كتاب "الإنسان في القرآن"، للصّحافي والمفكّر المصريّ، عباس محمود العقاد، صادر حديثاً عن دار "نهضة مصر"، ويتألَّف من جزأين، ويقع في ثمانية فصول. يسعى فيه الكاتب إلى تأكيد المعنى الإنسانيّ والحضاريّ للقرآن والدّين الإسلاميّ في توجيههما لوجود الإنسان وإرادته وحريّته وغاياته السّامية، وفي تجذير قيمته الإنسانيّة والحضاريّة، في مواجهة كلّ أبواق الجهل والتخلّف والتقوقع.
في الجزء الأوّل من الكتاب، سعى العقاد إلى توضيح نظرة القرآن إلى الإنسان، كمخلوقٍ حرٍّ وفاعل، ومعنى الإنسانيّة التي كرّمها الله تعالى، كقيمة على سائر المخلوقات، وأراد لها أن تسمو وترتفع وتعايش كلّ مضمون ومعنى يرتفع بحضورها ووعيها.
أمّا الجزء الثاني، فيتعرّض لنظرة العلم والفكر البشريّ إلى الإنسان، وإلى موقعه وتفسيره في العلوم الطبيعيّة وعلم النّفس والأخلاق، ونشأة الإنسان في مذاهب الحدس والخيال. وتتمحور الفكرة الرّئيسة حول الإجابة عن تساؤلاتٍ تحاول تكوين فكرة عامّة، وهي ضرورة بناء الوعي الإنسانيّ والدّينيّ على أساس متين يضمن سلامة تفكير الإنسان، ويحقِّق له ذاته ووجوده، عبر النّظرة الشاملة والموضوعيّة لكلّ أبعاد الإنسان ومشكلاته المعرفيّة والوجوديّة.
يعتبر الكاتب أنَّ العقيدة الدينيّة المنفتحة على أسئلة الوجود بالشّكل العمليّ والعلميّ، كفيلة بتحقيق توازن الفرد في مواجهة الزَّمن وكلّ المستجدَّات الّتي تتطلَّب إجابات شافية لا بدَّ من أن تنطلق من ذهنيّة منفتحة وواعية، غير مشدودة إلى الوراء وإلى أسر الماضي، بل مستفيدة من كلِّ التّجارب والتّراث، بعد هضمها جيِّداً، في سبيل تحصين الذّات والهويّة.
والصّورة الكاملة للإنسان، تتوضَّح عناصرها عند العقّاد في تركيزه على أركان المسؤوليّة الإنسانيّة، التي قوامها "العمل والعلم والتّبليغ"، فالتّبليغ يعني أنَّ الأمّة مسؤولة بعد بعث الرّسُل إليها، وعليها حفظ أمانة ما بُلِّغت به، والعلم هو الميزة الأساسيّة لخلق الإنسان، وكانت أوّل آية في القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق: 1].
أمّا العمل، فهو مشروط بتكليف الإنسان وطاقته: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة:286]، و{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: 39].
لقد جعل الله تعالى في الإنسان كلّ القابليّات، وأهّله بكلّ الإمكانات الَّتي تميّزه عن سائر المخلوقات، ومع ذلك، انحرف عن طبيعة تفرّده عن باقي المخلوقات بكثير من المساوئ، ومنها ظلمه لنفسه وللآخرين وللحياة، وكفره بربِّه وما أعطاه من مواهب ونِعَمْ، {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم: 34].
لقد منح الله الإنسان القدرة على العمل، وأعطاه الإرادة والاختيار، بما ينسجم مع وظيفته في تحقيق ذاته ونفع الحياة، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين: 4]، والتقويم هنا هو الاعتدال، وحُسن التعامل مع الذات والكون من حولها.. ومن هنا، فإنّ مكان الإنسان في القرآن، هو أشرف مكان، فهو كائن يحمل أمانة تكليف الله له، ومناط التّكليف هو العقل.
والعقل هنا ليس محصوراً بوظيفة معيَّنة، بل له ملكات ووظائف تنير للإنسان طريقه، وتحقّق توازنه، فالعقل هو الرّشد، والرؤية، والبصيرة النّافذة، والتدبُّر، والتأمّل، والتفكُّر، والتبصُّر في أمر السَّماء والأرض والخلق، {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً}[آل عمران: 191].
كتاب العقّاد هامّ جدّاً وعميق، وكأنّه يخاطبنا اليوم بلغته وموضوعاته وغاياته، محاولاً الإجابة عن أسئلة وجوديّة ومصيريّة لا تزال مطروحةً اليوم، وفي ظلّ ظروف معقّدة، حيث فوضى الشّعارات والتنظير والكلام. وهو يلفت فيه إلى ضرورة إيجاد إنسان عاقل مكلّف واعٍ؛ إنسان القرآن المنفتح على لغة الزّمان والمكان والوجود، في مواجهة كلِّ أشكال التقوقع والرجعيّة والانغلاق.
كتاب "الإنسان في القرآن"، للصّحافي والمفكّر المصريّ، عباس محمود العقاد، صادر حديثاً عن دار "نهضة مصر"، ويتألَّف من جزأين، ويقع في ثمانية فصول. يسعى فيه الكاتب إلى تأكيد المعنى الإنسانيّ والحضاريّ للقرآن والدّين الإسلاميّ في توجيههما لوجود الإنسان وإرادته وحريّته وغاياته السّامية، وفي تجذير قيمته الإنسانيّة والحضاريّة، في مواجهة كلّ أبواق الجهل والتخلّف والتقوقع.
في الجزء الأوّل من الكتاب، سعى العقاد إلى توضيح نظرة القرآن إلى الإنسان، كمخلوقٍ حرٍّ وفاعل، ومعنى الإنسانيّة التي كرّمها الله تعالى، كقيمة على سائر المخلوقات، وأراد لها أن تسمو وترتفع وتعايش كلّ مضمون ومعنى يرتفع بحضورها ووعيها.
أمّا الجزء الثاني، فيتعرّض لنظرة العلم والفكر البشريّ إلى الإنسان، وإلى موقعه وتفسيره في العلوم الطبيعيّة وعلم النّفس والأخلاق، ونشأة الإنسان في مذاهب الحدس والخيال. وتتمحور الفكرة الرّئيسة حول الإجابة عن تساؤلاتٍ تحاول تكوين فكرة عامّة، وهي ضرورة بناء الوعي الإنسانيّ والدّينيّ على أساس متين يضمن سلامة تفكير الإنسان، ويحقِّق له ذاته ووجوده، عبر النّظرة الشاملة والموضوعيّة لكلّ أبعاد الإنسان ومشكلاته المعرفيّة والوجوديّة.
يعتبر الكاتب أنَّ العقيدة الدينيّة المنفتحة على أسئلة الوجود بالشّكل العمليّ والعلميّ، كفيلة بتحقيق توازن الفرد في مواجهة الزَّمن وكلّ المستجدَّات الّتي تتطلَّب إجابات شافية لا بدَّ من أن تنطلق من ذهنيّة منفتحة وواعية، غير مشدودة إلى الوراء وإلى أسر الماضي، بل مستفيدة من كلِّ التّجارب والتّراث، بعد هضمها جيِّداً، في سبيل تحصين الذّات والهويّة.
والصّورة الكاملة للإنسان، تتوضَّح عناصرها عند العقّاد في تركيزه على أركان المسؤوليّة الإنسانيّة، التي قوامها "العمل والعلم والتّبليغ"، فالتّبليغ يعني أنَّ الأمّة مسؤولة بعد بعث الرّسُل إليها، وعليها حفظ أمانة ما بُلِّغت به، والعلم هو الميزة الأساسيّة لخلق الإنسان، وكانت أوّل آية في القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق: 1].
أمّا العمل، فهو مشروط بتكليف الإنسان وطاقته: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة:286]، و{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: 39].
لقد جعل الله تعالى في الإنسان كلّ القابليّات، وأهّله بكلّ الإمكانات الَّتي تميّزه عن سائر المخلوقات، ومع ذلك، انحرف عن طبيعة تفرّده عن باقي المخلوقات بكثير من المساوئ، ومنها ظلمه لنفسه وللآخرين وللحياة، وكفره بربِّه وما أعطاه من مواهب ونِعَمْ، {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم: 34].
لقد منح الله الإنسان القدرة على العمل، وأعطاه الإرادة والاختيار، بما ينسجم مع وظيفته في تحقيق ذاته ونفع الحياة، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين: 4]، والتقويم هنا هو الاعتدال، وحُسن التعامل مع الذات والكون من حولها.. ومن هنا، فإنّ مكان الإنسان في القرآن، هو أشرف مكان، فهو كائن يحمل أمانة تكليف الله له، ومناط التّكليف هو العقل.
والعقل هنا ليس محصوراً بوظيفة معيَّنة، بل له ملكات ووظائف تنير للإنسان طريقه، وتحقّق توازنه، فالعقل هو الرّشد، والرؤية، والبصيرة النّافذة، والتدبُّر، والتأمّل، والتفكُّر، والتبصُّر في أمر السَّماء والأرض والخلق، {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً}[آل عمران: 191].
كتاب العقّاد هامّ جدّاً وعميق، وكأنّه يخاطبنا اليوم بلغته وموضوعاته وغاياته، محاولاً الإجابة عن أسئلة وجوديّة ومصيريّة لا تزال مطروحةً اليوم، وفي ظلّ ظروف معقّدة، حيث فوضى الشّعارات والتنظير والكلام. وهو يلفت فيه إلى ضرورة إيجاد إنسان عاقل مكلّف واعٍ؛ إنسان القرآن المنفتح على لغة الزّمان والمكان والوجود، في مواجهة كلِّ أشكال التقوقع والرجعيّة والانغلاق.