منذ زمنٍ بعيدٍ يزيد على النصف قرن، كان السيّد محمد حسين فضل الله أحد أقطاب الوعي الإسلامي، إلى جانب الإمام الشهيد محمد باقر الصّدر، وثلّة من الرّموز الحركيّة الإسلاميّة التي نشرت الوعي في الأمّة.
وعلى امتداد تاريخه، كان الراحل الكبير السيّد فضل الله، يقف في الواجهة ضدّ الاستكبار وضدّ إسرائيل في خطبه ومحاضراته وكتاباته، كان صوت الشّيعة الأعلى في العالم، ورجل الحوار الفكريّ والعقائديّ في مواجهة التيارات الوضعيّة التي تكيد للإسلام وللتشيّع. وكان الجبهة المتقدّمة ضدّ الفكر الوهّابي، حتى خطَّطت السعودية لاغتياله عدّة مرات، وقد أنجاه الله منها. كما تعرّض لمحاولات اغتيال من قبل الأجهزة المخابراتيّة ومن الأجهزة الإسرائيلية.
لم يترك ساحته، ولم يتخلَّ عن منبره، فيما كانت القنابل تتهاوى على بيته، وينتشر القنّاصة في طريق ذهابه وإيابه إلى المسجد.
ذات مرّة قلت له: سيدنا، إنّ الأحداث متصاعدة، ويجب أن تغيِّر من برنامجك اليومي.
أجاب بثقة وهدوء: عندما ينتظرني الناس في المسجد، لا يمكن أن أتخلَّى عنهم، لا يمكن أن أكون أقلّ شجاعةً منهم.
درس بليغ دخل في أعماقي، وهزّني بعنف، رأيت فيه عالِم الدّين الصّادق مع نفسه إلى أبعد الحدود. إنّ ما يكتبه ويتحدّث به، يؤمن به وينفِّذه بالفعل وعلى الأرض، وليست هي عبارات للمتاجرة أو كلمات للاعتياش؛ إنّه المبدأ الذي آمن به وتمسّك به وقرّر أن يمضي عليه صادقاً واثقاً ثابتاً.
في فورة المواجهات الحادّة مع إسرائيل، وتصريحاته الناريّة ضدّها وضدّ الاستكبار العالميّ وضدّ الوهابيّة وفكرها التكفيريّ، انطلقت هجمة مسعورة لتشويه السيّد فضل الله، كان يقودها جماعة من الخرافيّين والمتخلّفين، ونجحت الهجمة، فهم يمتهنون لعبة الدّين ويحترفون فنونها.
كان السيّد فضل الله (رحمه الله) الوجه المشرق للشّيعة في العالم، وكان هؤلاء الوجه المشوَّه الذي يلقي بضرره على التشيّع. كانوا يجدون في حركته المنفتحة على الإنسان والعالم، ونشره للفكر الإسلاميّ الأصيل وللوعي الحركيّ، تهديداً لوجودهم القائم على الخرافة والتخلّف والعبث بعقول البسطاء، فكانت الحرب الظالمة عليه، وهي في حقيقتها حرب على مدرسة الإمام الشّهيد محمد باقر الصّدر (قدّس سرّه)، وحرب على الأصالة الإسلاميّة الواعية.
في فترة مرضه، زار أحد الوجهاء من لبنان (الحاج علي زيدان) المرجع الأعلى السيّد السيستاني، وأخبره بمرض السيّد فضل الله، فحمّله السيّد تحيّاته إليه عند عودته. خرج الحاج علي زيدان من اللّقاء، أوقفه أحد أقطاب المكتب مهدِّداً: إذا نقلْتَ كلام السيّد، فسوف نصدر تكذيباً من مكتبنا.
إنّها الدنيا وحساباتها.
* المقال منشور على موقع جريدة المثقّف الإلكترونيّة، بتاريخ: 4 تمّوز 2021م.
منذ زمنٍ بعيدٍ يزيد على النصف قرن، كان السيّد محمد حسين فضل الله أحد أقطاب الوعي الإسلامي، إلى جانب الإمام الشهيد محمد باقر الصّدر، وثلّة من الرّموز الحركيّة الإسلاميّة التي نشرت الوعي في الأمّة.
وعلى امتداد تاريخه، كان الراحل الكبير السيّد فضل الله، يقف في الواجهة ضدّ الاستكبار وضدّ إسرائيل في خطبه ومحاضراته وكتاباته، كان صوت الشّيعة الأعلى في العالم، ورجل الحوار الفكريّ والعقائديّ في مواجهة التيارات الوضعيّة التي تكيد للإسلام وللتشيّع. وكان الجبهة المتقدّمة ضدّ الفكر الوهّابي، حتى خطَّطت السعودية لاغتياله عدّة مرات، وقد أنجاه الله منها. كما تعرّض لمحاولات اغتيال من قبل الأجهزة المخابراتيّة ومن الأجهزة الإسرائيلية.
لم يترك ساحته، ولم يتخلَّ عن منبره، فيما كانت القنابل تتهاوى على بيته، وينتشر القنّاصة في طريق ذهابه وإيابه إلى المسجد.
ذات مرّة قلت له: سيدنا، إنّ الأحداث متصاعدة، ويجب أن تغيِّر من برنامجك اليومي.
أجاب بثقة وهدوء: عندما ينتظرني الناس في المسجد، لا يمكن أن أتخلَّى عنهم، لا يمكن أن أكون أقلّ شجاعةً منهم.
درس بليغ دخل في أعماقي، وهزّني بعنف، رأيت فيه عالِم الدّين الصّادق مع نفسه إلى أبعد الحدود. إنّ ما يكتبه ويتحدّث به، يؤمن به وينفِّذه بالفعل وعلى الأرض، وليست هي عبارات للمتاجرة أو كلمات للاعتياش؛ إنّه المبدأ الذي آمن به وتمسّك به وقرّر أن يمضي عليه صادقاً واثقاً ثابتاً.
في فورة المواجهات الحادّة مع إسرائيل، وتصريحاته الناريّة ضدّها وضدّ الاستكبار العالميّ وضدّ الوهابيّة وفكرها التكفيريّ، انطلقت هجمة مسعورة لتشويه السيّد فضل الله، كان يقودها جماعة من الخرافيّين والمتخلّفين، ونجحت الهجمة، فهم يمتهنون لعبة الدّين ويحترفون فنونها.
كان السيّد فضل الله (رحمه الله) الوجه المشرق للشّيعة في العالم، وكان هؤلاء الوجه المشوَّه الذي يلقي بضرره على التشيّع. كانوا يجدون في حركته المنفتحة على الإنسان والعالم، ونشره للفكر الإسلاميّ الأصيل وللوعي الحركيّ، تهديداً لوجودهم القائم على الخرافة والتخلّف والعبث بعقول البسطاء، فكانت الحرب الظالمة عليه، وهي في حقيقتها حرب على مدرسة الإمام الشّهيد محمد باقر الصّدر (قدّس سرّه)، وحرب على الأصالة الإسلاميّة الواعية.
في فترة مرضه، زار أحد الوجهاء من لبنان (الحاج علي زيدان) المرجع الأعلى السيّد السيستاني، وأخبره بمرض السيّد فضل الله، فحمّله السيّد تحيّاته إليه عند عودته. خرج الحاج علي زيدان من اللّقاء، أوقفه أحد أقطاب المكتب مهدِّداً: إذا نقلْتَ كلام السيّد، فسوف نصدر تكذيباً من مكتبنا.
إنّها الدنيا وحساباتها.
* المقال منشور على موقع جريدة المثقّف الإلكترونيّة، بتاريخ: 4 تمّوز 2021م.