صفات المؤمنين كما يعرضها القرآن الكريم

صفات المؤمنين كما يعرضها القرآن الكريم

وتتوالى الآيات في عرض صفات المؤمنين {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[الشورى: 38].

الاستجابة لنداء الله

يناديهم ربّهم ليقرُبوا إليه سبحانه بأفكارهم وأقوالهم وأعمالهم، ويُجيبون النّداء: لبَّيك وسَعْدَيْك فيما أمرتنا من الصَّلاة والزّكاة والخمس والصَّوم والجهاد والحجّ واجتناب المحرَّم، لبَّيك في اجتناب الظنّ والتّجسُّس، لبَّيك في رفض الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وألوان الرّجس كافّة..

إقامة الصّلاة

وكان من مظاهر استجابتهم لربّهم {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}، لأنَّ الصلاة عمود الدّين، ومعراج روح المؤمن إلى ربِّه، فمن لا يصلّي، لا يعيش معنى الخضوع لربِّه، ولا معنى العبوديّة له سبحانه، وهو بالتالي يتكبّر على خالقه، ومَنْ يتكبّر على ربِّه يكون كإبليس، إبليس الّذي كانت مشكلته أنّه لم يسجد بأمر الله لآدم (ع)، {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}[الأعراف: 12 ـ 13]. إبليس خرج من الجنّة بسبب رفضه لسجدة واحدة {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[الحجر: 34 ـ 35].

فهل يأمل الذين لا يصلّون أن يدخلوا الجنّة؟ الصّلاة هويّة المسلم، فالمسلم الّذي لا يصلّي، صحيحٌ أنَّه مسلمٌ، ولكنّه يفتقد الهويّة الحقيقيّة "الصّلاة عمود الدِّين، إنْ قُبِلَتْ قُبِلَ ما سواها، وإنْ رُدَّتْ رُدَّ ما سِواها". ففي الصلاة، يعيش الإنسان معنى خضوعه لله سبحانه، وهذا ينعكس على كلِّ أعماله. والله تعالى يقول: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[الماعون: 4 ـ 7]. الويل لهؤلاء الأشخاص الذين يصلّون، ولكن يؤخّرون الصّلاة إلى خارج وقتها، أو الذين يصلّون ليُراؤوا بذلك النّاس أنَّهم يُصلّون، أو الذين يصلّون ويمنعون الطعام عن الذين يحتاجون إليه وهم قادرون عليه، هؤلاء لهم الويل، فكيف بالذين لا يصلّون أبداً؟

ويقول سبحانه أيضاً: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثّر: 38 ـ 46]. هذا لسان حال تاركي الصّلاة: كنّا نملك ولا نعطي المساكين، وننساق وراء الهتافات، فإذا مشى النّاس في الوحل مشينا في الوحل، وإذا مشوا على الماء الصافي مشينا معهم، لم يكن لدينا موقف، ولم نملك التّقوى، وكنّا ننكر يوم القيامة مستهزئين، وهم يردّدون: مَنْ ذهب إلى الآخرة وعاد ليخبر ما رأى؟

ولذلك، علينا أن نملأ ذهنيّتنا بثقافة القرآن، ونرفض كثيراً من المواقف التي تتستّر على الذين لا يصلّون، ولا نقبل بتلك المقولات بأنَّ فلاناً "آدميّ" وطيِّبٌ، وليس من مشكلة صلّى أو لم يُصلِّ. إنّنا نقول، كيف يكون طيِّباً ويتمرّد على الله، أو كيف يكون خَيِّراً ويتكبّر على الله، وكيف يكون كريماً ويترفّع عن الخضوع لله؟ إنَّ مسألة تقويم النّاس لا نأخذها من الآراء الشعبيّة، إنَّما نأخذها من القرآن الكريم الذي يحدِّد لنا خطَّ السير والمنهج الأصوب، لتكون حياتنا كلُّها لله وفي سبيله.

مبدأ الشورى

ونعود إلى الذين {اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}. مجتمع هؤلاء مجتمع الجنّة وهم في الدّنيا، فليس مجتمعُهم مجتمعَ الاستبداد الذي يتفرّد فيه الإنسان برأيه، ولا يفكِّر أحدهم في أنَّه هو الذي يفهم، وأمّا الآخرون فمحتاجون إلى عقله، وليس بحاجة إلى عقل أحد. فالذي هو من أهل الجنّة، يعتبر أنَّ له عقلاً وللآخرين عقولهم، له طريقته، وللآخرين طريقتهم في فهم الأمور، ولا يدّعي أنَّه يعرف الحقيقة كلَّها، بل يعرف جزءاً من الحقيقة، والآخرون يعرفون الأجزاء الأخرى.

ومن هنا، أراد الله لرسوله (ص) أن يشاور المسلمين، وهو الغنيُّ عن المشاورة والرأي، ولكن لينبّهنا نحن، ويعلّمنا كيف نُكوِّن فهمنا في معرفة الأشياء وحقيقتها، فقال سبحانه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

فيا أيُّها الإنسان، عليك في كلِّ أمرٍ يتعلّق بحياتك الشخصيّة أو العائليّة أو الاجتماعيّة أو السياسيّة، أو أيّ أمر ترى فيه مصلحة حياتك، ولم تصل إلى الرأي السّديد في ذلك، أن تستشير النّاسَ من حولك لتجمع آراءَها: "مَنْ شاور الرّجال شاركها في عقولها". فكما أنَّه إذا كنت تملك رأسَ مالٍ صغيراً، وشاركت فيه جماعة، فإنّه ينتج ويتحرّك بشكلٍ أقوى، وإذا بقي مجمّداً عندك فإنّه لا يُنتج شيئاً، كذلك عقلك، فإذا ضممته إلى عقول الآخرين، فإنَّك تحصل على عقلٍ كبير، وتستطيع أن تدرك الحقائق أكثر.

إذاً {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}. فأهل الجنّة ليسوا في الدّنيا بخلاء {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء}[محمّد: 38]، فهؤلاء يبذلون ممّا رزقهم الله إلى مَنْ يحتاج إلى الرّزق، فينفقون على الآخرين كما ينفقون على أنفسهم.

* من كتاب "من عرفان القرآن".

وتتوالى الآيات في عرض صفات المؤمنين {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[الشورى: 38].

الاستجابة لنداء الله

يناديهم ربّهم ليقرُبوا إليه سبحانه بأفكارهم وأقوالهم وأعمالهم، ويُجيبون النّداء: لبَّيك وسَعْدَيْك فيما أمرتنا من الصَّلاة والزّكاة والخمس والصَّوم والجهاد والحجّ واجتناب المحرَّم، لبَّيك في اجتناب الظنّ والتّجسُّس، لبَّيك في رفض الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وألوان الرّجس كافّة..

إقامة الصّلاة

وكان من مظاهر استجابتهم لربّهم {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}، لأنَّ الصلاة عمود الدّين، ومعراج روح المؤمن إلى ربِّه، فمن لا يصلّي، لا يعيش معنى الخضوع لربِّه، ولا معنى العبوديّة له سبحانه، وهو بالتالي يتكبّر على خالقه، ومَنْ يتكبّر على ربِّه يكون كإبليس، إبليس الّذي كانت مشكلته أنّه لم يسجد بأمر الله لآدم (ع)، {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}[الأعراف: 12 ـ 13]. إبليس خرج من الجنّة بسبب رفضه لسجدة واحدة {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[الحجر: 34 ـ 35].

فهل يأمل الذين لا يصلّون أن يدخلوا الجنّة؟ الصّلاة هويّة المسلم، فالمسلم الّذي لا يصلّي، صحيحٌ أنَّه مسلمٌ، ولكنّه يفتقد الهويّة الحقيقيّة "الصّلاة عمود الدِّين، إنْ قُبِلَتْ قُبِلَ ما سواها، وإنْ رُدَّتْ رُدَّ ما سِواها". ففي الصلاة، يعيش الإنسان معنى خضوعه لله سبحانه، وهذا ينعكس على كلِّ أعماله. والله تعالى يقول: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[الماعون: 4 ـ 7]. الويل لهؤلاء الأشخاص الذين يصلّون، ولكن يؤخّرون الصّلاة إلى خارج وقتها، أو الذين يصلّون ليُراؤوا بذلك النّاس أنَّهم يُصلّون، أو الذين يصلّون ويمنعون الطعام عن الذين يحتاجون إليه وهم قادرون عليه، هؤلاء لهم الويل، فكيف بالذين لا يصلّون أبداً؟

ويقول سبحانه أيضاً: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثّر: 38 ـ 46]. هذا لسان حال تاركي الصّلاة: كنّا نملك ولا نعطي المساكين، وننساق وراء الهتافات، فإذا مشى النّاس في الوحل مشينا في الوحل، وإذا مشوا على الماء الصافي مشينا معهم، لم يكن لدينا موقف، ولم نملك التّقوى، وكنّا ننكر يوم القيامة مستهزئين، وهم يردّدون: مَنْ ذهب إلى الآخرة وعاد ليخبر ما رأى؟

ولذلك، علينا أن نملأ ذهنيّتنا بثقافة القرآن، ونرفض كثيراً من المواقف التي تتستّر على الذين لا يصلّون، ولا نقبل بتلك المقولات بأنَّ فلاناً "آدميّ" وطيِّبٌ، وليس من مشكلة صلّى أو لم يُصلِّ. إنّنا نقول، كيف يكون طيِّباً ويتمرّد على الله، أو كيف يكون خَيِّراً ويتكبّر على الله، وكيف يكون كريماً ويترفّع عن الخضوع لله؟ إنَّ مسألة تقويم النّاس لا نأخذها من الآراء الشعبيّة، إنَّما نأخذها من القرآن الكريم الذي يحدِّد لنا خطَّ السير والمنهج الأصوب، لتكون حياتنا كلُّها لله وفي سبيله.

مبدأ الشورى

ونعود إلى الذين {اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}. مجتمع هؤلاء مجتمع الجنّة وهم في الدّنيا، فليس مجتمعُهم مجتمعَ الاستبداد الذي يتفرّد فيه الإنسان برأيه، ولا يفكِّر أحدهم في أنَّه هو الذي يفهم، وأمّا الآخرون فمحتاجون إلى عقله، وليس بحاجة إلى عقل أحد. فالذي هو من أهل الجنّة، يعتبر أنَّ له عقلاً وللآخرين عقولهم، له طريقته، وللآخرين طريقتهم في فهم الأمور، ولا يدّعي أنَّه يعرف الحقيقة كلَّها، بل يعرف جزءاً من الحقيقة، والآخرون يعرفون الأجزاء الأخرى.

ومن هنا، أراد الله لرسوله (ص) أن يشاور المسلمين، وهو الغنيُّ عن المشاورة والرأي، ولكن لينبّهنا نحن، ويعلّمنا كيف نُكوِّن فهمنا في معرفة الأشياء وحقيقتها، فقال سبحانه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

فيا أيُّها الإنسان، عليك في كلِّ أمرٍ يتعلّق بحياتك الشخصيّة أو العائليّة أو الاجتماعيّة أو السياسيّة، أو أيّ أمر ترى فيه مصلحة حياتك، ولم تصل إلى الرأي السّديد في ذلك، أن تستشير النّاسَ من حولك لتجمع آراءَها: "مَنْ شاور الرّجال شاركها في عقولها". فكما أنَّه إذا كنت تملك رأسَ مالٍ صغيراً، وشاركت فيه جماعة، فإنّه ينتج ويتحرّك بشكلٍ أقوى، وإذا بقي مجمّداً عندك فإنّه لا يُنتج شيئاً، كذلك عقلك، فإذا ضممته إلى عقول الآخرين، فإنَّك تحصل على عقلٍ كبير، وتستطيع أن تدرك الحقائق أكثر.

إذاً {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}. فأهل الجنّة ليسوا في الدّنيا بخلاء {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء}[محمّد: 38]، فهؤلاء يبذلون ممّا رزقهم الله إلى مَنْ يحتاج إلى الرّزق، فينفقون على الآخرين كما ينفقون على أنفسهم.

* من كتاب "من عرفان القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية