محاضرات
20/03/2018

الإمام الهادي(ع)..كلمات هادية

الإمام الهادي(ع)..كلمات هادية
 

في اليوم الثالث من شهر رجب الحرام، كانت ذكرى وفاة الإمام علي الهادي(ع). ونحن في التزامنا الإيماني بخطّ الإمامة، نرتبط بأئمتنا(ع) ارتباط الرسالة، لأنهم أئمة الإسلام الذين حملوا رسالته، وأوذوا في سبيل الله، وجاهدوا وتحمّلوا الكثير من التحدّيات على أكثر من مستوى، حبّاً لله ورسوله، وجهاداً في سبيله، وإذا كانوا لم يملكوا الفرصة التي يستطيعون من خلالها أن يقودوا الأمّة قيادة سياسية إلى جانب القيادة الرساليّة، فإنهم عاشوا إمامتهم في توعية الأمّة والنصح لها، وفي مواجهة كلّ المشاكل التي تعيش بين أفرادها، وكلّ التحدّيات الفكرية التي كانت تواجه الإسلام وأهله... كانوا مع الأمّة في كل قضاياها ومشاكلها، وكانت كلماتهم كلمات نور تضيء العقل، وتفتح القلب، وتقوّم الانحراف، وتفتح الطريق للإنسان أمام رضى الله وسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

وقد كان لكلّ إمام دور بحسب المرحلة التي عاشها، وبحسب الظروف التي أحاطت به، من حيث سعة الساحة لحركة الإمامة الثقافية أو ضيقها، وقد وصلنا من ذلك الكثير. ونحن في أيّ ذكرى من هذه الذكريات، لا بدَّ لنا من أن نستعيد بعض كلماتهم المضيئة، لنستفيد منها في بعض ما نحن فيه، حتى يكون وعينا للإسلام أكثر، وحركتنا من أجل الاستقامة على الخطّ الذي أراد الله لنا أن نأخذ به أكثر...

الفرق بين الإيمان والإسلام

 أمَّا الإمام الهادي(ع)، فيروي عن عليّ(ع) في تحديد الإيمان، فيما هو الفرق بين الإسلام والإيمان، لأنَّ الإسلام في معناه القانوني كلمة، ولكنَّ الإيمان بمعناه العميق موقف عقل وموقف قلب وموقف عمل. قد يقال لك إنّك مسلم إذا شهدت الشّهادتين، والتزمت باليوم الآخر، وببعض ما ثبت من الدّين ضرورة، ولكن إنما يقال لك مؤمن إذا كان إيمانك يعيش في داخل كلّ ذاتك في حياتك.

يقول(ع): "عن عليّ(ع) قال: قال لي رسول الله(ص): يا عليّ، اكتب. فقلت: ما أكتب؟ قال: اكتب: الإيمان ما وقر في القلوب - ما عاش عقيدةً في منطقة الوعي الداخلي، وهي منطقة العقل والقلب والشعور، بحيث يتعمَّق في وجدانك الفكري والشعوري - وصدّقته الأعمال - ليست المسألة فقط أن يعيش الإيمان في وجدانك، بل لا بدَّ من أن يتحرك الإيمان في عملك، بحيث يكون مصدّقاً لعقيدتك - والإسلام ما جرى على اللّسان - ولذلك كان النبيّ(ص) يقبل من أيّ إنسان ينطق الشهادتين رغبةً أو رهبةً أو إيماناً، وقد ورد في الآية الكريمة: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} - وحلّت به المناكحة".

طاعة الخالق أوّلاً

ومن كلمات الإمام الهادي(ع): "من أطاع الخالق، لم يبالِ بسخط المخلوقين". فالإنسان الذي يرتبط بالله، ويأتمر بأمره، وينتهي بنهيه، ويكون رضى الله عنده هو كلّ شيء، فإنّه إذا أخذ برضى الله، فلا يهمّه سخط الناس، لأنه لا قيمة لأيّ مخلوق أمام الخالق، وهذا ما عبّر عنه النبيّ(ص)، فعندما اندفع الناس من أهل الطّائف يرمونه بالحجارة ويسبّونه ويشتمونه ليخرجوه من بلدهم، خوفاً على شبابهم من أن يتأثّروا به، كانت بعض كلماته في مناجاته لربه: "إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي". وقد عبّر أحد الشّعراء عن هذه الروحية بقوله:

فليتك تحلو والحياة مريرة        وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر        وبيني وبين العالمين خراب

ويكمل الإمام الهادي(ع) كلمته: "ومن أسخط الخالق، فليوقن أن يحلّ به سخط المخلوقين". بعض الناس قد يرتكب محرَّماً أو ينحرف عن إيمانه، حتى يأمن ممن له مكانة اجتماعية أو سياسية أو رسمية، أو عنده حالة شهوانيّة معه، فإذا أسخط ربّه، فإن الناس يحتقرونه، لأنهم يعرفون أنّه باعهم دينه.

الفرق بين الدّنيا والآخرة

 ثم يبيّن الإمام الهادي(ع) الفرق بين قيمة الدنيا وقيمة الآخرة، فيقول(ع): "الناس في الدّنيا بالأموال - من يملك المال، فإن الناس تعظّمه - وفي الآخرة بالأعمال". وفي موعظة له(ع): "اذكر مصرعك بين يدي أهلك، ولا طبيب يمنعك، ولا حبيب ينفعك". أهلك والأطباء لن يمنعوا عنك الموت، فاذكر كيف ترتب حساباتك بين يدي الله قبل أن تقدم عليه. وكل واحد سوف يصل إلى هذه اللحظة، فمن منا يفكّر في تلك اللّحظة، وكيف يستعد لها، وما هو العمل الذي يقدّمه بين يدي الله؟

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}. ويقول عليّ(ع): "أفبمثل هذه الأعمال تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه - تكذب وتزني وتغتاب وتأكل أموال الناس بالباطل، وتفتن بين الناس وتترك الصّلاة والصّوم - هيهات! لا يُخدع الله عن جنّته".

فنسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصّالحين على أنفسهم، إنه أرحم الراحمين. 

خطبة الجمعة في 6 رجب 1423 هـ/ الموافق:  13-9-2002م،
 

في اليوم الثالث من شهر رجب الحرام، كانت ذكرى وفاة الإمام علي الهادي(ع). ونحن في التزامنا الإيماني بخطّ الإمامة، نرتبط بأئمتنا(ع) ارتباط الرسالة، لأنهم أئمة الإسلام الذين حملوا رسالته، وأوذوا في سبيل الله، وجاهدوا وتحمّلوا الكثير من التحدّيات على أكثر من مستوى، حبّاً لله ورسوله، وجهاداً في سبيله، وإذا كانوا لم يملكوا الفرصة التي يستطيعون من خلالها أن يقودوا الأمّة قيادة سياسية إلى جانب القيادة الرساليّة، فإنهم عاشوا إمامتهم في توعية الأمّة والنصح لها، وفي مواجهة كلّ المشاكل التي تعيش بين أفرادها، وكلّ التحدّيات الفكرية التي كانت تواجه الإسلام وأهله... كانوا مع الأمّة في كل قضاياها ومشاكلها، وكانت كلماتهم كلمات نور تضيء العقل، وتفتح القلب، وتقوّم الانحراف، وتفتح الطريق للإنسان أمام رضى الله وسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

وقد كان لكلّ إمام دور بحسب المرحلة التي عاشها، وبحسب الظروف التي أحاطت به، من حيث سعة الساحة لحركة الإمامة الثقافية أو ضيقها، وقد وصلنا من ذلك الكثير. ونحن في أيّ ذكرى من هذه الذكريات، لا بدَّ لنا من أن نستعيد بعض كلماتهم المضيئة، لنستفيد منها في بعض ما نحن فيه، حتى يكون وعينا للإسلام أكثر، وحركتنا من أجل الاستقامة على الخطّ الذي أراد الله لنا أن نأخذ به أكثر...

الفرق بين الإيمان والإسلام

 أمَّا الإمام الهادي(ع)، فيروي عن عليّ(ع) في تحديد الإيمان، فيما هو الفرق بين الإسلام والإيمان، لأنَّ الإسلام في معناه القانوني كلمة، ولكنَّ الإيمان بمعناه العميق موقف عقل وموقف قلب وموقف عمل. قد يقال لك إنّك مسلم إذا شهدت الشّهادتين، والتزمت باليوم الآخر، وببعض ما ثبت من الدّين ضرورة، ولكن إنما يقال لك مؤمن إذا كان إيمانك يعيش في داخل كلّ ذاتك في حياتك.

يقول(ع): "عن عليّ(ع) قال: قال لي رسول الله(ص): يا عليّ، اكتب. فقلت: ما أكتب؟ قال: اكتب: الإيمان ما وقر في القلوب - ما عاش عقيدةً في منطقة الوعي الداخلي، وهي منطقة العقل والقلب والشعور، بحيث يتعمَّق في وجدانك الفكري والشعوري - وصدّقته الأعمال - ليست المسألة فقط أن يعيش الإيمان في وجدانك، بل لا بدَّ من أن يتحرك الإيمان في عملك، بحيث يكون مصدّقاً لعقيدتك - والإسلام ما جرى على اللّسان - ولذلك كان النبيّ(ص) يقبل من أيّ إنسان ينطق الشهادتين رغبةً أو رهبةً أو إيماناً، وقد ورد في الآية الكريمة: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} - وحلّت به المناكحة".

طاعة الخالق أوّلاً

ومن كلمات الإمام الهادي(ع): "من أطاع الخالق، لم يبالِ بسخط المخلوقين". فالإنسان الذي يرتبط بالله، ويأتمر بأمره، وينتهي بنهيه، ويكون رضى الله عنده هو كلّ شيء، فإنّه إذا أخذ برضى الله، فلا يهمّه سخط الناس، لأنه لا قيمة لأيّ مخلوق أمام الخالق، وهذا ما عبّر عنه النبيّ(ص)، فعندما اندفع الناس من أهل الطّائف يرمونه بالحجارة ويسبّونه ويشتمونه ليخرجوه من بلدهم، خوفاً على شبابهم من أن يتأثّروا به، كانت بعض كلماته في مناجاته لربه: "إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي". وقد عبّر أحد الشّعراء عن هذه الروحية بقوله:

فليتك تحلو والحياة مريرة        وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر        وبيني وبين العالمين خراب

ويكمل الإمام الهادي(ع) كلمته: "ومن أسخط الخالق، فليوقن أن يحلّ به سخط المخلوقين". بعض الناس قد يرتكب محرَّماً أو ينحرف عن إيمانه، حتى يأمن ممن له مكانة اجتماعية أو سياسية أو رسمية، أو عنده حالة شهوانيّة معه، فإذا أسخط ربّه، فإن الناس يحتقرونه، لأنهم يعرفون أنّه باعهم دينه.

الفرق بين الدّنيا والآخرة

 ثم يبيّن الإمام الهادي(ع) الفرق بين قيمة الدنيا وقيمة الآخرة، فيقول(ع): "الناس في الدّنيا بالأموال - من يملك المال، فإن الناس تعظّمه - وفي الآخرة بالأعمال". وفي موعظة له(ع): "اذكر مصرعك بين يدي أهلك، ولا طبيب يمنعك، ولا حبيب ينفعك". أهلك والأطباء لن يمنعوا عنك الموت، فاذكر كيف ترتب حساباتك بين يدي الله قبل أن تقدم عليه. وكل واحد سوف يصل إلى هذه اللحظة، فمن منا يفكّر في تلك اللّحظة، وكيف يستعد لها، وما هو العمل الذي يقدّمه بين يدي الله؟

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}. ويقول عليّ(ع): "أفبمثل هذه الأعمال تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه - تكذب وتزني وتغتاب وتأكل أموال الناس بالباطل، وتفتن بين الناس وتترك الصّلاة والصّوم - هيهات! لا يُخدع الله عن جنّته".

فنسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصّالحين على أنفسهم، إنه أرحم الراحمين. 

خطبة الجمعة في 6 رجب 1423 هـ/ الموافق:  13-9-2002م،
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية