كتاب "الإسلام والجمهوريّة والعالم"

كتاب "الإسلام والجمهوريّة والعالم"

يُظهِر كتاب "الإسلام والجمهوريّة والعالم"، لألان غريش، إصدار (دار الساقي ـ ترجمة جلال بدلة ـ 2015)، أن مؤلفه هو ضليعٌ في التراث الإسلاميّ والعربيّ، ومعرفته الوثيقة بالمراجع الدينيّة والوقائع التاريخيّة. وعمله في أساسه يوجِّه نقداً إلى مشروع مدمّر يقسّم العالم إلى "هم" و"نحن"، منذراً بحروب أهليّة لا تنتهي.

 المؤلّف هو رئيس التّحرير السّابق لصحيفة "لوموند ديبلوماتيك"، وهو شخصيّة فكريّة وثقافيّة متعدّدة الجوانب، يتقن عدّة لغات (من بينها العربيّة)، ويفهم المجتمعات المختلفة.

فحوى الكتاب يناقض عموماً التوجّه الفكري الفرنسي في العقود الأخيرة، الّذي يعتنق "علمانيَّة استشراقيَّة الهوى"، تستمرّ في سعيها إلى "أبلسة" الإسلام والشّعوب الإسلاميّة والعربيّة، كما وصفها مثقّفون في قراءتهم للكتاب. ويعتنق هذا التوجّهَ عددٌ كبيرٌ من قادة فرنسا السياسيّين والفكريّين والإعلاميّين، وخصوصاً في السّنوات العشرين الأخيرة، الّتي شهدت توجّهاً لاختراع عدوّ جديد اسمه "الإسلام".

أبرز ما أورده غريش في الفصل الأوَّل من كتابه بعنوان "صراع الحضارات"، هجومه على نظريّات الكاتبين صموئيل هنتنغتون وبرنارد لويس، وعلى الّذين ساروا في نظريّتهما القائلة بأنَّ "الغرب المسيحيّ" يتفوَّق في حضارته على "الشّرق المسلم"، وأنّهما في صراع مستمرّ. يعيد غريش التّصاعد في اعتناق هذه المبادئ إلى اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن. يقول إنّه لا ريب في أنَّ هذه الاعتداءات أطلقت العنان للحديث سلباً عن الإسلام، وتسمية الآخر بالعدوّ الخطير، وربط الموضوع بالمسلمين المهاجرين إلى فرنسا والقاطنين في الضّواحي الفرنسيّة.

هذا الموقف السلبي ــ وفق غريش ــ شارك فيه قادة فرنسيّون وأوروبيّون وأميركيّون، بينهم رئيس الوزراء الإيطالي السّابق سلفيو برلسكوني، الّذي قال في الفترة نفسها (أيلول 2001): "علينا أن نكون مدركين لتفوّق حضارتنا؛ إنّها منظومة من القيم تكفل احترام حقوق الإنسان والحريّات الدينيّة". أمّا على الصّعيد الفكريّ، فيقول غريش إنَّ الأستاذ الجامعي البريطاني برنارد لويس، المقيم في الولايات المتحدة الأميركيَّة، "هو بالتّأكيد أكثر مَنْ غذّى فكرة المجابهة بين الإسلام والغرب خلال الأعوام الماضية، وهو شخصيَّة أكاديميَّة وسياسيَّة فاعلة ومقرَّبة جدّاً من بول وولفويتز، أحد المحافظين الجدد في إدارة بوش الابن الأميركيّة، ويُعَدّ من أنصار السياسة الصّهيونية والحرب على العراق العام 2003 (كان أحد مهندسيها)".

ويُعتَبرُ لويس منشئ مُصطَلح "صدام الحضارات"، الّذي يرى فيه، وفق غريش، "ردّ فعلٍ لخصمٍ قديم (الإسلام) ضدّ موروثنا اليهودي المسيحي وحاضرنا العلماني". وفي العام 1993، لاقى موقف لويس رواجاً بعد مقالة لصموئيل هنتنغتون في مجلّة "الشؤون الخارجية" الأميركيّة، قال فيها إنَّ "أسباب انقسامات الإنسانيّة في المستقبل ستكون ثقافيّة، والنزاعات السياسيّة العالمية الرئيسة ستدفع أُمماً وجماعات تنتمي إلى حضارات مختلفة لمجابهة بعضها بعضاً". هذه الرؤية لصدام الحضارات، يقول غريش في الكتاب، "تقوم أساساً على تعارض بين هويّتين مختلفتين، هما الإسلام وحضارة الغرب (سمّياها الحضارة اليهوديّة المسيحيّة)".

يقول غريش: "وينسى لويس أنَّ ما يسمّيها "حضارتنا اليهودية ـ المسيحية" في أوروبا وأميركا، ظلت لفترة طويلة لا تقبل اليهود إلا بصعوبة.

ويتساءل غريش في الفصل الثاني من كتابه  بعنوان "عن الإسلام والمسلمين": "هل سنتمكَّن من نبش مفتاح الأفعال المتطرّفة للقاعدة وأسامة بن لادن بمقطع من القرآن؟ وهل من الممكن الاعتقاد أنّ الإسلام يمكنه تعريف واقع العالم المسلم وسلوك أكثر من مليار مسلم في العالم حاليّاً؟ ما يميّز العالم الإسلامي هو عدم تجانسه. هناك 75 دولة في "منظَّمة المؤتمر الإسلاميّ"، وتتعايش في هذه الدّول أنظمة سياسية شديدة التنوّع". فمن الخطأ، في رأيه، إطلاق التعميم على المسلمين ومعتقداتهم وتصرّفاتهم كمجموعة عالمية متطرّفة أو غير متطرّفة، من دون الأخذ بهذا الواقع. ووفق قول ماكسيم رودنسون، يقول غريش: "العقيدة الدّينيَّة تلعب دوراً معيّناً، لكنّها لا تسمح بفهم جوهر ما يؤسِّس حياة المجتمعات الإسلاميّة المتنوعة وتاريخها... ولا يمكن اختزال المجتمعات بمعتقداتها الدينيّة".

كما يستشهد غريش في كتابه بموقفٍ مشابهٍ لإدوارد سعيد في كتابه "تغطية الإسلام"، حيث يقول سعيد: "عندما نتحدَّث عن المسيحيَّة، فإنّنا نأخذ في الحسبان الوقائع المتغيّرة والمتناقضة أحياناً للشّعوب المسيحيّة في ألفي عام من التّاريخ. لكن عندما يتعلَّق الأمر بالإسلام، وعندما نتحدَّث عن الإسلام، نُلغي إلى حدّ ما، وبشكلٍ آليّ، الزّمان والمكان. يحدّد مصطلح الإسلام جزءاً مما يحدث في العالم الإسلامي الّذي يشمل مليار نسمة، ويتضمّن عشرات الدول والمجتمعات والتّقاليد التراثية واللغات والتجارب المختلفة".

يقول غريش في أحد فصول كتابه: "كان إعلان حقوق الإنسان عالميّاً، ولكن لا يمكن تطبيقه على الشعوب "المتخلفة". ويضيف الكاتب أنَّ تقسيم الإنسانيّة إلى "حضارية" و"بربرية" الذي استخدمته الإدارة الأميركيّة في حربها ضدّ الإرهاب، استند إلى "شبه" علم جديد هو الاستشراق الَّذي حدّد إدوارد سعيد وجهه المزدوج القائم على تمييز وجوديّ ومعرفي بين الشّرق والغرب، بينما العلاقة بين الغرب والشّرق هي علاقة سيطرة وعلاقة سلطة وهيمنة.

وتحدَّث غريش عن السياسة الفرنسيَّة الرسميَّة تجاه العالم العربيّ الإسلاميّ، وقال إنَّ موقف حكومة الرّئيس الفرنسي السّابق جاك شيراك ووزير خارجيَّته دومينيك دو فيلبان، كان مشرّفاً في معارضتهما للغزو الأميركيّ للعراق العام 2003. ولكنّ شيراك بدّل موقفه لاحقاً، وشعر بضرورة التعويض لإدارة بوش ولإسرائيل عن هذا الموقف، فأصبحت سياسات حكومته أكثر أطلسيَّة. وتابع هذا الموقف خليفته نيكولا ساركوزي، وأصبح الموقف في قمّة سلبيَّته في حكومة فرنسوا هولاند ووزير خارجيّته الحالي لوران فابيوس، وتعاطفهما المتزايد مع إسرائيل وحلفائها في المنطقة.

كما انتقد غريش في الكتاب إخفاق اليسار الفرنسيّ في استقطاب الشَّباب والشّباب المهاجر من دول المغرب العربيّ، ودفعه نحو الاندماج والشّعور بالانتماء إلى المجتمع الفرنسيّ، علماً أنَّ الشّباب الفرنسي من أصل مغاربي كان من أكثر المتحمِّسين لفوز اليسار (بقيادة الحزبين الشيوعي والاشتراكي) في انتخابات فرنسا في العقود الماضية. وكان الشبّان والشابّات المغاربة يجوبون الشّوارع الفرنسيّة بسيّاراتهم احتفالاً، عندما فاز اليسار انتخابيّاً بقيادة فرنسوا ميتران وجورج مارشيه، وشعروا وكأنّ أبواب فرنسا فُتحت أمامه.

أمّا حاليّاً، وبعدما ابتلع الحزب الاشتراكي حليفه الحزب الشّيوعيّ الفرنسي، واتخذ مواقف شبيهة لمواقف خصومه في ضغوطه على المسلمين وتعاطفه مع إسرائيل، فإنَّ الشّعور بالتّهميش لدى عرب فرنسا تفاقم.

وفي الفصل الثّالث من الكتاب، يتحدَّث غريش بعمق عن نشوء فكرة الإسلامويَّة والدّول الإسلاميّة وتطوّرها إلى ما وصلت إليه اليوم، ما زاد من تصاعد الخوف الغربيّ من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، مؤكِّداً أنَّ السياسيّين وقادة وسائل الإعلام في فرنسا والعالم الغربي، أسهموا بشكلٍ أساس في التّصعيد وتشنّج المشاعر. كما يطرح في هذا الفصل ضرورة أن يُعرّف القانون الدّولي مفهوم الإرهاب تعريفاً أكثر وضوحاً، ويؤكِّد وجود إرهاب الدّول إلى جانب إرهاب المجموعات والتّنظيمات المسلّحة.

وفي خاتمة الكتاب، يبدي المؤلّف تخوّفه من المشاريع المشبوهة الّتي تريد تدمير العالم، يقول غريش: "إنَّ هذا المشروع الَّذي يقسم العالم بين "نحن" و"هم"، هو مشروع مدمّر وسائر في الطّريق نحو حرب أهليَّة، ويجب أن يقف ضدّه مشروع آخر يرتكز على المواطنة وإقامة الحقوق نفسها للمواطنين جميعاً، فتنشأ نتيجة ذلك إرادة مشتركة للعيش معاً بوئام".

كتاب غنيّ بتحليله، يقارب الأمور من وجهة نظر باحث متخصِّص في الشّؤون الشّرق أوسطيّة والمغاربيّة وما يتعلَّق بالقضايا الإسلاميّة.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنما عن وجهة نظر صاحبها.

يُظهِر كتاب "الإسلام والجمهوريّة والعالم"، لألان غريش، إصدار (دار الساقي ـ ترجمة جلال بدلة ـ 2015)، أن مؤلفه هو ضليعٌ في التراث الإسلاميّ والعربيّ، ومعرفته الوثيقة بالمراجع الدينيّة والوقائع التاريخيّة. وعمله في أساسه يوجِّه نقداً إلى مشروع مدمّر يقسّم العالم إلى "هم" و"نحن"، منذراً بحروب أهليّة لا تنتهي.

 المؤلّف هو رئيس التّحرير السّابق لصحيفة "لوموند ديبلوماتيك"، وهو شخصيّة فكريّة وثقافيّة متعدّدة الجوانب، يتقن عدّة لغات (من بينها العربيّة)، ويفهم المجتمعات المختلفة.

فحوى الكتاب يناقض عموماً التوجّه الفكري الفرنسي في العقود الأخيرة، الّذي يعتنق "علمانيَّة استشراقيَّة الهوى"، تستمرّ في سعيها إلى "أبلسة" الإسلام والشّعوب الإسلاميّة والعربيّة، كما وصفها مثقّفون في قراءتهم للكتاب. ويعتنق هذا التوجّهَ عددٌ كبيرٌ من قادة فرنسا السياسيّين والفكريّين والإعلاميّين، وخصوصاً في السّنوات العشرين الأخيرة، الّتي شهدت توجّهاً لاختراع عدوّ جديد اسمه "الإسلام".

أبرز ما أورده غريش في الفصل الأوَّل من كتابه بعنوان "صراع الحضارات"، هجومه على نظريّات الكاتبين صموئيل هنتنغتون وبرنارد لويس، وعلى الّذين ساروا في نظريّتهما القائلة بأنَّ "الغرب المسيحيّ" يتفوَّق في حضارته على "الشّرق المسلم"، وأنّهما في صراع مستمرّ. يعيد غريش التّصاعد في اعتناق هذه المبادئ إلى اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن. يقول إنّه لا ريب في أنَّ هذه الاعتداءات أطلقت العنان للحديث سلباً عن الإسلام، وتسمية الآخر بالعدوّ الخطير، وربط الموضوع بالمسلمين المهاجرين إلى فرنسا والقاطنين في الضّواحي الفرنسيّة.

هذا الموقف السلبي ــ وفق غريش ــ شارك فيه قادة فرنسيّون وأوروبيّون وأميركيّون، بينهم رئيس الوزراء الإيطالي السّابق سلفيو برلسكوني، الّذي قال في الفترة نفسها (أيلول 2001): "علينا أن نكون مدركين لتفوّق حضارتنا؛ إنّها منظومة من القيم تكفل احترام حقوق الإنسان والحريّات الدينيّة". أمّا على الصّعيد الفكريّ، فيقول غريش إنَّ الأستاذ الجامعي البريطاني برنارد لويس، المقيم في الولايات المتحدة الأميركيَّة، "هو بالتّأكيد أكثر مَنْ غذّى فكرة المجابهة بين الإسلام والغرب خلال الأعوام الماضية، وهو شخصيَّة أكاديميَّة وسياسيَّة فاعلة ومقرَّبة جدّاً من بول وولفويتز، أحد المحافظين الجدد في إدارة بوش الابن الأميركيّة، ويُعَدّ من أنصار السياسة الصّهيونية والحرب على العراق العام 2003 (كان أحد مهندسيها)".

ويُعتَبرُ لويس منشئ مُصطَلح "صدام الحضارات"، الّذي يرى فيه، وفق غريش، "ردّ فعلٍ لخصمٍ قديم (الإسلام) ضدّ موروثنا اليهودي المسيحي وحاضرنا العلماني". وفي العام 1993، لاقى موقف لويس رواجاً بعد مقالة لصموئيل هنتنغتون في مجلّة "الشؤون الخارجية" الأميركيّة، قال فيها إنَّ "أسباب انقسامات الإنسانيّة في المستقبل ستكون ثقافيّة، والنزاعات السياسيّة العالمية الرئيسة ستدفع أُمماً وجماعات تنتمي إلى حضارات مختلفة لمجابهة بعضها بعضاً". هذه الرؤية لصدام الحضارات، يقول غريش في الكتاب، "تقوم أساساً على تعارض بين هويّتين مختلفتين، هما الإسلام وحضارة الغرب (سمّياها الحضارة اليهوديّة المسيحيّة)".

يقول غريش: "وينسى لويس أنَّ ما يسمّيها "حضارتنا اليهودية ـ المسيحية" في أوروبا وأميركا، ظلت لفترة طويلة لا تقبل اليهود إلا بصعوبة.

ويتساءل غريش في الفصل الثاني من كتابه  بعنوان "عن الإسلام والمسلمين": "هل سنتمكَّن من نبش مفتاح الأفعال المتطرّفة للقاعدة وأسامة بن لادن بمقطع من القرآن؟ وهل من الممكن الاعتقاد أنّ الإسلام يمكنه تعريف واقع العالم المسلم وسلوك أكثر من مليار مسلم في العالم حاليّاً؟ ما يميّز العالم الإسلامي هو عدم تجانسه. هناك 75 دولة في "منظَّمة المؤتمر الإسلاميّ"، وتتعايش في هذه الدّول أنظمة سياسية شديدة التنوّع". فمن الخطأ، في رأيه، إطلاق التعميم على المسلمين ومعتقداتهم وتصرّفاتهم كمجموعة عالمية متطرّفة أو غير متطرّفة، من دون الأخذ بهذا الواقع. ووفق قول ماكسيم رودنسون، يقول غريش: "العقيدة الدّينيَّة تلعب دوراً معيّناً، لكنّها لا تسمح بفهم جوهر ما يؤسِّس حياة المجتمعات الإسلاميّة المتنوعة وتاريخها... ولا يمكن اختزال المجتمعات بمعتقداتها الدينيّة".

كما يستشهد غريش في كتابه بموقفٍ مشابهٍ لإدوارد سعيد في كتابه "تغطية الإسلام"، حيث يقول سعيد: "عندما نتحدَّث عن المسيحيَّة، فإنّنا نأخذ في الحسبان الوقائع المتغيّرة والمتناقضة أحياناً للشّعوب المسيحيّة في ألفي عام من التّاريخ. لكن عندما يتعلَّق الأمر بالإسلام، وعندما نتحدَّث عن الإسلام، نُلغي إلى حدّ ما، وبشكلٍ آليّ، الزّمان والمكان. يحدّد مصطلح الإسلام جزءاً مما يحدث في العالم الإسلامي الّذي يشمل مليار نسمة، ويتضمّن عشرات الدول والمجتمعات والتّقاليد التراثية واللغات والتجارب المختلفة".

يقول غريش في أحد فصول كتابه: "كان إعلان حقوق الإنسان عالميّاً، ولكن لا يمكن تطبيقه على الشعوب "المتخلفة". ويضيف الكاتب أنَّ تقسيم الإنسانيّة إلى "حضارية" و"بربرية" الذي استخدمته الإدارة الأميركيّة في حربها ضدّ الإرهاب، استند إلى "شبه" علم جديد هو الاستشراق الَّذي حدّد إدوارد سعيد وجهه المزدوج القائم على تمييز وجوديّ ومعرفي بين الشّرق والغرب، بينما العلاقة بين الغرب والشّرق هي علاقة سيطرة وعلاقة سلطة وهيمنة.

وتحدَّث غريش عن السياسة الفرنسيَّة الرسميَّة تجاه العالم العربيّ الإسلاميّ، وقال إنَّ موقف حكومة الرّئيس الفرنسي السّابق جاك شيراك ووزير خارجيَّته دومينيك دو فيلبان، كان مشرّفاً في معارضتهما للغزو الأميركيّ للعراق العام 2003. ولكنّ شيراك بدّل موقفه لاحقاً، وشعر بضرورة التعويض لإدارة بوش ولإسرائيل عن هذا الموقف، فأصبحت سياسات حكومته أكثر أطلسيَّة. وتابع هذا الموقف خليفته نيكولا ساركوزي، وأصبح الموقف في قمّة سلبيَّته في حكومة فرنسوا هولاند ووزير خارجيّته الحالي لوران فابيوس، وتعاطفهما المتزايد مع إسرائيل وحلفائها في المنطقة.

كما انتقد غريش في الكتاب إخفاق اليسار الفرنسيّ في استقطاب الشَّباب والشّباب المهاجر من دول المغرب العربيّ، ودفعه نحو الاندماج والشّعور بالانتماء إلى المجتمع الفرنسيّ، علماً أنَّ الشّباب الفرنسي من أصل مغاربي كان من أكثر المتحمِّسين لفوز اليسار (بقيادة الحزبين الشيوعي والاشتراكي) في انتخابات فرنسا في العقود الماضية. وكان الشبّان والشابّات المغاربة يجوبون الشّوارع الفرنسيّة بسيّاراتهم احتفالاً، عندما فاز اليسار انتخابيّاً بقيادة فرنسوا ميتران وجورج مارشيه، وشعروا وكأنّ أبواب فرنسا فُتحت أمامه.

أمّا حاليّاً، وبعدما ابتلع الحزب الاشتراكي حليفه الحزب الشّيوعيّ الفرنسي، واتخذ مواقف شبيهة لمواقف خصومه في ضغوطه على المسلمين وتعاطفه مع إسرائيل، فإنَّ الشّعور بالتّهميش لدى عرب فرنسا تفاقم.

وفي الفصل الثّالث من الكتاب، يتحدَّث غريش بعمق عن نشوء فكرة الإسلامويَّة والدّول الإسلاميّة وتطوّرها إلى ما وصلت إليه اليوم، ما زاد من تصاعد الخوف الغربيّ من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، مؤكِّداً أنَّ السياسيّين وقادة وسائل الإعلام في فرنسا والعالم الغربي، أسهموا بشكلٍ أساس في التّصعيد وتشنّج المشاعر. كما يطرح في هذا الفصل ضرورة أن يُعرّف القانون الدّولي مفهوم الإرهاب تعريفاً أكثر وضوحاً، ويؤكِّد وجود إرهاب الدّول إلى جانب إرهاب المجموعات والتّنظيمات المسلّحة.

وفي خاتمة الكتاب، يبدي المؤلّف تخوّفه من المشاريع المشبوهة الّتي تريد تدمير العالم، يقول غريش: "إنَّ هذا المشروع الَّذي يقسم العالم بين "نحن" و"هم"، هو مشروع مدمّر وسائر في الطّريق نحو حرب أهليَّة، ويجب أن يقف ضدّه مشروع آخر يرتكز على المواطنة وإقامة الحقوق نفسها للمواطنين جميعاً، فتنشأ نتيجة ذلك إرادة مشتركة للعيش معاً بوئام".

كتاب غنيّ بتحليله، يقارب الأمور من وجهة نظر باحث متخصِّص في الشّؤون الشّرق أوسطيّة والمغاربيّة وما يتعلَّق بالقضايا الإسلاميّة.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية