قال الإمام عليّ (ع) وهو يلي غسل رسول الله (ص)، ليدلَّل على مدى فداحة الخسارة التي أصيب بها المسلمون بانتقال رسول الله (ص) إلى الرفيق الأعلى: "بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوَّة والأنبياء وأخبار السَّماء"، لأنَّ رسول الله (ص) كان خاتم الأنبياء، لذلك اختلفت مرحلته عن المراحل التي مرَّ بها الأنبياء من قبله، لأنه كان إذا مات نبيّ، فلا ينقطع خبر السَّماء بموته، ولا تنقطع النبوَّة بموته، لأنَّ هناك نبيَّاً يأتي من بعده. أمَّا رحيل النبيّ (ص) عن هذه الدنيا، فإنَّه يمثِّل الوفاة الَّتي انقطع بها خبر السَّماء عن الأرض، وانتهت بذلك مرحلة النبوَّة والأنبياء.
ويقول(ع): "خصَّصْتَ حتَّى صرْتَ مسلّياً عمَّن سواك". إنَّه يصف النبيَّ (ص) في خصوصيَّته بما أعطاه الله من الميزات، وبما انفتح به على الواقع من حوله، أنه استطاع أن يكون السلوى عمَّن سواه، لأنَّه ملأ السَّاحة كلَّها بما أعطاه الله سبحانه وتعالى من خصائصه الَّتي لم يعطها لسواه.
"وعمَّمْتَ حتَّى صار النَّاس فيك سواء"، بحيث إنَّه عاش الشمولية للنَّاس، وانطلق هؤلاء ليشعر كلّ واحد منهم بامتداد رسول الله (ص) الذي لا يختصّ به أحد دون أحد.
"ولولا أنَّك أمرت بالصَّبر ونهيت عن الجزع، لأنفدْنا عليك ماء الشؤون". والشؤون هي منابع الدَّمع من الرأس.
"ولكان الدَّاء مماطلاً"، أي لا يسرع بالشّفاء، "والكمد محالفاً"، أي أنَّ الحزن يبقى ملازماً لنا، "وقلَّا لك"، أي أنَّهما قليلان بالنِّسبة إليك، "ولكنَّه ما لا يُملَكُ ردُّه"، أي قضاء الله، "ولا يُستَطاعُ دفعُه. بأبي أنت وأمّي! اذكرنا عند ربِّك، واجعلنا من بالك"(1).
هذه هي كلمات الإمام عليّ (ع) وهو يلي غسل رسول الله (ص) كما جاء في (نهج البلاغة). وهناك نقطة لا بدَّ من التنبيه إليها، وهي تأكيد أمير المؤمنين (ع) عن النّهي عن الجزع والأمر بالصَّبر، فالرسول (ص) كان قد نهى عن الجزع، ولو كان جائزاً، فأيّ شخصيَّة يعيش المؤمنون معنى مأساة فقدها أعظم من شخصيَّة رسول الله؟! ولكنَّه (ص) نهى عن الجزع، لأنَّه أراد للحزن أن يكون متوازناً وأن يكون إنسانياً، وأن لا يخرج الإنسان عن طوره. ويبقى الحزن، مع ذلك، عاطفة إنسانيَّة "تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما لا يرضي الله". والصَّبر لا يستثنى فيه موقف عن موقف، ولا موقع عن موقع.
(1) نهج البلاغة: ج 2، ص: 228.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 6.
قال الإمام عليّ (ع) وهو يلي غسل رسول الله (ص)، ليدلَّل على مدى فداحة الخسارة التي أصيب بها المسلمون بانتقال رسول الله (ص) إلى الرفيق الأعلى: "بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوَّة والأنبياء وأخبار السَّماء"، لأنَّ رسول الله (ص) كان خاتم الأنبياء، لذلك اختلفت مرحلته عن المراحل التي مرَّ بها الأنبياء من قبله، لأنه كان إذا مات نبيّ، فلا ينقطع خبر السَّماء بموته، ولا تنقطع النبوَّة بموته، لأنَّ هناك نبيَّاً يأتي من بعده. أمَّا رحيل النبيّ (ص) عن هذه الدنيا، فإنَّه يمثِّل الوفاة الَّتي انقطع بها خبر السَّماء عن الأرض، وانتهت بذلك مرحلة النبوَّة والأنبياء.
ويقول(ع): "خصَّصْتَ حتَّى صرْتَ مسلّياً عمَّن سواك". إنَّه يصف النبيَّ (ص) في خصوصيَّته بما أعطاه الله من الميزات، وبما انفتح به على الواقع من حوله، أنه استطاع أن يكون السلوى عمَّن سواه، لأنَّه ملأ السَّاحة كلَّها بما أعطاه الله سبحانه وتعالى من خصائصه الَّتي لم يعطها لسواه.
"وعمَّمْتَ حتَّى صار النَّاس فيك سواء"، بحيث إنَّه عاش الشمولية للنَّاس، وانطلق هؤلاء ليشعر كلّ واحد منهم بامتداد رسول الله (ص) الذي لا يختصّ به أحد دون أحد.
"ولولا أنَّك أمرت بالصَّبر ونهيت عن الجزع، لأنفدْنا عليك ماء الشؤون". والشؤون هي منابع الدَّمع من الرأس.
"ولكان الدَّاء مماطلاً"، أي لا يسرع بالشّفاء، "والكمد محالفاً"، أي أنَّ الحزن يبقى ملازماً لنا، "وقلَّا لك"، أي أنَّهما قليلان بالنِّسبة إليك، "ولكنَّه ما لا يُملَكُ ردُّه"، أي قضاء الله، "ولا يُستَطاعُ دفعُه. بأبي أنت وأمّي! اذكرنا عند ربِّك، واجعلنا من بالك"(1).
هذه هي كلمات الإمام عليّ (ع) وهو يلي غسل رسول الله (ص) كما جاء في (نهج البلاغة). وهناك نقطة لا بدَّ من التنبيه إليها، وهي تأكيد أمير المؤمنين (ع) عن النّهي عن الجزع والأمر بالصَّبر، فالرسول (ص) كان قد نهى عن الجزع، ولو كان جائزاً، فأيّ شخصيَّة يعيش المؤمنون معنى مأساة فقدها أعظم من شخصيَّة رسول الله؟! ولكنَّه (ص) نهى عن الجزع، لأنَّه أراد للحزن أن يكون متوازناً وأن يكون إنسانياً، وأن لا يخرج الإنسان عن طوره. ويبقى الحزن، مع ذلك، عاطفة إنسانيَّة "تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما لا يرضي الله". والصَّبر لا يستثنى فيه موقف عن موقف، ولا موقع عن موقع.
(1) نهج البلاغة: ج 2، ص: 228.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 6.