محاضرات
25/03/2018

كظم الغيظ والغضب

كظم الغيظ والغضب

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

في هذه الآيات، دعوة من الله سبحانه وتعالى لكلِّ عباده إلى أن يسارعوا قبل فوات الأوان للحصول على مغفرةٍ من ربهم، وعلى الجنَّة الَّتي تتَّسع حتى يكون عرضها كعرض السّماوات والأرض. والمسارعة تتحقَّق بالسَّير على خطِّ التَّقوى، الَّذي يجعل الإنسان يراقب الله في كلِّ أموره، فلا يغفل عن الله في أيَّة لحظة، فيتذكَّر الله عندما يفكِّر ليكون تفكيره خيراً، ويراقب الله ويتَّقيه عندما يتكلَّم حتَّى لا ينطق بالكلام الَّذي يضرّ البلاد والعباد.. وإذا أراد أن يفعل، فلا بدَّ من أن يراقب الله ويتَّقيه حتى لا يكون عمله إلّا خيراً.. فالله أعدَّ الجنَّة للمتَّقين في تمثّلهم التَّقوى من الأفق الواسع الَّذي يشمل كلَّ فكر الإنسان وعمله.

ويؤكِّد الله مسألة العفو عن النَّاس؛ أن تعفو عمَّن أساء إليك في مواقع العلاقات الخاصَّة أو في مواقع العلاقات العامَّة، إذا كان في ذلك مصلحة، ثمَّ يقول الله إنَّ من كظم غيظه وعفا عن النَّاس، كان محسناً، والله يحبّ المحسنين.

إنَّ الله يريد من الإنسان دائماً أن لا يتحرَّك بذهنيَّة شفاء الغيظ، وأن يكون كلّ همّه شفاء الغيظ، حتى لو أثار ذلك له وللنَّاس أكثر من مشكلة، والّذي يفكِّر بهذه الذِّهنيَّة، هو الّذي قد يقضي على نفسه وعلى غيره.. إنَّها عقليَّة الإنسان الَّذي لا يفكِّر بطريقةٍ هادئةٍ معقولة، والإنسان في الحياة ليس مجرَّد غرائز تثور وشهوات تتركَّز.

أنت لست مجرَّد أعصابٍ تتحرَّك، بل المسألة لها علاقة بعقلك، فليس من حقّك إذا أثيرت أعصابك أن تتصرَّف كما تشاء، بل عليك أن تعطي أعصابك جرعةً من عقلك.. فأنت جزء من المجتمع، ولهذا، كلّ تصرّفاتك سوف تنعكس على المجتمع، وليس من حقِّك أن تجعل المشكلة تعيش في النَّاس من حولك، بل لا بدَّ من أن يكون عقلك هو الَّذي يحرِّك أعصابك وشهواتك وكلّ تصرّفاتك في الحياة.

وفي بعض الأحاديث: "من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة"، وأية جائزة أعظم من هذه الجائزة؟!

بعض النَّاس يفكّرون في أنَّ شفاء الغيظ مصدر قوَّة، وأنَّ الذي لا يفعل ذلك هو إنسان جبان وضعيف.. ولكنَّ المسألة أنّ ذلك يمثِّل صرع حلمه بغضبه، لأنَّ من لم يملك غضبه لم يملك عقله.

ونريد من خلال ذلك لكلِّ حياتنا، سواء حياتنا الفرديّة أو الاجتماعيّة، أن تكون مبنيّةً على أساس أن تكون الإنسان العاقل الهادئ المتَّزن الّذي لا يتحرَّك إلّا بحساب، ولا يسكن إلّا بحساب.

إنَّ مشكلة أن لا تفكِّر أو تتصرَّف بوحي الغضب والانفعال، تتجاوز الدّنيا إلى الآخرة، ففي الدّنيا حساب من خلال المشاكل السّلبيَّة في حياتك وحياة النّاس، وفي الآخرة حساب فيما يدخلك ذلك في معصية الله. لهذا، لا بدَّ من أن نتعوَّد أن يكون لنا العقل البارد والطّبع البارد، وليس العقل الّذي لا ينفعل في الأحداث الكبيرة، إنما أقصد بالعقل البارد، الَّذي يفكِّر من دون انفعال، حتى إذا أراد أن يدفعك إلى ثورة، فإنَّه يدفعك إلى ثورة محسوبة.

إنَّ الغضب قسمان؛ فهناك غضبٌ لا يعرف طريقه، وهناك غضبٌ لله وغضبٌ للحقّ وغضبٌ للمصير. ولذلك، حرِّك غضبك بتركيز، وأعطه طاقةً يعيش الحقّ في داخلها.. وإنّ خطورة الغضب وعقليَّة شفاء الغيظ، تكمن في أنها تمنع الإنسان من أن يكون حياديّاً، فأنت عندما تغضب ويكون هواك في جانب، فإنَّ غضبك يجعلك تفكّر بانفعاليَّة وتكون انفعاليّاً، فلا تقف وقفةً تميّز فيها بين الحقّ والباطل.

وهذا ما نلاحظه في كلِّ المجالات العمليَّة في حياة رسول الله(ص)، فقد كان النّاس يقولون عنه إنّه مجنون، كما يقول الكثير من النّاس عن العلماء والمصلحين بذلك، ولكنَّ القرآن علَّمه أن لا يردّ عليهم الكلمة بكلمةٍ مثلها: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، فعندما تنفصلون عن الجوِّ المحموم، سوف تعرفون أنَّ رسول الله(ص) ليس بمجنون". 

خطبة الجمعة في 13 جمادى الثَّانية 1409هـ/ الموافق 20/1/1989م

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

في هذه الآيات، دعوة من الله سبحانه وتعالى لكلِّ عباده إلى أن يسارعوا قبل فوات الأوان للحصول على مغفرةٍ من ربهم، وعلى الجنَّة الَّتي تتَّسع حتى يكون عرضها كعرض السّماوات والأرض. والمسارعة تتحقَّق بالسَّير على خطِّ التَّقوى، الَّذي يجعل الإنسان يراقب الله في كلِّ أموره، فلا يغفل عن الله في أيَّة لحظة، فيتذكَّر الله عندما يفكِّر ليكون تفكيره خيراً، ويراقب الله ويتَّقيه عندما يتكلَّم حتَّى لا ينطق بالكلام الَّذي يضرّ البلاد والعباد.. وإذا أراد أن يفعل، فلا بدَّ من أن يراقب الله ويتَّقيه حتى لا يكون عمله إلّا خيراً.. فالله أعدَّ الجنَّة للمتَّقين في تمثّلهم التَّقوى من الأفق الواسع الَّذي يشمل كلَّ فكر الإنسان وعمله.

ويؤكِّد الله مسألة العفو عن النَّاس؛ أن تعفو عمَّن أساء إليك في مواقع العلاقات الخاصَّة أو في مواقع العلاقات العامَّة، إذا كان في ذلك مصلحة، ثمَّ يقول الله إنَّ من كظم غيظه وعفا عن النَّاس، كان محسناً، والله يحبّ المحسنين.

إنَّ الله يريد من الإنسان دائماً أن لا يتحرَّك بذهنيَّة شفاء الغيظ، وأن يكون كلّ همّه شفاء الغيظ، حتى لو أثار ذلك له وللنَّاس أكثر من مشكلة، والّذي يفكِّر بهذه الذِّهنيَّة، هو الّذي قد يقضي على نفسه وعلى غيره.. إنَّها عقليَّة الإنسان الَّذي لا يفكِّر بطريقةٍ هادئةٍ معقولة، والإنسان في الحياة ليس مجرَّد غرائز تثور وشهوات تتركَّز.

أنت لست مجرَّد أعصابٍ تتحرَّك، بل المسألة لها علاقة بعقلك، فليس من حقّك إذا أثيرت أعصابك أن تتصرَّف كما تشاء، بل عليك أن تعطي أعصابك جرعةً من عقلك.. فأنت جزء من المجتمع، ولهذا، كلّ تصرّفاتك سوف تنعكس على المجتمع، وليس من حقِّك أن تجعل المشكلة تعيش في النَّاس من حولك، بل لا بدَّ من أن يكون عقلك هو الَّذي يحرِّك أعصابك وشهواتك وكلّ تصرّفاتك في الحياة.

وفي بعض الأحاديث: "من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة"، وأية جائزة أعظم من هذه الجائزة؟!

بعض النَّاس يفكّرون في أنَّ شفاء الغيظ مصدر قوَّة، وأنَّ الذي لا يفعل ذلك هو إنسان جبان وضعيف.. ولكنَّ المسألة أنّ ذلك يمثِّل صرع حلمه بغضبه، لأنَّ من لم يملك غضبه لم يملك عقله.

ونريد من خلال ذلك لكلِّ حياتنا، سواء حياتنا الفرديّة أو الاجتماعيّة، أن تكون مبنيّةً على أساس أن تكون الإنسان العاقل الهادئ المتَّزن الّذي لا يتحرَّك إلّا بحساب، ولا يسكن إلّا بحساب.

إنَّ مشكلة أن لا تفكِّر أو تتصرَّف بوحي الغضب والانفعال، تتجاوز الدّنيا إلى الآخرة، ففي الدّنيا حساب من خلال المشاكل السّلبيَّة في حياتك وحياة النّاس، وفي الآخرة حساب فيما يدخلك ذلك في معصية الله. لهذا، لا بدَّ من أن نتعوَّد أن يكون لنا العقل البارد والطّبع البارد، وليس العقل الّذي لا ينفعل في الأحداث الكبيرة، إنما أقصد بالعقل البارد، الَّذي يفكِّر من دون انفعال، حتى إذا أراد أن يدفعك إلى ثورة، فإنَّه يدفعك إلى ثورة محسوبة.

إنَّ الغضب قسمان؛ فهناك غضبٌ لا يعرف طريقه، وهناك غضبٌ لله وغضبٌ للحقّ وغضبٌ للمصير. ولذلك، حرِّك غضبك بتركيز، وأعطه طاقةً يعيش الحقّ في داخلها.. وإنّ خطورة الغضب وعقليَّة شفاء الغيظ، تكمن في أنها تمنع الإنسان من أن يكون حياديّاً، فأنت عندما تغضب ويكون هواك في جانب، فإنَّ غضبك يجعلك تفكّر بانفعاليَّة وتكون انفعاليّاً، فلا تقف وقفةً تميّز فيها بين الحقّ والباطل.

وهذا ما نلاحظه في كلِّ المجالات العمليَّة في حياة رسول الله(ص)، فقد كان النّاس يقولون عنه إنّه مجنون، كما يقول الكثير من النّاس عن العلماء والمصلحين بذلك، ولكنَّ القرآن علَّمه أن لا يردّ عليهم الكلمة بكلمةٍ مثلها: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، فعندما تنفصلون عن الجوِّ المحموم، سوف تعرفون أنَّ رسول الله(ص) ليس بمجنون". 

خطبة الجمعة في 13 جمادى الثَّانية 1409هـ/ الموافق 20/1/1989م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية