محاضرات
28/08/2023

المبادرة في العطاء ومساعدة الآخرين

12 صفر 1445هـ
المبادرة في العطاء ومساعدة الآخرين

من وصيَّة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) لهشام بن الحكم: «إن خالطت الناس، فإن استطعت أن لا تخالط أحداً من النَّاس إلَّا كانت يدك العليا عليه، فافعل»(1).

تؤكِّد هذه الفقرة من الوصيّة، أنَّ على الإنسان، عندما يعيش مع الآخرين، مهما كان انتماؤهم، ومهما كانت أوضاعهم، أن يدرس هؤلاء النَّاس؛ ما هي حاجاتهم التي يريدون من الآخرين أن يقضوها لهم؟ وحاجات النَّاس من النَّاس تتنوّع؛ فقد تكون حاجاتٍ علميَّة، بحيث يعيش معك إنسانٌ ما ويخالطك ليستفيد من علمك، وقد تكون حاجات اقتصاديّة، فيخالطك ليستفيد من مالك، وربما تكون حاجاتٍ اجتماعيّة، فيخالطك ليستفيد من موقع أنّك شخصيّة اجتماعيّة تستطيع أن تكون وسيطاً بينه وبين مواقع القرار، أو مواقع القوَّة في المجتمع، لتحقِّق له ما يريد منهم في أموره العامَّة أو الخاصَّة. وقد تكون الحاجة دينيّة، فيخالطك كي يستفيد منك دينياً، من حيث هو شخص يريد أن يرفع من مستواه الديني، وهكذا.
والقضيّة التي تركّز عليها هذه الكلمة، هي أنَّ عليك أن تستجيب لكلِّ من يحتاج إليك، لتحقِّق حاجته، ولترفع من مستواه، من موقع كون يدك هي اليد العليا عليه. واليد العليا - بحسب المفهوم العام - هي اليد المعطية، واليد المبادرة، واليد الخادمة، وبذلك يكون مظهر علوّ يدك عليه، أن تحسن إليه في كلِّ حاجاته منك.
ومن خلال ذلك نقول: إنَّ على الإنسان الذي يملك أيَّ طاقة في المجتمع، أن يتسلّم زمام المبادرة ليكون في الموقع الأعلى في ذلك المجتمع، لا من خلال ما يعيشه من ضخامة الشخصيَّة في إحساسه بالاستعلاء على النَّاس، بل ليكون في الموقع الأعلى في تلبية حاجات المجتمع، لأنَّ المعطي يمثّل موقعاً أعلى من المُعطَى له في تواصل العطاء فيما بينهما، لأن الذي يحقِّق الحاجة، هو في الموقع المميَّز ممن يحصل على الحاجة.
وربما نستوحي هذه الفكرة من الكلمة المنسوبة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): «أحسِن إلى من شئت تكن أميره»، يعني عندما تملك الإمكانات التي تستطيع فيها أن تحسن إلى الناس في ما يحتاجونه، فإنَّك بذلك تكون في موقع الأمير، أي في الموقع المميَّز، لأنَّ دور الأمير هو أن يخدم الناس، بأن يقضي حاجاتهم، وأن يلبّي طموحاتهم وتطلّعاتهم كلّها. فالله تعالى يريد للإنسان أن يكون في الموقع الأعلى، يعني في الدَّرجة العليا التي يتطلَّع الناس إليها للحصول على ما يختزنُه من علم أو مال أو جاهٍ أو قوَّة مما يحتاجون إليه.
وفي مقابل ذلك، يأتي قوله (ع): «واحتج إلى من شئت تكن أسيره»(2)، لأنَّ الإنسان تستعبده حاجاته. وعلى هذا الأساس، نلاحظ أنَّ الناس الذين يضطرون إلى السقوط تحت تأثير الأشخاص الذين يملكون مالاً، أو يملكون جاهاً، أو يملكون قوّةً، يستعبدون أنفسهم لهم؛ لا استعباد الإنسان نفسه للشَّخص، ولكنّه استعباد النفس للحاجة. لذلك، فإنَّ الإنسان الذي يستطيع أن يحقق الاستغناء عن الناس، بأن يحرّك جهده في تحصيل حاجاته، هو الإنسان الَّذي يملك حريته، ولا يستطيع أحد أن يستعبده، وهذه مسألة إنسانيَّة.
ولذلك، ورد عندنا: «القناعة كنـز لا يفنى»، و«القناعة مال لا ينفد». والقناعة: هي أن تحرِّك جهدك وطاقتك في الحصول على ما تحتاجه، بحيث إذا حصلت على شيءٍ، فإنَّك تكتفي به، ثم تطوِّر جهدك في الحصول على حاجات أكثر، وفي مواقع أكثر. ولا تعني القناعة أن تتقبل واقعك وتستسلم له، أو تحدّ من طموحاتك في تطوير نفسك في كلِّ مجالاتها، بل القناعة هي أن تعيش الرّضى بما عندك، وتحاولَ أن تنظّم حاجاتك في مستوى قدراتك، ثم تحاول أن تطوّر إمكاناتك من خلال تطوير حاجاتك...
وخلاصة تلك الفقرة من وصيّة الإمام الكاظم (ع) هي: كن المبادر في مسألة العطاء للنَّاس، لتكون يدك التي تمدّها إلى الناس بالإحسان والعطاء هي اليد العليا. وفي هذا توجيه للإنسان إلى أن يبادر لتفجير كلّ إمكاناته وطاقاته في خدمة حياة النَّاس وفي تلبية حاجاتهم.
(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 102.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج71، ص 411.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 15.

