إنّه العلّامة الذي لا يُشَقُّ له غبار، إنّه الحُجّة في الدّين، هو الرّائد في
التبشير بالقيم الحضاريّة الّتي يقوم عليها الإسلام، وقد فرض نفسه مرجعاً إسلاميّاً
يتعدّى حدود الفوارق المذهبيّة، لا بل هو يتعدّى حدود الطائفيّة، فهو داعية للوحدة
الإسلاميّة في الجوهر، متجاوزاً الحواجز المصطنعة بين المذاهب. نحن نرى، كما يرى
سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، أنّ المرء أيام رسول الله (ص) يُشهر إسلامه
بمجرّد النطق بالشّهادة، والمسلم الملتزم هو الّذي يلتزم الفرائض الخمس في الإسلام:
الشّهادة والصّلاة والصّوم والزكاة وحجّ بيت الله لمن استطاع إليه سبيلاً. فما
بالنا نسمع بتمايز، حتى لا نقول أكثر، بين مسلم ومسلم؟!
ونحن من المعجبين بالعلّامة السيّد محمد حسين فضل الله، ليس لكونه الجامع بين
المذاهب الإسلاميّة، بل كذلك لكونه الرّافض للعصبيّات الطائفيّة، وهو الداعية إلى
الوحدة الوطنيّة بين المسلم والمسيحيّ في هذا البلد، وهو يعي، كما نعي نحن، أنّ
الوحدة الوطنيّة إنما هي سياج الوطن الصّغير، لبنان، في مواجهة أعتى التحدّيات التي
تعصف به من جانب العدوّ الإسرائيليّ والدولة العظمى أمريكا...
ولكنّ إعجابنا بسماحة السيّد محمد حسين فضل الله مضاعف، لكونه رجل العمل الإنساني
والاجتماعي بامتياز، وتشهد بذلك جمعية المبرات الخيرية، ومن حولها كوكبة من
المؤسّسات التي تعنى بالأيتام وذوي الاحتياجات وبالتّنمية الاجتماعيّة بمعناها
الأوسع وبالتربية الوطنية.
بورِكَ بهذا العمل الجبَّار، يتولّاه رجل يتمتّع بطاقات جبّارة، على الصّعد
الفكريّة والإنسانيّة والخيريّة، في خدمة أهداف دينيّة واجتماعيّة ووطنيّة.
نحن نستلهم العلّامة سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، إذ نقول: شتّان بين الدين
والطائفية؛ الدين رسالة، والرّسالات على اختلافها تجمع حول القيم الإنسانيّة التي
تدعو إليها. أما الطائفية فعصبيّة، والعصبيّات تتصادم وتحاول إحداها عبثاً إلغاء
الأخرى. لذا، يمكن القول إنَّ الأديان توحِّد فيما الطائفّية تفرّق، الأديان تجمع
حول قيم مشتركة من مثل المحبّة والمودّة والرحمة والانفتاح والتسامح والعفو
والمغفرة والصّدق والأمانة والإحسان. أما الطائفية، فتفرّق على عصبيات تنزع كلّ
منها إلى إلغاء الأخرى. وقد علّمتنا التجارب في لبنان أنّ الطائفيّة سيف ذو ثمانية
عشر حداً، بوجود هذا العدد من الطوائف المعترف بها في لبنان، كيفما ضربت بهذا
السّلاح، أثخنت جسم الوطن الصغير الجراح.
لقد جعلت الطائفيّة من السياسة في لبنان لعبة بلا قواعد، ليس في الدنيا لعبة بلا
قواعد، اللّهمّ إلّا اللّعبة السياسيّة في لبنان، حتى الغاب له شريعة، فيجري الحديث
عن شريعة الغاب. أما السياسة في لبنان، فغاب بلا شريعة.
تحيّة لسماحة السيّد، وتحيّة لفكره الخلّاق، وتحيّة لإنتاجه الغزير في مجالات الخير
والعطاء على كلّ صعيد.
* من مقدّمة كتاب "عن سنوات ومواقف وشخصيّات".