[ورد في الصّحيفة السّجاديّة، في دعاء الإمام زين العابدين (ع) في استكشاف الهموم]:
"اللّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ سُؤالَ مَنِ اشتَدَّتْ فاقَتُهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَكَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، سُؤالَ مَن لا يَجِدُ لِفاقَتِهِ مُغيثاً، وَلا لِضَعْفِهِ مُقَوِّياً، وَلا لِذَنْبِهِ غافِراً غَيْرَكَ.
يا ذَا الْجَلالِ وَالإكْرامِ، أَسْأَلُكَ عَمَلاً تُحِبُّ بِهِ مَنْ عَمِلَ بِهِ، وَيَقيناً تَنْفَعُ بِهِ مَنِ اسْتَيْقَنَ بِهِ حَقَّ الْيَقينِ في نَفاذِ أَمْرِكَ.
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاقْبِضْ عَلَى الصِّدْقِ نَفْسي، وَاقْطَعْ مِنَ الدُّنْيا حاجَتي، وَاجْعَلْ فيما عِنْدَكَ رَغْبَتي، شَوْقاً إِلى لِقائِكَ، وَهَبْ لي صِدْقَ التَّوكُّلِ عَلَيْكَ".
أنا المذنب الضّعيف!
يا ربّ، أنا الإنسان السائل وأنت المعطي، فمن أنا في موقع السؤال هذا؟
أنا السّائل الذي يعي الشدّة في حاجته، بحيث تحوّلت المسألة عنده إلى حالةٍ من الضّرورة القصوى المتّصلة بضرورات الحياة. أنا الضّعيف في قوّته، حتى لا يملك التّماسك في توازن الموقف الّذي يتحوّل السؤال لديه إلى حاجة لعناصر القوّة من عندك بأكثر مما وهبت له من ذلك...
أنا المذنب الذي كثُرت ذنوبه، وأحاطت به خطيئته، حتى أصبح مثقلاً بها، رازحاً تحتها، فكان السؤال الخاضع يتحرّك في إلغاء ذنوبه بالمغفرة، ومحو الخطيئة بالعفو، وتخفيف الثّقل بالرّحمة.
كلّ ذلك في شعور عميق بأنّك ـ وحدك ـ المغيث له في فاقته، والمقوّي لضعفه، والغافر لذنبه، فليس له أحدٌ يحلّ مشكلته في ذلك.
غايتي رضوانك
يا الله، يا صاحب الجلال الّذي لا يبلغه أحد في مداه، ويا ذا الإكرام الّذي لا يملك أحد مثله، أسألك أن توفِّقني للعمل الذي يشدّني إلى الحصول على محبَّتك، والوصول إلى ساحة رضوانك، من خلال ما يمثّله العمل من عناصر حبّك ورضوانك.
وهب لي اليقين الّذي يتمثّل في صفاء العقيدة، ووضوح الرؤيا، وانفتاح الروح، وطمأنينة النفس، وسكينة الشعور، مما يتحقّق به النفع لصاحبه؛ إنّه اليقين الإنساني الذي يتحوّل إلى قوّة روحيّةٍ منفتحة على قدرتك النّافذة على كلّ مخلوق في حكمتك وإرادتك، فلا يملك أحد منهم أن يبتعد عنها ويهرب منها.
يا ربّ، اجعلني من الصّادقين الذين يتمثّل الصّدق في ذواتهم فكراً وروحاً وموقفاً وكلاماً والتزاماً، مع النّفس والربّ والنّاس من حولي، حتى يتحوّل الصّدق لديّ إلى حالة في الذّات، تماماً كما لو كانت جزءاً منها.
واجعلني ممن ينظر إلى الدّنيا نظرته إلى شيء طارئ زائل تتحرّك الحاجة فيه في وضع معيَّن، فلا تمثّل الحاجة المهيمنة على الذّات، بحيث تكون في حركتها في قمّة اهتماماتها، في استغراقٍ عميق لا يفسح المجال للآخرة في اهتماماتها في قضيّة المصير، حتى لا تكون الدّنيا والبقاء كلّ همّي فأنسى الآخرة.
ووجّهني إلى الرغبة الجامحة بما عندك من النّعيم والرّضوان، فيشدّني ذلك إلى الشّوق إلى لقائك، بحيث أستعجل فرصة الوفادة إليك، واجعلني من المتوكّلين عليك في صدق التوكّل، بحيث تنفتح كلّ حياتي على التطلّع إلى قدرتك ورحمتك ولطفك، فأحسّ بالثّقة في كلّ أموري مما أتحرّك فيه للحصول عليه.
* من كتاب "آفاق الرّوح"، ج2.