محاضرات
04/09/2023

كيف نجددُ العهدِ معَ الحسينِ (ع)

19 صفر 1445هـ
كيف نجددُ العهدِ معَ الحسينِ (ع)

وتأتي ذكرى الأربعين، لنستعيد من خلالها شخصيَّة الإمام الحسين (ع)، شخصيَّة الإمام المصُلح والمنقذ والثَّائر والقائد الإسلامي الذي أكَّد العزَّة في خطِّ الرّسالة، فهو في الوقت الَّذي كان يواجه الأمَّة بالرسالة في مضامينها العقيديّة والثقافيّة والشرعيّة، كان يريد أن يرتفع بالإنسان، ولا سيَّما المؤمن، إلى أن لا يخضع في إرادته لأيّ قوَّة تريد أن تسقط إرادته، أو تريد أن تستغلَّ موقعه في بعض حالات التحدي، لتفرض عليه ما لا يريد أن يقبله...
في ذكرى الأربعين، نلتقي بذكرى الإمام الحسين (ع)، فلا نشعر بغيابه عنَّا، على الرّغم من أنّه مرَّ ما يقرب من أربعة عشر قرناً على استشهاده، ولكنَّ حضور الحسين (ع) في كلِّ خطوات هذا التَّاريخ، وإشراقته في كلِّ ظلمات التَّاريخ، لا تزال تفرض نفسها على العقل الذي يفكِّر، وعلى القلب الَّذي يُحبّ، وعلى الحركة الَّتي تنطلق وتتحدَّى وتواجه التحدّي.
إنَّنا نشعر بأنَّ الحسين (ع) حاضرٌ معنا، لأنَّه (ع) كان ثائر الإسلام وإمامه وشهيده. صحيح أنَّه استشهد في كربلاء ودُفن فيها مع الصَّفوة الطيِّبة من أهل بيته وأصحابه، ولكنَّه كان شهيد الأمَّةِ كلّها، وشهيد الإسلام كلّه؛ لم تختصره كربلاء في الموقع الجغرافي، بل إنّه انطلق في العالم كلّه من خلال عالمية الإسلام الذي أطلق الحسين (ع) كلمة الإصلاح فيه وفي أمَّة جدّه (ص).
وكان الحسين (ع) قد التزم الهدنة مع معاوية، بعد هدنة أخيه الحسن معه، ولكن، بعد موت معاوية، رأى الحسين (ع) أنّه في حلّ من تلك الهدنة، فانطلق في وجه والي المدينة الّذي أراد له أن يبايع يزيد، ليذكِّره بالحقيقة التي يتمثل فيها أهل البيت (ع)، هؤلاء الَّذين «أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً»، ليقول له بكلِّ قوَّةٍ: «إنّا أهل بيت النبوَّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجلٌ فاسقٌ شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة»(1)...
وانطلق الإمام الحسين (ع) إلى مكَّة ليجمع النَّاس في البيت الحرام، ليعرّفهم كيف يمكن أن يكون مسلماً في كلِّ قضاياه؛ مسلماً في العبادة وفي كلِّ طاعة؛ في السياسة والحكم والإدارة، وفي كلِّ التزاماته الحياتيَّة ومسؤوليَّاته في الواقع، لأنَّ الإسلام لا يمثِّل موقعاً خاصّاً، بل يمثّل كلَّ المواقع في كلِّ جوانب الحياة... انطلق الحسين (ع) من مكَّة في تأكيد إمامته الشرعيَّة، وأراد أن يجمع النخبة المخلصة له من خلال إخلاصها للإسلام، أراد (ع) جيشاً وجمهوراً لا يتحرَّك معه على أساس الطَّمع في مال أو وظيفة وما إلى ذلك، وهكذا استطاع أن يصطفي الطَّليعة الإسلاميَّة الواعية في أهل بيته وأصحابه الذين اجتمعوا معه في كربلاء، والذين أخلصوا له في عهدهم.
وانطلق الحسين (ع) إماماً يعظُ النَّاس ويرشدهم ويثير كلَّ عناصر الوعي فيهم، ويعرّفهم مَنْ هو الحاكم الشَّرعي من خلال كلمة رسول الله (ص): «من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله»(2)، وليعرّفهم أيضاً كيف يمكن أن يلتزموا عهودهم ليقفوا إلى جانب الحقّ لينصروه...
وأطلق الحسين (ع) طبيعة تحرّكه، فهو لم يخرج محارباً، لأنَّه لو كان يريد الحرب كما هي الحرب، لحشد لذلك الآلاف من النّاس، ولكنَّه كان يتحرك من أجل أن يحارب الجهل في عقول الناس، كما كان جدّه يتألم والحقد في قلوبهم، والانحراف في حياتهم، كان (ع) كجدِّه (ص)، يحمل الرسالة ويقول: «اللَّهمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون». وكان يتألم كما كان جدّه يتألّم لمن لم ينفتح على الإسلام؛ وقد تألّم لأولئك الَّذين ساروا مع يزيد وابن زياد، لأنهم سيدخلون النَّار بسببه، وقال: «إنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، إنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي، فمن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ»(3)، أطلق عنوان الإصلاح الذي أطلقه الأنبياء، وانطلق ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وعندما أراد القوم من الحسين (ع) أن يخضع للاشرعيَّة، وينزل على حكم هؤلاء الذين سيطروا على إمارة المسلمين، قال لهم: «لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد»(4) ... وهكذا وقف الحسين (ع) في رساليَّة الإسلام وعزّته وحرّيته، وفي كلِّ ما يريد الإسلام أن يؤكِّده في هذا المقام، وأعطى من ثورته وحركته وتضحياته واستشهاده كلَّ ما يعزِّز موقع الإسلام.
لقد كان الإمام الحسين (ع) يحبّ الله تعالى كما لم يحبّه أحد، وينفتح على الله كما لم ينفتح عليه أحد، كان كأبيه (ع)، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، ونزل في كربلاء ليعطي البشريَّة درساً كيف يمكن للرساليّ أن يبقى مع رسالته حتى الاستشهاد.
إنَّ هذه الذكرى العظيمة التي نعيش فيها الحسين (ع) إماماً وحبيباً وقائداً، لا تزال تجدِّد فينا الإيمان بالإسلام، لندافع عنه، ولنرفض الظلم والاستكبار، وعلينا أن نجعل من ذكرى الإمام الحسين (ع) ثورة في حركة الإنسان من أجل العزّة والكرامة والدفاع عن الإسلام كلّه؛ أن لا نحوِّل الذكرى الحسينيَّة إلى مجرَّد تقاليد لا تعطي شيئاً...
إنَّ القضيَّة هي أن نجدِّد رسالة الحسين في كلِّ رسالاتنا، ونجدِّد قضيَّة الحسين في كلِّ قضايانا، لنقول له: إن لم نجبك بأجسادنا ودمائنا، فإننا نجيبك بأرواحنا وعقولنا وقلوبنا، لكي نبقى معك يا أبا عبد الله في رسالتك وثورتك وشرعيَّتك، سنبقى معك ومع جدِّك وأبيك وأمِّك وأخيك والأئمَّة من ولدك وبنيك.
 

[1]  بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج44، ص 325.

[2]  بحار الأنوار، ج 44، ص 382.

[3]  بحار الأنوار، ج 44، ص 330.

[4]  بحار الأنوار، ج 45، ص 7.

* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 19 صفر 1428هـ / الموافق: ٩ آذار ٢٠٠٧م.
وتأتي ذكرى الأربعين، لنستعيد من خلالها شخصيَّة الإمام الحسين (ع)، شخصيَّة الإمام المصُلح والمنقذ والثَّائر والقائد الإسلامي الذي أكَّد العزَّة في خطِّ الرّسالة، فهو في الوقت الَّذي كان يواجه الأمَّة بالرسالة في مضامينها العقيديّة والثقافيّة والشرعيّة، كان يريد أن يرتفع بالإنسان، ولا سيَّما المؤمن، إلى أن لا يخضع في إرادته لأيّ قوَّة تريد أن تسقط إرادته، أو تريد أن تستغلَّ موقعه في بعض حالات التحدي، لتفرض عليه ما لا يريد أن يقبله...
في ذكرى الأربعين، نلتقي بذكرى الإمام الحسين (ع)، فلا نشعر بغيابه عنَّا، على الرّغم من أنّه مرَّ ما يقرب من أربعة عشر قرناً على استشهاده، ولكنَّ حضور الحسين (ع) في كلِّ خطوات هذا التَّاريخ، وإشراقته في كلِّ ظلمات التَّاريخ، لا تزال تفرض نفسها على العقل الذي يفكِّر، وعلى القلب الَّذي يُحبّ، وعلى الحركة الَّتي تنطلق وتتحدَّى وتواجه التحدّي.
إنَّنا نشعر بأنَّ الحسين (ع) حاضرٌ معنا، لأنَّه (ع) كان ثائر الإسلام وإمامه وشهيده. صحيح أنَّه استشهد في كربلاء ودُفن فيها مع الصَّفوة الطيِّبة من أهل بيته وأصحابه، ولكنَّه كان شهيد الأمَّةِ كلّها، وشهيد الإسلام كلّه؛ لم تختصره كربلاء في الموقع الجغرافي، بل إنّه انطلق في العالم كلّه من خلال عالمية الإسلام الذي أطلق الحسين (ع) كلمة الإصلاح فيه وفي أمَّة جدّه (ص).
وكان الحسين (ع) قد التزم الهدنة مع معاوية، بعد هدنة أخيه الحسن معه، ولكن، بعد موت معاوية، رأى الحسين (ع) أنّه في حلّ من تلك الهدنة، فانطلق في وجه والي المدينة الّذي أراد له أن يبايع يزيد، ليذكِّره بالحقيقة التي يتمثل فيها أهل البيت (ع)، هؤلاء الَّذين «أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً»، ليقول له بكلِّ قوَّةٍ: «إنّا أهل بيت النبوَّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجلٌ فاسقٌ شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة»(1)...
وانطلق الإمام الحسين (ع) إلى مكَّة ليجمع النَّاس في البيت الحرام، ليعرّفهم كيف يمكن أن يكون مسلماً في كلِّ قضاياه؛ مسلماً في العبادة وفي كلِّ طاعة؛ في السياسة والحكم والإدارة، وفي كلِّ التزاماته الحياتيَّة ومسؤوليَّاته في الواقع، لأنَّ الإسلام لا يمثِّل موقعاً خاصّاً، بل يمثّل كلَّ المواقع في كلِّ جوانب الحياة... انطلق الحسين (ع) من مكَّة في تأكيد إمامته الشرعيَّة، وأراد أن يجمع النخبة المخلصة له من خلال إخلاصها للإسلام، أراد (ع) جيشاً وجمهوراً لا يتحرَّك معه على أساس الطَّمع في مال أو وظيفة وما إلى ذلك، وهكذا استطاع أن يصطفي الطَّليعة الإسلاميَّة الواعية في أهل بيته وأصحابه الذين اجتمعوا معه في كربلاء، والذين أخلصوا له في عهدهم.
وانطلق الحسين (ع) إماماً يعظُ النَّاس ويرشدهم ويثير كلَّ عناصر الوعي فيهم، ويعرّفهم مَنْ هو الحاكم الشَّرعي من خلال كلمة رسول الله (ص): «من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله»(2)، وليعرّفهم أيضاً كيف يمكن أن يلتزموا عهودهم ليقفوا إلى جانب الحقّ لينصروه...
وأطلق الحسين (ع) طبيعة تحرّكه، فهو لم يخرج محارباً، لأنَّه لو كان يريد الحرب كما هي الحرب، لحشد لذلك الآلاف من النّاس، ولكنَّه كان يتحرك من أجل أن يحارب الجهل في عقول الناس، كما كان جدّه يتألم والحقد في قلوبهم، والانحراف في حياتهم، كان (ع) كجدِّه (ص)، يحمل الرسالة ويقول: «اللَّهمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون». وكان يتألم كما كان جدّه يتألّم لمن لم ينفتح على الإسلام؛ وقد تألّم لأولئك الَّذين ساروا مع يزيد وابن زياد، لأنهم سيدخلون النَّار بسببه، وقال: «إنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، إنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي، فمن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ»(3)، أطلق عنوان الإصلاح الذي أطلقه الأنبياء، وانطلق ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وعندما أراد القوم من الحسين (ع) أن يخضع للاشرعيَّة، وينزل على حكم هؤلاء الذين سيطروا على إمارة المسلمين، قال لهم: «لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد»(4) ... وهكذا وقف الحسين (ع) في رساليَّة الإسلام وعزّته وحرّيته، وفي كلِّ ما يريد الإسلام أن يؤكِّده في هذا المقام، وأعطى من ثورته وحركته وتضحياته واستشهاده كلَّ ما يعزِّز موقع الإسلام.
لقد كان الإمام الحسين (ع) يحبّ الله تعالى كما لم يحبّه أحد، وينفتح على الله كما لم ينفتح عليه أحد، كان كأبيه (ع)، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، ونزل في كربلاء ليعطي البشريَّة درساً كيف يمكن للرساليّ أن يبقى مع رسالته حتى الاستشهاد.
إنَّ هذه الذكرى العظيمة التي نعيش فيها الحسين (ع) إماماً وحبيباً وقائداً، لا تزال تجدِّد فينا الإيمان بالإسلام، لندافع عنه، ولنرفض الظلم والاستكبار، وعلينا أن نجعل من ذكرى الإمام الحسين (ع) ثورة في حركة الإنسان من أجل العزّة والكرامة والدفاع عن الإسلام كلّه؛ أن لا نحوِّل الذكرى الحسينيَّة إلى مجرَّد تقاليد لا تعطي شيئاً...
إنَّ القضيَّة هي أن نجدِّد رسالة الحسين في كلِّ رسالاتنا، ونجدِّد قضيَّة الحسين في كلِّ قضايانا، لنقول له: إن لم نجبك بأجسادنا ودمائنا، فإننا نجيبك بأرواحنا وعقولنا وقلوبنا، لكي نبقى معك يا أبا عبد الله في رسالتك وثورتك وشرعيَّتك، سنبقى معك ومع جدِّك وأبيك وأمِّك وأخيك والأئمَّة من ولدك وبنيك.
 

[1]  بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج44، ص 325.

[2]  بحار الأنوار، ج 44، ص 382.

[3]  بحار الأنوار، ج 44، ص 330.

[4]  بحار الأنوار، ج 45، ص 7.

* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 19 صفر 1428هـ / الموافق: ٩ آذار ٢٠٠٧م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية