كتاب "لمحات في تاريخ التشيُّع"، لمؤلّفه الرَّاحل الأستاذ المحقِّق حسن الأمين، منشورات الغدير للدِّراسات والنَّشر.
يصدِّر المؤلّف كتابه بالإشارة إلى المنطلق الخاطئ عند البعض، والَّذي يصوِّر التشيّع على أنه ظاهرة غريبة وطارئة على الإسلام، واعتباره جاء من إفرازات الأحداث التاريخيَّة الَّتي تلت وفاة الرّسول(ص).
ويلفت إلى حديث غدير خمّ وغيره من الأحاديث الّتي كانت واضحةً ومفصليَّةً، بأنَّ التشيّع ليس كائناً منفصلاً عن جوهر الدَّعوة الإسلاميَّة، بل إنَّ التشيّع هو وليد الإسلام، ولم ينشأ جرّاء انقسامات سياسيَّة واجتماعيَّة وفكريَّة.
ويلقي المؤلِّف اللّوم على نقّاد التاريخ، الَّذين غضّوا الطّرف عمَّا أنجزه التشيّع من مفاخر رساليّة عبّرت عن جوهر الإسلام، لا بالعكس، بل ذهب هؤلاء إلى التصيّد بالماء العكِر، وشوَّهوا الحقائق، وزوَّروا الأحداث لمصالح شخصيَّة ومذهبيَّة ضيّقة.
ويتابع السيِّد الأمين، أنّه إذا أردنا فهم التشيّع فهماً صحيحاً، فعلينا فهم الإسلام أوَّلاً فهماً صحيحاً، لجهة استجلاء روح مفاهيمه وغاياته الإنسانيَّة والحضاريَّة. وعندها، نتعرَّف إلى أيِّ مدى كان التشيّع في أصالته تعبيراً حيّاً عن روح الإسلام، وليس شيئاً خارجاً عنه، أو دخيلاً على جسمه وروحه.
ويذكر المؤلِّف أنَّ الرّسول الأكرم(ص) حمل لواء التشيّع، ومن بعده عليّ(ع)، وشهد التاريخ صفحاتٍ مشرقةً للدّول الَّتي سلكت خطَّ التشيّع، وهذا ما شهد عليه القرن الرّابع الهجريّ من نهضة فكريَّة ودينيَّة وحضاريَّة وأدبيَّة وعلميَّة جديرة بالعناية والدّرس.
وعلى المستوى الفرديّ، فإنَّ علماء الشّيعة بإسهاماتهم، حموا الإسلام من حملات التّشويه والتدمير الممنهجة، والّتي قام بها ـ مثلاً ـ المغول، حيث أدرك نصير الدّين الطوسي أنَّ النصر العسكري على المغول مستحيل، فكان لا بدَّ من نهضة فكريّة تحمي دعائم الإسلام من السّقوط.
ويشير الأستاذ الأمين إلى أنَّ التَّاريخ الشّيعيّ سعى إلى تجسيد الإسلام الصَّحيح، ولم يكن يوماً يسعى إلى المنصب، وكان يرفض إحياء الفروقات الطبقيَّة التي أماتها الإسلام، مهما كان نوعها وشكلها، كما رفض التَّضييق على حرّية الرّأي أو خنقها. ويصل الأستاذ الأمين إلى القول إنَّ تاريخ الإسلام كرسالةٍ إنسانيَّة، هو هذا الصّراع بين الخطّيْن: خطّ الانحراف ودولة الجور والظّلم، وخطّ المبادئ الإسلاميَّة الصَّحيحة.
وفي الكتاب أيضاً، حديث عن شعارات التشيّع، الَّتي هي شعارات الإسلام، من صبرٍ وتضحيةٍ وجهاد، وغرس الوعي والمعارف الإسلاميَّة الأصيلة، وهو ما نراه واضحاً في الخطبة الشَّهيرة للسيِّدة الزّهراء(ع).
ويذكِّر المؤلّف بالعديد من المراحل التاريخيَّة الَّتي أوضحت الأحداث فيها ما حاول التشيّع ورموزه القيام به، للحفاظ على هويَّة الإسلام الأصيلة من الانحراف والضّياع.
وينبِّه الأستاذ الأمين إلى ما يقوم به البعض من تشويهٍ وتحريفٍ لحقائق التاريخ، وما لذلك من تداعيات، بقوله: "ولست أغالي مطلقاً إذا قلت إنَّ الغالبيّة السّاحقة لما يكتب عن المسلمين والإسلام، وفيما يتعلَّق منه بشكلٍ خاصّ بالشّيعة، إنما هو مجرَّد تحريفٍ وتشويهٍ وطمسٍ للحقائق. وأمام هذا الواقع، لا بدَّ من إعادة كتابة التاريخ الإسلاميّ بشكل عام، والتاريخ الشيعي بشكل خاصّ، لكي يستطاع جلو الصّدأ الَّذي تراكم على الحقائق حتى كاد يقضي عليها. لقد آن الأوان لكي تُقال الحقائق وتعرف على مستوى عالمي وإنسانيّ. ولا يسوّغ في أيِّ حالٍ من الأحوال، أن يترك الظّلام يسطو على الحقيقة في وضح النّهار".
كتابٌ فيه الكثير من الحقائق والتّنبيهات الموثَّقة، مما يستدعي قراءةً موضوعيَّة، وبعيدةً عن التحيُّز له، وهو ما يترك الأثر الطيِّب في مقاربة التّاريخ وأحداثه بعيداً عن التعصّب.