كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصّفوي"، لمؤلّفه المفكّر علي شريعتي، ترجمة حيدر مجيد، وتقديم إبراهيم الدّسوقي شتا، هو عبارة عن محاضرات ألقاها شريعتي في حسينيّة الإرشاد بطهران العام 1971.
في الكتاب نظرة وقراءة وإرشادات مهمّة لمسار التشيّع، بدءاً من الدّعوة الإسلاميّة، إلى أيّام حاكم الممالك والسّلاطين، ومنهم الدّولة الصفويّة وتعاملها مع التشيّع واستثمارها له.
ينقل الكتاب أنّ التشيع الصفوي حاول صناعة تشيّع يناسب مصالح السلطة ويخدم سياستها، من هنا، كان تشيّعاً لا علاقة جوهريّة له بأصل التشيّع وروحه الحقيقيّة، إذ أخذ التشيّع كإطارٍ وشكلٍ لتمرير جملةٍ من البدع والانحرافات بين النّاس.
ويعرّف الكاتب التشيّع العلويّ بأنَّه ينطلق من سلوك عليّ(ع) ومواقفه المعبّرة عن روح الإسلام في مفاهيمه وقيمه، ومن ذلك، رفض كلِّ أشكال الانقلاب على مصالح الإسلام والمسلمين، ومحاولات تشويه الدَّعوة الإسلاميَّة، فقد كان تشيّع عليّ تعبيراً حيّاً عن الإسلام الخالص الصّافي من توظيفات أصحاب المصالح والحسابات والجاه وطلاب السّلطة السياسيّة والدينيّة.
ويضيف بأنّ التشيّع العلوي هو الوجه المعبِّر بكلّ بساطة وعفويّة عن آلام المستضعفين والمحرومين والفقراء والكادحين وآمالهم، وقلق المثقّفين، وجهاد المجاهدين، للتحرّر من طغيان الحاكم والجهلة.
يقول الكاتب إنَّ التشيّع مرّ في مرحلتين مختلفتين تماماً؛ الأولى: تبدأ منذ القرن الأوّل الهجري، حيث كانت انطلاقة التشيّع الحركي إلى أوائل العهد الصّفوي، الّذي تبدأ فيه المرحلة الثّانية للتشيّع، حيث تحوّل فيها إلى مجموعة طقوس وعادات توجَّه لخدمة الحاكم والسّلطة عبر تحذير النَّاس ومصادرة وعيهم وحرّيّتهم.
في المرحلة الأولى ـ حسب الكتاب ـ كان التشيّع العلويّ نهضويّاً ثوريّاً، أراد إعادة تصويب مسيرة الإسلام، وتصحيح الأخطاء الواقعة، والنّهوض بالروح الإسلاميَّة، وربطها بدورها ومسؤوليَّتها، من خلال بثّ الوعي والحكمة، واعتماد لغة العقل، ومواجهة الانحراف المدمّر للذّات والجماعة.
لقد استغلّ الصّفويّون التشيّع وتبنّوه كي يشدّوا من عصب النّاس، وليتمكَّنوا من حكمهم، فدمجوا بين العنصر القومي والعنصر الدّيني، وتلبّسوا لباس ولاية أهل البيت والانتقام من أعدائهم، والخطير، ما قامت به السلطة الصفويّة من التركيز على نقاط الاختلاف بين المسلمين، وتحويلها إلى مادّة للإثارة والحماسة والخوف.
التشيّع لعليّ(ع)، كما يقول الكاتب، يعني الالتزام بتعاليمه وسياسته وعدله، والاقتداء به قولاً وعملاً، وليس تسليماً أعمى لكلِّ من أتى بعده وادّعى تمثيل حكومته ومدرسته، فالولاية عند التشيّع العلويّ ثورة مستمرة على الذاتيات والأنانيات والجمود والعزلة والانغلاق والعصبيّة والجهل، فيما هي عند الصفويّة حالة لشدّ العصب الديني والقومي لتثبيت دعائم الحكم.
العالم المجتهد في التشيّع العلوي، حرّ في اجتهاده، والناس أحرار في نقده وحريّة سؤاله، فيما في التشيّع الصّفويّ، على النّاس أن يأخذوا كلّ ما عند العالم المجتهد، عبر التقليد الأعمى له، ودون مؤاخذة ومساءلة.
لقد تحوَّل العلماء زمن الصفويّة إلى فقهاء سلاطين، وموظّفين لدى الحاكم والزعماء، ومن هنا غلبت روح الانهزاميّة والجمود والانغلاق والتغرّب عن جوهر التشيّع وصفائه ونقائه، حيث لا تزال الخطورة باقية إذا ما استمرّت روح الانهزامية والنفعية عند البعض، من خلال تفريغ التشيّع من مضامينه الرّاقية، وجعله محصوراً في شكليّاتٍ وطقوسٍ لا تخدم إلا أصحاب السّلطة.
لقد أراد شريعتي القول من خلال عرض التشيّع الصّفويّ والعلويّ، إنَّ عليكم الحذر من سياسة البعض من الوصوليّين عبر التاريخ، الّذين يسرقون جوهر التشيّع وروحه الصّافية، ويحاولون تشويهها بغية تحقيق مصالح وأهداف وحسابات دنيويّة فارغة.
شريعتي يحذّرنا من خطورة استثمار الدّين باسم الدين، وتفريغ الدّين باسم الدين، ويحثّنا على التمسّك بالحقائق الأصيلة والجوهريّة الصّافية لروح التشيّع في مخاطبته للذّات والعقل والوجدان.
ويلفت شريعتي إلى أنّ التشيّع الصفوي يتقاطع عمليّاً مع التسنن الأموي، في توظيف السنّة والدّين بوجه عامّ في سبيل تكريس دعائم السّلطة، وكيفما كان.
يقول شريعتي: "لقد حرصت الحركة الصّفويّة على تعطيل أو تبديل الكثير من الشّعائر والسّنن والطقوس الدينيّة، وإهمال العديد من المظاهر الإسلاميّة المشتركة بين المسلمين".
كتاب قيّم لجهة تركيز الضّوء على الفرق بين التشيّع الصّافي، وبين التشيّع الّذي يُتّخذ مطيّةً بغية الوصول إلى مصالح خاصّة، وستظلّ طروحات شريعتي في هذا الإطار حيّةً في كلّ زمن، ما دام هناك نفعيّون ووصوليّون، ومستغلّون للدّين والنّاس.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.