كتابات
10/02/2021

ما الّذي يحكم حركة المرجعيّة على صعيد الواقع؟

ما الّذي يحكم حركة المرجعيّة على صعيد الواقع؟

عندما نريد دراسة حركة المرجعيّة في صعيد الواقع، سواء في المنطلق التاريخيّ أو في الواقع المعاصر، فإنَّ علينا أن نفهم طبيعتها وطبيعة المضمون الذي يحكمها من خلال النظرة الاجتهاديّة الإسلاميّة في خطِّ أهل البيت (ع)، باعتبار أنّها تمثّل مركز النيابة عن الإمام، لأنَّ السّاحة إذا فرغت من حضور الإمام في حركيّة إمامته، فالله لا يترك الأرض خاليةً من الحجّة، سواء كانت الحجّة حجّةً أوليّة فيما تعطيه النبوّة أو الإمامة من أصالتها، أو كانت حجّة ثانويّة فيما تتحرّك فيه الإمامة لتمنح للعلماء امتداداتها من خلال امتدادات كلّ المفاهيم التي تتحرّك في الحياة، سواء في المضمون الفكريّ الذي يغني الذّهن بالإسلام عقيدةً وفقهاً ومنهجاً وقاعدةً للحياة، أو في المضمون الحركيّ الذي يدفع بالإسلام إلى صعيد الواقع.

في هذا الإطار، المرجع أو العالـم في دوره الحركيّ، سواء كانت الحركة حركة الفكر أو حركة الواقع، ينطلق من المضمون الإسلاميّ. والمضمون الإسلاميّ بحسب الخطوط العامّة والتفصيليّة في المسألة الواقعيّة، ليس شيئاً جامداً يجعل الإنسان يواجه الموقف مواجهة لا يملك معها حريّة الحركة. هناك قاعدة عامّة في الفقه الإسلاميّ، وهي أنَّ للحكم قاعدة للشّرعيّة، إنَّ شرعيّة الحكم تخضع لمواصفات معيّنة، ويختلف المسلمون في طبيعة مواصفاتها بين الشّورى وبين النّصّ، وبين خطوط الشّورى فيما تتحرّك فيه الأفكار، ومسألة النصّ فيما تنطلق فيه الاجتهادات أو الآراء والأفكار.

وفي هذا الجوّ، يرى الشيعة الإمامية أنَّ مسألة الشرعيّة في الحكم تتمحور وتتركّز في قاعدة الإمامة، فالأئمة الاثني عشر من أهل البيت (ع) هم الشرعيّة، وهم أوصياء النبيّ محمَّد (ص). وعلى هذا الأساس، فإنَّ أيّ حكم يبتعد عن خطّ الإمامة لا يُعتبر حكماً شرعيّاً، ولكن هل يكون الموقف موقفاً سلبيّاً بالمطلق، لينعزل المسلمون الذين لا يرون شرعيّة هذا الحكم عن كلّ واقع الحكم، وعن كلّ حركة الحياة في خطوطه العامّة والتفصيليّة، أو أنَّ هناك حلّاً آخر؟

إنَّ هناك في الفقه الإسلاميّ بعض المفردات التي يمكن أن تمنح الفقيه حركيّة الواقع، بحيث يستطيع أن يوجّه النّاس إلى أن يدخلوا في صميم الواقع، حتى لو كان العنوان الكبير للواقع عنواناً لا يملك الشرعيّة. هناك عنوان حفظ النّظام، مسألة حفظ النّظام العامّ الّذي تُحفَظ به أموال النّاس ودماؤهم وأعراضهم وكلّ خطّ السّير في حياتهم، هذا من الواجبات الكفائيّة على النّاس جميعاً، لا يجوز لأيّ إنسان، سواء كان الحكم شرعيّاً أو كان الحكم غير شرعيّ، أن يسيء إلى نظام النّاس، باعتبار أنَّ ذلك لا ينسجم مع الخطّ الشّرعيّ في أنَّ الله لا يريد الفوضى من أيّ إنسان في الوضع الاجتماعيّ.

ومن هنا، فإنَّ هناك نقطة يجب أن نفهمها... وهي أنَّ الفقهاء عندما يختلفون بين مَن يرى الولاية العامّة وبين مَن لا يرى الولاية العامّة، يتّفقون على أنَّه إذا توقّف حفظ النّظام على إدارة الواقع من قِبَل حاكم أو سلطة، ودار الأمر بين الفقيه وبين غير الفقيه، فإنَّ الفقيه يكون هو المتعيّن، فيكون وليّاً، لا من خلال أنَّ موقع الفقاهة يفرض ولايته، ولكنَّه يكون وليّاً باعتبار توقّف حفظ النظام على أن يكون هناك قائد، وعندما يدور الأمر بين الفقيه وغيره، فإنَّ قيادة الفقيه هي التي تفرض نفسها على هذا الأساس.

هذه مفردة، وهناك مفردة أخرى، وهي العناوين الثانويّة، ففي الأحكام الشرعيّة، هناك أحكام أوليّة وأحكام ثانويّة؛ الأحكام الأوليّة هي الأحكام التي تتعلّق بالواقع على أساس ما ورد على الواقع في ذاته: "يحرم الخمر" هذا حكم أوليّ، "تجب الصّلاة" هذا حكم أوليّ، "يُستحب غسل الجمعة" هذا حكم أوليّ، "يُكره الوجود في مواضع التّهمة" هذا حكم أوليّ، "يُباح شرب الماء" هذا حكم أوليّ... ولكن {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} هذه تُعدُّ قاعدةً للحكم الثانويّ، تحكم التكاليف الإلزاميّة عندما تتعَنْوَن بالحرج.. "لا ضرر ولا ضِرار" هذا حكم ثانويّ يحكم على التّكاليف الإلزاميّة عندما تتعَنْوَن بعنوان الضّرر.

وهكذا نجد أنَّ هناك عنوان الاضطرار وعنوان الإكراه، وما إلى ذلك من العناوين التي قد تكون عامّة بلحاظ مساحة تأثيرها، أو خاصّة بمعنى حاكميّتها على بعض الأحكام. فقد تكون المسألة أنَّ مصلحة المسلمين تفرض في بعض الحالات أن تسكت عن الحاكم الجائر، عندما تكون القضيّة قضيّة حكم كافر يريد أن يطبق على المسلمين الّذين يتحرّكون في خطّ الحكم الجائر أو في خطِّ الحكم العادل، أو عندما تكون هناك قضايا أساسيّة تفرض على المسلمين الملتزمين أن يدخلوا في جسم الحكم الجائر من أجل أن يحفظوا القضايا الأساسيّة مما يمكن لهم أن ينفذوا فيه إلى الحكم لحفظ القضايا الأساسيّة، أو من جهة حفظ النّاس الذين لا يمكن حفظ قضاياهم إلّا بدخول هؤلاء الذين يلتزمون خطّاً شرعيّاً في جسم الدّولة باعتبار ما يترتّب على وجودهم من فوائد ومن مصالح وغير ذلك.

هناك أمامنا العناوين الأوليَّة في مسألة عنوان حفظ النّظام الّذي يبرِّر للنّاس أن يدخلوا في جسم الدَّولة إذا توقَّف حفظ النّظام العام على دخولهم، أو أن ينطلقوا من أجل حفظ المصالح الإسلاميّة على المستوى العام عندما تكون القضيّة قضيّة كفر وإسلام، أو قضيّة استكبار واستضعاف، أو عندما تكون القضيّة قضيّة حماية المستضعفين في داخل مواقع الحكم الجائر.

من خلال ذلك، نستطيع أن نعتبر أنَّ علماءنا وفقهاءنا ركّزوا هذه المفاهيم في فقههم، واعتبروها مفاهيم أساسيّة تمثّل حركيّة الفقه الإسلاميّ في الواقع...

*من كتيّب "المرجعيّة وحركة الواقع"، وهو عبارة عن ندوة لسماحته في مدرسة المصطفى (ص)، بتاريخ 17كانون الثاني، 1994.

عندما نريد دراسة حركة المرجعيّة في صعيد الواقع، سواء في المنطلق التاريخيّ أو في الواقع المعاصر، فإنَّ علينا أن نفهم طبيعتها وطبيعة المضمون الذي يحكمها من خلال النظرة الاجتهاديّة الإسلاميّة في خطِّ أهل البيت (ع)، باعتبار أنّها تمثّل مركز النيابة عن الإمام، لأنَّ السّاحة إذا فرغت من حضور الإمام في حركيّة إمامته، فالله لا يترك الأرض خاليةً من الحجّة، سواء كانت الحجّة حجّةً أوليّة فيما تعطيه النبوّة أو الإمامة من أصالتها، أو كانت حجّة ثانويّة فيما تتحرّك فيه الإمامة لتمنح للعلماء امتداداتها من خلال امتدادات كلّ المفاهيم التي تتحرّك في الحياة، سواء في المضمون الفكريّ الذي يغني الذّهن بالإسلام عقيدةً وفقهاً ومنهجاً وقاعدةً للحياة، أو في المضمون الحركيّ الذي يدفع بالإسلام إلى صعيد الواقع.

في هذا الإطار، المرجع أو العالـم في دوره الحركيّ، سواء كانت الحركة حركة الفكر أو حركة الواقع، ينطلق من المضمون الإسلاميّ. والمضمون الإسلاميّ بحسب الخطوط العامّة والتفصيليّة في المسألة الواقعيّة، ليس شيئاً جامداً يجعل الإنسان يواجه الموقف مواجهة لا يملك معها حريّة الحركة. هناك قاعدة عامّة في الفقه الإسلاميّ، وهي أنَّ للحكم قاعدة للشّرعيّة، إنَّ شرعيّة الحكم تخضع لمواصفات معيّنة، ويختلف المسلمون في طبيعة مواصفاتها بين الشّورى وبين النّصّ، وبين خطوط الشّورى فيما تتحرّك فيه الأفكار، ومسألة النصّ فيما تنطلق فيه الاجتهادات أو الآراء والأفكار.

وفي هذا الجوّ، يرى الشيعة الإمامية أنَّ مسألة الشرعيّة في الحكم تتمحور وتتركّز في قاعدة الإمامة، فالأئمة الاثني عشر من أهل البيت (ع) هم الشرعيّة، وهم أوصياء النبيّ محمَّد (ص). وعلى هذا الأساس، فإنَّ أيّ حكم يبتعد عن خطّ الإمامة لا يُعتبر حكماً شرعيّاً، ولكن هل يكون الموقف موقفاً سلبيّاً بالمطلق، لينعزل المسلمون الذين لا يرون شرعيّة هذا الحكم عن كلّ واقع الحكم، وعن كلّ حركة الحياة في خطوطه العامّة والتفصيليّة، أو أنَّ هناك حلّاً آخر؟

إنَّ هناك في الفقه الإسلاميّ بعض المفردات التي يمكن أن تمنح الفقيه حركيّة الواقع، بحيث يستطيع أن يوجّه النّاس إلى أن يدخلوا في صميم الواقع، حتى لو كان العنوان الكبير للواقع عنواناً لا يملك الشرعيّة. هناك عنوان حفظ النّظام، مسألة حفظ النّظام العامّ الّذي تُحفَظ به أموال النّاس ودماؤهم وأعراضهم وكلّ خطّ السّير في حياتهم، هذا من الواجبات الكفائيّة على النّاس جميعاً، لا يجوز لأيّ إنسان، سواء كان الحكم شرعيّاً أو كان الحكم غير شرعيّ، أن يسيء إلى نظام النّاس، باعتبار أنَّ ذلك لا ينسجم مع الخطّ الشّرعيّ في أنَّ الله لا يريد الفوضى من أيّ إنسان في الوضع الاجتماعيّ.

ومن هنا، فإنَّ هناك نقطة يجب أن نفهمها... وهي أنَّ الفقهاء عندما يختلفون بين مَن يرى الولاية العامّة وبين مَن لا يرى الولاية العامّة، يتّفقون على أنَّه إذا توقّف حفظ النّظام على إدارة الواقع من قِبَل حاكم أو سلطة، ودار الأمر بين الفقيه وبين غير الفقيه، فإنَّ الفقيه يكون هو المتعيّن، فيكون وليّاً، لا من خلال أنَّ موقع الفقاهة يفرض ولايته، ولكنَّه يكون وليّاً باعتبار توقّف حفظ النظام على أن يكون هناك قائد، وعندما يدور الأمر بين الفقيه وغيره، فإنَّ قيادة الفقيه هي التي تفرض نفسها على هذا الأساس.

هذه مفردة، وهناك مفردة أخرى، وهي العناوين الثانويّة، ففي الأحكام الشرعيّة، هناك أحكام أوليّة وأحكام ثانويّة؛ الأحكام الأوليّة هي الأحكام التي تتعلّق بالواقع على أساس ما ورد على الواقع في ذاته: "يحرم الخمر" هذا حكم أوليّ، "تجب الصّلاة" هذا حكم أوليّ، "يُستحب غسل الجمعة" هذا حكم أوليّ، "يُكره الوجود في مواضع التّهمة" هذا حكم أوليّ، "يُباح شرب الماء" هذا حكم أوليّ... ولكن {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} هذه تُعدُّ قاعدةً للحكم الثانويّ، تحكم التكاليف الإلزاميّة عندما تتعَنْوَن بالحرج.. "لا ضرر ولا ضِرار" هذا حكم ثانويّ يحكم على التّكاليف الإلزاميّة عندما تتعَنْوَن بعنوان الضّرر.

وهكذا نجد أنَّ هناك عنوان الاضطرار وعنوان الإكراه، وما إلى ذلك من العناوين التي قد تكون عامّة بلحاظ مساحة تأثيرها، أو خاصّة بمعنى حاكميّتها على بعض الأحكام. فقد تكون المسألة أنَّ مصلحة المسلمين تفرض في بعض الحالات أن تسكت عن الحاكم الجائر، عندما تكون القضيّة قضيّة حكم كافر يريد أن يطبق على المسلمين الّذين يتحرّكون في خطّ الحكم الجائر أو في خطِّ الحكم العادل، أو عندما تكون هناك قضايا أساسيّة تفرض على المسلمين الملتزمين أن يدخلوا في جسم الحكم الجائر من أجل أن يحفظوا القضايا الأساسيّة مما يمكن لهم أن ينفذوا فيه إلى الحكم لحفظ القضايا الأساسيّة، أو من جهة حفظ النّاس الذين لا يمكن حفظ قضاياهم إلّا بدخول هؤلاء الذين يلتزمون خطّاً شرعيّاً في جسم الدّولة باعتبار ما يترتّب على وجودهم من فوائد ومن مصالح وغير ذلك.

هناك أمامنا العناوين الأوليَّة في مسألة عنوان حفظ النّظام الّذي يبرِّر للنّاس أن يدخلوا في جسم الدَّولة إذا توقَّف حفظ النّظام العام على دخولهم، أو أن ينطلقوا من أجل حفظ المصالح الإسلاميّة على المستوى العام عندما تكون القضيّة قضيّة كفر وإسلام، أو قضيّة استكبار واستضعاف، أو عندما تكون القضيّة قضيّة حماية المستضعفين في داخل مواقع الحكم الجائر.

من خلال ذلك، نستطيع أن نعتبر أنَّ علماءنا وفقهاءنا ركّزوا هذه المفاهيم في فقههم، واعتبروها مفاهيم أساسيّة تمثّل حركيّة الفقه الإسلاميّ في الواقع...

*من كتيّب "المرجعيّة وحركة الواقع"، وهو عبارة عن ندوة لسماحته في مدرسة المصطفى (ص)، بتاريخ 17كانون الثاني، 1994.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية