كتاب "حجر بن عدي الكندي"

كتاب "حجر بن عدي الكندي"

كتاب "حجر بن عدي الكندي، شهيد الإيمان الصّابر"، للعلامة السيّد محمد جواد فضل الله، إصدار دار التراث الإسلاميّ، طبعة أولى، 1974، من أهمّ الكتب التي تناولت بالعرض أبرز محطّات رجلٍ من رجالات الإسلام الكبار "حجر بن عدي الكندي". فالمعلوم أنّه لا كتب كثيرة كمّاً ونوعاً تطرّقت بإحاطة وعمق إلى مثل هؤلاء الأعلام الّذين كان لهم الدّور الطليعي في حفظ الإسلام والدّفاع عن المقدَّسات في وجه الطّامعين والمفسدين.

وكما هو معروف، فإنَّ التاريخ الشيعي، والّذي هو تاريخ إسلاميّ أصيل، غنيّ برجالاته ومحطّاته الّتي تحتاج إلى من يعيد قراءتها وإبرازها بالشّكل اللائق والمنسجم مع روح العلم والموضوعيّة، بنفض الغبار عن فترة هامّة من تاريخنا الإسلاميّ عاشها الصّحابي الجليل حجر بن عدي الكندي، الّذي قدَّم ما قدَّم، وضحّى بنفسه في سبيل إحقاق الحق ودفع الظّلم والجور عن الأمّة وعن التّاريخ.

مقدِّمة الكتاب لصاحب اليراع الّذي ينساب أدباً وفهماً ودقّةً تعبيريّة عالية، تشير إلى أهميّة الحديث عن البطولات النّوعيّة التي تصنع التّاريخ من خلال زرع الإبداع والتحرّر في الأجيال الإيمانيّة، عملاً وفعلاً، وتضحيةً بالرّوح والدّعاء، فهل نحن بمستوى تمثّل وقراءة نماذج تحرّرية أمثال حجر بن عدي؟

بدايةً، يشير المؤلّف إلى أساس الصراع الذي حكم مسيرة الأمّة بعد وفاة النبي الأكرم(ص)؛ الصِّراع ما بين باطلٍ دنيويٍّ وحقٍّ رساليّ أراد ويريد العيش بعزّة وكرامة. وللحقّ رجاله، أمثال حجر بن عدي، صاحب الثّورة الحقيقيّة على خنوع الذّات واستكانتها، إذ هبَّ منطلقاً بهمّة عالية، وصادحاً بالحقِّ، مؤمناً به في وجه بني أميّة الّذين ركبوا الدّنيا وسعوا إلى تخريب الدّين من الداخل، إذ لم يقدّموا للإسلام سوى التّدمير الممنهج، عبر تضليل الأمّة وإبعادها عن روحها الإيمانيّة الأصيلة، وتخديرها وسلخها عن انتمائها الفعليّ لأصالة دينها ومفاهيمه وقيمه.

لذا، جعل بنو أميّة السلطة وسيلةً للعبور إلى طموحاتهم الشخصيّة والعائليّة على حساب قضايا الأمّة ووجودها، فعمدوا إلى بثّ الدّعايات والعقائد المسمومة، لتكريس سلطتهم وتحقيق أهدافهم في ضرب أيّة حركة ثوريّة إسلاميّة هادفة لتصحيح المسار والمسيرة.

ويذكر الكتاب أحاديث تاريخيّة موثّقة عن سياسة معاوية في طمس معالم الرّسالة وحرفها عن مسارها، لا بل أبلغ من ذلك، ما حاوله معاوية من تغليب الجانب العنصري والعصبيّة العائليّة الضيّقة على مصلحة الإسلام والمسلمين: "معاوية لا يطيق أن يرى لابن هاشم ـ محمد(ص) ـ هذا المجد العظيم، الّذي ينطلق من عظمة رسالته الّتي اختاره الله لحملها.. فحين يذكر معاوية النبيّ(ص)، لا يذكره باسمه أو بلقب الرّسالة، وإنما ينسبه إلى قبيلة هاشم، فيقول: وإنَّ أخا هاشم...".

ويتابع المؤلِّف عرض المنطلقات والعوامل النفسيّة والعنصريّة والمصيريّة الّتي تعقَّدت في نفس معاوية تجاه النبيّ وأهل بيته، فلقد اهتزَّت مشاعره بقوَّة عندما عرف بمبايعة أمير المؤمنين عليّ(ع) بالخلافة.

وينقل المؤلّف ما جاء في حوارٍ لابن عباس وبعض رجالات قريش مع معاوية. يقول معاوية: "إنَّ في نفسي منكم لحزازات يا بني هاشم، وإني لخليقٌ أن أدرك فيكم الثّأر، وأنفي العار، فإنّ دماءنا قبلكم وظلامتنا فيكم".

ويتابع المؤلّف عرضه للخطوات الّتي قام بها معاوية من أجل تثبيت حكمه على المسلمين، وما أعدَّه مسبقاً لمنع أمير المؤمنين عليّ(ع) من الحكم بهدوء وراحة وسلامة، لما يمثّله حكم الأمير(ع) من بقاء الإسلام وحفظ روحه واستمراريّته، وهذا ما لا يتماشى مع أهداف معاوية، ولا يتناسب مع نفسيته المعقَّدة.

ولا يستبعد المؤلّف بعد ذكره لجملة من المعطيات، أن يكون معاوية هو من أعدَّ خطّة قتل الخليفة الثّالث عثمان، ليتَّخذ من ذلك ذريعةً للعصيان على خلافة عليّ(ع)، وتنفيذ مخطّطاته.

ولم يكن تآمر معاوية على شخصٍ أو صحابيّ بعينه، فكلّ من وقف بوجه أطماعه كان يقتله، ومن هؤلاء عمرو بن الحمق الخزاعي، الصحابي الجليل، كذلك كلّ من كان يتولى أمير المؤمنين(ع) ويخاف منه على سلطانه؛ إنّه جنون العظمة والسّلطان، كما يلفت المؤلّف(قده).

ويشير المؤلِّف إلى أنَّ الصحابي حجر بن عدي لم يكن صحابيّاً عاديّاً، بل من القلائل الّذين طبَّقوا مناهج مدرسة عليّ(ع) عمليّاً، والّتي هي مدرسة الإسلام الأصيلة. ويناقش السيِّد المؤلّف(قده) (قضيّة صحابيّة حجر وتابعيّته)، ويخلص إلى أنَّ تابعيّته (أي أنّه من التّابعين بعد الصّحابة)، لا تعدو كونها اشتباهاً وقع فيه بعض الرّجاليين، وربما يكون منشؤه هو عدم روايته عن النبيّ(ص) وعدم اشتهار صحبته إيّاه، واختصاصه بصحبة الإمام عليّ(ع) واشتهاره بذلك.. ويعرض للجوّ العامّ المسيطر على الكوفة الحاضنة للهوى العلويّ ولإسهامات حجر بن عديّ في تكريس مدرسة عليّ(ع) بلسانه ويده وجوارحه، حيث شارك في جميع الحروب الّتي خاضها الإمام(ع).. وكانت لحجر المواقف والمشاهد العظيمة التي تدلّ على شخصيته الفذّة والقيادية.

ويتابع العلامة السيّد محمد جواد فضل الله(قده) قائلاً: "ولو حاولنا أن نجري مقارنةً موضوعيّةً بين سلوك الإمام(ع) مع أشياع معاوية وسلوك معاوية مع شيعة الإمام(ع)، لظهر الفرق الكبير بين السّلوك الرساليّ المبدئيّ للإمام(ع) والسّلوك الجاهليّ العنصريّ لمعاوية.. ويستشهد الباحث بجملةٍ من الأحداث التاريخيّة الّتي تؤكِّد ذلك، فجلُّ همّ معاوية كان كيف يبعد عليّاً وأهل بيته عن وجدان الأمَّة وتصوّرها.. وحجر بن عدي من المخلصين لعليّ(ع)، الّذين رفضوا الإذعان للباطل والانجراف في تيّار الغوغائيّين الّذين باعوا دينهم بدنياهم، فوقف سدّاً منيعاً في وجه السياسة الأمويّة الّتي تريد تخريب وجدان الأمّة وتلويث ذاكرتها وتزييفها.

ويشير المؤلّف إلى الغليان العامّ مع حكم زياد للكوفة، وملاحقته أصحاب الإمام(ع) وشيعته. ورغم بطش زياد لم يضعف حجر، بل كان مثال الصّابر المؤمن المحتسِب المجاهد في سبيل الحقّ والحقيقة.

ويعرض المؤلّف للأجواء الضّاغطة الّتي مهَّدت لسجن حجر بن عديّ وبعض أصحابه في الكوفة، ثم إرسالهم إلى الشَّام والتّواطؤ الّذي حصل بين معاوية وزياد لتصفية هؤلاء، إذ يفضح كتاب شريح القاضي بشأن حجر وأصحابه، المؤامرة المحبوكة بين معاوية وزياد للتخلّص من حجر وأصحابه بأسرع وقت، وأقلّ خسائر معنويّة قد تعرّض الحكم للاهتزاز.

ويسرد المؤلّف ما جرى على حجر بن عديّ وأصحابه من حوارٍ مع معاوية وأصحابه قبل تنفيذ حكم الإعدام بحقّهم، بما يوضح الروح الإيمانيّة العالية لهؤلاء، وثباتهم على الحقّ والموالاة لأمير المؤمنين عليّ(ع).

وكان أمر قتل حجر وجماعته قد شكَّل صدمةً للأمّة ومرارةً ولوعةً لأنصار الحقّ، إذ كان حدث قتل حجر بن عدي أوّل حدث مأساوي بعد استشهاد الأمير(ع).

ويذكر المؤلّف مرارة معاوية وندمه في آخر أيّامه على قتل حجر وأصحابه، من خلال شعر تفوّه به حول ذلك. أمّا حجر بن عدي(رض)، فكان آخر كلامه: "لا تغسّلوا عني دماً، ولا تطلقوا عنّي قيداً، وادفنوني في ثيابي، فإنّا نلتقي غداً في الجادة".

في الكتاب توثيق للرّوايات والأحداث، وتحليل موضوعيّ ومنطقيّ للأحداث وخلفيّاتها، وتسليط للضوء على ظروفها ومعطياتها ونتائجها، ما يجعل من الكتاب مرجعاً علميّاً مهمّاً في المجال التاريخيّ.

وما يلفت أيضاً في الكتاب، أنَّ الأسلوب الرَّشيق والسَّلس والمطواع للمؤلِّف في عرضه للأحداث التّاريخيَّة، وبأسلوبه وذوقه الأدبيّ الرَّفيع، يجعل القارئ وكأنّه يعيش في قلب الحدث، من خلال ما يحرِّك من الصّورة والمشهد، مع عدم الخروج عن السّرد الموضوعي والدّقيق للأحداث، وهذا ما لا يتيسّر لدى كثير من المحقّقين والمؤرّخين.

كتابٌ وافٍ بمادته وغنيّ بعرضه وتحليله، ويعتبر من المؤلّفات التاريخيّة الهامّة الّتي تحتاجها المكتبات الإسلاميّة والباحثون والمؤرّخون، إذ قلّما نعثر على مؤلّفات تسلّط الضّوء على شخصيّات إسلاميّة كبيرة لها الحقّ علينا في إيفائها جزءاً يسيراً من تضحياتها.

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

كتاب "حجر بن عدي الكندي، شهيد الإيمان الصّابر"، للعلامة السيّد محمد جواد فضل الله، إصدار دار التراث الإسلاميّ، طبعة أولى، 1974، من أهمّ الكتب التي تناولت بالعرض أبرز محطّات رجلٍ من رجالات الإسلام الكبار "حجر بن عدي الكندي". فالمعلوم أنّه لا كتب كثيرة كمّاً ونوعاً تطرّقت بإحاطة وعمق إلى مثل هؤلاء الأعلام الّذين كان لهم الدّور الطليعي في حفظ الإسلام والدّفاع عن المقدَّسات في وجه الطّامعين والمفسدين.

وكما هو معروف، فإنَّ التاريخ الشيعي، والّذي هو تاريخ إسلاميّ أصيل، غنيّ برجالاته ومحطّاته الّتي تحتاج إلى من يعيد قراءتها وإبرازها بالشّكل اللائق والمنسجم مع روح العلم والموضوعيّة، بنفض الغبار عن فترة هامّة من تاريخنا الإسلاميّ عاشها الصّحابي الجليل حجر بن عدي الكندي، الّذي قدَّم ما قدَّم، وضحّى بنفسه في سبيل إحقاق الحق ودفع الظّلم والجور عن الأمّة وعن التّاريخ.

مقدِّمة الكتاب لصاحب اليراع الّذي ينساب أدباً وفهماً ودقّةً تعبيريّة عالية، تشير إلى أهميّة الحديث عن البطولات النّوعيّة التي تصنع التّاريخ من خلال زرع الإبداع والتحرّر في الأجيال الإيمانيّة، عملاً وفعلاً، وتضحيةً بالرّوح والدّعاء، فهل نحن بمستوى تمثّل وقراءة نماذج تحرّرية أمثال حجر بن عدي؟

بدايةً، يشير المؤلّف إلى أساس الصراع الذي حكم مسيرة الأمّة بعد وفاة النبي الأكرم(ص)؛ الصِّراع ما بين باطلٍ دنيويٍّ وحقٍّ رساليّ أراد ويريد العيش بعزّة وكرامة. وللحقّ رجاله، أمثال حجر بن عدي، صاحب الثّورة الحقيقيّة على خنوع الذّات واستكانتها، إذ هبَّ منطلقاً بهمّة عالية، وصادحاً بالحقِّ، مؤمناً به في وجه بني أميّة الّذين ركبوا الدّنيا وسعوا إلى تخريب الدّين من الداخل، إذ لم يقدّموا للإسلام سوى التّدمير الممنهج، عبر تضليل الأمّة وإبعادها عن روحها الإيمانيّة الأصيلة، وتخديرها وسلخها عن انتمائها الفعليّ لأصالة دينها ومفاهيمه وقيمه.

لذا، جعل بنو أميّة السلطة وسيلةً للعبور إلى طموحاتهم الشخصيّة والعائليّة على حساب قضايا الأمّة ووجودها، فعمدوا إلى بثّ الدّعايات والعقائد المسمومة، لتكريس سلطتهم وتحقيق أهدافهم في ضرب أيّة حركة ثوريّة إسلاميّة هادفة لتصحيح المسار والمسيرة.

ويذكر الكتاب أحاديث تاريخيّة موثّقة عن سياسة معاوية في طمس معالم الرّسالة وحرفها عن مسارها، لا بل أبلغ من ذلك، ما حاوله معاوية من تغليب الجانب العنصري والعصبيّة العائليّة الضيّقة على مصلحة الإسلام والمسلمين: "معاوية لا يطيق أن يرى لابن هاشم ـ محمد(ص) ـ هذا المجد العظيم، الّذي ينطلق من عظمة رسالته الّتي اختاره الله لحملها.. فحين يذكر معاوية النبيّ(ص)، لا يذكره باسمه أو بلقب الرّسالة، وإنما ينسبه إلى قبيلة هاشم، فيقول: وإنَّ أخا هاشم...".

ويتابع المؤلِّف عرض المنطلقات والعوامل النفسيّة والعنصريّة والمصيريّة الّتي تعقَّدت في نفس معاوية تجاه النبيّ وأهل بيته، فلقد اهتزَّت مشاعره بقوَّة عندما عرف بمبايعة أمير المؤمنين عليّ(ع) بالخلافة.

وينقل المؤلّف ما جاء في حوارٍ لابن عباس وبعض رجالات قريش مع معاوية. يقول معاوية: "إنَّ في نفسي منكم لحزازات يا بني هاشم، وإني لخليقٌ أن أدرك فيكم الثّأر، وأنفي العار، فإنّ دماءنا قبلكم وظلامتنا فيكم".

ويتابع المؤلّف عرضه للخطوات الّتي قام بها معاوية من أجل تثبيت حكمه على المسلمين، وما أعدَّه مسبقاً لمنع أمير المؤمنين عليّ(ع) من الحكم بهدوء وراحة وسلامة، لما يمثّله حكم الأمير(ع) من بقاء الإسلام وحفظ روحه واستمراريّته، وهذا ما لا يتماشى مع أهداف معاوية، ولا يتناسب مع نفسيته المعقَّدة.

ولا يستبعد المؤلّف بعد ذكره لجملة من المعطيات، أن يكون معاوية هو من أعدَّ خطّة قتل الخليفة الثّالث عثمان، ليتَّخذ من ذلك ذريعةً للعصيان على خلافة عليّ(ع)، وتنفيذ مخطّطاته.

ولم يكن تآمر معاوية على شخصٍ أو صحابيّ بعينه، فكلّ من وقف بوجه أطماعه كان يقتله، ومن هؤلاء عمرو بن الحمق الخزاعي، الصحابي الجليل، كذلك كلّ من كان يتولى أمير المؤمنين(ع) ويخاف منه على سلطانه؛ إنّه جنون العظمة والسّلطان، كما يلفت المؤلّف(قده).

ويشير المؤلِّف إلى أنَّ الصحابي حجر بن عدي لم يكن صحابيّاً عاديّاً، بل من القلائل الّذين طبَّقوا مناهج مدرسة عليّ(ع) عمليّاً، والّتي هي مدرسة الإسلام الأصيلة. ويناقش السيِّد المؤلّف(قده) (قضيّة صحابيّة حجر وتابعيّته)، ويخلص إلى أنَّ تابعيّته (أي أنّه من التّابعين بعد الصّحابة)، لا تعدو كونها اشتباهاً وقع فيه بعض الرّجاليين، وربما يكون منشؤه هو عدم روايته عن النبيّ(ص) وعدم اشتهار صحبته إيّاه، واختصاصه بصحبة الإمام عليّ(ع) واشتهاره بذلك.. ويعرض للجوّ العامّ المسيطر على الكوفة الحاضنة للهوى العلويّ ولإسهامات حجر بن عديّ في تكريس مدرسة عليّ(ع) بلسانه ويده وجوارحه، حيث شارك في جميع الحروب الّتي خاضها الإمام(ع).. وكانت لحجر المواقف والمشاهد العظيمة التي تدلّ على شخصيته الفذّة والقيادية.

ويتابع العلامة السيّد محمد جواد فضل الله(قده) قائلاً: "ولو حاولنا أن نجري مقارنةً موضوعيّةً بين سلوك الإمام(ع) مع أشياع معاوية وسلوك معاوية مع شيعة الإمام(ع)، لظهر الفرق الكبير بين السّلوك الرساليّ المبدئيّ للإمام(ع) والسّلوك الجاهليّ العنصريّ لمعاوية.. ويستشهد الباحث بجملةٍ من الأحداث التاريخيّة الّتي تؤكِّد ذلك، فجلُّ همّ معاوية كان كيف يبعد عليّاً وأهل بيته عن وجدان الأمَّة وتصوّرها.. وحجر بن عدي من المخلصين لعليّ(ع)، الّذين رفضوا الإذعان للباطل والانجراف في تيّار الغوغائيّين الّذين باعوا دينهم بدنياهم، فوقف سدّاً منيعاً في وجه السياسة الأمويّة الّتي تريد تخريب وجدان الأمّة وتلويث ذاكرتها وتزييفها.

ويشير المؤلّف إلى الغليان العامّ مع حكم زياد للكوفة، وملاحقته أصحاب الإمام(ع) وشيعته. ورغم بطش زياد لم يضعف حجر، بل كان مثال الصّابر المؤمن المحتسِب المجاهد في سبيل الحقّ والحقيقة.

ويعرض المؤلّف للأجواء الضّاغطة الّتي مهَّدت لسجن حجر بن عديّ وبعض أصحابه في الكوفة، ثم إرسالهم إلى الشَّام والتّواطؤ الّذي حصل بين معاوية وزياد لتصفية هؤلاء، إذ يفضح كتاب شريح القاضي بشأن حجر وأصحابه، المؤامرة المحبوكة بين معاوية وزياد للتخلّص من حجر وأصحابه بأسرع وقت، وأقلّ خسائر معنويّة قد تعرّض الحكم للاهتزاز.

ويسرد المؤلّف ما جرى على حجر بن عديّ وأصحابه من حوارٍ مع معاوية وأصحابه قبل تنفيذ حكم الإعدام بحقّهم، بما يوضح الروح الإيمانيّة العالية لهؤلاء، وثباتهم على الحقّ والموالاة لأمير المؤمنين عليّ(ع).

وكان أمر قتل حجر وجماعته قد شكَّل صدمةً للأمّة ومرارةً ولوعةً لأنصار الحقّ، إذ كان حدث قتل حجر بن عدي أوّل حدث مأساوي بعد استشهاد الأمير(ع).

ويذكر المؤلّف مرارة معاوية وندمه في آخر أيّامه على قتل حجر وأصحابه، من خلال شعر تفوّه به حول ذلك. أمّا حجر بن عدي(رض)، فكان آخر كلامه: "لا تغسّلوا عني دماً، ولا تطلقوا عنّي قيداً، وادفنوني في ثيابي، فإنّا نلتقي غداً في الجادة".

في الكتاب توثيق للرّوايات والأحداث، وتحليل موضوعيّ ومنطقيّ للأحداث وخلفيّاتها، وتسليط للضوء على ظروفها ومعطياتها ونتائجها، ما يجعل من الكتاب مرجعاً علميّاً مهمّاً في المجال التاريخيّ.

وما يلفت أيضاً في الكتاب، أنَّ الأسلوب الرَّشيق والسَّلس والمطواع للمؤلِّف في عرضه للأحداث التّاريخيَّة، وبأسلوبه وذوقه الأدبيّ الرَّفيع، يجعل القارئ وكأنّه يعيش في قلب الحدث، من خلال ما يحرِّك من الصّورة والمشهد، مع عدم الخروج عن السّرد الموضوعي والدّقيق للأحداث، وهذا ما لا يتيسّر لدى كثير من المحقّقين والمؤرّخين.

كتابٌ وافٍ بمادته وغنيّ بعرضه وتحليله، ويعتبر من المؤلّفات التاريخيّة الهامّة الّتي تحتاجها المكتبات الإسلاميّة والباحثون والمؤرّخون، إذ قلّما نعثر على مؤلّفات تسلّط الضّوء على شخصيّات إسلاميّة كبيرة لها الحقّ علينا في إيفائها جزءاً يسيراً من تضحياتها.

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية