محاضرات
18/03/2018

الإمام الباقر(ع) إمام العلم والحوار

3 رجب العام 1430هـ
الإمام الباقر(ع) إمام العلم والحوار

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنَّما يُرِيدُ اللهُ ليُذْهِبَ عنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تطهيراً}[الأحزاب: 33].

من أئمّة أهل هذا البيت(ع)، الإمام محمد بن عليّ الباقر(ع)، هذا الإمام الذي كانت مدرسته العلمية الثقافية تشمل كلّ قضايا الإسلام العقيدية والشرعية والحركية والحياتية؛ فاستطاع أن يصنع للأمّة جيلاً من القيادات العلمية والفكرية.

إمام الحوار

وكانت مدرسته العلميَّة سبباً في ظهور مدرسة ولده الإمام جعفر الصَّادق(ع)، الذي ملأ العالم الإسلامي في تلك المرحلة علماً وحكمةً وفلسفةً، فكان إمام الحوار الّذي لا يضيق بحوار أيّ شخص، مهما كانت انحرافاته العقيديّة؛ لأنّ خطّ أهل البيت(ع) هو خطّ الإسلام الذي جاء به رسول الله(ص) من أجل أن يُخرج الناس من الظّلمات إلى النّور، من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمة الشرّ إلى نور الخير.

وكان الإمام الباقر(ع) يعلّم أصحابه أن يسألوه، فإذا أعطاهم فكرةً إسلاميةً في أيّ جانب من جوانب الإسلام، فإنّه يطلب منهم أن يسألوه عن أساس هذه الفكرة من القرآن؛ من أين استفادها، وكيف عبّر القرآن عنها، لأنه كان يهدف إلى مسألتين:

الأولى: أن يعلّم أصحابه أن يسألوا عن كلِّ ما يجهلونه، وعلى العلماء الّذين يسألهم النّاس عن أسس الإسلام، وعن الشّريعة، وعن كلّ قضايا الحياة التي وجّه الله تعالى الناس إليها، أن لا يضيقوا ذرعاً بأيِّ مسألة، فواجبهم الإجابة عن كلّ شيء.

الثانية: أنه أراد لأصحابه وللنّاس كافةً أن يقرأوا القرآن بتدبّر، وأن يتفهّموه ليأخذوا برنامج حياتهم من آياته، وأراد للناس أن يستوعبوها، حتى يبقى القرآن على مدى الزمن هو القاعدة الثقافية التي ينبغي للنّاس أن يأخذوا بها.

وعندما ندرس كلمات العلماء الّذين كانوا في زمان الإمام الباقر(ع)، نجد أنهم كانوا يعظّمونه أعظم درجة، فنقرأ عن "ابن سعد" في طبقاته قوله: "إنّه كان عالماً عابداً ثقةً عند جميع المسلمين". فالمسلمون بكافة انتماءاتهم وعقائدهم كانوا يثقون به، على الرّغم من أن البعض كان لا يعتقد بإمامته.

وروى عنه أبو حنيفة وغيره من أئمّة العلم والمذاهب. وجاء عن "عطاء"، وهو أحد أعلام التابعين، أنّه قال: "ما رأيت العلماء عند أحدٍ أصغر علماً منهم في مجلس أبي جعفر الباقر(ع)، لقد رأيت الحكم بن عيينة ـ وهو من العلماء المعروفين في تلك المرحلة ـ عنده كأنّه عصفورٌ مغلوبٌ لا يملك من أمره شيئاً". وعن "محيي الدّين النووي" أنه قال: "محمد بن علي بن الحسين القرشي الهاشمي المعروف بالباقر؛ سمّي بذلك لأنّه بقر العلم، أي شقّه، فعرف أصله وخفاياه، وهو تابعي جليل، وإمام بارع، مجمَع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمّتهم".

