي واضح، وذلك في بداية مخاطبته الناس ودعوتهم لانتخابه، وألا تكون هناك أي ضبابية في موقف أي شخص، لأنه، كما ذكرنا، ليس هناك قداسة لشخص أن يضع نفسه في داخل الضباب حتى ينظر الناس إليه من خلال "التهاويل" التي تحيط به. على أي شخص أن يخرج إلى الناس بكل عناصر فكره وحركته ومنهجه ليختاروه. بينما نجد أن القضية عندما تقع في دائرة التداول، فإن الناس يعرفون، إنه ليس لهم أي دور في انتخاب هذا أو ذاك. ومن خلال ذلك، نطل على مسألة أخرى استراتيجية، وهي أن كان الذين ينتخبون رئيس الجمهورية هم النواب، الذين اعتدنا منهم في جلسات الثقة بالحكومة أنهم يتحدثون عن الحكومة بكل السلبيات ثم يعطونها الثقة، لأن هناك سلبيات معينة تفرض عليهم ذلك.

أن المشكلة هي أن النواب عندما ينتخبون ينسون الناس، وينساهم الناس، إلا عند حاجاتهم الفردية والاستهلاكية، ولا يفكرون في البرنامج الذي طرحوه على الناس ليراقبوا أنفسهم من خلاله. ولا يفكر الناس بالبرنامج الذي قرأوه، أم لم يقرأوه ليحاسبوهم على أساس ذلك.

لذلك، يشعر النائب أنه حرّ لا تهمه مواقف الناس في ما يتخذه من قرار، أو في ما يصوّت عليه من مشاريع. وأن هذا المجلس قد يخضع لكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، في هذه المسألة الحساسة في البلد. ولعل النكتة السياسية هي في ما يتداوله الناس عن كلمة السر، التي تعطى في هذا الجانب أو ذاك. ولا نريد أن نتحدث عن شمولية لكل الناس في داخل هذه المؤسسة، ولكن نتحدث عن ظاهرة.

وعلى هذا الأساس، كنا ولا نزال نقترح أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية عبر الاستفتاء الشعبي كي يستطيع الشعب أن يحدد مواصفات الشخصية الأولى في الدولة، وأن يكون له دوره في الاختيار، لأن أي عنصر داخلي أو خارجي لن يستطيع أن يصادر الشعب كله لا سيما أمام هذه التنوعات الفكرية والسياسية. لذلك أعتقد أن ما نقبل عليه لا يمثل أية عملية تغيير في الأسلوب وفي المسار، وأكاد أقول في النتائج.

متفجرة بئر العبد أميركية

ـ في معرض حديثك عن كلمة السر، هناك قضية قديمة تتعلق بمحاولة الاعتداء الغاشم الذي تعرضتم له عبر متفجرة بئر العبد. هذه القضية تغيب لتعود وتطل برأسها وأخيراً أثيرت من جديد عبر شاشة الجزيرة الفضائية، وأتهم المتحدث في الموضوع السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان بأنه وارء ذلك التفجير، ومن ثم ظهر الأمير بندر على شاشة العربية ونفى أن تكون له صلة بالاعتداء، وقال أن سماحتكم قلتم شيئاً من هذا القبيل، ما هي الحقيقة؟

ـ من الطبيعي أن يكون لهذه القضية في نفسي عنصر المأساة، لأن الضحايا الذين سقطوا، كان من بينهم الأجنة التي قفزت من بطون أمهاتها. وبعض الأطفال الرضع بالإضافة إلى النساء اللاتي جئن من المسجد بعد صلاة يوم الجمعة، وبعض العمال الذين عادوا مكدودين متعبين، من مراكز عملهم ليرتاحوا في بيوتهم، وما إلى ذلك، فمن الطبيعي أن يعيش الإنسان في هذه المسألة كمأساة تثير الحزن، ومن ناحية أخرى، هناك أيضاً المسألة السياسية، لأن دولة في حجم الولايات المتحدة الأميركية تقوم بعملية إرهابية بهذا الحجم.

وبالرغم من أن الرئيس ريغان قد صرح آنذاك بأنه لم يعط الأوامر بتنفيذ هذه العملية. ولكننا، من خلال هذا التصريح، نستذكر الجدل الذي دار بين المخابرات المركزية الأميركية(سي. آي. أيه) في إدارة بوش الابن، وبين الإدارة نفسها حول مسألة المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، التي خاضت أميركا الحرب تحت عنوانها. ونستنتج أنه من الممكن جداً أن المخابرات تقوم بعمل معين، أي أنها تدفع بهذا العمل لتخدع الإدارة الأميركية، أو أن تكون الإدارة الأميركية تحتاج إلى ذلك لتقوم بعمل آخر.

أن المعلومات التي استقيناها حول هذه المسألة هي من جريدة "الواشنطن بوست" ومن مذكرات وليم كايسي التي وردت في كتابه "القناع" للمؤلف"بوب ودوارد" وبالنسبة إلي، لم أحقق في هذه القضية لأتهم سفيراً هنا أو سفيراً هناك. وإنني لا أملك أي معلومة قضائية دقيقة تخوّلني أن أوجه الاتهام بشكل دقيق لأية جهة من هذه الجهات. ولذلك لم أعلق على الموضوع إلا باتهام الولايات المتحدة الأميركية.

وعلقت بعد ذلك على ما جاء في المذكرات، بأنني قبضت مبلغ مليونين أو ثلاثة ملايين دولار، بعد فشل العملية، من أجل ألا أهاجم سياسة الولايات المتحدة التي أصبحت متعباً لها. بحسب تعبير هذا المؤلف، بأنها وزعت على جماعتي بحسب المصطلح الذي استخدمه المؤلف ذاته.

وكان تعليقي أن هذه الكذبة لا يمكن أن يقبلها عقل، ولا أن تحترم، لأنه لم يحصل في تلك المرحلة أن وزعت أدوية ومساعدات على أهالي المنطقة في الضاحية.

لذلك، أنني أحب أن أؤكد أنه لم يصدر مني أي حكم أو اتهام لأي جهة في تفاصيل المسألة.

ـ يقول البعض أن "الجزيرة" من خلال الحلقة التي بثتها مع أنيس النقاش حاولت اللعب على العلاقات بين سماحتكم وبين الأخوة في المملكلة العربية السعودية، أو إثارة نعرة طائفية سنية ـ شيعية، فهل ذلك ممكن؟

ـ في الوقت الذي لا أشجع فيه، في هذه المرحلة القاسية التي يمر بها عالمنا العربي والإسلامي، ولا سيما بالنسبة إلى ما يحدث اليوم من أعمال إجرامية في السعودية والعراق، بفعل قوات الاحتلال في العراق، وبفعل بعض القوات الأجنبية والمتطرفة التي لا تفهم الإسلام جيداً، إنني لا أجد هناك أية مصلحة في أية إثارة تتناول بعض القضايا التي مر عليها الزمن، والتي قد خضعت للأوضاع السياسية التي يختلف الناس فيها، سواء بالنسبة إلى سياسة هذه الدولة العربية أو الدولة الإسلامية أو الدولة الأجنبية.

إنني أتصور أن هذه المسألة توضع عادة في الإطار السياسي، ولا توضع في الإطار المذهبي. ومع ذلك فأنني أعتقد أن المشكلة التي نواجهها اليوم مع القوى الاستكبارية في العالم التي تضغط على أصدقائها وأعدائها لتهيمن عليهم. لا تترك مصلحة لأي إثارة من هذا النوع.

مناعة العراق ضد الفتنة.

ـ لقد أصدرت مؤخراً فتوى مهمة جداً بالنسبة إلى تحريم قتل الأسرى، والعراق يشهد اليوم وضعاً أشبه بشريعة الغاب، إلى أي مدى ترون في ذلك خطراً على أصدقائكم بشأن مشروع التقريب بين المذاهب؟

ـ أتصور أن العراق يملك، بشخصياته الإسلامية، من السنّة والشيّعة، مناعة ضد الفتنة المذهبية على الصعيد الميداني. ربما يتهم هناك بعض الشيعة في القيام بعمل إجرامي، وربما يقوم بعض السنة باغتيال بعض المراجع الشيعية أو تفجير بعض المراكز الشيعية. لإثارة الاتهامات المتبادلة وإطلاق الحساسيات المذهبية من أجل إنتاج فتنة. ولكننا نلاحظ أنه في أي حدث من هذا القبيل ينطلق عقلاء السنة والشيعة سواء من العلماء هنا وهناك، أو من الشخصيات الاجتماعية لتطويق هذه المسألة. وهذا ما لا حظناه في أشد الأحوال مأساوية. وخصوصاً عندما استشهد السيد محمد باقر الحكيم، وكانت الأصابع تشير إلى بعض الجهات السلفية من خارج العراق أو من داخله. وجدنا أن العلماء السنة والكثير من الشخصيات السنية جاؤوا إلى النجف للمشاركة في الاحتجاج وفي المواساة. وكذلك عندما حصلت قضية الفلوجة، انطلق الكثير من علماء المسلمين الشيعة وشخصياتهم لأداء صلاة جمعة في الفلوجة اجتمع فيها أهل السنة والشيعة.

لهذا فإنني أعتقد أن العراق، برغم وجود حساسية سنية شيعية فيه، لا يمكن أن تحدث فيه فتنة ونحن لا نزال نعمل مع فريق كبير من علماء السنة والشيعة في العراق وخارجه على أساس التقريب الإسلامي قبل التقريب الفقهي، الإسلامي الاجتماعي والسياسي والفقهي والكلامي بين السنة والشيعة، لأن مسألة التحدي الذي يواجه المسلمين في العالم، هي مسألة هذه التمزقات الإسلامية، الناشئة من السلبيات التي يقوم بها فريق هنا وفريق هناك، بالنسبة إلى القضايا المذهبية.

لا حاجة إلى خبرات من الخارج.

ـ يمر العراق في مرحلة غموض شديد لناحية مستقبلية، فهل لدى سماحتكم قراءة معينة لما ستكون عليه الحال في هذه الدولة الشقيقة؟

ـ من خلال ثقتي الكبرى بالشعب العراقي، حيث أنه يملك خزاناً ثقافياً وعلمياً وسياسياً وإدارياً عبر تجربته الطويلة، لا سيما أن العراق يرقى في المدى الحضاري إلى ستة آلاف سنة. وفي المدى الإداري أو السياسي يرقى إلى سبعين سنة أو أكثر في الدولة العراقية الحديثة، لست أرى أن العراق يحتاج إلى خبرات من الخارج.

ـ ولكن رغم ذلك، قرر مؤتمر اسطنبول تقديم العون في المجال الأمني للعراق عبر الحلف الأطلسي؟

ـ عندما نقرأ ما كتب، عن ما قدمه بعض المسؤولين العراقيين وتلقفته أميركا، بشأن الطلب من الحلف الأطلسي بأن يدرب قوى الأمن العراقية. نستغرب ذلك، لأن هناك خبرات في الجيش العراقي، وليس كل ذلك الجيش تابعاً لنظام الطاغية صدام، وهذه الخبرات تستطيع أن تدرب الجيش العراقي في هذا المجال.

لذلك فإنني أعتقد أن العراق ليس قاصراً، ولا يحتاج إلى ولي يدير أموره.

عراق على مستوى مصالح أميركا

ـ لكن الولايات المتحدة الأميركية لم تكتف بالغاء النظام السياسي العراقي بل فككت الدولة بكاملها لماذا؟

ـ لقد أرادت أن تصوغ العراق على مستوى مصالحها، وأن تفرغ العراق من كل خبراته التاريخية والحاضرة، لتعمل على أساس أن يكون العراق على صورة مصالحها. وعندما نستمع إلى الرئيس بوش، وهو يقول: لن نخرج من العراق حتى يستطيع العراقيون أن يحفظوا أمنهم، وعندما نراقب كل هذه المجازر التي يتهم بها الخارج. ونراقب أن هناك أكثر من مئة وخمسة وأربعين ألفا من القوات العسكرية الأميركية وغير الأميركية المشاركة في العراق لم تستطع حماية العراقيين طيلة هذه المدة. لا بعسكرها ولا بمخابراتها، ولا في أي مجال من المجالات، وهي التي سوف تكون قوات الحكومة العراقية الجديدة، تتسائل كيف يمكن أن يصل العراقيون تحت الإشراف الأميركي من خلفيات القوى الأمنية، إلى أمن لم تستطع هذه القوات أن تحافظ عليه بشكل مباشر.

أميركا وراء المجازر

هناك من يتهم القوات الأميركية بأنها وراء كل هذه المجازر، لأنها تريد أن تؤكد واقعاً، بأن العراق بحاجة إليها، ولذلك فرضت على الحكومة المؤقتة قبل أن تتسلم الحكم، عقد معاهدة بينها وبين القوات المتعددة الجنسية، تطلب بموجبها أن تقوم هذه القوات بمسؤولية الأمن في العراق.

لذلك فإن العراق أصبح ساحة للمصالح الدولية، وساحة للأوضاع الأقليمية التي ربما تتحرك لحماية نفسها من أميركا التي أصبحت على حدودها. فالجيش الأميركي أصبح على حدود سوريا وعلى حدود إيران، وعلى حدود تركيا والسعودية. لهذا فأنني أشك بأن العراق سيصل إلى حالة من الاستقرار ما دامت أميركا لم تحقق استراتيجيتها في المنطقة، باعتبار أن العراق هو الجسر التي تريد أن تعبر عليه الولايات المتحدة إلى المنطقة كلها لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، والمشاريع الأخرى.

ـ هل ترى الصراع مفتوحاً بين الشعوب في المنطقة وليس الأنظمة، وهل ان هذا الصراع سيصل إلى مدى معين؟

ـ مشكلة شعوب المنطقة أنها محاصرة ومصادرة من قبل حراسها لصالح للمصالح الأميركية في المنطقة. ولكن هناك تململاً بدأ يطفو على السطح.

والسؤال هو كيف يمكن أن تأتي التطورات لتحوّل ما على السطح إلى عاصفة.

ما يعيشه العراق هو الأسوأ

ـ ما هو أسوأ ما يمكن أن نتوقعه للعراق؟

ـ أنا لا أتوقع الأسوأ.

ـ لا أقصد ما تتمنى، بل ما تستنتج من توقعات؟

ـ أنا لا أتوقع الأسوأ، لأن ما يعيشه هو قمة الأسوأ.

العرب تحرروا من فلسطين

ـ في فلسطين تجري حرب إبادة وتدمير وتجريف، والمشكلة أن العرب غائبون عن السمع والرؤيا، إلى أين ستؤدي هذه الحرب؟

ـ المشكلة" أن العرب منذ مدة في كل مؤتمراتهم التي بدأت في الخرطوم ومن ثم في المغرب، قرروا أن يتحرروا من فلسطين، وهذا ما لاحظناه لأن البعض صالح إسرائيل وهو يرى المجازر، التي تستهدف الفلسطينيين وهي مجازر تطال الأطفال والنساء والشيوخ والشباب من المدنيين، كما تطال الحقول والبيوت كذلك.

وهناك أيضاً دول تحاول أن تدخل إسرائيل من الشباك عبر المكاتب التجارية وغير التجارية. ونلاحظ أن هناك سقوطاً عربياً أمام السياسية الأميركية التي هي سياسة إسرائيلية، وهذا ما يذكرنا بكلام مسؤول أميركي عن المسألة العراقية، عندما قال نحن لا نتحاور مع إسرائيل لأننا نعمل معاً. مما جعل العالم العربي عاجزاً عن أي شيء يقدمه للفلسطينيين، حتى أن كثيراً من الدول العربية التي كانت تدعم الشعب الفلسطيني ألغت مساعداتها خوفاً من أن تتهم بأنها تشجع وتدعم الإرهاب.

لذلك لم يبق للفلسطينيين إلا أن يقلعوا شوكهم بأظافرهم، وقمة الموقف الفلسطيني هي الصمود.

إن إسرائيل واجهت الانتفاضة على أساس أن تسقطها في مئة يوم، ولكن الشعب الفلسطيني بفصائله وأطيافه كافة ورغم التعقيدات التي تحيط بالسلطة الفلسطينية، حيث تقدم رجلاً لتؤخر أخرى، ورغم التجارب الأميركية التي وصلت في نهايتها إلى تطويق الدول المتعاطفة مع الفلسطينيين في الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي، والأمم المتحدة، فأسست اللجنة الرباعية بقيادة الولايات المتحدة وطوقتها، رغم كل ذلك، فإن الشعب الفلسطيني بصموده، سواء فصائل المقاومة، أو الشعب الذي يتحرك باللحم العاري وينطلق بالمظاهرات الجنائزية ليلوح بقبضاته ضد الإسرائيليين، إن هذا الصمود هو سر الانتصار المستقبلي الذي يضغط على الواقع الدولي والعربي والواقع الإسرائيلي.

مجلة "الصياد" العدد 3114: الجمعة 21 جمادى الأولى 1425 هـ الموافق في 09 تموز - يوليو  2004 م

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية