يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا
بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ
سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}[الرّعد: 11].
ويقول الله سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى، متناولاً آل فرعون والّذين من قبلهم {كَفَرُواْ
بِآيَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ
الْعِقَابِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا
عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ}[الأنفال: 52 ـــ 53].
في هذه الآيات، حديث عن قاعدة إيمانيّة، وهي أنَّ الله عندما خلق كلّ شيء في هذا
الكون، فقد خلق معه القوانين التي تنظّم له حركته؛ فخلق السّماء، وجعل للسّماء في
كلّ كواكبها وفي كلّ دوائرها وأوضاعها، القوانين التي تنظّم لها كلّ دورتها وكلّ
أوضاعها، بحيث لا يختلّ من نظامها شيء. وخلق الأرض وما فيها من بحار وأنهار وينابيع
وأشجار وجبال وسهول وما إلى ذلك، وجعل لها قوانينها في طبيعة كلّ الأوضاع المحيطة
بها، بما يجعل الحياة فيها ممكنة وطبيعية. وهكذا نجد أنّ الله جعل لكلِّ كائنٍ
نظاماً لا يختاره بنفسه، ولكنّ الله يختاره له: أمّا الإنسان، فقد جعل الله نظامه
في خطّين: هناك خطّ لا يملك الإنسان الحريّة في تغييره، وهو طبيعة الأجهزة الموجودة
داخل جسمه، وطبيعة علاقة جسمه بالنظام الكوني من حوله، وطبيعة الموت والحياة؛ إنَّ
هذه أمور تتمّ بإرادة الله سبحانه وتعالى، من خلال علاقة الإنسان في وجوده كجسد
وككيان بالكون من حوله، فالجسم يتأثّر بالحرّ والبرد وباللّيل والنّهار، ويتأثّر
بكثير من الأوضاع التي قد يمرض منها إذا لم يكن هناك انسجام بينه وبينها.
أمّا عمل الإنسان وحركته في الحياة، ونظام وضعه وعلاقاته وأهدافه وحركته في الحياة،
فقد أراد الله أن يكرّم الإنسان، فيجعل أمره بيده، بحيث إِنَّ الله سبحانه وتعالى
قال للإنسان، لقد أعطيتك عقلاً تستطيع أن تميّز فيه ما يضرّك وما ينفعك، وأن تتعرّف
فيه ما يصلحك وما يفسدك، وأعطيتك جسداً يستطيع أن يتحرّك في كلّ موقع توجّهه فيه؛
أعطيتك العينين اللّتين تبصر بهما ما تحتاجه في كلّ مواقعك من الحياة من المرئيّات،
وأعطيتك الأذنين اللّتين تسمع بهما كلّ ما تريد أن تتعرَّف إليه ممّا يتّصل
بمسؤوليّتك في الحياة، في ما تسمعه من قصف الرعود، ومن حركة الرياح، ومن كلّ ما
يحيط بك من أصوات الحيوانات، وأصوات النّاس والكون من حولك، كأصوات الأمواج وغير
ذلك، أعطيتك ذلك كلّه، وأعطيتك اليدين اللّتين تستطيع أن تطلقهما، لتتحرّك في كلّ
ما يبني لك حياتك، وفي كلّ ما ينظّم لك وضعك، في ما تحتاجه من حركة اليدين من ذلك
كلّه، وأعطيتك رجلين لتسعى بهما إلى ما تريد أن تصل إليه، وأعطيتك اللّسان الذي
تستطيع من خلاله أن تنقل أفكارك إلى كلّ من حولك. هكذا زوّدتك بكلّ الأجهزة التي
تستطيع من خلالها أن تتحرّك إلى ما تريد كما تريد، وأعطيتك بعد ذلك الوحي الذي يعين
عقلك على تلمّس كلّ ما يريد أن يتعرّف إليه من حقائق الأشياء.
أيُّها الإنسان، لقد خلقتك خلقاً لم أخلق أحداً مثله، فأعطيتك كلّ شيء، وسخَّرت لكَ
الكون كلّه من أجل أن تشارك كلّ ظواهر الكون في تدبير الوضع الذي تستطيع أن تعيش
فيه في حياتك؛ سخّرت لكم السموات والأرض من خلال الظواهر الكونية في هذا النظام
التي تجعل من أرضكم أرضاً تستطيعون أن تعيشوا فيها. أيُّها الإنسان، لقد خلقتُ لكَ
ذلك، وقلت لكَ تحمّل مسؤوليّتك، لم تتحمّل السّماء مسؤوليّتها، بل قالت يا ربّ،
إنّي أعطي كلّ طاقاتي لتنظّمها أنت، لأنَّ الله قال لهما ـــ للسّماء والأرض ـــ {اِئْتِيَا
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصّلت : 11].
لكن أيُّها الإنسان، لقد جعلتُ أمرك بيدك، حمّلتك مسؤولية نفسك، أنتَ تستطيع أن
تحرّك نفسك كما تريد، بعقلك وإرادتك وبحركة الأجهزة المودَعة بجسمك، وبحركة الأشياء
التي هيّأتها لك، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الْإِنسَانُ...}...
قال يا ربّ، أنا للمسؤوليّة، سأتحمّل مسؤوليّة نفسي، وسأتحمّل مسؤوليّة الحياة من
حولي، سأنفّذ كلّ ما تريد، ماذا حدث؟ {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُول}[الأحزاب:
72] ظَلَمَ نفسه، وكان جاهلاً بحمل المسؤوليّة وخطورتها في ذلك كلّه.
إذاً نفهم من هذا الجوّ، أنّ الله سبحانه وتعالى حمَّل الإنسان مسؤوليّة صنع حياته
وصنع تاريخه، وقال له: إنَّ الظروف لن تضغط عليك، وإنْ شعرتَ بأنّها يمكن أن
تحتويك، ولكنّك تستطيع أنتَ أن تصنع الظروف، وتستطيع أن تصدم الظروف، وأن تتعامل مع
الظروف من حولك، لأنّك تملك العقل الذي إذا واجهه ظرف صعب، يفكِّر، فيختار موقفاً
يخفّف من صعوبة الظرف، ويؤدّي إلى نشوء ظرفٍ آخر يلغي ذلك الظرف كلّه. لستَ خاضعاً
للظروف بحيث تكون مشلولاً أمامها، أنتَ الفرد لو كنت تعيش في ظروف الكفر، فإنّك
تستطيع بإرادتك أن تكون المؤمن في مجتمع الكفر، ولو عشتَ في مجتمع الظّلم، تستطيع
أن تكون العادل في مجتمع الظّلم، لأنّك تملك الإرادة التي تقول لا وتقول نعم. قد
يضغط النّاس على جسمك فيمنعونك من الحركة، ولكن مَن يستطيع أن يضغط على فكرك، وفكرك
لا يملكه أحد إلّا الله؟! لأنَّ السياط مهما ضربت جسدك، لا تستطيع أن تضرب فكرك،
ولا تستطيع أن تغيِّر قناعاتك، لأنَّ قناعاتك صنع عقلك وصنع إرادتك. ولهذا، فإنَّ
الظروف مهما أطبقت عليك، فإنَّ عقلك يصرخ لا، وإنّ قلبك يصرخ لا، مهما عَلَت صرخات
جسدك، ومهما عَلَت صرخات الناس من حولك...
*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا
بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ
سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}[الرّعد: 11].
ويقول الله سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى، متناولاً آل فرعون والّذين من قبلهم {كَفَرُواْ
بِآيَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ
الْعِقَابِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا
عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ}[الأنفال: 52 ـــ 53].
في هذه الآيات، حديث عن قاعدة إيمانيّة، وهي أنَّ الله عندما خلق كلّ شيء في هذا
الكون، فقد خلق معه القوانين التي تنظّم له حركته؛ فخلق السّماء، وجعل للسّماء في
كلّ كواكبها وفي كلّ دوائرها وأوضاعها، القوانين التي تنظّم لها كلّ دورتها وكلّ
أوضاعها، بحيث لا يختلّ من نظامها شيء. وخلق الأرض وما فيها من بحار وأنهار وينابيع
وأشجار وجبال وسهول وما إلى ذلك، وجعل لها قوانينها في طبيعة كلّ الأوضاع المحيطة
بها، بما يجعل الحياة فيها ممكنة وطبيعية. وهكذا نجد أنّ الله جعل لكلِّ كائنٍ
نظاماً لا يختاره بنفسه، ولكنّ الله يختاره له: أمّا الإنسان، فقد جعل الله نظامه
في خطّين: هناك خطّ لا يملك الإنسان الحريّة في تغييره، وهو طبيعة الأجهزة الموجودة
داخل جسمه، وطبيعة علاقة جسمه بالنظام الكوني من حوله، وطبيعة الموت والحياة؛ إنَّ
هذه أمور تتمّ بإرادة الله سبحانه وتعالى، من خلال علاقة الإنسان في وجوده كجسد
وككيان بالكون من حوله، فالجسم يتأثّر بالحرّ والبرد وباللّيل والنّهار، ويتأثّر
بكثير من الأوضاع التي قد يمرض منها إذا لم يكن هناك انسجام بينه وبينها.
أمّا عمل الإنسان وحركته في الحياة، ونظام وضعه وعلاقاته وأهدافه وحركته في الحياة،
فقد أراد الله أن يكرّم الإنسان، فيجعل أمره بيده، بحيث إِنَّ الله سبحانه وتعالى
قال للإنسان، لقد أعطيتك عقلاً تستطيع أن تميّز فيه ما يضرّك وما ينفعك، وأن تتعرّف
فيه ما يصلحك وما يفسدك، وأعطيتك جسداً يستطيع أن يتحرّك في كلّ موقع توجّهه فيه؛
أعطيتك العينين اللّتين تبصر بهما ما تحتاجه في كلّ مواقعك من الحياة من المرئيّات،
وأعطيتك الأذنين اللّتين تسمع بهما كلّ ما تريد أن تتعرَّف إليه ممّا يتّصل
بمسؤوليّتك في الحياة، في ما تسمعه من قصف الرعود، ومن حركة الرياح، ومن كلّ ما
يحيط بك من أصوات الحيوانات، وأصوات النّاس والكون من حولك، كأصوات الأمواج وغير
ذلك، أعطيتك ذلك كلّه، وأعطيتك اليدين اللّتين تستطيع أن تطلقهما، لتتحرّك في كلّ
ما يبني لك حياتك، وفي كلّ ما ينظّم لك وضعك، في ما تحتاجه من حركة اليدين من ذلك
كلّه، وأعطيتك رجلين لتسعى بهما إلى ما تريد أن تصل إليه، وأعطيتك اللّسان الذي
تستطيع من خلاله أن تنقل أفكارك إلى كلّ من حولك. هكذا زوّدتك بكلّ الأجهزة التي
تستطيع من خلالها أن تتحرّك إلى ما تريد كما تريد، وأعطيتك بعد ذلك الوحي الذي يعين
عقلك على تلمّس كلّ ما يريد أن يتعرّف إليه من حقائق الأشياء.
أيُّها الإنسان، لقد خلقتك خلقاً لم أخلق أحداً مثله، فأعطيتك كلّ شيء، وسخَّرت لكَ
الكون كلّه من أجل أن تشارك كلّ ظواهر الكون في تدبير الوضع الذي تستطيع أن تعيش
فيه في حياتك؛ سخّرت لكم السموات والأرض من خلال الظواهر الكونية في هذا النظام
التي تجعل من أرضكم أرضاً تستطيعون أن تعيشوا فيها. أيُّها الإنسان، لقد خلقتُ لكَ
ذلك، وقلت لكَ تحمّل مسؤوليّتك، لم تتحمّل السّماء مسؤوليّتها، بل قالت يا ربّ،
إنّي أعطي كلّ طاقاتي لتنظّمها أنت، لأنَّ الله قال لهما ـــ للسّماء والأرض ـــ {اِئْتِيَا
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصّلت : 11].
لكن أيُّها الإنسان، لقد جعلتُ أمرك بيدك، حمّلتك مسؤولية نفسك، أنتَ تستطيع أن
تحرّك نفسك كما تريد، بعقلك وإرادتك وبحركة الأجهزة المودَعة بجسمك، وبحركة الأشياء
التي هيّأتها لك، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الْإِنسَانُ...}...
قال يا ربّ، أنا للمسؤوليّة، سأتحمّل مسؤوليّة نفسي، وسأتحمّل مسؤوليّة الحياة من
حولي، سأنفّذ كلّ ما تريد، ماذا حدث؟ {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُول}[الأحزاب:
72] ظَلَمَ نفسه، وكان جاهلاً بحمل المسؤوليّة وخطورتها في ذلك كلّه.
إذاً نفهم من هذا الجوّ، أنّ الله سبحانه وتعالى حمَّل الإنسان مسؤوليّة صنع حياته
وصنع تاريخه، وقال له: إنَّ الظروف لن تضغط عليك، وإنْ شعرتَ بأنّها يمكن أن
تحتويك، ولكنّك تستطيع أنتَ أن تصنع الظروف، وتستطيع أن تصدم الظروف، وأن تتعامل مع
الظروف من حولك، لأنّك تملك العقل الذي إذا واجهه ظرف صعب، يفكِّر، فيختار موقفاً
يخفّف من صعوبة الظرف، ويؤدّي إلى نشوء ظرفٍ آخر يلغي ذلك الظرف كلّه. لستَ خاضعاً
للظروف بحيث تكون مشلولاً أمامها، أنتَ الفرد لو كنت تعيش في ظروف الكفر، فإنّك
تستطيع بإرادتك أن تكون المؤمن في مجتمع الكفر، ولو عشتَ في مجتمع الظّلم، تستطيع
أن تكون العادل في مجتمع الظّلم، لأنّك تملك الإرادة التي تقول لا وتقول نعم. قد
يضغط النّاس على جسمك فيمنعونك من الحركة، ولكن مَن يستطيع أن يضغط على فكرك، وفكرك
لا يملكه أحد إلّا الله؟! لأنَّ السياط مهما ضربت جسدك، لا تستطيع أن تضرب فكرك،
ولا تستطيع أن تغيِّر قناعاتك، لأنَّ قناعاتك صنع عقلك وصنع إرادتك. ولهذا، فإنَّ
الظروف مهما أطبقت عليك، فإنَّ عقلك يصرخ لا، وإنّ قلبك يصرخ لا، مهما عَلَت صرخات
جسدك، ومهما عَلَت صرخات الناس من حولك...
*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".