مقصد النّاس

وهكذا نرى أنّ أئمّة أهل البيت(ع) كانوا موقع تقدير عند كلّ المسلمين، لأنهم كانوا يرونهم في الدّرجة العليا من العلم، وكانوا يرجعون إليهم ويستفيدون منهم. وعندما ندرس تراث الإمام الباقر(ع)، نجد أنَّه ما من مسألة من المسائل الإسلاميَّة، في العقيدة والشّريعة أو أيّ جانب من الجوانب، إلّا ورأينا الإمام(ع) يتحدّث عنها بكلِّ سعة علمه. وكان الإمام(ع) عندما يجلس مع الناس في ديوانه، لا يترك أحداً يأتيه إلَّا ويعظه ويرشده، لأنه كان يشعر بأنَّ العلم الذي يملكه هو أمانة الله عنده.

ولذلك، كان الناس عندما يقصدونه في أيِّ مكان يحلّ فيه، يسألونه ويجيبهم، وكان يبتدئهم بالكلام إذا لم يسألوه. وهذه هي المسؤوليّة التي حمّلها الله تعالى للعلماء في أن يثقّفوا الناس؛ فعندما يأتي الناس إليهم، عليهم أن يشغلوهم بالثّقافة التي ترفع مستواهم العلميّ الذي يقرّبهم إلى الله تعالى. وقد ورد: "ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلّموا، إلّا بعد أن أخذ على العلماء أن يعلّموا"، ولا سيّما عندما تنتشر البدع بين النّاس. لذلك، لا بدّ للعلماء من أن ينطلقوا من أجل رفع مستوى النّاس وتثقيفهم، ليكون المسلمون في الدّرجة العليا في الثّقافة الإسلامية، وهذا ما أراده الله للناس، أن يعيشوا القيمة العلميّة: {قُلْ هلْ يستوي الَّذينَ يَعْلَمونَ والَّذينَ لا يَعْلَمون}[الزّمر: 9].

من أحاديثه

وفي حديثٍ للإمام الباقر(ع)، اعتبر أنَّ الجانب الأخلاقي يلتقي بالعبادة. يقول(ع): "ما من عبادة أفضل من عفّة بطنٍ أو فرج ـ إن الإنسان الذي يعفّ بطنه عن الحرام، فلا يأكل أو يشرب حراماً، والذي يعفّ فرجه عن الحرام، فلا يزني ولا يلوط ولا يقوم بالعلاقات الجنسيّة المحرّمة، فإن ذلك من أفضل العبادات ـ وما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من أن يُسأل ـ فالله تعالى يحبّ للعباد إذا نزلت بهم مصيبة أو كانت لهم حاجة، أن يسألوه، والله يحبّ الإنسان الذي يدعوه، وقد طلب سبحانه من عباده أن يدعوه: {وَقَالَ رَبُّكٌمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} ـ وما يدفع القضاء إلا الدّعاء ـ فإن الله تعالى إذا عرف أن عبده سوف يدعوه بما أهمّه، وكان القضاء موجّهاً إليه بحسب الأسباب الطبيعيّة، رفع ذلك عنه ـ وإنّ أسرع الخير ثواباً البرّ ـ فالخير الّذي يحصل الإنسان على ثوابه بشكلٍ سريع، هو العطاء وقضاء حوائج الناس ـ وأسرع الشرّ عقوبة البغي ـ وهو العدوان على الناس ـ وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحوّل عنه ـ فمن أكبر العيوب، أن يحدِّق الإنسان بعيوب الناس من حوله، ولا يلتفت إلى عيوبه في أخلاقه وسلوكه وكلّ أوضاعه، أو أن يطلب من الناس التقوى والصدق والأمانة، وهو ليس بتقي وليس صادقاً ولا أميناً ـ وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه".

وروى الأصمعي عن أبي جعفر قال: سمعته يقول لابنه: "يا بنيّ، إيّاك والكسل ـ لا تكسل عن عمل الخير وعن رفع مستواك في الدّنيا والآخرة، بل كن متحركاً من أجل الوصول إلى الأهداف الكبرى التي تلتزم بها ـ والضّجر ـ لا تضجر من القراءة والتعلّم والعمل ـ فإنهما مفتاح كلّ شرّ. إنك إن كسلت لم تؤدِّ حقّاً ـ لأنّ الكسل يدعوك إلى الاسترخاء ـ وإن ضجرت لم تصبر على حقّ"، لأنَّ الإنسان عندما يضجر، فإنَّ ذلك يمنعه من الانفتاح على الحقّ.

خطب الجمعة في 3 رجب العام 1430هـ/ الموافق 26/6/2009م

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنَّما يُرِيدُ اللهُ ليُذْهِبَ عنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تطهيراً}[الأحزاب: 33].

من أئمّة أهل هذا البيت(ع)، الإمام محمد بن عليّ الباقر(ع)، هذا الإمام الذي كانت مدرسته العلمية الثقافية تشمل كلّ قضايا الإسلام العقيدية والشرعية والحركية والحياتية؛ فاستطاع أن يصنع للأمّة جيلاً من القيادات العلمية والفكرية.

إمام الحوار

وكانت مدرسته العلميَّة سبباً في ظهور مدرسة ولده الإمام جعفر الصَّادق(ع)، الذي ملأ العالم الإسلامي في تلك المرحلة علماً وحكمةً وفلسفةً، فكان إمام الحوار الّذي لا يضيق بحوار أيّ شخص، مهما كانت انحرافاته العقيديّة؛ لأنّ خطّ أهل البيت(ع) هو خطّ الإسلام الذي جاء به رسول الله(ص) من أجل أن يُخرج الناس من الظّلمات إلى النّور، من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمة الشرّ إلى نور الخير.

وكان الإمام الباقر(ع) يعلّم أصحابه أن يسألوه، فإذا أعطاهم فكرةً إسلاميةً في أيّ جانب من جوانب الإسلام، فإنّه يطلب منهم أن يسألوه عن أساس هذه الفكرة من القرآن؛ من أين استفادها، وكيف عبّر القرآن عنها، لأنه كان يهدف إلى مسألتين:

الأولى: أن يعلّم أصحابه أن يسألوا عن كلِّ ما يجهلونه، وعلى العلماء الّذين يسألهم النّاس عن أسس الإسلام، وعن الشّريعة، وعن كلّ قضايا الحياة التي وجّه الله تعالى الناس إليها، أن لا يضيقوا ذرعاً بأيِّ مسألة، فواجبهم الإجابة عن كلّ شيء.

الثانية: أنه أراد لأصحابه وللنّاس كافةً أن يقرأوا القرآن بتدبّر، وأن يتفهّموه ليأخذوا برنامج حياتهم من آياته، وأراد للناس أن يستوعبوها، حتى يبقى القرآن على مدى الزمن هو القاعدة الثقافية التي ينبغي للنّاس أن يأخذوا بها.

وعندما ندرس كلمات العلماء الّذين كانوا في زمان الإمام الباقر(ع)، نجد أنهم كانوا يعظّمونه أعظم درجة، فنقرأ عن "ابن سعد" في طبقاته قوله: "إنّه كان عالماً عابداً ثقةً عند جميع المسلمين". فالمسلمون بكافة انتماءاتهم وعقائدهم كانوا يثقون به، على الرّغم من أن البعض كان لا يعتقد بإمامته.

وروى عنه أبو حنيفة وغيره من أئمّة العلم والمذاهب. وجاء عن "عطاء"، وهو أحد أعلام التابعين، أنّه قال: "ما رأيت العلماء عند أحدٍ أصغر علماً منهم في مجلس أبي جعفر الباقر(ع)، لقد رأيت الحكم بن عيينة ـ وهو من العلماء المعروفين في تلك المرحلة ـ عنده كأنّه عصفورٌ مغلوبٌ لا يملك من أمره شيئاً". وعن "محيي الدّين النووي" أنه قال: "محمد بن علي بن الحسين القرشي الهاشمي المعروف بالباقر؛ سمّي بذلك لأنّه بقر العلم، أي شقّه، فعرف أصله وخفاياه، وهو تابعي جليل، وإمام بارع، مجمَع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمّتهم".

مقصد النّاس

وهكذا نرى أنّ أئمّة أهل البيت(ع) كانوا موقع تقدير عند كلّ المسلمين، لأنهم كانوا يرونهم في الدّرجة العليا من العلم، وكانوا يرجعون إليهم ويستفيدون منهم. وعندما ندرس تراث الإمام الباقر(ع)، نجد أنَّه ما من مسألة من المسائل الإسلاميَّة، في العقيدة والشّريعة أو أيّ جانب من الجوانب، إلّا ورأينا الإمام(ع) يتحدّث عنها بكلِّ سعة علمه. وكان الإمام(ع) عندما يجلس مع الناس في ديوانه، لا يترك أحداً يأتيه إلَّا ويعظه ويرشده، لأنه كان يشعر بأنَّ العلم الذي يملكه هو أمانة الله عنده.

ولذلك، كان الناس عندما يقصدونه في أيِّ مكان يحلّ فيه، يسألونه ويجيبهم، وكان يبتدئهم بالكلام إذا لم يسألوه. وهذه هي المسؤوليّة التي حمّلها الله تعالى للعلماء في أن يثقّفوا الناس؛ فعندما يأتي الناس إليهم، عليهم أن يشغلوهم بالثّقافة التي ترفع مستواهم العلميّ الذي يقرّبهم إلى الله تعالى. وقد ورد: "ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلّموا، إلّا بعد أن أخذ على العلماء أن يعلّموا"، ولا سيّما عندما تنتشر البدع بين النّاس. لذلك، لا بدّ للعلماء من أن ينطلقوا من أجل رفع مستوى النّاس وتثقيفهم، ليكون المسلمون في الدّرجة العليا في الثّقافة الإسلامية، وهذا ما أراده الله للناس، أن يعيشوا القيمة العلميّة: {قُلْ هلْ يستوي الَّذينَ يَعْلَمونَ والَّذينَ لا يَعْلَمون}[الزّمر: 9].

من أحاديثه

وفي حديثٍ للإمام الباقر(ع)، اعتبر أنَّ الجانب الأخلاقي يلتقي بالعبادة. يقول(ع): "ما من عبادة أفضل من عفّة بطنٍ أو فرج ـ إن الإنسان الذي يعفّ بطنه عن الحرام، فلا يأكل أو يشرب حراماً، والذي يعفّ فرجه عن الحرام، فلا يزني ولا يلوط ولا يقوم بالعلاقات الجنسيّة المحرّمة، فإن ذلك من أفضل العبادات ـ وما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من أن يُسأل ـ فالله تعالى يحبّ للعباد إذا نزلت بهم مصيبة أو كانت لهم حاجة، أن يسألوه، والله يحبّ الإنسان الذي يدعوه، وقد طلب سبحانه من عباده أن يدعوه: {وَقَالَ رَبُّكٌمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} ـ وما يدفع القضاء إلا الدّعاء ـ فإن الله تعالى إذا عرف أن عبده سوف يدعوه بما أهمّه، وكان القضاء موجّهاً إليه بحسب الأسباب الطبيعيّة، رفع ذلك عنه ـ وإنّ أسرع الخير ثواباً البرّ ـ فالخير الّذي يحصل الإنسان على ثوابه بشكلٍ سريع، هو العطاء وقضاء حوائج الناس ـ وأسرع الشرّ عقوبة البغي ـ وهو العدوان على الناس ـ وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحوّل عنه ـ فمن أكبر العيوب، أن يحدِّق الإنسان بعيوب الناس من حوله، ولا يلتفت إلى عيوبه في أخلاقه وسلوكه وكلّ أوضاعه، أو أن يطلب من الناس التقوى والصدق والأمانة، وهو ليس بتقي وليس صادقاً ولا أميناً ـ وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه".

وروى الأصمعي عن أبي جعفر قال: سمعته يقول لابنه: "يا بنيّ، إيّاك والكسل ـ لا تكسل عن عمل الخير وعن رفع مستواك في الدّنيا والآخرة، بل كن متحركاً من أجل الوصول إلى الأهداف الكبرى التي تلتزم بها ـ والضّجر ـ لا تضجر من القراءة والتعلّم والعمل ـ فإنهما مفتاح كلّ شرّ. إنك إن كسلت لم تؤدِّ حقّاً ـ لأنّ الكسل يدعوك إلى الاسترخاء ـ وإن ضجرت لم تصبر على حقّ"، لأنَّ الإنسان عندما يضجر، فإنَّ ذلك يمنعه من الانفتاح على الحقّ.

خطب الجمعة في 3 رجب العام 1430هـ/ الموافق 26/6/2009م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية