يقول الله تعالى: {يَـأَيُّهَآ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المائدة: 8).
تطلق هذه الآية المبدأ الأساس في طبيعة الموقف الَّذي ينبغي للمؤمنين أن يقفوه، فتدعوهم إلى أن يكونوا قوَّامين لله، بحيث تكون حياتهم كلّها قياماً له، وانفتاحاً عليه، والتزاماً برضاه، في كلِّ ما يفكِّرون فيه، ويتطلَّعون إليه، ويقومون به من أعمال، ويمارسونه من علاقات، ويهتمّون به من قضايا ومواقف، فليس هناك مكانٌ في شخصيَّتهم، في كلِّ ما يختزنونه من دوافع، ويعيشونه من مشاعر وأحاسيس، لغير الله، وبذلك يصبح الإنسان خاضعاً في موقفه في كلِّ العلاقات الإيجابيّة والسلبيّة لرضى الله.
وفي ضـوء ذلـك، أرادت منهـم أن يكونوا {شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ}، أي بالعدل، لأنَّ ذلك هو مقياس الارتباط بالله والابتعاد عن غيره، لما يستلزمه الارتباط بالحقّ من رؤية صافية واضحة لا يحول الضَّباب بينها وبين واقع الأشياء، فالمؤمـن ينظر بنور الله الَّذي أودعه في قلبه، ونور الله لا يخطئ ولا ينحرف عن خطِّ الحقيقة.
وبذلك تكون الشّهادة بالقسط حركة الإيمان الواعي في حياة المؤمن، وبهذه الرّوح، لا يكون هناك مكان للعداوة والصَّداقة في هذا المجال، فليس للمؤمن أن يفكِّر فيهما فيما ينطلق فيه من مشاعر، وفيما يتحرَّك به من مواقف، بل أن يكون كلّ فكره ـ عند أيّ قضية ـ الله والحقّ، فهما الهاجس في كلِّ شيء.
ويؤكّد الله هذا الجانب من الموقف في قوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} أي لا يحملنَّكم {شَنَآنُ قَوْمٍ} أي بغضهم وعداواتهم، {عَلَى أَلَّا تَعْدِلُواْ}، فتشهدوا عليهم بغير الحقّ، أو تحكموا عليهم بالباطل، {اعْدِلُواْ} مع أعدائكم وأصدقائكم على حدٍّ سواء، {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، فالعدل يلتقي مع خطِّ التَّقوى الَّذي يراقب فيه الإنسان ربَّه ولا يراقب غيره، مهما كانت صفته في حياته، {وَاتَّقُواْ اللهَ} في الالتزام بهذا الخطِّ في جميع مجالات حياتكم، فلا تدعوا العلاقات السلبيَّة والإيجابيَّة تؤثّر في طريقتكم في الحكم والشَّهادة، ولا تغفلوا عمَّا توحيه فكرة الإيمان من الحقيقة الإِلهيَّة، {إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
وهذا الخطُّ هو ما يميِّز المجتمع المسلم في أفراده، سواء على مستوى الحكم، أو على مستوى العلاقة والمعاملة، فالإيمان يمثِّل الضَّمانة الحقيقيَّة الّتي يقدِّمها الإسلام لكلِّ الَّذين يلتقون معه في العقيدة أو يختلفون معه فيها، فلا مجال ـ مع الإسلام ـ للظّلم حتَّى للأعداء، لأنَّ قضيَّة العداوة تخضع لأوضاع ومواقف معيَّنة تفرض نوعاً من السلوك السلبي ينبغي أن لا يبتعد عن الموازين والقوانين الشرعيّة، تلك الموازين والقوانين الّتي تعتبر أنَّ للعداوة مساحةً لا يمكن أن يتعدَّاها الإنسان المؤمن، وهي مساحة الحقوق الّتي اكتسبها هذا العدوّ أو ذاك، من خلال المواثيق والمعاهدات، أو من خلال الأحكام الشرعيَّة الّتي أنزلها الله مما يحترم فيه بعض جوانبه الإنسانيَّة.
وبناءً على ذلك، يجب على القائمين على شؤون التربية الإسلاميَّة، تأكيد هذا الجانب في بناء شخصيَّة الإنسان المسلم، والابتعاد به عن الانفعالات الحادَّة الّتي قد توحي بها العداوة، كي لا ينحرف عن الخطِّ المستقيم، وذلك من أجل بناء مجتمعٍ سليمٍ عادلٍ، على أساس تركيز الفرد المسلم العادل. وتلك مهمَّةٌ صعبةٌ في واقع المجتمع المنحرف القائم على قواعد الانفعالات الّتي تُثيرها العلاقات السلبيَّة والإيجابيَّة، ولكنَّها الصعوبات الّتي تنتظر الدعاة إلى الله، الأدلّاء على سبيله، ليكونوا في مستوى مسؤوليَّة الإيمان والحياة.
* من كتاب "النّدوة"، ج 16.
يقول الله تعالى: {يَـأَيُّهَآ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المائدة: 8).
تطلق هذه الآية المبدأ الأساس في طبيعة الموقف الَّذي ينبغي للمؤمنين أن يقفوه، فتدعوهم إلى أن يكونوا قوَّامين لله، بحيث تكون حياتهم كلّها قياماً له، وانفتاحاً عليه، والتزاماً برضاه، في كلِّ ما يفكِّرون فيه، ويتطلَّعون إليه، ويقومون به من أعمال، ويمارسونه من علاقات، ويهتمّون به من قضايا ومواقف، فليس هناك مكانٌ في شخصيَّتهم، في كلِّ ما يختزنونه من دوافع، ويعيشونه من مشاعر وأحاسيس، لغير الله، وبذلك يصبح الإنسان خاضعاً في موقفه في كلِّ العلاقات الإيجابيّة والسلبيّة لرضى الله.
وفي ضـوء ذلـك، أرادت منهـم أن يكونوا {شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ}، أي بالعدل، لأنَّ ذلك هو مقياس الارتباط بالله والابتعاد عن غيره، لما يستلزمه الارتباط بالحقّ من رؤية صافية واضحة لا يحول الضَّباب بينها وبين واقع الأشياء، فالمؤمـن ينظر بنور الله الَّذي أودعه في قلبه، ونور الله لا يخطئ ولا ينحرف عن خطِّ الحقيقة.
وبذلك تكون الشّهادة بالقسط حركة الإيمان الواعي في حياة المؤمن، وبهذه الرّوح، لا يكون هناك مكان للعداوة والصَّداقة في هذا المجال، فليس للمؤمن أن يفكِّر فيهما فيما ينطلق فيه من مشاعر، وفيما يتحرَّك به من مواقف، بل أن يكون كلّ فكره ـ عند أيّ قضية ـ الله والحقّ، فهما الهاجس في كلِّ شيء.
ويؤكّد الله هذا الجانب من الموقف في قوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} أي لا يحملنَّكم {شَنَآنُ قَوْمٍ} أي بغضهم وعداواتهم، {عَلَى أَلَّا تَعْدِلُواْ}، فتشهدوا عليهم بغير الحقّ، أو تحكموا عليهم بالباطل، {اعْدِلُواْ} مع أعدائكم وأصدقائكم على حدٍّ سواء، {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، فالعدل يلتقي مع خطِّ التَّقوى الَّذي يراقب فيه الإنسان ربَّه ولا يراقب غيره، مهما كانت صفته في حياته، {وَاتَّقُواْ اللهَ} في الالتزام بهذا الخطِّ في جميع مجالات حياتكم، فلا تدعوا العلاقات السلبيَّة والإيجابيَّة تؤثّر في طريقتكم في الحكم والشَّهادة، ولا تغفلوا عمَّا توحيه فكرة الإيمان من الحقيقة الإِلهيَّة، {إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
وهذا الخطُّ هو ما يميِّز المجتمع المسلم في أفراده، سواء على مستوى الحكم، أو على مستوى العلاقة والمعاملة، فالإيمان يمثِّل الضَّمانة الحقيقيَّة الّتي يقدِّمها الإسلام لكلِّ الَّذين يلتقون معه في العقيدة أو يختلفون معه فيها، فلا مجال ـ مع الإسلام ـ للظّلم حتَّى للأعداء، لأنَّ قضيَّة العداوة تخضع لأوضاع ومواقف معيَّنة تفرض نوعاً من السلوك السلبي ينبغي أن لا يبتعد عن الموازين والقوانين الشرعيّة، تلك الموازين والقوانين الّتي تعتبر أنَّ للعداوة مساحةً لا يمكن أن يتعدَّاها الإنسان المؤمن، وهي مساحة الحقوق الّتي اكتسبها هذا العدوّ أو ذاك، من خلال المواثيق والمعاهدات، أو من خلال الأحكام الشرعيَّة الّتي أنزلها الله مما يحترم فيه بعض جوانبه الإنسانيَّة.
وبناءً على ذلك، يجب على القائمين على شؤون التربية الإسلاميَّة، تأكيد هذا الجانب في بناء شخصيَّة الإنسان المسلم، والابتعاد به عن الانفعالات الحادَّة الّتي قد توحي بها العداوة، كي لا ينحرف عن الخطِّ المستقيم، وذلك من أجل بناء مجتمعٍ سليمٍ عادلٍ، على أساس تركيز الفرد المسلم العادل. وتلك مهمَّةٌ صعبةٌ في واقع المجتمع المنحرف القائم على قواعد الانفعالات الّتي تُثيرها العلاقات السلبيَّة والإيجابيَّة، ولكنَّها الصعوبات الّتي تنتظر الدعاة إلى الله، الأدلّاء على سبيله، ليكونوا في مستوى مسؤوليَّة الإيمان والحياة.
* من كتاب "النّدوة"، ج 16.