كتاب "المهدي"، تأليف آية الله العظمى السيّد صدر الدّين الصدر(قده)،
نشر انتشارات أنصاريان إيران ـ قمّ، فيه مقدّمة صغيرة يشير فيها المرحوم
المؤلّف إلى عرضه للأحاديث الشّريفة وقسم من الأخبار عن الرّسول(ص) وأصحابه
والتّابعين في حقّ الإمام المهدي(عج) المنتظر والمرويّة من طرق أهل السنّة
وعلمائهم.
ويلفت المؤلّف إلى سبب تأليف الكتاب، وهو الكشف عن أحاديث أهل السنّة
وأخبارهم بحقّ إمام المسلمين جميعاً، المهدي المنتظر(عج) بكلّ موضوعيّة
وتجرد.
ويشير المؤلّف في كتابه إلى أنّ المتتبّع لكتب الأعلام أصولاً وفروعاً،
ولا سيّما كتب إخواننا السنّة، قلّما يجد مسألة من المسائل كمسألة المهدي،
من حيث استفاضة الأحاديث فيها، بل وتواترها وتعدّد مخرجيها من أئمَّة الحديث
وأكابر الحفَّاظ على اختلاف طبقاتهم، فقد أخرج أحاديث المهدي(ع) إجمالاً
أو تفصيلاً من أئمَّة الحديث، البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وأبو داوود
وابن ماجة، ومن أكابر الحفّاظ، الإمام أحمد بن حنبل، وأبو القاسم الطبراني،
وأبو نعيم الأصبهاني، وحماد بن يعقوب الروجني، والحاكم النيسابوري صاحب
المستدرك، ومن الأعلام، الكنجي والخوارزمي وابن حجر والسبلنجي والقندوزي.
قال ابن حجر في الصَّواعق (ص 99): "قال أبو الحسين الأبري: قد تواترت
الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى(ص) بخروج المهدي وأنّه من أهل
البيت".
ويصرِّح زيني دحلان في الجزء الثّاني من "الفتوحات الإسلاميَّة"، ص
322: "والأحاديث الّتي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة ومتواترة، فيها
ما هو صحيح، وفيها ما هو حسن، وفيها ما هو ضعيف، وهو الأكثر، لكنَّها لكثرتها
وكثرة رواتها وكثرة مخرجيها، يقوّي بعضها بعضاً حتى صارت تفيد القطع".
وفي ذلك إشارة واضحة إلى ضخامة الأحاديث والأخبار عن ظهور الحجّة(ع) وآخر
الزّمان، بما يفيد القطع واليقين عند كلّ المسلمين.
ويناقش المؤلِّف في صحّة أسانيد الرّوايات حول المهدي ودلالاتها، ويقسمها
إلى ثلاثة طوائف:
أـ صحيحة السّند، ظاهرة الدلالة، خالية من كلّ ريب، وتوجب الأخذ بها
والاعتقاد بما دلّت عليه.
ب ـ أحاديث غير صحيحة من حيث السّند، وإن كانت ظاهرة الدلالة.
ج ـ أحاديث فيها الصّحيح والضّعيف، ولكنّها مخالفة لعامّة الأحاديث
المستفيضة المتواترة واللازم طرحها والإعراض عنها إن لم يمكن تأويلها.
ويعرض المؤلّف للأخبار المستفادة من تأويل بعض العلماء للآيات القرآنيّة
بحقّ المهدي(ع).
ـ ابن حجر في الصّواعق(ص96): "قوله تعالى {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ}.
قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسّرين، إنّ هذه الآية نزلت في المهدي".
نور الأبصار (ص 228)، عن أبي عبد الله الكنجي، أنّه قال: "جاء في تفسير
الكتاب عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، قال: هو المهدي من ولد فاطمة رضي
الله عنها".
ـ ينابيع المودّة (ص443): في المناقب للخوارزمي عن جابر بن عبد الله
الأنصاري في خبر طويل، يذكر فيه دخول اليهودي على رسول الله(ص) وسؤاله
عن عدّة مسائل وإسلامه أخيراً، ومن جملته، ما جاء فيه سؤاله عن أوصيائه،
وإخباره(ص) له أنهم اثنا عشر بأسمائهم واحداً واحداً، إلى أن قال بعد ذكر
الإمام أبي محمد الحسن العسكري ما لفظه: وبعده ابنه محمّد يدعى بالمهدي
والقائم والحجّة، فيغيب ثم يخرج، فإذا خرج، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما
ملئت جوراً وظلماً. طوبى للصّابرين في غيبته، طوبى للمتّقين على محبّته،
أولئك الّذين وصفهم الله في كتابه وقال: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا
إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
ومن السنّة الشّريفة، أحاديث لا مجال لحصرها وعدّها بحقّ المهدي، نكتفي
بذكر أمثلة منها:
ـ جاء في صحيح أبي داود، الجزء 4 ص 87، عن أبي عبد الله عن النبيّ(ص)
قال: "لو لم يبق من الدّنيا إلا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه
رجلاً مني".
ـ الترمذي في صحيحه، ج2 ص 270، عن عبد الله قال: "قال رسول الله(ص):
لا تذهب الدّنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي".
ـ ابن حجر في الصّواعق، ص97: أخرج أبو أحمد وأبو داوود والترمذي وابن
ماجة عنه (صلى الله عليه وآله): "لو لم يبق من الدّهر إلا يوم، لبعث الله
فيه رجلاً من عترتي". وعن أبي هريرة عن النبيّ(ص) أنّه قال: "لا تقوم السّاعة،
حتى يملك رجل من أهل بيتي".
ينابيع المودّة في المناقب للخوارزمي (ص 432)، عن قتادة قال: "قلت لسعيد
بن المسيّب أحقٌّ المهديّ؟ قال: نعم، هو حقّ، هو من أولاد فاطمة".
وفي مسند أحمد (ص 433)، عنه(ص) أنّه قال: "لا تقوم السّاعة، حتى تُملأ
الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج من عترتي من يملأها قسطاً وعدلاً".
ويعرض لخطب أمير المؤمنين(ع) وكلماته الّتي دلّ فيها بحسب شارحي هذه
الخطب، كابن الحديد المعتزلي، إلى قيام المهدي(ع) من آل محمّد(ص).
بعدها يتناول ما صرّح به العلماء عن ظهور الحجّة، وكلامهم حول ذلك،
ومنهم الشّيخ كمال الدّين بن طلحة، والسمهودي المصري، وابن الأثير الجزري،
وابن أبي الحديد المعتزلي، وابن عربي، وغيرهم الكثير الكثير.
في الفصل الثّاني من الكتاب، عرض للرّوايات والأخبار عن أنّ الإمام
المهدي(عج) من العرب ومن قريش ومن بني هاشم تحديداً، وهو من آل محمّد(ص)
من أولاد عليّ وفاطمة (عليهما السّلام).
أمّا الفصل الثّالث، فالحديث عن صفاته وأخلاقه وسيرته وعلمه وسلطانه
وحكومته العادلة وسياسته في الرعية وبيعته.
وفي الفصل الرابع، كلام عن المهدي ونزول عيسى(ع) من السّماء، حيث يصلي
خلف الإمام الحجة(ع)، وعلاقة المهدي بأهل الكهف، وبأنّه حجّة الله الّتي
بها ختم الدّين.
في الفصل الخامس حديث عن المهدي والرّوايات حول ولادته واسمه ولقبه،
وأنّه حيّ يرزق رغم مرور الزّمن.
أمَّا في الفصل السَّادس، فالكلام يتناول المهدي، وما يتَّصل بشؤون
غيبته، وفلسفة الغيبة وعللها، ووكلاءه زمن الغيبة الصّغرى والكبرى.
الفصل السّابع يتناول آيات ظهور الإمام الحجَّة(ع)؛ الآيات السماويّة
والأرضيّة الّتي تمهّد لظهوره، ومنها الخسوف والكسوف والنّداء من السّماء
وخروج الدجّال والسّفياني وقتل النّفس الزكيّة وغير ذلك.
الفصل الثامن والأخير، حديث عن فضل الانتظار وظهوره وأنصاره ونصرة الملائكة
له وبركات ظهوره، وما يعمل به ويدعو إليه، وفتوحاته وملكه وأعماله الإصلاحيّة،
ومدّة خلافته للأرض.
ثم الخاتمة، يعرض فيها المؤلِّف لأسماء المصادر من الكتب، والأعلام
الّتي تناولت الإمام المهدي(عج) من طرق أهل السنّة وعلمائهم وأعلامهم.
كتاب غنيّ بمصادره التي أضاءت على ما جاء لدى علماء السنّة وأعلامهم
وأئمّتهم من روايات وأخبار سلّطت الضّوء على قيام الإمام الحجّة المهدي(عج)
وظهوره آخر الزّمان، وأنّه من ولد فاطمة وعليّ (عليهما السّلام)، وأنه
يخلف الله في أرضه ويقيم حكمه بالعدل.