تؤكِّد هذه الفقرة من الوصيّة، أنَّ على الإنسان، عندما يعيش مع الآخرين، مهما كان انتماؤهم، ومهما كانت أوضاعهم، أن يدرس هؤلاء النَّاس؛ ما هي حاجاتهم التي يريدون من الآخرين أن يقضوها لهم؟ وحاجات النَّاس من النَّاس تتنوّع؛ فقد تكون حاجاتٍ علميَّة، بحيث يعيش معك إنسانٌ ما ويخالطك ليستفيد من علمك، وقد تكون حاجات اقتصاديّة، فيخالطك ليستفيد من مالك، وربما تكون حاجاتٍ اجتماعيّة، فيخالطك ليستفيد من موقع أنّك شخصيّة اجتماعيّة تستطيع أن تكون وسيطاً بينه وبين مواقع القرار، أو مواقع القوَّة في المجتمع، لتحقِّق له ما يريد منهم في أموره العامَّة أو الخاصَّة. وقد تكون الحاجة دينيّة، فيخالطك كي يستفيد منك دينياً، من حيث هو شخص يريد أن يرفع من مستواه الديني، وهكذا.
والقضيّة التي تركّز عليها هذه الكلمة، هي أنَّ عليك أن تستجيب لكلِّ من يحتاج إليك، لتحقِّق حاجته، ولترفع من مستواه، من موقع كون يدك هي اليد العليا عليه. واليد العليا - بحسب المفهوم العام - هي اليد المعطية، واليد المبادرة، واليد الخادمة، وبذلك يكون مظهر علوّ يدك عليه، أن تحسن إليه في كلِّ حاجاته منك.
ومن خلال ذلك نقول: إنَّ على الإنسان الذي يملك أيَّ طاقة في المجتمع، أن يتسلّم زمام المبادرة ليكون في الموقع الأعلى في ذلك المجتمع، لا من خلال ما يعيشه من ضخامة الشخصيَّة في إحساسه بالاستعلاء على النَّاس، بل ليكون في الموقع الأعلى في تلبية حاجات المجتمع، لأنَّ المعطي يمثّل موقعاً أعلى من المُعطَى له في تواصل العطاء فيما بينهما، لأن الذي يحقِّق الحاجة، هو في الموقع المميَّز ممن يحصل على الحاجة.
وربما نستوحي هذه الفكرة من الكلمة المنسوبة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): «أحسِن إلى من شئت تكن أميره»، يعني عندما تملك الإمكانات التي تستطيع فيها أن تحسن إلى الناس في ما يحتاجونه، فإنَّك بذلك تكون في موقع الأمير، أي في الموقع المميَّز، لأنَّ دور الأمير هو أن يخدم الناس، بأن يقضي حاجاتهم، وأن يلبّي طموحاتهم وتطلّعاتهم كلّها. فالله تعالى يريد للإنسان أن يكون في الموقع الأعلى، يعني في الدَّرجة العليا التي يتطلَّع الناس إليها للحصول على ما يختزنُه من علم أو مال أو جاهٍ أو قوَّة مما يحتاجون إليه.
وفي مقابل ذلك، يأتي قوله (ع): «واحتج إلى من شئت تكن أسيره»(2)، لأنَّ الإنسان تستعبده حاجاته. وعلى هذا الأساس، نلاحظ أنَّ الناس الذين يضطرون إلى السقوط تحت تأثير الأشخاص الذين يملكون مالاً، أو يملكون جاهاً، أو يملكون قوّةً، يستعبدون أنفسهم لهم؛ لا استعباد الإنسان نفسه للشَّخص، ولكنّه استعباد النفس للحاجة. لذلك، فإنَّ الإنسان الذي يستطيع أن يحقق الاستغناء عن الناس، بأن يحرّك جهده في تحصيل حاجاته، هو الإنسان الَّذي يملك حريته، ولا يستطيع أحد أن يستعبده، وهذه مسألة إنسانيَّة.
ولذلك، ورد عندنا: «القناعة كنـز لا يفنى»، و«القناعة مال لا ينفد». والقناعة: هي أن تحرِّك جهدك وطاقتك في الحصول على ما تحتاجه، بحيث إذا حصلت على شيءٍ، فإنَّك تكتفي به، ثم تطوِّر جهدك في الحصول على حاجات أكثر، وفي مواقع أكثر. ولا تعني القناعة أن تتقبل واقعك وتستسلم له، أو تحدّ من طموحاتك في تطوير نفسك في كلِّ مجالاتها، بل القناعة هي أن تعيش الرّضى بما عندك، وتحاولَ أن تنظّم حاجاتك في مستوى قدراتك، ثم تحاول أن تطوّر إمكاناتك من خلال تطوير حاجاتك...
وخلاصة تلك الفقرة من وصيّة الإمام الكاظم (ع) هي: كن المبادر في مسألة العطاء للنَّاس، لتكون يدك التي تمدّها إلى الناس بالإحسان والعطاء هي اليد العليا. وفي هذا توجيه للإنسان إلى أن يبادر لتفجير كلّ إمكاناته وطاقاته في خدمة حياة النَّاس وفي تلبية حاجاتهم.
(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 102.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج71، ص 411.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 15.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية