السيِّد فضل الله وصناعة الأجيال الثوريَّة والتحرريَّة

السيِّد فضل الله وصناعة الأجيال الثوريَّة والتحرريَّة

قد تتسارع الأعوام وتتغيَّر الأحداث، إلَّا أنَّ هناك أفكاراً ومبادئ تبقى ثابتة راسخة متجذرة، تؤتي أكلها كلَّ حين، ولا سيَّما ما كان إنسانياً عالمياً، كالحقّ والعدل والمقاومة والحريَّة، وهذا مَا جمع أطرافه السيِّد محمد حسين فضل الله في كلامه وكتبه ومؤلَّفاته ومواقفه.
في ذكرى وفاة السيِّد محمَّد حسين فضل الله الرابعة عشرة، لعلَّ من المناسب أن نعيد التَّذكير بدوره في التَّأسيس والانطلاق والمحافظة والتوجيه لهذه المقاومة "الإسلاميَّة"، ونكرِّر أيضاً تأكيد أهميَّة المدرسة الثقافية المعرفية للراحل الكبير في صناعة إنسان انقلابي إسلامي ضدّ كلّ ما هو واقع مبتعد عن حاكميَّة القرآن الكريم.
ومن هنا، ننطلق في عمليَّة نقد مستحقَّة ومطلوبة، وضمن التَّكليف الشرعي نفسه، ضدَّ المؤسَّسات الشرعيَّة الثقافيَّة والإعلاميَّة التَّابعة للسيِّد محمَّد حسين فضل الله، عن إهمال إعادة توثيق ونشر وبثّ أكثر من تسعة آلاف محاضرة ومقابلة مرئيَّة ومسموعة، ولقاءات مع شخصيَّات من هنا وهناك قام بها السيِّد محمَّد حسين فضل الله، ولا تزال في الأرشيف!(1) أين هي دور النَّشر التَّابعة للسيِّد فضل الله؟ أين القناة الفضائيَّة؟ أين مواقع الإنترنت؟ أين وسائل التواصل الاجتماعي من كلِّ ذلك؟ لذلك يجب الانطلاق لإعادة إطلاق كلِّ هذا الأرشيف إلى العالم الإسلامي ككتب، وبثّ إعلاميّ إذاعيّ وتلفزيونيّ، وضمن وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً مواقع الإنترنت الرسمية التابعة، فهذه كلّها مؤسَّسات فيها موظَّفون يتقاضون رواتب، وهذا عملهم، وليس من واجبهم أمور أخرى!
مع أن علينا الإشادة في موقع مؤسسي قام بأعمال جيِّدة في نشر أعمال المرحوم فضل الله بعد وفاته، وهو المركز الإسلامي الثقافي التابع لمسجد الإمامين الحسنين.
أمور أخرى في إدارة المؤسَّسات وسلبيَّات من هنا وهناك أو أشياء أخرى، أتركها للأوصياء الشرعيّين ضمن ما كتبه السيِّد محمَّد حسين فضل الله في وصيَّته، وما أسّسه من أمور إداريَّة وتنظيميَّة تخصّ مؤسَّسات الحركة الإسلاميَّة.. هذه أمور أشير إليها وأتركها لمن يحملون التَّكليف الشرعيّ بهذا الخصوص.
إنَّ الذكرى الرابعة عشرة تأتي في موعد مميَّز وتاريخ متواصل في ظلِّ الانتصار العربيّ في عمليّة طوفان الأقصى، واستمرار ما بعد انتصارنا العربيّ فيها، مع كلِّ مشاهد الأحداث، ودخولنا أيضاً في الشَّهر التاسع مع تسارع الأحداث، جاءت الذّكرى الرابعة عشرة لوفاة السيِّد محمَّد حسين فضل الله إلينا.
وهنا، كان لا بدَّ من أن لا نترك هذه الذكرى تمرّ إلَّا بالتَّذكير بدور الراحل الكبير في تأسيس المقاومة "الإسلاميَّة" في لبنان، وهذا التَّأسيس كان جزءاً من إنجازات الراحل الكبير في الموقع الجغرافي اللّبناني، ونقول "جزء" من الإنجازات وليس "كل" الإنجازات، ونقول أيضاً "الموقع الجغرافي اللّبناني" فقط، لأنَّ السيِّد فضل الله كان عابراً للجغرافيا الوطنيَّة والبعد القوميّ العربيّ إلى مجمل الحالة الإسلاميَّة، وهو يقدِّم الفكر الإسلامي الحركي الشمولي كـ"قاعدة للحياة"، وكـ"منطلق" للانقلاب الفردي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي على كلِّ الواقع البعيد عن الإسلام كفكر وثقافة، كان السيِّد محمَّد حسين فضل الله يمثِّل "مدرسة إسلامية انقلابية ثوريَّة" فيها، وهو كمتخصِّص كلاسيكي في الدّين الإسلامي وكمتخصّص في القرآن الكريم، استطاع صناعة مدرسة ثوريَّة انقلابيَّة إسلاميَّة تتميَّز بشخصيَّة خاصَّة بها عن باقي المدارس، ومنها استقطب جيلاً شبابياً في الموقع اللَّبناني، جزء منه انطلق مع تنظيم "حزب الله" اللّبناني ليمثِّل قاعدة للمقاومة "الإسلاميَّة". وهذه الكلمة الأخيرة تمثِّل شخصيَّة الفكر ونوعيَّته وقاعدته الَّتي تصنع استقلالاً معرفياً عن باقي المقاومات، إذا صحَّ التَّعبير، ليس من باب الانفصال والابتعاد أو إلغاء الآخرين، بل من باب إبراز الشخصيَّة المعرفيَّة الثقافيَّة في داخل المقاومة، ومنها كان إصرار الرَّاحل الكبير على كلمة "الإسلاميَّة"، لما تمثله من تعزيز للمدرسة الانقلابيَّة الإسلاميَّة، وما كان يمثِّله غير خطّ فيها كان للسيِّد محمد حسين فضل الله الجزء الأكبر فيها.
وهنا، في الذكرى الرابعة عشرة، نحن نتكلَّم، وفي ظلِّ هذه المعركة العربيَّة ضدَّ الأجانب الَّذين يريدون استمرار صناعة العبوديَّة لمناطقنا في أرض "فلسطين الخضراء"، وغير فلسطين الخضراء، وأيضاً تحت حرارة المعارك واستشهاد الأبطال المجاهدين على سائر الأرض العربيَّة من هنا وهناك.
نحن نقول في ظلِّ كلّ هذه المعارك، إننا لن نتحدَّث عن سلبيات هنا ومشاكل هناك، أو انتقاد من هنالك، فالآن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وهي قد تتطوَّر في أيِّ لحظة، ولا سبيل لنا كعرب إلا أن ننتصر فيها، وأن نهزم الصَّهاينة وباقي الأجانب الغرباء الَّذين يريدون فرض العبوديَّة والذلّ على كلِّ ما هو عربي.
فمن ينس فلسطين "الخضراء" وحيدة، فسيأتي عليه الدّور عاجلاً أوآجلاً، فلا مفرَّ ولا مهرب من المواجهة، إذا صحَّ التَّعبير.
إذاً، ضمن هذه المرحلة المفصليَّة من تاريخنا العربيّ، ليس هذا وقت تقييم مجمل التَّجربة، أو افتعال نقدٍ من هنا وهناك، وبخاصَّة أنَّ البارود "الشَّامل" قد يتفجَّر في أيّ لحظة، وضمن أيّ مرحلة زمنيَّة، ولكن لعلَّ لنا كلاماً مختلفاً بعد المعركة ونهايتها، فعندئذٍ يختلف التَّكليف الشَّرعي والواجب القومي.
لقد كان السيِّد محمَّد حسين فضل الله الأب والراعي والحافظ لهذا الجيل الشّبابيّ الَّذي تحرَّك في منظومة هي جزء من الحركة الإسلاميَّة العسكريَّة والأمنيَّة والاستخباراتيَّة، مع كلِّ هذا التاريخ الطويل نسبيّاً بكلِّ سلبياته وأخطائه وإيجابيَّاته ونجاحاته وإخفاقاته.
وما تزال المعركة مستمرَّة، والسيِّد محمد حسين فضل الله حاضر بكلِّ هذا الجيل، وبكلِّ هذه المقاومة، وضمن كلِّ الحركة الإسلاميَّة في لبنان وغير لبنان.

د.عادل رضا
طبيب استشاري باطنيَّة وغدد صمَّاء وسكَّري
كاتب كويتي في الشّؤون العربيَّة والإسلاميَّة
منشور على صفحة أمد للإعلام، بتاريخ: 30/ 6/ 2024م.
 
(1) يشار إلى أنَّ العمل جار، بشكل يوميّ، وتباعاً، على محاضرات السيِّد من قبل قسم الأرشيف، وموقع بيّنات، وقناة الإيمان الفضائيّة، ونشرها والاستفادة منها على مواقع التَّواصل الاجتماعي وغيرها.
قد تتسارع الأعوام وتتغيَّر الأحداث، إلَّا أنَّ هناك أفكاراً ومبادئ تبقى ثابتة راسخة متجذرة، تؤتي أكلها كلَّ حين، ولا سيَّما ما كان إنسانياً عالمياً، كالحقّ والعدل والمقاومة والحريَّة، وهذا مَا جمع أطرافه السيِّد محمد حسين فضل الله في كلامه وكتبه ومؤلَّفاته ومواقفه.
في ذكرى وفاة السيِّد محمَّد حسين فضل الله الرابعة عشرة، لعلَّ من المناسب أن نعيد التَّذكير بدوره في التَّأسيس والانطلاق والمحافظة والتوجيه لهذه المقاومة "الإسلاميَّة"، ونكرِّر أيضاً تأكيد أهميَّة المدرسة الثقافية المعرفية للراحل الكبير في صناعة إنسان انقلابي إسلامي ضدّ كلّ ما هو واقع مبتعد عن حاكميَّة القرآن الكريم.
ومن هنا، ننطلق في عمليَّة نقد مستحقَّة ومطلوبة، وضمن التَّكليف الشرعي نفسه، ضدَّ المؤسَّسات الشرعيَّة الثقافيَّة والإعلاميَّة التَّابعة للسيِّد محمَّد حسين فضل الله، عن إهمال إعادة توثيق ونشر وبثّ أكثر من تسعة آلاف محاضرة ومقابلة مرئيَّة ومسموعة، ولقاءات مع شخصيَّات من هنا وهناك قام بها السيِّد محمَّد حسين فضل الله، ولا تزال في الأرشيف!(1) أين هي دور النَّشر التَّابعة للسيِّد فضل الله؟ أين القناة الفضائيَّة؟ أين مواقع الإنترنت؟ أين وسائل التواصل الاجتماعي من كلِّ ذلك؟ لذلك يجب الانطلاق لإعادة إطلاق كلِّ هذا الأرشيف إلى العالم الإسلامي ككتب، وبثّ إعلاميّ إذاعيّ وتلفزيونيّ، وضمن وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً مواقع الإنترنت الرسمية التابعة، فهذه كلّها مؤسَّسات فيها موظَّفون يتقاضون رواتب، وهذا عملهم، وليس من واجبهم أمور أخرى!
مع أن علينا الإشادة في موقع مؤسسي قام بأعمال جيِّدة في نشر أعمال المرحوم فضل الله بعد وفاته، وهو المركز الإسلامي الثقافي التابع لمسجد الإمامين الحسنين.
أمور أخرى في إدارة المؤسَّسات وسلبيَّات من هنا وهناك أو أشياء أخرى، أتركها للأوصياء الشرعيّين ضمن ما كتبه السيِّد محمَّد حسين فضل الله في وصيَّته، وما أسّسه من أمور إداريَّة وتنظيميَّة تخصّ مؤسَّسات الحركة الإسلاميَّة.. هذه أمور أشير إليها وأتركها لمن يحملون التَّكليف الشرعيّ بهذا الخصوص.
إنَّ الذكرى الرابعة عشرة تأتي في موعد مميَّز وتاريخ متواصل في ظلِّ الانتصار العربيّ في عمليّة طوفان الأقصى، واستمرار ما بعد انتصارنا العربيّ فيها، مع كلِّ مشاهد الأحداث، ودخولنا أيضاً في الشَّهر التاسع مع تسارع الأحداث، جاءت الذّكرى الرابعة عشرة لوفاة السيِّد محمَّد حسين فضل الله إلينا.
وهنا، كان لا بدَّ من أن لا نترك هذه الذكرى تمرّ إلَّا بالتَّذكير بدور الراحل الكبير في تأسيس المقاومة "الإسلاميَّة" في لبنان، وهذا التَّأسيس كان جزءاً من إنجازات الراحل الكبير في الموقع الجغرافي اللّبناني، ونقول "جزء" من الإنجازات وليس "كل" الإنجازات، ونقول أيضاً "الموقع الجغرافي اللّبناني" فقط، لأنَّ السيِّد فضل الله كان عابراً للجغرافيا الوطنيَّة والبعد القوميّ العربيّ إلى مجمل الحالة الإسلاميَّة، وهو يقدِّم الفكر الإسلامي الحركي الشمولي كـ"قاعدة للحياة"، وكـ"منطلق" للانقلاب الفردي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي على كلِّ الواقع البعيد عن الإسلام كفكر وثقافة، كان السيِّد محمَّد حسين فضل الله يمثِّل "مدرسة إسلامية انقلابية ثوريَّة" فيها، وهو كمتخصِّص كلاسيكي في الدّين الإسلامي وكمتخصّص في القرآن الكريم، استطاع صناعة مدرسة ثوريَّة انقلابيَّة إسلاميَّة تتميَّز بشخصيَّة خاصَّة بها عن باقي المدارس، ومنها استقطب جيلاً شبابياً في الموقع اللَّبناني، جزء منه انطلق مع تنظيم "حزب الله" اللّبناني ليمثِّل قاعدة للمقاومة "الإسلاميَّة". وهذه الكلمة الأخيرة تمثِّل شخصيَّة الفكر ونوعيَّته وقاعدته الَّتي تصنع استقلالاً معرفياً عن باقي المقاومات، إذا صحَّ التَّعبير، ليس من باب الانفصال والابتعاد أو إلغاء الآخرين، بل من باب إبراز الشخصيَّة المعرفيَّة الثقافيَّة في داخل المقاومة، ومنها كان إصرار الرَّاحل الكبير على كلمة "الإسلاميَّة"، لما تمثله من تعزيز للمدرسة الانقلابيَّة الإسلاميَّة، وما كان يمثِّله غير خطّ فيها كان للسيِّد محمد حسين فضل الله الجزء الأكبر فيها.
وهنا، في الذكرى الرابعة عشرة، نحن نتكلَّم، وفي ظلِّ هذه المعركة العربيَّة ضدَّ الأجانب الَّذين يريدون استمرار صناعة العبوديَّة لمناطقنا في أرض "فلسطين الخضراء"، وغير فلسطين الخضراء، وأيضاً تحت حرارة المعارك واستشهاد الأبطال المجاهدين على سائر الأرض العربيَّة من هنا وهناك.
نحن نقول في ظلِّ كلّ هذه المعارك، إننا لن نتحدَّث عن سلبيات هنا ومشاكل هناك، أو انتقاد من هنالك، فالآن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وهي قد تتطوَّر في أيِّ لحظة، ولا سبيل لنا كعرب إلا أن ننتصر فيها، وأن نهزم الصَّهاينة وباقي الأجانب الغرباء الَّذين يريدون فرض العبوديَّة والذلّ على كلِّ ما هو عربي.
فمن ينس فلسطين "الخضراء" وحيدة، فسيأتي عليه الدّور عاجلاً أوآجلاً، فلا مفرَّ ولا مهرب من المواجهة، إذا صحَّ التَّعبير.
إذاً، ضمن هذه المرحلة المفصليَّة من تاريخنا العربيّ، ليس هذا وقت تقييم مجمل التَّجربة، أو افتعال نقدٍ من هنا وهناك، وبخاصَّة أنَّ البارود "الشَّامل" قد يتفجَّر في أيّ لحظة، وضمن أيّ مرحلة زمنيَّة، ولكن لعلَّ لنا كلاماً مختلفاً بعد المعركة ونهايتها، فعندئذٍ يختلف التَّكليف الشَّرعي والواجب القومي.
لقد كان السيِّد محمَّد حسين فضل الله الأب والراعي والحافظ لهذا الجيل الشّبابيّ الَّذي تحرَّك في منظومة هي جزء من الحركة الإسلاميَّة العسكريَّة والأمنيَّة والاستخباراتيَّة، مع كلِّ هذا التاريخ الطويل نسبيّاً بكلِّ سلبياته وأخطائه وإيجابيَّاته ونجاحاته وإخفاقاته.
وما تزال المعركة مستمرَّة، والسيِّد محمد حسين فضل الله حاضر بكلِّ هذا الجيل، وبكلِّ هذه المقاومة، وضمن كلِّ الحركة الإسلاميَّة في لبنان وغير لبنان.

د.عادل رضا
طبيب استشاري باطنيَّة وغدد صمَّاء وسكَّري
كاتب كويتي في الشّؤون العربيَّة والإسلاميَّة
منشور على صفحة أمد للإعلام، بتاريخ: 30/ 6/ 2024م.
 
(1) يشار إلى أنَّ العمل جار، بشكل يوميّ، وتباعاً، على محاضرات السيِّد من قبل قسم الأرشيف، وموقع بيّنات، وقناة الإيمان الفضائيّة، ونشرها والاستفادة منها على مواقع التَّواصل الاجتماعي وغيرها.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية