يحثّ القرآن الكريم النّاس على أن يسبّحوا الله تعالى انفتاحاً على مواقع عظمته، فيقول سبحانه: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم: 17]. سبّحوا الله عندما تصبحون، حين يشرق الصّباح من خلال طلوع الشّمس، وحين تنفتح الحياة على كلِّ ما فيها من عظمة الله وجماله وجلاله، حيث تتعرّفون، وأنتم تتحرّكون في الصباح، إلى مواقع رزق الله ونِعَمِه، وتستشعرون بذلك عظمة الله في رحمته وفي خلقه، فتنطلقون بالتّسبيح، حيث يقول كلُّ واحدٍ منكم، تعبيراً عمّا يُحسّه في نفسه بعظمة الله: "سبحان الله"..
وهكذا، سبِّحوا الله حين تمسون، وإذا بالشّمس التي كانت تنير وجودكم قد غابت، ليحلّ الظلام، ويأتي المساء مشرقاً بالقمر والنجوم، فتستسلمون لراحة اللّيل في سكون الأعصاب وهدوء الجسد، وعند ذلك، تستشعرون عظمة الله في ظلام اللّيل، كما استشعرتم ذلك في إشراقه النّهار، وتعيشون نعمة الله في راحتكم باللّيل، كما عشتموها في حركتكم في النّهار.
{فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ} في بداية المساء، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} في بداية الصباح.
{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الروم: 18]. له الحمد ولا حمد لغيره، لأنَّ كلّ حَمْدٍ مستمَدٌّ من حمده، فهو الّذي أعطى كلَّ خلقه ما يُحْمَد عليه، فالخلق يحمد من خلال ما فيه من خصائص وعناصر وأخلاق وأقوال وأعمال، وكلُّ ذلك من عطاء الله، فهو المحمود بحمد خلقه، من خلال أنَّه المحمود في ذاته.
{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ} في عظمة خلقه في السموات {وَالْأَرْضِ}، وفي عظمة خلقه في الأرض، {وَعَشِيّاً} في بداية اللّيل، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ}، وفي وقت الظهيرة. فكلُّ وقت ينطق بحمده، وكلّ خلق يلهج بحمده، وكلّ وجود يتحرّك من خلال حمده، فله الحمد كلُّه في السموات والأرض، وفي كلّ آنٍ وزمان.
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ}[الروم: 19]. فقد يموت الإنسان الجنين داخل رَحم أُمّه وهي حيّةٌ، وقد تموت البذرة في عمق الأرض وهي تهتزّ بالحياة {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}، يتصرّف في الأمور بإرادته، فليس من الضّروريّ للميّت أن يُخرج ميتاً، ولا للحيّ أن يُخرج حيّاً.
{وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}، لأنّه سبحانه يتصرّف في خلقه بقدرته التي لا يحدُّها ولا يحكمها شيء.
{وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}. أتعرفون كيف يكون البعث؟ قد تستبعدون أن يُبعث الإنسان بعد موته، وقد تعجبون كيف أنَّ الله تعالى يعطي هذا التّراب الذي كنتم أنتم حركته في الحياة، كيف يعطيه الله الحياة، وكيف يُحيي العظام وهي رميم، وكيف يُحيي الأرض بعد موتها {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}[يس: 33]. كانت الأرض ميتة، فأنزل عليها الماء، {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[الحج: 5]. تكون الأرض ميتة، فتنبعث فيها الحياة بقدرة الله، وتكون العظام ميتة، فَتُبْعث فيها الحياة بقدرة الله {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[الروم: 19]. فالقادر على أن يُبدع الشّيء من اللاشيء، قادرٌ على أن يُبدع شيئاً من الشّيء.
ويتوجّه الخطاب القرآني للبشر: أنتم الذين تضجُّ الحياة في كلّ أجسادكم، فتتحرّك عقولكم بالفكر، وألسنتكم بالكلمة، وعيونكم بالنظر، وآذانكم بالسّماع، وأيديكم وأرجلكم بالحركة، كيف خُلقتم قبل أن تكونوا نطفة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ}؟ فكيف كنتم؟ كنتم تراباً، ثمّ كانت النطفة دماً، وقبلها كانت غذاءً، وكان الغذاء نباتاً، وقبل أن يكون نباتاً، كان تراباً {ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}[الروم: 20]، فإذا بالدّنيا تمتلئ بكم.. وهذا التراب المنتشر في الصَّحارى وفي كلِّ مكان، في الجبال والسّهول، هذا التّراب هو أنتم، تحوّل من تراب إلى نبتة إلى نطفة ودم، ثمّ انطلقت فيكم رحلة الحياة.
{وَمِنْ آيَاتِهِ}، كيف أعطى الله النبتة سرَّ الغذاء، وكيف أعطى الغذاء القدرة على أن يتحوّل دماً، كيف؟ ففي التّراب الحنطة وكلُّ الغذاء، ما علاقة النطفة بالدّم؟ وكيف صار الدم علقةً تحمل عناصر الأنوثة والذّكورة، تحمل ملامح الوجه والشخصيّة، ما العلاقة بين هذا وذاك؟ ومَن الذي أعطى النطفة حركة النموّ فتطوّرت وصارت عَلَقة؟ مَن الذي أعطى العلقة النموّ فصارت مضغة، مَن الذي أعطى المضْغَة النموّ فصارت عظاماً، وكسا العظام لحماً، فصار خلقاً آخر؟ هو الله، وهذا سرّ عظمة آياته. فالله تعالى أعطى للعلاقة الحركة بين التّراب والبشر، والحركة بين التّراب والحياة، فقدرته هي سرُّ كلِّ ما في خلقه من عناصر وقدرات وإمكانات.
* من كتاب "من عرفان القرآن".
يحثّ القرآن الكريم النّاس على أن يسبّحوا الله تعالى انفتاحاً على مواقع عظمته، فيقول سبحانه: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم: 17]. سبّحوا الله عندما تصبحون، حين يشرق الصّباح من خلال طلوع الشّمس، وحين تنفتح الحياة على كلِّ ما فيها من عظمة الله وجماله وجلاله، حيث تتعرّفون، وأنتم تتحرّكون في الصباح، إلى مواقع رزق الله ونِعَمِه، وتستشعرون بذلك عظمة الله في رحمته وفي خلقه، فتنطلقون بالتّسبيح، حيث يقول كلُّ واحدٍ منكم، تعبيراً عمّا يُحسّه في نفسه بعظمة الله: "سبحان الله"..
وهكذا، سبِّحوا الله حين تمسون، وإذا بالشّمس التي كانت تنير وجودكم قد غابت، ليحلّ الظلام، ويأتي المساء مشرقاً بالقمر والنجوم، فتستسلمون لراحة اللّيل في سكون الأعصاب وهدوء الجسد، وعند ذلك، تستشعرون عظمة الله في ظلام اللّيل، كما استشعرتم ذلك في إشراقه النّهار، وتعيشون نعمة الله في راحتكم باللّيل، كما عشتموها في حركتكم في النّهار.
{فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ} في بداية المساء، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} في بداية الصباح.
{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الروم: 18]. له الحمد ولا حمد لغيره، لأنَّ كلّ حَمْدٍ مستمَدٌّ من حمده، فهو الّذي أعطى كلَّ خلقه ما يُحْمَد عليه، فالخلق يحمد من خلال ما فيه من خصائص وعناصر وأخلاق وأقوال وأعمال، وكلُّ ذلك من عطاء الله، فهو المحمود بحمد خلقه، من خلال أنَّه المحمود في ذاته.
{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ} في عظمة خلقه في السموات {وَالْأَرْضِ}، وفي عظمة خلقه في الأرض، {وَعَشِيّاً} في بداية اللّيل، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ}، وفي وقت الظهيرة. فكلُّ وقت ينطق بحمده، وكلّ خلق يلهج بحمده، وكلّ وجود يتحرّك من خلال حمده، فله الحمد كلُّه في السموات والأرض، وفي كلّ آنٍ وزمان.
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ}[الروم: 19]. فقد يموت الإنسان الجنين داخل رَحم أُمّه وهي حيّةٌ، وقد تموت البذرة في عمق الأرض وهي تهتزّ بالحياة {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}، يتصرّف في الأمور بإرادته، فليس من الضّروريّ للميّت أن يُخرج ميتاً، ولا للحيّ أن يُخرج حيّاً.
{وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}، لأنّه سبحانه يتصرّف في خلقه بقدرته التي لا يحدُّها ولا يحكمها شيء.
{وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}. أتعرفون كيف يكون البعث؟ قد تستبعدون أن يُبعث الإنسان بعد موته، وقد تعجبون كيف أنَّ الله تعالى يعطي هذا التّراب الذي كنتم أنتم حركته في الحياة، كيف يعطيه الله الحياة، وكيف يُحيي العظام وهي رميم، وكيف يُحيي الأرض بعد موتها {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}[يس: 33]. كانت الأرض ميتة، فأنزل عليها الماء، {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[الحج: 5]. تكون الأرض ميتة، فتنبعث فيها الحياة بقدرة الله، وتكون العظام ميتة، فَتُبْعث فيها الحياة بقدرة الله {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[الروم: 19]. فالقادر على أن يُبدع الشّيء من اللاشيء، قادرٌ على أن يُبدع شيئاً من الشّيء.
ويتوجّه الخطاب القرآني للبشر: أنتم الذين تضجُّ الحياة في كلّ أجسادكم، فتتحرّك عقولكم بالفكر، وألسنتكم بالكلمة، وعيونكم بالنظر، وآذانكم بالسّماع، وأيديكم وأرجلكم بالحركة، كيف خُلقتم قبل أن تكونوا نطفة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ}؟ فكيف كنتم؟ كنتم تراباً، ثمّ كانت النطفة دماً، وقبلها كانت غذاءً، وكان الغذاء نباتاً، وقبل أن يكون نباتاً، كان تراباً {ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}[الروم: 20]، فإذا بالدّنيا تمتلئ بكم.. وهذا التراب المنتشر في الصَّحارى وفي كلِّ مكان، في الجبال والسّهول، هذا التّراب هو أنتم، تحوّل من تراب إلى نبتة إلى نطفة ودم، ثمّ انطلقت فيكم رحلة الحياة.
{وَمِنْ آيَاتِهِ}، كيف أعطى الله النبتة سرَّ الغذاء، وكيف أعطى الغذاء القدرة على أن يتحوّل دماً، كيف؟ ففي التّراب الحنطة وكلُّ الغذاء، ما علاقة النطفة بالدّم؟ وكيف صار الدم علقةً تحمل عناصر الأنوثة والذّكورة، تحمل ملامح الوجه والشخصيّة، ما العلاقة بين هذا وذاك؟ ومَن الذي أعطى النطفة حركة النموّ فتطوّرت وصارت عَلَقة؟ مَن الذي أعطى العلقة النموّ فصارت مضغة، مَن الذي أعطى المضْغَة النموّ فصارت عظاماً، وكسا العظام لحماً، فصار خلقاً آخر؟ هو الله، وهذا سرّ عظمة آياته. فالله تعالى أعطى للعلاقة الحركة بين التّراب والبشر، والحركة بين التّراب والحياة، فقدرته هي سرُّ كلِّ ما في خلقه من عناصر وقدرات وإمكانات.
* من كتاب "من عرفان القرآن".